رضا الدبّابي - فرنسا / تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5014
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يشهد العالم العربي في هذه السَّنواتِ الأخيرة فوضى عارمة، فالعسكريون لا يُحسنون إلا الانقلابات وتلك هي وظيفتهم الأولى في بلداننا العربية. إنّهم لا يجيدون إلا اغتصاب السلطة وإجهاض الديمقراطية وليس القتال على الحدود وحماية البلاد ضد العدوان الخارجي، فهُم صنّاعُ هزيمة وقَتلَةَ شعوب.
في مصر، قادة الانقلاب يرحِّبون بإسقاط الرئيس المنتخب ديمقراطيا. بدأَت أُولى الانقلابات العسكرية في مصر سنة 1952 إثر ثورة "الضُبّاط الأحرار" على النِّظام الملكي واستمرَّ بذلك الحكم العسكري إلى اندلاع ثورة يناير التي أفْضت إلى إسقاط الدِّكتاتور وانتخاب رئيسٍ شرعي للبلاد. غيرَ أنَّ العسكر ظَلَّ متمسِّكاً بمواقعه وحضورهِ القوي في المشهد السّياسي وأخيراً أطاح الفريق أوَّل، سيسي أحدُ قادة المجلس العسكري بالرئيس المنتخب، ممَّا أدخلَ البلاد في أزمة كبيرة. فهل يستطيع العسكريون استعادة وحدة مصر وإعادة الديمقراطية والشّرعية للشّعب؟
هذا ما يدعيه الجيش، ولكن الواقع هو عكس ذلك. منذ الانقلاب، انخرطت وسائل الإعلام في مساندة المجلس العسكري جهاراً، وعمدت إلى قول الكذب، وهَذا منذ انتخاب مُرسي. كما اشتدَّتْ الدعاية ضد جماعة الإخوان المسلمين لعدة أشهر، وصار خطر الاحتراب الأهلي داهِما. لقد تَسبب الانقلاب في توترات سياسية وازدادت التهديدات ضراوة على التوازن الاجتماعي يوما بعدَ يوم. منذ الإطاحة بالرئيس المدني، تَفَاقمتْ التهديدات بالقتل ضدَّ أنصار الشرعية، فأطلقَ الجيش والشُّرطة المدعومة بالبَلطجية الرصاص الحي على المتظاهرين مما تسبب في سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى. أقرَّ الانقلابيون والشرطة العصابات المأجورة المعروفة بالبلطجية على ارتكابِ القتل وترويع المتظاهرين السّلميين ووفَّروا لها الحماية وذَلِكَ بالتّمويه والسُّكوت على أفعالِها التي ترقى إلى جرائم ضدَّ الانسانية. هناك إرادة خبيثة لدفع أقطاب الصراع السياسي إلى العنف لكسر الوحدة الوطنية عن طريقِ التَّحريض على الكراهية وترويج الأكاذيب وشيطنةِ الآخر والتفنّن في الشتائم ضد الإخوان وأَنصار الشَّرعية وكلّها أدوات قذِرةٌ لِجعل الحياة في مصر غير صالح للعيش المشترك.
وما إنْ أعلنَ السّيسي إلغاء العمل بالُحكم المدني حتَّى شنت الآلة الإعلامية التّابعة للمغتَصِبين حملاتٍ عدائية على أنصار الشّرعية فتصاعدت بذلك لغةُ التّعنيف والتَّشنيع ولعلَّ الغرض من هذه الأصوات هو تحريض البعض ضدَّ البعض وبالتّالي إعلان حرب الكلّ ضدَّ الكلّ في بلدٍ شديد التنوّع السّياسي والدّيني والاجتماعي. مع مرور الوقت، ازدادَ الوضعُ توترا، ووعُورة، ومرارة وخيَّم شبح انهيار الدّولة.
اتَّخذَ الانقلابيون تدابير جذرية لعرقلة الديمقراطية بعد هذا الانقلاب الواضح وافاضح ومن أخطرها:
أوَّلا: إنَّ إلغاء العمل بالدُّستور ومُصادَرةَ الحريات وإغلاق التلفزيونات واعتقال المعارضين هي أعراض طليعة الديكتاتورية التي حلّتْ بالمصريين.
ثانيا: إنَّ الرقابةَ على المواقع والقنوات وملاحقة أعضاء الإخوان والأحرار لا تَزال مستمرّةً وهذِهِ طبائِعُ الاستبداد.
ثالثا: كلّ حملات التشويه والتّشنيع والتَّجْييش إنّما تعمل على استبعاد المعارضين وتعزيز مواقع الانقلابيين، فبمجرّدِ تعيين الرئيس المؤقت عدلي منصور بدأت مطاردة الأحرار وبدأتْ حملات الشّيطنة المنهجية للمتظاهرين السّلميين، واعتقل أعضاء جماعة الإخوان المسلمِين دون أيَّ سبب وجيه وينتظرُ أعضاء آخرون من الجماعة وأنصارها المصيرَ ذاته. السيد الرئيس المنتخب،، خطفوه واعتقلوه. رئيس أكبر دولة عربية في السّجن! يا للفضيحة والخزي والعار! يا مصر يا أرضَ الفَراعِين والسجّانين! لا أحد يعرف ما يعاني الآلاف الذين هم في السجون.
أصبح سيسي جنرال الانقلابيين، تلميذ المدارس الحربية الأمريكية، كبير الديمقراطيِين! عجباً، عالَمُنا العربي بلدُ الصِّغارِ والصِّبيان لا عقْلَ له ولا رشدَ! أيُّ ديمقراطية هذه التي تفرضُ نفسَها بالدبّابات؟! ما هذا النفاق؟ أخيرا بعد صمت مطلق، أعلن جون كيري، أن الجيش المصري استجاب لنداء الشعب الذي يرغب في استعادة الديمقراطية. هذا الجيش قاتل المصريِين وعميل الأمريكيين في أعين الغربيين هو ناصر الديمقراطية! أما عن إمارات الخِلْجان أعني هؤلاء العُربان عملاء الأمريكان فقد سارَعوا في إرسال مبعوثين مُرَحِّبين ومستبشِرين بمأساةِ مصر الكبرى التي اقتَرفَها أذيال الغرب الاستعماري في المنطقة. خلال فترةَ رئاسةِ مرسي، كانت البلاد فعلياً تحت الحكم العسكري وكانت تعاني نقصا مزمنا في المواد الخام والوقود والغذاء والكهرباء ممّا جعلَ العديد من المصريِين، وبعض المراقبين الدُّوليِين يجزمون بأنَّ النظام العسكري هو الفاعلُ الأوّل لمثل هذه الأحداث أي أزمة المواد الغذائية وشُحّ المحروقات وهو الذي يدفعُ بالمواطنين إلى الانتفاضة على الرّئيس وتبرير تدخُّله ودوره في الانقلاب وبالتّالي تقويض المنجزات الديمقراطية المصرية. ما يحدث في مصر هو من فِعل أيادي الخفاء وهي نفسُها التي أغرقت البلاد في أزمةِ نقص المواد الخام، والأيادي ذاتها هي التي تعملُ في الظلِّ لتُسدِّدَ ضربةً قاضية للديمقراطية الوليدة. إنَّ دول الخليج العميلة للغرب لم تكنْ تُخفِ العداء تجاه مُرسي والإسلاميين بشكل عام وذلك منذ انتخاب الرّئيس وإثرَ سقوطهِ سارعتْ هذه الكيانات الاقطاعية الرّجعية التي عَفَى عليها الزمن إلى ضَخِّ المليارات من الدولارات، في خزائن الدولة المصرية مؤيّدةً بذَلكَ الديكتاتورية العسكرية. فمن الواضح أن الديمقراطية الفَتيةَ لا يمكنها البقاء على قيد الحياة وليسَ لها القوَّةَ لمواجهة هذه الموجة المعادية للديمقراطية بقيادة الطّابور الخامس من علمانية مُعادية وسلفية متطرّفة ورأْسمالية متغوّلة وقومية ناصرية متعصّبة. وأمّا داخل مصر، فإنَّ الجبهةَ المعادية للديمقراطية أو الثَّورة المضادة التي يقودها محمد البرادعي، حمدين صباحي، وأزلام المخلوع مبارك الفاسدة لم يكن في وسعها تصوّر وصول الإخوان إلى السّلطة ولذلك طالبوا مرارا وتكرارا إلى إنهاء حكم الإسلاميين. قال محمّد البرادعي المسؤول السابق في وكالة الطاقة الذرية وأحد الذين ساندوا الاحتلال الأمريكي للعراق إنّ جهودهُ أدت إلى نهاية حكم الإخوان المسلمين وإلى إسقاط أوّل رئيس منتخب منذ حكم الفراعنة في مصر. لم يتوقف هذا الجاسوس الخائن، خلال رئاسة مُرسي، في استدعاء التدخل الأميركي والأجنبي لاغتصاب إرادة الشعب.
تواجه مصر داخلياً حملة صليبية معادية للديمقراطية بقيادة الطابور الخامس المتمثّل في الليبراليين والجيش والكنيسة القبطية، وشيخ الأزهر وأزلام النظام السابق الفاسد. وأمّا خارجيا، فيقود التحالف الأجنبي ضد الديمقراطية المصرية الشابة في المقام الأول ملوك العهر والعار في الخلِيِج وأمريكا وحليفها الكيان الصهيوني في المنطقة.
إذا كان لا بدَّ للشعوب العربية والإسلامية من الديمقراطية واستعادة الحريّات المغتصبة، فعليها القطع مع فِرقِ الموت، أعني الحكّام المغتصِبين أعداء البشرية والشّرعية أولئِكَ اللصوص المفسدون الذين عاثوا في الأرض فسادا ونهبوا ثرَوات الأمة.
أدعو الشعوب العربية في مصر وسوريا والعراق والسّودان وتونس والجزائر والمملكة العربية السعودية وليبيا وإمارات الخِلْجان أذيال الولايات المتحدة إلى إعلان التمرد والعصيان المدني من أجل التخلص من الجلادين وحكم العسكر الهمجي.
لقد حان الوقت لتبني الإسلام تماما كطريقة للحياة ومنهجاً لحضارتنا. مع تراجع الغرب، يجب أن يسودَ الإسلام بوصفه قوّة تحرير لتعويضِ القصور البشري في العصر الحديث.
ينبغي طرد المستعمرين الأمريكان والغربيين من بلاد الإسلام وكَسر النظام الرأسمالي الذي هو كارثة تحُولُ ضد تقدم البشرية. يجب علينا أن نكافحَ كل مظاهر الفساد على المدى الطويل المدمرة لأية أمة.
لا بدَّ أن نكافِحَ بقوةٍ وعزم ضد فكرة الاستعلاء الغربي تلك الأيديولوجية القاتلة التي تدعو إلى استصغار الآخر واستعباده وعتباره موضوعاً للاستعمار. وبالمِثل، يجب على الشعوب العربية والإسلامية تولي المسؤولية عن مصيرها لاستشراف المستقبل وبناء حضارة إنسانية تقطعُ مع همجية العالم المعاصر.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: