يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم يكن "قاسم أمين" كما هو شائع أول من طرح مصطلح "المرأة الجديدة "New woman حيث صك هذا المصطلح لأول مرة على يد الروائية "سارة جراند" في مجلة "نورث أمريكان ريفيو" عام 1894 كي تعطي إحساسا بالاستياء المعاصر من حياة البيت التقليدية في ظل الزواج والأمومة.
وقد انحدرت فكرة المرأة الجديدة من فكرة فتاة العصر المتمردة التي ابتدعتها "ليزا لين لينتون" في عام 1868، وهكذا فإن "قاسم أمين" لا يخرج عن كونه تابعا مقلدا فيما نقله من أفكار شكلت الأسس التي بنت عليها الحركة النسوية أيدلوجيتها المعاصرة المتمردة على كافة النظم، ومن هنا كان قاسم أمين هو "أول رجل جديد" في العالم العربي والإسلامي.
تحليل المصطلح
دعونا نقترب أكثر من مصطلح "الرجل الجديد" الذي شاعت فكرته في وسائل الإعلام في الثمانينيات من القرن العشرين؛ حيث ركز في بداياته على إعادة توزيع الأعباء المنزلية وواجبات رعاية الأطفال وتفهم أدوار المرأة الجديدة ومظهرها المتحرر من كافة القيود -حيث لا يمثل التعري عيبا أو تجاوزا- ورفض النموذج السائد الذي أطلق عليه لقب "النموذج التقليدي" الذي يشمل قرار المرأة في بيتها، أو عملها بضوابط شرعية، ومظهرها في الملبس، وسلوكها في التعامل مع الرجال وموقفها من الاختلاط بالأجانب وغير ذلك من السمات المميزة للمرأة الملتزمة بالضوابط الشرعية.
ولم يتوقف الأمر عند تلك الأمور؛ فكلما شذ الطرح النسوي شذت معه المرأة الجديدة وصار الرجل الجديد مطالبا بتعديل شخصيته وفق هذا الشذوذ، حيث نجد ذلك متمثلا في الطرح الجنسي للحركة النسوية والذي منه تبادل الأدوار البيولوجية لدرجة رأينا فيها نموذج "الرجل الحامل"، وكانت المبادرة من رجل يحمل الجنين في أحشائه ليريح زوجته من أعباء الحمل بل أصبح الحديث عن عمليات تحويل الأجناس بلا استحياء.
بعد نجاح الحركة النسوية من الوصول إلى مقاليد الأمور في المنظمات الدولية وبخاصة الأمم المتحدة صارت أطروحات وثائق مؤتمرات المرأة العالمية -التي تلتزم بها الحكومات- تعبر عن الطرح النسوي المغالي، كما كرست لنموذج الرجل الجديد؛ فالمادة 27 من منهاج عمل مؤتمر بكين 1995 تنص على ضرورة "قيام الرجل بمسئولية أكبر تدخل في نطاق المهام المنزلية بما في ذلك رعاية الطفل"، وطالب المؤتمر في مادته 107/ج الحكومات وكافة الهيئات الدولية بـ"تشجيع الرجل على تحمل نصيبه بالتساوي في رعاية الأطفال والعمل داخل البيت".
وبالاقتراب من الجوانب الجنسية في طرح الحركات النسوية وأثر ذلك في صناعة الرجل الجديد نجد أن المادة 96 من منهاج عمل بكين تنص على أن "للمرأة حقها في أن تتحكم وأن تبت بحرية ومسئولية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية دون إكراه أو تمييز أو عنف، وعلاقات المساواة بين الرجال والنساء -في مسألتي العلاقات الجنسية والإنجاب بما في ذلك الاحترام الكامل للسلامة المادية للفرد- تتطلب الاحترام المتبادل والقبول وتقاسم المسئولية عن نتائج السلوك الجنسي".
هذه المادة أخرجت نتائج تقنينية في غاية الخطورة على المنظومة الإنسانية، منها تقنين الشذوذ وكذا وضع قيادة العملية الجنسية في يد المرأة دون ضوابط، فالضابط الوحيد هو ما تمليه عليها حريتها الشخصية، وعلى الرجل أن يكون "جديدا" بأن يتفهم تصرفات المرأة في هذا الشأن، فإذا دخل الرجل على زوجته أو خليلته -دون تفريق بين وضع الاثنتين- ووجدها تشبع رغبتها وفق رؤيتها فإن عليه ألا يمارس أي إكراه أو تمييز أو عنف بل عليه أن يتحلى بالاحترام والقبول".
نتج عن هذا الطرح اصطلاح جديد وهو اصطلاح "اغتصاب الزوجات"، وهو ببساطة شديدة: إذا طلب الزوج زوجته وهي غير راغبة وجاءته مكرهة فإن ذلك يعد اغتصابا، وإذا طلبت الزوجة أمرا رفضه الزوج لاصطدامه مع نص ديني والتزم بالتنظيم الشرعي في هذا الشأن فإنه يعد مغتصبا لزوجته، وعلى إثر ذلك تلزم الوثائق الدولية الحكومات أن تسن التشريعات التي تجرم الزوج وتعاقبه، وأن يكون هناك نظام خاص في الشرطة بحيث إنه في حالة تعرض الزوجة لهذا الأمر تتصل برقم معين ليأتي الشرطي ويلقي القبض على الزوج بعد سماع القصة تفصيليا، أما إذا صار الزوج رجلا جديدا وسلم القيادة كاملة فسينجو من العقوبات.
خطوة مضادة
أمور غريبة على الآذان والأذهان، لكن الغرابة تزول إذا عرفنا أن تلك المطالب الواردة في وثائق الأمم المتحدة الرسمية قد وقعت عليها كافة الدول الإسلامية وهي بصدد تعديل تشريعاتها وفق نصوصها، وهناك دول عربية الآن بها مشروعات قوانين تتضمن صراحة عقوبات لاغتصاب الزوجات.
أما الدول التي لا تتناول الاصطلاح مباشرة فهي تستخدم مصطلحات مرنة وغير غريبة على المسامع بل مستساغة أحيانا مثل ما صار يعرف بـ"العنف ضد المرأة" و"العنف الأسري" بصورة خاصة الذي يشمل اغتصاب الزوجات وذلك كما هو واضح في الوثائق الدولية.
والدور الآن مسند إلى الدكاكين النسوية في العالم العربي والمعروفة بمنظمات المجتمع المدني النسوية الليبرالية والتي تحصل على المنح الأجنبية من أجل متابعة وتمرير مقررات تلك المؤتمرات وكلما بذل مجهود أكبر زادت المكافآت.
إن الأمر جد وليس هزلا، فالقوانين تسن على قدم وساق والمناهج التعليمية تعدل وفق الرؤية النسوية حيث يتم التركيز على تخريج أطفال وشباب جدد، بل إن الرجال الجدد أصبحوا بكثرة وضاعت النخوة من بيوت عديدة وكادت البضاعة الرديئة تطرد البضاعة الجيدة من السوق.
لذا لا بد من وقفة جادة أمام هذا الطوفان الذي أزعج الرجال في الغرب مما دفعهم لإنشاء جمعيات لحقوق الرجال تناهض تلك الثورات النسوية على النظم الاجتماعية والأخلاقية.. إننا لا نطالب بإنشاء جمعيات من هذا القبيل لكن ببساطة شديدة نطلب من كل ذكر في العالم العربي والإسلامي أن يسأل نفسه سؤالا واحدا هو: هل هو رجل؟.
وقبل أن يتسرع في الإجابة فعليه أن يفهم ضوابط الرجولة ويسقطها على نفسه ليرى مدى رجولته وعندها سيجد أن معايير الرجولة ضبطت معها حياة النساء وضمنت بذلك السعادة المتبادلة بالعيشة الهنية.
هذا هو المطلب الحالي من الرجال حتى لا يصبحوا رجالا جددا، سواء شاءوا أم أبوا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: