بعض من أساليب التشويش الفكري بتونس -1
فوزي مسعود
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 15595
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يمكن ان نصنف عمليات التغيير الفكري والثقافي داخل المجتمع التونسي من حيث مقاربتها للواقع حين مخاطبته إلى صنفين:
1- خطاب يحمل توجها لا يناقض المكونات الثقافية و الدينية للمجتمع, إضافة إلى طرح يتسم بالتكامل والأصالة, ولذلك فإن حاملي هذا المشروع المجتمعي يطرحون فكرهم بوضوح, يظهر ذلك في مصطلحات تتسم بالتكامل والثبات وقدرتها على الصمود حين تحليلها, وتسمى هذه العملية -حين تتم- بالتحول الفكري, لتتبعها طريقا واضحا لا إكراه ولا خداع فيه.
2- خطاب يحمل محتوى يناقض المجتمع موضوع التنزيل في عدة مستويات, فمن ناحية أولى فإن أصحاب هذا "المشروع الفكري" ينطلقون في الأساس من تصور رافض للمرجعية الفكرية للمجتمع التونسي وهو الإسلام, وهم يعملون في المقابل على تفتيت هذه الهوية الراسخة عن طريق إضعافها بهويات مصطنعة, وذلك بالبحث في الجذور الأسطورية كالقرطاجنية, والبربرية وحتى الرومانية, حتى يصبح الإسلام والعربية مجرد انتماء من ضمن انتماءات أخرى عديدة.
ومن ناحية ثانية, فإن المحركين لهذا المشروع, يرفضون الإسلام كما تعارف الناس عليه منذ نُزّل, وهم يدارون رفضهم ذلك بعدة أساليب سنفصلها فيما بعد, ولكنهم يتخفون وراء مصطلح يمنع إبراز حقيقتهم وهو مصطلح "العلمانية".
ولما كان حقيقة طرحهم مناقضا للمكونات الثقافية للمجتمع التونسي, فإنهم حينما يتكلمون, يستعملون أساليب تخفي حقيقة ما يقصدون, ولذلك فهي مساعي تتسم بالتالي:
- الغموض
- الخلط
- المخادعة: حيث يقولون شيئا ويقصدون شيئا آخر
- السطحية: عمليات الخداع تحمل بطبعها عوامل نقضها, والخداع لا يدوم إلا بدوام غفلة المتلقي عن الانتباه لما يقال له, ولذلك فان أي مصطلح يستعمله هؤلاء يظهر تهافته و تناقضه حين إخضاعه لأقل تحليل. ويمكن أن نسمى هذه العملية بالتحويل الفكري (عكس تحول), أي أن هناك عامل خارج عن إرادة الفرد هو المسئول عن إحداث التحول الفكري والثقافي لديه, لكأنه نوع من الإكراه على تتبع مسار معين يساق إليه الفرد.
تستعمل الأطراف العلمانية في تونس العديد من الآليات لتمرير الأفكار والسلوكيات التي لا تلقى قبولا من طرف المجتمع, سنرى هنا بعضا من تلك الأساليب مع إعطاء أمثلة من الاستعمالات الشائعة في تونس. علما أن هناك أساليب أخرى لن نتطرق إليها.
1. أسلوب التحريف:
هذا الأسلوب / الآلية يقوم على استعمال لفظ بشكل محرف, وذلك عن طريق استغلال حقيقة جهل عامة الناس بمعنى ذلك المصطلح. واللجوء لبعض المصطلحات يتم لأنها تحمل مخزونا وطاقة في لاوعي الفرد, يريد هؤلاء "العلمانيون" المشبوهون استعمالها لتمرير أهدافهم الحقيقية.
من أمثلة استعمال هذا الأسلوب:
لفظ التسامح: يستعمل هذا المصطلح بكثرة من قبل بعض وسائل الإعلام و بعض الأطراف المشبوهة حينما يحسون أن ما يقومون به من أنشطة, تناقض الخلفية الدينية للمجتمع التونسي, فيبادرون بالقول أنه يمكن قبول أنشطتهم تلك اعتمادا على أن الإسلام متسامح.
يستعمل هذا المصطلح مثلا للرد على من يطالب بمنع حفلات المجون, فيقولون يجب التسامح مع هذه الحفلات لأن الإسلام دين تسامح, أو حين يطالب البعض بمنع بث لقطات منافية للأخلاق في وسائل الإعلام, فيقال له لتكن متسامحا لأن الإسلام دين تسامح..
و هنا يمكن أن نشير للنقاط التالية:
- يقوم هؤلاء المشبوهون بتحريف مصطلح التسامح عن معناه الحقيقي لتمرير الانحرافات, مستغلين عدم قدرة الفرد في خضم الانشغالات اليومية على التدقيق في المعنى الصحيح أو الرد على تحريفهم.
- كما هو معروف فإن التسامح المعني في الإسلام لا يقصد به التسامح مع الفساد والانحرافات, فالفرد المسلم مطالب بان يقوم بالنهي عن المنكرات او السكوت عليها مع الإنكار بالقلب في أضعف الحالات وهو أقل الإيمان, ولم يرد أبدا القول انه يجب أن تتسامح مع المنكرات, أو أن تقبل بوجودها.
- عادة ما يبادر هؤلاء الأطراف من تلقاء أنفسهم إلى إلحاق لفظ التسامح بأنشطتهم, وهو ما يؤكد على أنهم يعرفون أن أنشطتهم تلك يُنظر إليها بعين الريبة و لا يمكن إخفاءها بأي وسيلة دعائية, فيستبقون الرفض الشعبي بالقول انه يجب النظر بتسامح لما يقومون به. مثل ذلك أن الكثير من الأنشطة الموسيقية المثيرة للجدل التي تنتهي عادة بحفلات مجون كالمهرجانات او الحفلات الفردية, تقوم بقرن لفظ التسامح بحفلاتها: مثل لبعض العناو&;;#1610;ن لمعلقات تستعمل في تونس "موسيقى وتسامح", "الشباب تسامح"..(أقيمت في المدة الاخيرة بتونس حفلة كبيرة لأنواع عديدة من الموسيقى المثيرة للجدل: الروك, هيفي ميتال.. وقد رفعت المعلقات الإشهارية لهذه الحفلة لفظ التسامح, مع العلم ان هذه الموسيقى ومشتقاتها تلقى رفضا في المجتمع التونسي وتتهم أنها واجهة لأنشطة عبدة الشيطان وانها السبب في العديد من الانحرافات الإخلاقية).
إذن يقع تحريف مصطلح نبيل, لغرض تمرير سلوك أو نشاط مشبوه يلقى رفضا من المجتمع.
2. أسلوب الإخفاء و التَّلْبيس:
يستعمل هذا الأسلوب لتمرير فكرة خبيثة أو الدعوة لنمط من الانحرافات بطريقة غير مباشرة وذلك عن طريق عدم ذكر الهدف المقصود, والعمل بدلا عن ذلك على التكثيف من ذكر فكرة نبيلة أخرى, يكون دورها العمل على إخفاء المقصود الحقيقي. ويرتكز نجاح هذه الأسلوب على معطى يكاد يكون دائما صحيحا وهو عدم جرأة الناس على رفض فكرة ظاهرها حسن, خشية من أن يقع صدهم و التهجم عليهم.
من أمثلة استعمال هذا الأسلوب:
2.1- مصطلح "أم عازبة": لا يوجد في اللغة العربية معنى لمثل هذا المصطلح, فالأم لا يمكن أن تكون عازبة مادامت قد تزوجت, والعازبة لا يمكن أن تكون أما مادامت لم تتزوج. وهذا مصطلح جديد استحدثه أناس يريدون أن يشيعوا الفاحشة في المجتمع, والمعنى المقصود هنا هو أن تنجب فتاة عن طريق الزناء وتنجب سفاحا, مثل هذا الوضع له مرادفات عديدة في اللغة العربية, كلفظ زانية, أو عاهرة, أو مغتصبة, على حسب أن تكون الفتاة مسؤولة او لا عن عملية الزناء وهل هي محترفة أو لا.
ويستعمل هؤلاء" العلمانيون" مصطلح " أم عازبة " لتجنب الشحنة السلبية التي تحملها الفاظ زانية, أو عاهرة, ويمثل هذا مساندة غير مباشرة لمن يأتي بمثل هذه السلوكيات, وهو كذلك محاولة للعمل على إدماج المنحرفات في المجتمع ومن ثَمّ الترويج لممارساتهن, حتى يصبح ينظر للزانية والزناء على انه شيئ عادي, مادامت التي تنجب من الزناء سيقع العناية بها ومعاملتها كأم, عوض أن يقع اعتبارها مجرمة وتعاقب أو في أقل الحالات يقع عزلها. مع التذكير أن الفرد المسلم مطالب بان لا يتعاطف مع الزناة, وأن لا تأخذه بهم رأفة في دين الله, وهو ما لا يقع إظهاره والتنبيه إليه في وسائل الإعلام.
إذن يقع إخفاء جريمة الزناء بإبراز فكرة أن الزانية هي أيضا أم, وبالتالي تستحق الشفقة والتعاطف بدلا من الرفض والإنكار, وهذه الآلية / الأسلوب يعمل على نشر الانحرافات الجنسية والتشجيع عليها بطريقة غير مباشرة.
2.2- عمليات الحماية من السيدا / الإيدز: حين العمل على التحسيس ضد مرض الإيدز, يقع تصوير المصابين على أنهم مساكين عوض تصويرهم على أنهم جناة حصدوا ما كسبت أيديهم, كما يكثرون من القول أن المرضى يصابون عن طريق الحقن أو عن طريق رضاعة الصغير وغير ذلك من طرق الإصابة النادرة, ولا يتم التطرق إلى حقيقة أن أغلب الإصابات تكون نتيجة انحرافات (الشذوذ الجنسي, تعدد العلاقات الجنسية المحرمة...), وأن الإصابات عن طريق الرضاعة وأخطاء الحقن الطبية تمثل نسبا صغيرة. هذا من جانب, أما الجانب الآخر فهو حين الحديث عن الوقاية, فعوض العمل على مقاومة أسباب الانحرافات الجنسية, يقع العمل بدلا عن ذلك على التشجيع على الزناء بتوزيع الواقيات الذكرية. وهكذا تنقلب حملات التوعية ضد السيدا, إلى حملات لتشجيع الزناء, ولكأن لسان حال القائمين على مثل هذه الحملات يقول: إلى من يريد أن يزنى وهو متردد, نحن نوفر لك وسائل تضمن لك القيام بذلك بدون أضرارا صحية ومجانا فوق ذلك.
إذن يقع إخفاء حقيقة أن الانحرافات الجنسية هي المسببة في الأمراض ومنها السيدا, ويقع بدلها التشجيع على الزناء بتوفير الوسائل وتهيئة العوامل النفسية لذلك, بالعمل على الحد من الرفض الاجتماعي للممارسات الجنسية المحرمة, وتكسير حواجز الرفض عن طريق القول أن الانحرافات شيء عادي, يجب أن يعامل القائمون بها بتعاطف, عوض أن يحاسبوا ليكونوا عبرة لغيرهم.
3. أسلوب "الحد الادنى" الدفاعي:
يستعمل هذا الأسلوبي الدفاعي من طرف العلمانيين و من والاهم حينما يصطدمون بصدّ شعبي لممارساتهم, فيلجئون للمحاججة بما يقع إلا نادرا (الحد الأدنى من تواجد الظاهرة الموضوع) ويمكن أن يمثل الجانب الخيّر من فعلهم, وبذلك يمكنهم إسكات عمليات النقد, كما إنهم يظهرون أنفسهم على أنهم دُعاة فضيلة وخير.
من أمثلة استعمال هذا الأسلوب:
* الدفاع عن الانحرافات الأخلاقية: في نطلق دفاعهم عن النساء الزانيات, يؤكد هؤلاء المشبوهون (المنظمات النسوية خاصة) حقيقة أن هناك بعض النسوة كن ضحية عملية اغتصاب, وبالتالي فهن مسكينات لا ذنب لهن, ويجوز الدفاع عليهن, بل و حتى إطلاق ألفاظ مخففة بحقهن داخل المجتمع كمصطلح "أم عازبة", وهذا الأسلوب المخادع يخفي التالي:
- يقع استغلال حقيقة ذات نسبة تواجد ضعيفة وتعميمها على باقي الحالات, إذ ليس كل المنحرفات وقع اغتصابهن.
- هذا الأسلوب يمثل عملية خداع للرأي العام وتشويها مقصودا لبلادنا, لأنه يعطي الانطباع أن كل المنحرفات مغتصبات, وهو لو كان صحيحا لكان يعني كارثة اكبر, إذ معناه أن عمليات الاغتصاب ببلادنا تشهد تواجدا مرعبا, والحال أن أغلب عمليات الانحراف (مقدمات الزناء) والزناء تتم بالتراضي بين الطرفين بدون اغتصاب.
- يظهر استعمال هذا الأسلوب تعاطفا مع الزناة بقطع النظر عن الأسباب, وهو ما يمثل تناقضا واضحا لما هو مطلوب من الفرد المسلم, حيث يجب عليه مقتهم وعدم الرأفة بهم حين عقابهم.
- العمل على استعمال ألفاظ مخففة كام عازبة أو غيرها هو نوع من تخفيف العقاب المعنوي للمخطئ, والذي يمكن أن يكون رادعا مستقلا لو وُجد, إذ يحمل أي لفظ توصف به ظاهرة أو حالة, شحنة رادعة بما تحمله من مسؤولية لذلك الفرد, ونزع ذلك اللفظ يعني نزع ذلك الجزء الرادع.
مثال ذلك, ان كلمة زاني أو عاهرة أو داعرة او مغتصبة لو ألصقت بفرد ستمثل رادعا في حد ذاته عن إتيان الفعل المحرم بقطع النظر عن العقاب القانوني. وقد يجادل بعضهم ويقول ما ذنب المغتصبة في هذه الحالة إذا وافقنا على صحة هذا الكلام في الألفاظ الأخرى؟
أقول أن الشحنات السالبة تبقى متأكدة الفاعلية حتى في أدنى الحالات, إذ المغتصبة ولان كانت ضحية, فهي تتحمل ولا شك جزءا من المسؤولية, كلبسها لباسا متبرجا أو ترددها على أماكن مشبوهة أو تنقلها لوحدها في أماكن خطرة, وإلصاق لفظ مغتصبة بها, يحملها نصيبها من المسؤولية لكي تكون عبرة لغيرها من النساء. و بالطبع لا يعني إتيان الضحية بهذه السلوكيات تبرير عملية الاغتصاب, ولككنا نقصد تفسير العملية والقول أن الاغتصاب تم بمسؤولية الضحية كذلك.
يستثنى من هذا الجانب حالات نادرة لا تكاد تذكر تتعلق بعمليات اغتصاب لا تكون فيه المرأة مشاركة بالمسؤولية.
07-10-2007
|
7-10-2007 / 23:57:58 المهندس