البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

قطوف رمضانية من عهد المماليك

كاتب المقال د.محمد فتحي عبد العال - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2082


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في العصور المملوكية بلغت العناية بالتجهيز لشهر رمضان والأحتفال به درجة هائلة لا يضاهيها عصر أخر من حيث المظاهر الرمضانية المميزة بالفخامة والابهة والاسراف ومع بدايات رمضان كانت أقدام المصريين تتجه بهم نحو "الخوانق" أو بيوت الصوفيين ، والتي كانت تمثل أكبر منازل الاحتفاء الديني برمضان، يحتشد فيها الصوفيون لأداء الصلوات الخمس والتراويح وقراءة القرآن في خشوع واجلال يخطف الأنظار والقلوب . ومن اشهرها خانقاة سعد الدين ابن غراب وبحسب طبيعة هذه العصور كانت بيوت الله تبني بأموال حرام ومع ذلك كانوا يبنونها طمعا في الجنة!! وابن غراب بحسب أحد معاصريه "كان غداراً، لا يتوانى عن طلب عدوه ولا يرضى من نكبته بدون إتلاف النفس، فكم ناطح كبشاً وئل مكانة وعالج جبالاً شامخة واقتلع دولاً من أصولها الراسخة، وهو أحد من قام بتخريب إقليم مصر برفعه سعر الذهب.."
لم يكن الناس علي قلب واحد فيما يتعلق بمسألة الألتزام بالصيام في رمضان فقد كانت النساء البدينات - وهو الذوق المطلوب في هذه العصور- يتجنبن الصيام خشية فقد أوزانهن وخاصة الأبكار منهن !! حيث كن يتعاطين وصفة بلدي مكونة من أكل الطين والطفلة الطينية مع بعض الادوية من العطار حتي يزدادو وزنا ومن الطريف أن نائب السلطان برقوق الأمير كَمشبُغا في شهر رمضان سنة 784هـ حينما وجد النساء يرتدن المقابر بثياب واسعة الأكمام فقد عين من يقطع لهن هذه الأكمام الواسعة !!!

كان المماليك أول من خصصوا في حجج أوقافهم العقارات والأطيان الزراعية لينفق ريعها في إقامة الشعائر الدينية وتوزيع الحصص المالية علي الفقراء وطلبة العلم والمساجد طوال أيام رمضان .وقد كان لشهر رمضان العديد من المظاهر والخصائص المميزة في العصر المملوكي والتي منحته نكهة خاصة .. و أولي هذه الخصائص والمظاهر :طريقة أستطلاع هلال رمضان حيث يجتمع قاضي القضاة و الفقهاء لرؤية الهلال عبر منارة مدرسة المنصور قلاوون بالنحاسين فأذا تثبتوا عادوا وبصحبتهم أرباب الحرف والطوائف متهللين و حاملين الفوانيس والشموع لتتزين القاهرة بمجيئهم بأزهى حلة فقد جاء رمضان و يصف الرحالة ابن بطوطه هذا المشهد وقد زار مصر في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون وذلك مع دخول شهر رمضان حيث نزل عند قاضي مدينة أبيار (عز الدين المليجي الشافعي) قائلاً: (وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي، ويقفُ على الباب نقيب المتعمّمين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه تلقّاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلا: بسم الله. سيدنا فلان الدين! فيسمعُه القاضي ومن معه فيقومون له، ويجلسه النقيبُ في موضع يليق به، فإذا تكاملوا هنالك ركب القاضي وركب من معه أجمعين وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والعبيد والصبيان، وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة، وهو مرتقبُ الهلال عندهم، وقد فُرش ذلك الموضع بالبُسُط والفُرش فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب، وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس، فيكون ذلك دليلًا على ثبوت الرؤية ويوقِدُ أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع، ويصل الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون، هكذا فعلهم كل سنة) . ثم يجلس السلطان علي كرسيه بالقلعة حيث يتوافد عليه المهنئون وفي طليعتهم القضاة الأربعة الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وكبار رجال الدولة ويمكننا أن نري هذا المشهد أكثر مع حوليات عام 920هـ مع وصف المؤرخ محمد بن شهاب الدين بن إياس في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" لموكب الرؤية في عهد السلطان قنصوه الغوري قائلاً: (وأما في ليلة رؤية الهلال فحضر القضاة الأربعة إلى المدرسة المنصورية، وحضر الزيني بركات بن موسى المحتسب، فلما ثبتت رؤية الهلال وانفض المجلس ركب بركات من هناك. فتلاقاه الفوانيس والمنجانيق والمشاعل والشموع الموقدة، فلم يحص ذلك لكثرته. ووقدوا له الشموع على الدكاكين وعلقوا له التنانير والأحمال الموقدة بالقناديل من الأشاطيين إلى سوق مرجوش إلى الحباشية، إلى سويقة اللبن، إلى عند بيته). ثم يتوجه القضاة الأربعة والمحتسب إلى السلطان، لتهنئته بحلول شهر رمضان. ثم يعرض الوزير والمحتسب اللحم والدقيق والخبز والسكر والبقر والغنم على السلطان ..ولا يخلو الأمر من طرافة فقد حدث أن ثبت الهلال مع انتصاف النهار في عصر السلطان برقوق فحدث اضطراب شديد و سارع قاضى الشافعية بالنداء بالإمساك بعد أن كان الطعام قد وضع على الموائد ،كما طرد السلطان مدعويه، وأمر برفع الصحاف ،و أعلن الصيام ، و لم يكن باقيا على المغرب سوى بضعة ساعات !! وفى عصر السلطان ” الغورى” حدث خلاف علي رؤية الهلال بين الجراكسة و شيوخ الأزهر ، ففيما أعلن الجراكسة ومعهم الوالي أنهم رأوا الهلال من فوق مآذن مسجد المتولي وساد الأحتفال الناس فكبروا وأوقدوا المشاعل ابتهاجا،ففي المقابل أعلن القضاة الاربعة ومشايخ الازهر أنه لا أثر للهلال وصاح أحد المشايخ في الناس : ” أطفئوا المصابيح يا حرافيش، أتصدقون الجراكسة وتكذبون العمائم؟ فأطفأ الناس المشاعل، ومع اتساع المواجهة بين الطرفين عاد الجراكسة ومعهم مزيد من الجند وأصروا أنهم رأوا الهلال، فأوقد الناس المشاعل مرة أخري ، فصاح المشايخ ” أيعلمنا الجراكسة أمور ديننا ؟ ” فأطفأ الناس المشاعل وأوقدوها وأطفأوها عدة مرات واحتدم الأمر مع أمساك أحد الجراكسه لذقن أحد المشايخ فأوسعه الشيخ ضربا بالمركوب وانطلقوا جميعا الي السلطان ليحكم بينهم وكان السلطان في موقف لا يحسد عليه فالسماء أعلاه مظلمة ولو أقر بصحة المشايح فسيغضب الجراكسة وهم أعوانه فمال الي الجراكسة وأقر انه لمح الهلال وباتت القاهرة منقسمة بين صائم ومفطر .

ومع انهيار الحكم المملوكي وتولي العثمانيون فقد أوكلوا الي قاضي حنفي تركي مهمة استطلاع الهلال وبحسب ابن اياس فقد كان القاضي جاهلا بالقواعد الفقهية المنظمة لاستطلاع الهلال، حتى وصفه معاصروه بأنه كان "أجهل من حمار " وقد شهد استطلاع هلال شهر رمضان لعام 924 هجرية (الموافق 1518 ميلادية) تضاربا وتخبطا في تحديد أول أيام الصيام وأول أيام عيد الفطر، حتى أن أهالي الإسكندرية ودمياط صاموا قبل سكان القاهرة بيوم، وقد ذكر ابن إياس أن "الناس في مصر المحروسة (القاهرة) صاموا يوم السبت، بينما صام أهالي الإسكندرية ودمياط يوم الجمعة، ولم يعلم الناس بهذا الخطأ إلا بعد انقضاء أيام العيد".وعندما علموا هاجم الشعراء القاضي التركي فقال أحدهم:

يا قاضيا بات أعمي

عن الهلال السعيد

أفطرت في رمضان

وصمت في يوم عيد..
ومن المظاهر الأخري انتشار أمامة الغلمان للتراويح ووصل الأمر الي الحرم المكي ذاته وهو من الظواهر الفريدة في التاريخ الاسلامي من حيث الكثرة والانتشار ومن أشهرهم الإمام سراج الدين البُلقيني والذي صلّى بالناس وعمره عشر سنوات بعدما أتم حفظ القرآن الكريم. والامام ابن حجر العسقلاني والذي صلّى بالناس التراويح في وعمره لم يتجاوز اثنتا عشرة عاما والحال كذلك مع العلامة سبط ابن العجمي برهان الدين إبراهيم بن محمد الحلبي..وهي من المظاهر الحسنة في العهد المملوكي والتي أفرزت العديد من الأئمة التاريخيين في هذه العصور ... وكانت مدة صلاة التراويح تتفاوت ما بين السرعة الشديدة حتي جاء وصفها بالصلاة المسلوقة ومنهم أحمد بن عبد الله الدوري المكّي، أحد فرّاشي الحرم المكي، قال عنه السخاوي: (كان يُصلِّي بالنَّاس التَّراويح فيصلِّي معه الجم الغفير لمزيد تخفيفه، ويلقبِّون صلاته المسلوقة ) أو تأديتها ببطء شديد إلى قُبيل صلاة الفجر، منهم تقيّ الدّين عبد الرَّحمن بن أحمد بن عليّ المعروف بابن الواسطيّ، وكان عارفًا بالقراءات ، ويقرأ بالمصحف في الجامع الأزهر ويقوم في رمضان بعد التَّراويح إلى طلوع الفجر.

ويبدو أن تجربة السلطان المملوكى حشقدم لأحد المدافع الجديده قد دخل به وبعمله هذا التاريخ من أوسع أبوابه حيث صادف إطلاق المدفع وقت الغروب فى أول يوم رمضان فظن الناس أن السلطان قد استخدم المدفع في سبيل تنبيه الصائمين إلى موعد الإفطار فخرج الناس فى جموع لتقديم واجب الشكر للسلطان علي صنيعه مما دفع السلطان الي تخصيص مدفعين واحدا للافطار والاخر للسحور وصار تقليدا حتي يومنا هذا .

وكان المسحراتي أحد ابرز المظاهر الرمضانية فكان يطوف القاهرة بصوته بينما في الاسكندرية كان يطرق على الأبواب قائلا:ً (قوموا كلوا) وذلك بحسب الرحالة المغربي ابن الحاج والذي زار مصر في عهد الناصر محمد بن قلاوون ..ويعود الفضل للظاهر بيبرس في حماية هذه المهنة من الأندثار باجتذاب عدد من العامة وصغار رجال الدين للقيام بها .

الطريف في المظاهر الرمضانية في العهد المملوكي هو ختم صحيح البخاري كل عام في مقر الحكم بالقلعة في حفل كبير يحضره السلطان والقضاة الاربعة والفقهاء وكبار موظفي الدولة، ويتم توزيع الخلع والهبات على العلماء والفقهاء وطلبة الأزهر والأيتام والأرامل .يقول ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة»: (كانت العادة من أيّام الأشرف شعبان بن حسين (ت 778هـ) أن تبدأ قراءة البخاري في أول يوم من شهر رمضان، ويحضر قاضي القضاة الشافعي، والشيخ سراج الدين عمر البلقينىّ وطائفة قليلة العدد لسماع البُخاري، ويختم في سابع عشرينه، ويُخلع على قاضي القضاة، ويركب بغلة بزنّاري (غطاء من الصوف للبغلة أو الفرس) تُخرج له من الإسطبل السلطاني، ولم يزل الأمر على هذا حتى تسلطن المؤيَّد شيخ (ت 824هـ) فابتدأ بالقراءة من أول شعبان إلى سابع عشرين شهر رمضان، وطلب قضاة القضاة الأربعة ومشايخ العلم وقرّر عدّة من الطلبة يحضرون أيضا). وأحيانا كانت تناقش وسط هذا الجمع بعض المسائل الفقهية ولربما تطور الأمر الي مالايحمد عقباه مثلما حدث عام 1434م في حضور السلطان الأشرف برسباي حيث أمر بإحضار «الفلقة والعصا» في المجلس لتأديب المتشاحنين المتجاوزين . ثم جاء السلطان جقمق ليمنع أية مناقشات في مجلس قراءة صحيح البخاري.

وكانت القناديل أو الفوانيس تضيء المساجد والشوارع ليلا وقد اقترح العلماء علي السلطان برسباي عدم أطفاءها الي طلوع الفجر لتكون علامة للناس علي اخر وقت للسحور فإن أطفئت الفوانيس بدأ الصيام.

ومن عادات السلاطين الطريفة في رمضان فتح الابواب لشكاوي الشعب في عهد السلطان " برقوق " ومن العادات الاخري طلب الفتوي من العلماء ومن أغربها ما أقدم عليه السلطان " الأشرف أبو المعالى "والذي استدعي شيوخه ذات يوما علي عجل وكان بصحبته وزيره (منجك) فأبتدرهم الوزير والهدوء علي وجهه : (السلطان يريد فتوى لإفطار رمضان ) فساد الوجوم وكأن علي رؤوسهم الطير واحتقن وجه السلطان غضبا وهو يصيح: (هيه يا مشايخ، ماذا تقولون؟ ) فراح القاضى المالكى يسرد عليه أحكام الصوم و مبيحات الافطار ، و لكن ليس فيها ما بيبح للسلطان الافطار ، فغضب السلطان قائلا : (أنا مريض يا مشايخ ، ضعيف ) ثم اهتدى أحد المشايخ إلى الحل، فليسافر السلطان فالسفر عذر شرعي مبيح للإفطار وهنا تهلل وجه السلطان ووزيره ومن فوره سافر لتفقد قلاع الإسكندرية و دمياط ثم رحل بعد ذلك إلى الشام !!..أما السلطان قلاوون فكان يشغله ليلة الرؤية فتوي اعادة بناء كنيس لليهود بفلسطين ايلة للسقوط وكانت المعضلة: (هل يجوز هدمها لهذا السبب دون أن يعد ذلك اعتداء على أهل الكتاب، أم يعاد بناؤها كما كانت من قبل؟).وشهد الأمر انقساما بين الحضور حيث أفتي البعض بجواز هدمها ما دام وجودها علي هذه الحالة يعد خطرا، وبعضهم حبذ إعادة تجديدها وظل السلطان في حيرة!!!ولو عرف ما تخبيء الأقدار لهذه الامة لهدمها واراح واستراح !!!

كما اعتاد سلاطين المماليك إعتاق ثلاثين عبدا في رمضان والأفراج عن بعض المساجين الا أن قاعدة العفو لم تكن دوما علي نفس الوتيرة لدي السلاطين المماليك فقد استخدام السلطان فرج بن برقوق قاعدة العفو في رمضان لتكون حيلة لاجتثات معارضيه من المماليك الظاهرية (مماليك أبيه) حيث أطلق المنادين في القاهرة بأن المماليك المختفين يظهرون وعليهم أمان الله، وأنهم عتقاء شهر رمضان وكلما ظهرت مجموعة كان يقبض عليهم في سرية تامة ودون أشعار الأخرين ويقول المقريزي انه لم يمض الشهر الكريم إلا وكان أكثر من اربعمائة مملوك في السجن، ويذكر صاحب كتاب 'النجوم الزاهرة' انهم سجنوا جميعا في سجن القلعة، ولهذا لم يأمنه بقية المماليك بعد ذلك . ومن أغرب العادات السلطانية في رمضان عادة تربية الحمام لدي السلطان حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون وكان قدوم شهر رمضان فرصته حيث انشغال الناس بالصيام والاحتفالات، فيأمر كبار رجال الدولة بعدم الحضور إلى قصره حتى ينتهي شهر رمضان؛ حتي يتسني له اللعب بالحمام مع أوباش الناس حيث يتعري ويلبس ثياب جلد ويصارع معهم ، ويصف ابن تغري بردي ذلك قائلاً: (أعاد حضير الحمام وأعاد أرباب الملاعيب من الصّراع والثقاف والشباك، وجري السّعاة، ونطاح الكباش، ومناقرة الدّيوك، والقمار، وغير ذلك من أنواع الفساد. ونودي بإطلاق اللعب بذلك بالقاهرة، وصار للسلطان اجتماع بالأوباش وأراذل الطوائف من الفراشين والبابية ومُطيّري الحمام، فكان السلطان يقفُ معهم ويُراهن على الطير الفلاني والطيرة الفلانيّة. وبينما هو ذات يوم معهم عند حضير الحمام، وقد سيّبها إذ أذّن العصرُ بالقلعة والقرافة فجفَلت الحمام عن مقاصيرها وتطايرت، فغضب وبعث إلى المؤذّنين يأمرهم أنهم إذا رأوا الحمام لا يرفعون أصواتهم، ويلعب مع العوامّ بالعصىّ، وكان السلطان إذا لعب مع الأوباش يتعرّى ويلبس تبّان جلد، ويُصارع معهم ويلعب بالرّمح والكرة، فيظلّ نهاره مع الغلمان والعبيد، وصار يتجاهر بما لا يليق به أن يفعله). أما السلطان بيبرس والذي شهد عصره طفرة عسكرية فقد كان حريصا علي متابعة التدريبات العسكرية في رمضان ، وكان يُعطي الهدايا والجوائز لمن يرى فيه القوة والمهارة، قال المقريزي: (رسم للعسكر بالتأهّب للعب القبق (الرمي بالرماح على هدف عال) ورمي النشَّاب (السهام) فيكب من كل عشرة فارسان في أحسن زيهم وقت الحرب، وركب السُّلطان في مماليكه ودخلوا في الطعن بالرِّماح، ثمَّ أخذ السُّلطان الحلقة ورمى النشاب، وجعل لمن أصاب من الأمراء فرسًا من خيله الخاص… فاستمرّ ذلك أيَّامًا تارة يكون اللّعب فيها بالرُّمح وتارة بالنشاب وتارة بالدبابيس (آلة كالبلطة) وفرق السُّلطان فيها من الخيل والبغالطق (قمصان تلبس أسفل العباءات لا أكمام لها) جملة. وساق السُّلطان يومًا عادته في اللّعب وسلَّ سيفه فسلَّت مماليكه سيوفها، وحمل هو ومماليكه الخواصّ حملة وحمل واحد واصطدموا فكان منظرًا مهولا، وأطلق السُّلطان من التشاريف ما عم به سائر من في خدمته: من ملك وأمير ووزير ومقدمي الحلقة والبحرية ومقدمي المماليك والمفردية ومقدمي البيوتات السُّلطانيَّة وكل صاحب شغل وجميع الكتاب والقضاة وسائر أرباب الوظائف).

أما عن عطايا السلاطين المماليك في رمضان فحدث ولا حرج فالسلطان برقوق اعتاد أن يذبح كل ليلة خمسة وعشرين بقرة ليتصدق بلحومها، فضلا عن توزيع الخبز على أهل المساجد والروابط والسجون، بحيث يحصل كلَّ فرد علي قدر معين هو رطل لحم مطبوخ وثلاثة أرغفة ، ويذكر المقريزي أن الظاهر بيبرس كان «يُطعم كل ليلة من ليالي شهر رمضان خمسة آلاف نفس» كما شهد عصر قلاوون ألوانا من التوسعة على العلماء فكانت تصرف لهم رواتب إضافية في شهر رمضان ، وقد وصل الكرم في توزيع السكر الي أقصي مداه حيث بلغت كمية السكر المنصرفة لصنع الحلوي (مثل القطايف والكنافة ) في عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون عام 745هـ ثلاثة آلاف قنطارا قيمتها ثلاثون ألف دينار منها ستون قنطارًا في كل يوم من أيام رمضان..ومن أغرب ما يتعلق بالعطايا ما هم به السلطان «الأشرف شعبان» والذي فكر بالتوسعة علي الفقراء ليكتشف أن الخزينة السلطانية بغرفة نومه قد سرق منها عشرين ألفا من الدنانير الذهبية، وبالطبع دارت الشبهات حول خاصة قصره ليجمع خدمه أن السارقة هي محظيته «خوند سوار باي».وعلي الرغم من ضربها بالسياط فلم تعترف وخرجت من السجن بعد سنوات عدة عجوز فاقدة السمع !! .

أما السلطان الغوري فقد كان الابخل بين كل هؤلاء السلاطين وكانت حينما ترفع له قضايا تستلزم الدعم المالي كان رد السلطان على المشايخ قائلا : "الخزائن فارغة يا مشايخ ، و الجند طلباتهم كثير "، فيعيد المشايخ الكرة لاستعطاف السلطان "فالناس مساكين و عيالهم كثير " فيفحمهم السلطان بعباراته البليغة " العيال لا يملكون إلا البكاء ، و لكن الجند يلعبون بالسيوف و المكاحل يا مشايخ!!!
والي هنا نختتم رحلتنا عبر ليالي رمضان المشهودة في التاريخ المملوكي ..
--------
د.محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث مصري

-------
المراجع
١- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي
٢-بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن اياس
٣-السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي
٤-كتاب المدخل لابن الحاج
٥-تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار لابن بطوطة
٦-كتاب لحظة تاريخ ٣٠ حكاية من الزمن العربي للاستاذ محمد المنسي قنديل


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

رمضان، المماليك، تاريخ مصر، مصر،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-05-2019  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر (2) قم للمعلم
  صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر (1) المواطن والكمسري
  الجديد حول كوفيد 19 : تجارب علاجية تنبئ بالنهاية
  رجل بأمة
  المفكر المستنير
  النحو الواضح
  جزاء الإحسان
  دستور الأخلاق
  كورونا حديث الساعة سين وجيم (4)
  كورونا حديث الساعة... سين وجيم (3)
  كورونا حديث الساعة... سين وجيم الحلقة الثانية
  كورونا.... حديث الساعة سين وجيم
  شهر رمضان وصناعة الأخلاق
  عبقرية الإسلام
  التعديل الجيني... مستقبل مرتقب لنهاية الفيروسات التاجية
  كورونا: أفيجان Avigan، الدواء الواعد
  هل يغدو اكسيد النيتريك طوق النجاة لتعويض النقص في أجهزة التنفس الصناعي؟
  الإعجاز الديني فيما يخص فيروس كورونا
  مضاد الطفيليات والكورونا
  عقار التهاب المفاصل وفيروس كورونا
  هل يتحول دواء التهاب البنكرياس القديم إلى طاقة أمل؟
  هل ينجح دواء الضغط الشهير في التصدي لمضاعفات كورونا؟
  كورونا.. حديث الساعة - سين وجيم
  متحف طوب قابي
  حرب القهوة
  تاريخ سطره ضريح الحب قبر الرومية
  مكتبة مكة المكرمة
  الميثولوجيا بين الأدب وحقائق الدين وحصاد العلم. قصة الطوفان أنموذجا
  قراءة في رواية سوناتا لاشباح القدس
  مسجد لا بالله

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد الطرابلسي، رافع القارصي، د- محمد رحال، سعود السبعاني، أحمد النعيمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحي العابد، محمود سلطان، مراد قميزة، د - مصطفى فهمي، أشرف إبراهيم حجاج، د. مصطفى يوسف اللداوي، وائل بنجدو، د - المنجي الكعبي، رافد العزاوي، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الغني مزوز، محمود طرشوبي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سامح لطف الله، د- جابر قميحة، د. عادل محمد عايش الأسطل، سيد السباعي، د. أحمد محمد سليمان، سليمان أحمد أبو ستة، رشيد السيد أحمد، طلال قسومي، رضا الدبّابي، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد عمر غرس الله، كريم السليتي، حسن عثمان، د. عبد الآله المالكي، د - صالح المازقي، د. طارق عبد الحليم، عبد الله الفقير، أحمد ملحم، د - الضاوي خوالدية، عراق المطيري، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفي زهران، سلوى المغربي، صلاح الحريري، صالح النعامي ، منجي باكير، صباح الموسوي ، د- محمود علي عريقات، حميدة الطيلوش، تونسي، مجدى داود، محمد شمام ، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الله زيدان، يزيد بن الحسين، صلاح المختار، د - شاكر الحوكي ، رمضان حينوني، كريم فارق، جاسم الرصيف، فتحي الزغل، د. أحمد بشير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمود فاروق سيد شعبان، سلام الشماع، المولدي الفرجاني، نادية سعد، د. صلاح عودة الله ، حسن الطرابلسي، إيمى الأشقر، فوزي مسعود ، الناصر الرقيق، الهيثم زعفان، صفاء العراقي، د- هاني ابوالفتوح، عزيز العرباوي، صفاء العربي، عواطف منصور، أحمد بوادي، د - عادل رضا، عمار غيلوفي، عبد الرزاق قيراط ، العادل السمعلي، د - محمد بنيعيش، محمد أحمد عزوز، الهادي المثلوثي، سفيان عبد الكافي، د. خالد الطراولي ، سامر أبو رمان ، فهمي شراب، يحيي البوليني، أ.د. مصطفى رجب، محمد الياسين، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد العيادي، د.محمد فتحي عبد العال، علي الكاش، محمد يحي، فتحـي قاره بيبـان، أبو سمية، خالد الجاف ، محرر "بوابتي"، مصطفى منيغ، عمر غازي، ياسين أحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ماهر عدنان قنديل، أنس الشابي، حاتم الصولي، إسراء أبو رمان، أحمد الحباسي، ضحى عبد الرحمن، علي عبد العال، إياد محمود حسين ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة