البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

(285) ثورات الشعوب العربية: انتصار لدولة الديموقراطية أم للإسلام؟

كاتب المقال د - أحمد إبراهيم خضر - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5782


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


ينتشر بين الغربيين مصطلح "الربيع العربى"Arab Spring ويقصدون به هذه الانتفاضات الشعبية التي اندلعت فيما يعرف ببلاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الثائرة على استبداد الحكام، وعلى الفساد المنتشر في البلاد، والتي تؤدى إلى تصدع وانهيار الأبنية السياسية القائمة، وإحلال أنظمة ديموقراطية مكانها تحظى بمباركة الغرب.

إلى أين تتجه هذه الثورات الشعبية، ومن سيحل محلها إذا نجحت؟ هذا أمر مقلق للكثير من الكتاب في الغرب. هل ستتجه إلى الديموقراطية وإلى المجتمع المدني؟ أم إلى حكم مطلق؟ أم إلى حكم الأقلية؟ أم إلى دكتاتورية عسكرية؟ أم إلى ما يسمونه بـ "ثيوقراطية"إسلامية أو دولة خلافة إسلامية؟.

من بين هؤلاء الكتاب الذين شغلتهم قضية الثورات العربية، الكاتبة الأمريكية "روث كينج". وهى كاتبة يهودية كما يبدو في كتاباتها، بالإضافة إلى أنها تكن عداء خاصا للإسلام وشريعته، وتتهم هذه الشريعة بالوحشية والبربرية ومعاداة المرأة وعدم التسامح.

وهى لا تختلف هنا عن كراهية المحلل والمؤرخ الأمريكي "د. ل. آدمز"- أحد مؤسسي ما يعرف بجماعة "أوقفوا أسلمة الولايات المتحدة"SIOA كتب "آدمز"مقالا ً بعنوان: "الحرب من أجل الشريعة"، كشف فيه عن جهل فاضح بالإسلام وبشريعته، وعكس فيه كراهيتة الشديدة للشريعة، تكاد تنطق في كل كلمة يصف بها هذه الشريعة.

يصف "آدمز"شريعة الإسلام بالقسوة والوحشية، والعنصرية والبربرية، ويهاجمها لأنها لا تسمح بالشذوذ الجنسي، ولا ترضى بأي هجوم على الإسلام، ولا تسمح بالارتداد عنه لمن دخل فيه.

يتصور "آدمز"أن الشريعة الإسلامية تنتقص من قدْر المرأة وتستعبدها، وتأمر بضرب الزوجات، وتدعم زواج الأطفال، ولا تتسامح مع غير المسلمين، وترفض حرية العقيدة وحرية التعبير... إلخ.

تساءلت "روث كينج": ما الذى يمكن أن يحدث لو انتصر الإسلام؟ وما الذى يمكن فعله للحيلولة دون تحقيق هذا الانتصار؟. الذى أزعج "روث كينج "بشدة هو أن الدلائل تشير إلى احتمال أن ينتصر الإسلام في النهاية رغم أن الشعارات التي كانت ترفعها هذه الثورات لم تكن شعارات إسلامية، وكانت اتجاهات شباب الثورة ليبرالية علمانية.

استندت "كينج"فى بيان مخاوفها من هذا الانتصار المحتمل للإسلام على الأدلة الآتية:
أولًا: الإسلام كما تراه "روث كينج" هو الطريق الوحيد الذى يوحد العالم العربي، وهذا الإسلام - في رأيها - يتصادم مع الديموقراطية، ذلك لأنه لا يعترف بالقوانين التي يصنعها البشر، ويرى أن أي حكومة لا تقوم على الشريعة الإسلامية هي غير مشروعة.

ثانيًا: أن النظام الوحيد المشروع الذى يقبله غالبية المسلمين هو نظام "الخلافة الإسلامية" المتمثل في دولة خلافة كبرى تحكم بشريعة الله.

ثالثًا: أن المسلمين الذين يعيشون في ظل دولة غير إسلامية ويمارسون شعائرهم الدينية بها لا يعترفون بالنظام السياسي لهذه الدولة، ويرون أنه غير مشروع، ويجب الإطاحة به، فهى دولة كفر في نظرهم. كما ينطبق هذا التصور على الدول العربية المسلمة التي لا تقيم الإسلام فيها بدرجة كافية.

رابعًا: حاولت "كينج" استقراء التاريخ فاستعادت خبرة الآباء المؤسسين للولايات المتحدة مع الإسلام، وما يعرف بـ "حرب طرابلس": Tripolitan War نسبة إلى طرابلس وهى ليبيا الحالية (1801-1805) "وهى التي يسميها الباحثون بـ"الحرب الأمريكية المنسية" ذلك لأنهم غيبوها عن الذاكرة الشعبية الأمريكية في غضون جيل واحد. ولهذه الحرب تسميات عدة منها: الحرب البربرية أو حرب الساحل البربري نسبة إلى ساحل شمال أفريقيا الغربي. وكانت هذه الحروب هى أول الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد دولة الخلافة العثمانية.

كانت الأساطيل العثمانية تقوم بحماية السفن التجارية التي تعمل في البحر المتوسط مقابل رسوم تدفع لها من قبل الدول الأوروبية لحماية سفنها من القراصنة الذين كانوا يجوبون البحر المتوسط. (كانت بريطانيا تدفع سنويا ستمائة جنية للخزانة العثمانية، وتقدم الدانمارك مهمات حربية وآلات قيمتها أربعة آلاف ريال شنكو كل عام مصحوبة بالهدايا النفيسة. أما هولندا فكانت تدفع ستمائة جنيه، ومملكة صقلية أربعة آلاف ريال، ومملكة سردينيا ستة آلاف جنيه، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تقدم آلات ومهمات حربية قيمتها أربعة آلاف ريال وعشرة آلاف ريال أخرى نقدا مصحوبة بهدايا قيمة، وكانت فرنسا تبعث بهدايا ثمينة عند تغيير قناصلها، وتقدم البرتغال هدايا من أحسن الأصناف، وتورد السويد والنرويج كل سنة آلات وذخائر بحرية بمبالغ كبيرة، وتدفع مدينتا هانوفر وبرن بألمانيا ستمائة جنيه إنجليزي، وتقدم إسبانيا أنفس الهدايا سنويًا).

كانت الولايات المتحدة عاجزة عن استرداد سفنها بالقوة العسكرية، وكانت تحتاج إلى سنوات طويلة لبناء أسطول بحري يستطيع أن يواجه الأسطول العثماني فاضطرت إلى الصلح وتوقيع معاهدة مع تركيا في الخامس من سبتمبر 1795 م، وقد تضمنت هذه المعاهدة اثنتين وعشرين مادة مكتوبة باللغة التركية، وهذه الوثيقة هي المعاهدة الوحيدة التي كتبت بلغة غير الإنجليزية، ووقعت عليها الولايات المتحدة الأمريكية خلال تاريخها الذي يتجاوز قرنين من الزمان، وفي الوقت نفسه هي المعاهدة الوحيدة التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بدفع ضريبة سنوية لدولة أجنبية، وبمقتضاها استردت الولايات المتحدة أسراها، وضمنت عدم تعرض القراصنة لسفنها.

وقع "جورج واشنطون" أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية معاهدة صلح مع "بكلر حسن التركي" باشا الجزائر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، تدفع بمقتضاها الولايات المتحدة إلى تركيا على الفور 642 ألف دولار ذهبي، و1200 ليرة عثمانية، وذلك مقابل أن تطلق الجزائر سراح الأسرى الأمريكيين الموجودين لديها، وألا تتعرض لأي سفينة أمريكية تبحر في البحر المتوسط أو في المحيط الأطلسي.

في الحادى والثلاثين من أكتوبر 1803 تمكنت البحرية الليبية من اسر الفرقاطة (المدمرة فيلادلفيا) وأبحر بها البحارة الليبيون إلى ميناء طرابلس وعلى متنها ثلاثمائة وثمانية بحارا امريكيا استسلموا جميعا وعلى رأسهم قائدها الكابتن "بينبريدج" وعندما عجز الأمريكيون عن استرداد هذه السفينة تسللوا إليها وقاموا بنسفها حتى لا تصبح غنيمة في أيدي الليبين.

جهزت الولايات المتحدة قوة من المرتزقة بقيادة ضابط الجيش الاميركي "وليام ايتون"، وهاجمت شرق ليبيا عبر الحدود مع مصر وغزت مدينة "درنة" النائية وهى مدينة صغيرة على البحر المتوسط وقريبة من الحدود المصرية وتبعد عن طرابلس العاصمة أكثر من الف كم، فقاومها الليبيون وارسل الباشا قواته إلى "درنة"، وسقطت هذه المدينة في يد القوة الغازية ورفع علم الولايات المتحدة على قلعتها. وبذلك اعتبرت أول قطعة ارض تحتلها الولايات المتحدة في تاريخها.

وعقب معركة "درنة" فرضت القوات العثمانية حصارا على القوة الغازية الموجودة فيها فعمدت الولايات المتحدة إلى المفاوضات وتم توقيع معاهدة انهاء الحرب في العاشر من يونيو 1805 عرفت بـ"اتفاقية طرابلس" طلب باشا ليبيا "يوسف باشا" من الولايات المتحدة غرامات مالية تقدر بثلاثة ملايين دولار ذهبا، وضريبة سنوية قدرها عشرون ألف دولار سنويا، وظلت الولايات المتحدة تدفع هذه الضريبة حماية لسفنها حتى سنة 1812م، حيث سدد القنصل الأمريكي في تركيا اثنتين وستين ألف دولار ذهبا، وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي تسدد فيها الضريبة السنوية". (حرب طرابلس، ويكيبيديا الموسوعة الحرة).

تقول "روث كينج" معلقة على حرب طرابلس - والدلالة تكمن هنا :"تبين سجلات الكونجرس أن دافع القتال عند المسلمين في هذه المنطقة هو الجهاد ضد الكفار، وهم مأمورون بذلك كما في القرآن والسنة. ويرى المسلمون أن كل من لا يعترف بسلطتهم آثم، ومن حقهم سجنه أو استرقاقه، وأن المسلم الذى يموت في حرب ضد الكفار مصيره إلى الجنة".

خامسًا: قامت "كينج" بمقارنة موقفى "جون آدمز" و"توماس جيفرسون" وهما الرئيسان الثاني والثالث للولايات المتحدة، من الثورة الفرنسية 1789، في محاولة منها لاستقراء ما يمكن أن تسفر عنه الثورات العربية قياسا على أحداث الثورة الفرنسية. تقول "روث كينج": "إن الأحداث الثورية التي تجري في العالم العربي ليست بلا سوابق تاريخية أو سياق تاريخي. كانت هناك ثورات اشتعلت في أوربا في عام 1848. هناك الثورة الشيوعية في عام 1917، هناك الثورة الفرنسية في عام 1789، هناك سقوط الاتحاد السوفياتي ودول شرق أوربا في عام 1989، وهناك ثورة الخميني (الرافضية الشيعية) عام 1979".

تتساءل "كينج": كيف ترشدنا هذه الثورات إلى فهم ما يجري في العالم العربي؟.... كان "جيفرسون" يرى أن الإطاحة بالملكية في فرنسا أمر إيجابي حتى ولو قتل الملك. أما "آدمز" فقد كان يرى أن الشعب الفرنسي سينتقل من حالة الحكم الاستبدادي إلى حالة الرعب والحرب العدوانية، وأن الثورة سوف تأكل نفسها أولا ثم تهاجم الآخرين ثانيا، لقد ظهر بعد ذلك أن تفاؤل "جيفرسون" لم يكن في محله، وأن وجهة نظر "آدمز" كانت مصيبة وخاصة بعد ظهور "بونابرت" وقيامه بحملاته التوسعية..... قال "آدمز" في 13/7/ 1813:"إن فرنسا سوف تنجح في تأسيس حكومة جمهورية حرة، لكنني كنت مقتنعا أن مشروع هذه الحكومة التي يتكون شعبها من خمسة وعشرين مليونا من البشر، أربعة وعشرون مليونا، وعدة آلاف منهم لا يعرفون القراءة والكتابة، مشروع غير عقلاني وغير علمي وغير طبيعي. إن الأمر أشبه بتجمع مجموعة من الأفيال والنمور والأسود والفهود والذئاب في معرض للوحوش في ميناء مارسيليا".

حاولت "روث كينج" أن تستنتج من تجربة الثورة الفرنسية ما قد يصل إليه الحال في الدول العربية فتقول:
"أنه من المنطقي أن هذه الشعوب العربية الجاهلة التي تعاني من الفقر والبطالة وسوء التعليم مع كراهيتها الشديدة لليهود وإسرائيل كما حدث لـ "مس لوجان "في ميدان التحرير، أن تثور على حكامها وتتحداهم وتسعى للإطاحة بهم. ويصبح السؤال بعد ذلك ماهو نوع النظام السياسى الذى ستؤول الأمور بعد الإطاحة بـ "زين العابدين ومبارك ثم القذافى فيما بعد (لم يكن القذافى قد قتل بعد)". ترى "روث كينج" أنه ليست هناك مؤسسات تحل محل المؤسسات التي سقطت في الدول العربية، سوى المؤسسات الإسلامية، وهذا أمر تراه "روث كينج" مقلقًا للغاية".

تقول "روث كينج" أيضًا: "لقد تحمسنا كثيرا لهذه الثورة السلمية في مصر، لكنه يجب علينا ألا ننسى أن هذه الجماهير الثائرة كانت تصرخ في وجه "مس لوجان": "يهودية... يهودية"، وهذا أمر غير مناسب تمامًا.

إن علينا أن نتمعن ونعيد قراءة الصراع بين "جيفرسون" و"آدمز" حول الثورة الفرنسية، إنه صراع بين حكم الرعاع وحكم المؤسسات... كان العالم يطمح إبان حقبة الثورة الفرنسية، كما كان يطمح في الثورات العربية أن يرى الشعوب قد تحررت من الظلم والاستبداد، لكن الذى حدث بعد الثورة الفرنسية هو الإرهاب والقتل والبربرية وأخيرا الحرب العدوانية والحكم المطلق، وقد يكون هذا نفس مصير الثورات العربية في حالة سيطرة المؤسسات الإسلامية الغير متآلفة مع الديموقراطية.

سادسًا: ترى "روث كينج" أن تجربة الدستور العراقي والأفغاني تبين أن الإسلام لا يزال يسيطر على ثقافة هذه الشعوب وأنظمتها السياسية. تقول "روث كينج": "يبدو لنا ظاهرًا أننا قد حققنا نجاحا في زرع الديموقراطية في المنطقة العربية بعد تورطنا الطويل والمكلف في العراق، وأننا حققنا أيضا في إيجاد توافق بين الإسلام والديموقراطية، لكن القراءة المتعمقة في الدستور العراقي تكشف أن نتائج هذه التجربة لم تكن إيجابية. تنص المادة الثانية من الدستور العراقي على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وأن الشريعة مصدر أساس للتشريع، وأنه لن يسمح لأي وضع من الأوضاع أن يبقي في العراق إذا كان متناقضًا مع الإسلام. وهناك مادة أخرى في نفس الدستور تنص على ألا يسمح لأى وضع من الأوضاع في العراق أن يتناقض مع الديموقراطية. يوضح هذا الدستور أن العراق دولة إسلامية، وأن الشريعة هي التي ستحكم البلاد. لكن أى قراءة للإسلام وشريعته توضح تماما أن الإسلام في سياقه التاريخي والمعاصر لا يتطابق مع الديموقراطية كما نفهمها نحن في الغرب.. كما أن القول بأنه لن يسمح بوجود أى قانون يتناقض مع الديموقراطية يجعلنا نتخيل أن مفهوم الديموقراطية في الشريعة الإسلامية يختلف تماما مع المفهوم الذى يؤمن به الأمريكيون. إن الدستور العراقي يحتوى على تناقضات مدمرة، ولا يمكن لهذه التناقضات أن تحل إلا إذا تخلينا عن فهمنا الذى نعرفه نحن عن الديموقراطية. إن ديموقراطيتنا لن تكون مقبولة أبدا في ظل الشريعة الإسلامية التي تحكم بالقتل على كل من يرتد الإسلام ويقر بضرب المرأة، ويعترف بالختان، والاختلاف في المعاملة بين المؤمن والكافر. إن كل ذلك لا يتفق مع الديموقراطية بالمعنى الذى نفهمه.. إن الحرية التي نسعى إلى ضمانها للشعب العراقى قد لا تتحقق على المدى الطويل ذلك لأن الدستور الذى ساهم الأمريكيون في صياغته في هذه الدولة الجديدة يسمح بما هو "وحشي" و"بربري" على عكس المثاليات الديموقراطية الأمريكية...إنه يجب علينا أن نعيد النظر بدقة في النتائج التي تحققت في هذه التجربة الجديدة التي خاض جنودنا الحرب من أجلها، وكلفتنا الكثير ثم يأتى دستورها متضمنا لمواد ذات طابع استبدادي وبربري. إن هذا الوضع في الدستور العراقي القائم على الشريعة يكاد يصيبنا بالصمم، وعلينا أن نلاحظ أن الدستور الأفغاني يقوم على ذات الأسس التي يقوم عليها الدستور العراقي.. إن فشل جهودنا الكبيرة في العراق ومشاكلنا المتعددة فيه، يرجع لأننا تركنا الديموقراطية العراقية الناشئة لأدوات من شأنها أن تدمرها بطريقة مشروعة، لقد تركناها تحت وصاية الشريعة".

إن ما انتهت إليه "روث كينج" هو نفس ماانتهى إليه "آدمز". يقول "آدمز" في مقاله سالف الذكر: "من المؤسف أن هذا ليس هو الأساس الذي بنينا عليه إستراتيجيتنا في بناء دولتي العراق وأفغانستان، إن هاتين الدولتين إسلاميتان، كما ينص دستورهما على ذلك، والشعب فيهما شعبٌ مسلم يعمل على خدمة دينه، بمعنى أن الدولة هي الإسلام، والإسلام هو الدولة، وهذا الأمر لا يتفق مع أي شكل من أشكال الديمقراطية، ولا يرضاه معظم الأمريكيين، ولا يدعمونه".

انتهت "روث كينج" بعد هذا التحليل المكثف إلى نقطتين هامتين:
الأولى: أن هناك منظورين متباينين في تقويم مرحلة ما بعد الثورات العربية. يبعث المنظور الأول على الأمل، أما الثاني فيثير الخوف والقلق. إن سقوط الطغاة العرب يبعث على الأمل. أما الإحباط والمخاوف فيأتي من الفراغ السياسي الناتج عن مرحلة ما بعد سقوط الطغاة.

إن الإسلام هو المحور المركزي الذى يربط كل هذه الشعوب على اختلاف بلدانها. وأن على الباحثين المتابعين لأحوال المنطقة العربية أن يقوموا بتحليل مايجري في ضوء أن طبيعة الإسلام ثابتة وغير مهتزة و"غير ديموقراطية"، وأن شعوب هذه المنطقة كما أنها تواقة إلى الحرية، فهى تميل أيضا إلى الإسلام بشدة.

الثانية: تعتقد "روث كينج" أنه من الخطأ محاولة إقامة جسر بين ما تسميه بالاستبداد والديموقراطية، وأن الصحيح هو إقامة هذا الجسر بين الإسلام في عموميته وما تسميه بالإصلاح الإسلامي، وأن ذلك لو تم فإن فهم الديموقراطية بالمعنى الأمريكي سيكون ممكنا. تقول "كينج": "إذا كان الإسلام في شكله المعاصر هو الذى يوحد الشعوب والقبائل العربية، فلن يكون هناك مكان للديموقراطية، فهما عنصران لا يلتقيان، لكننا إذا نجحنا في زرع ديموقراطية علمانية في مصر، وتونس، وليبيا، وسوريا، فهنا نستطيع أن نحتفل ببزوغ فجر جديد يمهد لمرحلة جديدة من السلام والرفاهية العالمية. أما إذا انتصر الإسلام في هذه الثورات فإنه سيكون كالداء الذى يفسد وينسف أنسجة النباتات والحيوانات، وعلينا بعدها أن ندفن تحت الثرى كل مفاهيمنا القديمة عن الأنظمة السياسية العالمية وعن التنافس بينها..... علينا أن نعرف أنه لو انتصر الإسلام فإن مرحلة جديدة من الصراع الدولى القائم على الدين سوف تنشأ، وقد يكون هذا التصور خياليا، لكنه لو حدث فإننا سوف نفتقد كل مكتسباتنا الفكرية ونلقى بها وراء ظهورنا. لو أن الشعوب العربية احتضنت الإسلام، وتحركت به نحو إقامة دولة الخلافة الإسلامية، فإن على علماء السياسة أن يعودوا إلى المدارس مرة أخرى لإعادة دراسة التاريخ والسياسة، وعليهم أن يقضوا كل أوقاتهم للدراسة في أقسام اللاهوت".

