مفهوم الحياة في القرآن الكريم
أ.د. الشاهد البوشيخي
إننا نعيش حضاريا مرحلة في غاية الخطورة والصعوبة، نعيش مرحلة أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: "يُوشك الأممُ أن تَدَاعَى عليكم كما تَدَاعَى الأكَلَة إلى قصعتها" (رواه أبو داود). حديث القصعة وحديث الغثاء على طوله، يحدد في الحقيقة ملامح الواقع، كما يحدد الداء ويصف الدواء، ويحدد الداء في الوهن ويصف الدواء في عكسه، ويحدد الداء في حب الدنيا وكراهية الموت، ويحدد الدواء في خلاف ذلك. وفي الآية: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(آل عمران:165)، إشارة إلى هذا الموضوع وإلى غيره.. وإن تسليط غير المسلمين على المسلمين إنما هو من البلاء الذي يعاقب به المسلمون على خلل فيهم.
لقد أُخرجت الأمة إلى الناس بالقرآن الكريم، وبه صارت خير أمّة أخرجت للناس، وبه كانت وحضرت في التاريخ، وفعلت ما فعلت من خيرات.. فهل هو الآن في المكان اللائق به؟


فساد التصور سبب فساد الواقع
ما سبب عدم بقاء الأمة في موقعها من الشهادة على الناس، وما سبب تدحرجها من موقع الشاهد إلى موقع المشهود عليه؟ إن خللاً ما وقع في الصلة بينها وبين القرآن، وهي أن لألفاظ كتاب الله عز وجل مفاهيم، ولمجموع تلك المفاهيم نسَقاً عاما يمثِّل صورة الإسلام بكاملها، ولا يمكن أن يتم التمكّن من ذلك إلا بدراسة هذه المكوِّنات لذلك النسَق العام، ولتلك الصورة الكاملة.

لا يمكن الفهمُ إلا بهذا الفهم، فهمِ الأجزاء ثم فهمِ الكلّ تبعاً لفهم الأجزاء. ولا سبيل إلى صنع واقعٍ قبل صنع تصوّر صحيح لما ينبغي أن يكون عليه هذا الواقع. إن فساداً في التصور السليم لمفاهيم ألفاظ كتاب الله عز وجل قد ساد، والحاجة ماسةٌ الآن إلى تجديد فهم هذه الألفاظ، ماذا يريد بها الله عز وجل منّا أفراداً ومؤسسات وأمةً؟

لفظ الحياة في كتاب الله عز وجل
ولهذا اللفظ تصوران مختلفان في ا...