لعل أبلغ ردٍّ على اتهامات "روث كينج" و"آدمز" للشريعة الإسلامية هو ما كتبه "جراهام فوللر"، وهو مسئول رفيع المستوى في المخابرات المركزية الأمريكية، كان يشغل منصب نائب رئيس المجلس القومي للمخابرات، يقول "فوللر": "على عكس المسيحية، اعتنى الإسلام منذ أن بدأ بالسياسة والحكم، وقد وجَّه المسلمون بدءًا من حياة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - اهتمامَهم إلى مبادئ الحياة المجتمعية المحلية، والعدالة، والإدارة، والعلاقات مع غير المسلمين، والدفاع، والسياسة الخارجية، وما من شأنه أن يحقِّق الحكم الصالح، والقانون العادل، والمجتمع العادل، لقد أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بغرض الحفاظ على الوضع القائم، ولكن لكي يصلح ويغيِّر، المرأةُ على سبيل المثال أعطيتْ مركزًا قانونيًّا لم تكن تحظى به من قبل، بالإضافة إلى حماية قوية لها من قِبَل المجتمع".
Graham F Fuller, Islam, a force for change, mondediplo.com/1999/09/16islam.

أما أماني "روث كينج"في إحداث توافق بين الإسلام والديموقراطية كما يفهمها الأمريكيون، فهو أمر بعيد المنال وذلك للأسباب الآتية:
أولًا: أن الله في قوله عز وجل ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]يعنى أنه لم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين - بمعناه هذا - نقصًا يستدعى الإكمال ولا قصورا يستدعى الإضافة، ولا محلية أو زمانية تستدعى التطوير أو التحوير، وإلا فما هو بمؤمن.

ثانيًا: أن دين رسول الله وشريعته هي التي في كتاب الله، ومنهجه هو المنهج المستقل المتفرد المتميز، وما يمكن أن يختلط هذا الدين بغيره من المعتقدات والتصورات ولا أن تختلط شريعته ونظامه بغيره من المذاهب والأوضاع والنظريات. ولا يمكن أن يكون هناك وضعان اثنان لأى شريعة أو أي نظام إسلامي، وشيء آخر. فالإسلام إسلام فحسب وكل من له أدنى معرفة بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم بالاضطرار أنه - صلى الله عليه وسلم- لم يدع الناس بغير منهج هذه العقيدة ولا ذكر مايفهم منه لا ظاهرا وباطنا أنه فعل غير ذلك.

ثالثًا: أن الإسلام لا يعترف بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا في ذاته صالحا. ولهذا فإن سعى المؤمن كله ينبغى أن يتجه إلى إقامة منهج الله في الحياة كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بكل تفصيلاته وجوانبه. ومن ثم لا يصح أن يتعاون المسلم في هذا السعي مع من لا يؤمن بالإسلام منهجا ونظاما وشريعة. فكيف يمكن أن يتعاون المسلمون مع غير المسلمين في إقامة الديموقراطية والأخِرون لا يؤمنون بالإسلام منهجا وشريعة؟

رابعًا: انتحال الديموقراطية على اعتبار أنها مصلحة موافقة لقصد الشارع لا يعطيها المشروعية، فالمصلحة معتبرة من حيث وضعها الشارع لا من حيث موافقتها لقصد الشارع، ومن شرع شيئًا لم يأذن به الله، لا يجوز أن تكون أصوله منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولهذا فهو باطل لأن لزوم الباطل باطل، كما أن لزوم الحق حق.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورات العربية، الربيع العربي، تونس، مصر، ليبيا، سوريا، قطر، التدخل القطري، التدخل الغربي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 4-09-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  (378) الشرط الأول من شروط اختيار المشكلة البحثية
  (377) مناقشة رسالة ماجستير بجامعة أسيوط عن الجمعيات الأهلية والمشاركة فى خطط التنمية
  (376) مناقشة رسالة دكتوراة بجامعة أسيوط عن "التحول الديموقراطى و التنمية الاقتصادية "
  (375) مناقشة رسالة عن ظاهرة الأخذ بالثأر بجامعة الأزهر
  (374) السبب وراء ضحالة وسطحية وزيف نتائج العلوم الاجتماعية
  (373) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية (2)
  (372) التفكير النقدى
  (371) متى تكتب (انظر) و (راجع) و (بتصرف) فى توثيق المادة العلمية
  (370) الفرق بين المتن والحاشية والهامش
  (369) طرق استخدام عبارة ( نقلا عن ) فى التوثيق
  (368) مالذى يجب أن تتأكد منه قبل صياغة تساؤلاتك البحثية
  (367) الفرق بين المشكلة البحثية والتساؤل البحثى
  (366) كيف تقيم سؤالك البحثى
  (365) - عشرة أسئلة يجب أن توجهها لنفسك لكى تضع تساؤلا بحثيا قويا
  (364) ملخص الخطوات العشر لعمل خطة بحثية
  (363) مواصفات المشكلة البحثية الجيدة
  (362) أهمية الإجابة على سؤال SO WHAT فى إقناع لجنة السمينار بالمشكلة البحثية
  (361) هل المنهج الوصفى هو المنهج التحليلى أم هما مختلفان ؟
  (360) "الدبليوز الخمس 5Ws" الضرورية فى عرض المشكلة البحثية
  (359) قاعدة GIGO فى وضع التساؤلات والفرضيات
  (358) الخطوط العامة لمهارات تعامل الباحثين مع الاستبانة من مرحلة تسلمها من المحكمين وحتى ادخال عباراتها فى محاورها
  (357) بعض أوجه القصور فى التعامل مع صدق وثبات الاستبانة
  (356) المهارات الست المتطلبة لمرحلة ما قبل تحليل بيانات الاستبانة
  (355) كيف يختار الباحث الأسلوب الإحصائى المناسب لبيانات البحث ؟
  (354) عرض نتائج تحليل البيانات الأولية للاستبانة تحت مظلة الإحصاء الوصفي
  (353) كيف يفرق الباحث بين المقاييس الإسمية والرتبية والفترية ومقاييس النسبة
  (352) شروط استخدام الإحصاء البارامترى واللابارامترى
  (351) الفرق بين الاحصاء البارامترى واللابارامترى وشروط استخدامهما
  (350) تعليق على خطة رسالة ماجستير يتصدر عنوانها عبارة" تصور مقترح"
  (349) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد شمام ، سعود السبعاني، د - شاكر الحوكي ، فهمي شراب، علي الكاش، صلاح المختار، حسن عثمان، إيمى الأشقر، المولدي الفرجاني، عبد الله زيدان، عزيز العرباوي، حميدة الطيلوش، سيد السباعي، ماهر عدنان قنديل، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمود طرشوبي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سفيان عبد الكافي، د. عبد الآله المالكي، إياد محمود حسين ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صفاء العراقي، أنس الشابي، د. صلاح عودة الله ، مصطفى منيغ، مراد قميزة، رافع القارصي، رحاب اسعد بيوض التميمي، مجدى داود، يزيد بن الحسين، إسراء أبو رمان، د- هاني ابوالفتوح، د - عادل رضا، أحمد ملحم، محمد يحي، محمد اسعد بيوض التميمي، د. خالد الطراولي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رمضان حينوني، عبد الرزاق قيراط ، سليمان أحمد أبو ستة، الناصر الرقيق، أحمد الحباسي، عبد الله الفقير، أ.د. مصطفى رجب، د. أحمد محمد سليمان، محمد الطرابلسي، العادل السمعلي، يحيي البوليني، طلال قسومي، خبَّاب بن مروان الحمد، سلوى المغربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد الياسين، محمد عمر غرس الله، الهيثم زعفان، محرر "بوابتي"، صلاح الحريري، محمد أحمد عزوز، مصطفي زهران، علي عبد العال، وائل بنجدو، سامر أبو رمان ، د - الضاوي خوالدية، أحمد بوادي، أبو سمية، صباح الموسوي ، سامح لطف الله، منجي باكير، رضا الدبّابي، د.محمد فتحي عبد العال، د - محمد بن موسى الشريف ، عواطف منصور، د. طارق عبد الحليم، د- جابر قميحة، د- محمود علي عريقات، فتحي العابد، صفاء العربي، ياسين أحمد، عبد الغني مزوز، محمد العيادي، د - مصطفى فهمي، ضحى عبد الرحمن، أشرف إبراهيم حجاج، كريم السليتي، صالح النعامي ، د - محمد بنيعيش، محمود سلطان، سلام الشماع، أحمد النعيمي، رشيد السيد أحمد، حسن الطرابلسي، د- محمد رحال، د - صالح المازقي، الهادي المثلوثي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - المنجي الكعبي، تونسي، نادية سعد، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي الزغل، جاسم الرصيف، خالد الجاف ، فتحـي قاره بيبـان، عمار غيلوفي، د. أحمد بشير، عراق المطيري، أحمد بن عبد المحسن العساف ، كريم فارق، رافد العزاوي، عمر غازي، فوزي مسعود ، حاتم الصولي، د. مصطفى يوسف اللداوي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة