د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10943
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يسعدنا انضمام الدكتور أحمد إبراهيم خضر من مصر لكتاب موقعنا، وقد وافانا بمجموعة من المقالات الفكرية المتميزة التي سوف نعمل على نشرها تباعا بإذن الله، ونحن نرحب بالدكتور أحمد إبراهيم خضر بيننا.
مشرف موقع بوابتي
بعيدا عن هذه الانتقادات اللاذعة التي وجهت إلى مشروع إسلامية المعرفة من حيث أنه مشروع قد جثم على ثقافتنا الإسلامية ، مسيئ أكثر منه محسنا، يتعامل مع قضايا ثانوية هامشية غير مستساغة علميا ومعرفيا،عالية الضجيج مبنية في جذورها على أخيلة متوهمة وادعاءات مزيفة بالإضافة إلى تهافتها اللفظي الذي أصبح سمة للعديد من المشروعات المماثلة.
وبعيدا عن أن هذا المشروع يتمحور حول شخصيات محددة، تقوده نخبة تقيم في الولايات المتحدة ، تفرض وصايتها المعرفية والمادية على بعض الجامعات والمراكز الأكاديمية في العالم الإسلامي ، تعمد إلى تجييش العقل المسلم في
كهوف معرفية تعزله عن السياقات المعرفية العامة .
وبعيدا عن أن هذا المشروع ينفق أموالا طائلة فيما لا طائل من ورائه، ووصل إلى درجة من التمكن بحيث لا يمكن التحكم فيه أو إيقاف مده ، فضلا عن استئصاله ، كما يتباهى بذلك رواده .
وبعيدا عن أن الفكرة الأساس لهذا المشروع تقوم على أن الأمة عرضة لشوائب المعرفة الإلحادية والكهنوتية وإن مهمة مشروع الأسلمة حماية الناس جميعا من الأفكار والمبادئ الزائفة المشؤومة التى تغزو عقولهم , وأنه مالم تتهيأ لكل فرد الحصانة من هذه الأمراض فستكون الأمة كلها هي الضحية . وأنه لا بد من توظيف العلوم ضمن منظومة منهجية ومعرفة دينية غير وضعية. إن هذه الفكرة الأساس – كما يقول منتقدوا المشروع - نظرية عدمية تحيل الموجود إلى شيء آخرمزيف ليس له وجود تحت دعاوى الخوف من التحيز أوالتبعية .
وبعيدا عن أن هذا المشروع قد أوقع التباسا بين المفردة الدينية وغير الدينية من خلال ما أسماه بمعركة المصطلحات . واستعان بعدد من البحوث التهجينية ليؤيد أفكاره ، وأنه حشر ابن تيمية حشرا لصالح هذه الأفكار ، وأول العديد من النصوص الدينية لذات الهدف .
وبعيدا عن الاتهام للمشروع بأنه لخص المعرفة الغربية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية وأعطاها لعدد من العلماء الإجتماعيين المسلمين لأسلمتها ، وأن ما خرج به من وراء ذلك ماهو إلإ نظرية هشة تستدعى بذل الجهد العقلى والمالى فى سبيل لا شيئ ، وما فعلوه ليس إلا أنهم صنعوا خليطا من نوعين مختلفين من المعرفة وسكبوا أحدهما على الآخر . فخرجوا بناتج غير مستساغ ، أحد أمثلته الساخرة هو مصطلح الشوراقراطية الذى هو خليط بين الشورى والديموقراطية ودولة اسراطين التي تجمع بين إسرائيل وفلسطين.
وبعيدا عن اتهام رواد هذا المشروع من أنهم يعانون من دوران التفكير واستنساخ الآخر عبر مفاهيم مفرغة من مضمونها ، أو مصطلحات هجينة ليس لها مضمون أصلا ، وأنه يحاول ترقيع تخلف المسلمين باستيراد ما هو مشاع أصلا ثم نسبه إلى تراثنا دونما أدنى محاولة للاستفادة من التراكم المعرفي الإنساني. إلى آخر هذه الإنتقادت التى جاءت على لسان وليد أبو الخير في مقالنه عن أسلمة المعرفة أم تغريبها .
وبعيدا عن أن المعضلة الأساس لهذا المشروع التي تكمن في أنه يقف على أرضية أفكار هو نفسه يناهضها ويعمل على هدمها كالحداثة.
وبعيدا عن أن العلوم الإجتماعية المعاصرة التى ينكب عليها دعاة إسلامية المعرفة إنما هي مشروع تحريري من أطر التقاليد الدينية وأنها فى نفس الوقت أداة للسيطرة الغربية على العالم .
وبعيدا عن أن خطاب هذا المشروع كأداة لنقض التغريب يبقى فى إطار العموم الإختزالى الذى يقتصر على مفاهيم حداثية كبرى ، ويدمج مفاهيما لا علاقة لها بموضوع المعرفة إلا الربط الإنشائى لمبدأ التوحيد والإستخلاف والتوازن بين المادة والروح والتسخير ، وأن كل ذلك لا يشكل سوى هالة رقيقة سرعان ما تزول ويبقى التغريب قائما ولكن عبرما يسمى أدلجة المأثور الدينى .
وبعيدا عن أن هذا المشروع يغلب عليه الهاجس والطابع السياسى ويغفل عن البعد الأخلاقى المميز للتجربة الإسلامية الخلاقة ..إلى آخر ماجاء فى انتقادات حسن أبو هنيه في مقالته عن المعرفة بين الأسلمة وتغريبها.
بعيدا عن كل ذلك فإننا نحاكم المشروع على أرضية شرعية فنقول :
أولا: ليست هناك مصلحة تعود على الإسلام والمسلمين من وراء هذا المشروع ، فإذا قيل أن هناك مصلحة ، فإنا نقول : أن هذه المصلحة لا بد أن تكون موافقة لقصد الشارع لأن المصالح إنما اعتبرت مصالح من حيث وضعها الشارع لا من حيث يتوهم مدعوها أنها مصلحة ، فهل يستطيع دعاة المشروع أن يثبتوا لنا أن مشروعهم هذا موافق لقصد الشارع ؟
ثانيا: من القواعد المقررة عند علماء الشرع أن " كل مسألة لا ينبنى عليها عمل ، فالخوض فيها خوض فيما لا يدل على استحسانه دليل شرعي . والمقصود بالعمل هو عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعا.. وهذا يعنى أنه مالا
ينبنى عليه حكم تكليفي لا يجب الخوض فيه لأنه يشغل المؤمن المكلف عما يعنى من أمر التكليف الذى طوقه الله تعالى به ، إلى ما لا يعنى .ولن تترتب عليه فائدة فى الدنيا والآخرة. ففى الآخرة لن يسأل عن إشكالية التحيز ولا عن معركة المصطلحات ولا عن الشوراقراطية ولا عن دولة إسراطين ، ولا عن الثنائية الكبرى ولا عن ثنائية الإنسان- الطبيعة إلى آخر ما يتحدث عنه دعاة المشروع ، إنه سيسأل فقط عما أمر به أو نهى عنه ، وفى الدنيا فإنه لو عمل بكل ما يعتقد أنه إيجابي لهذا المشروع ، فإن هذا لن يزيده فى تدبير رزقه ولن ينقصه.
ثالثا: من الأمور المقررة عند علماء الشرع أيضا أن عامة المشتغلين بالعلوم التى لا تتعلق بها ثمرة تكليفية تدخل عليهم الفتنة والخروج على الصراط المستقيم ويثور بينهم الخلاف والنزاع المؤدى إلى التقاطع والتدابر والتعصب حتى يتفرقوا شيعا ، لأنهم تركوا الإقتصار من العلم على ما يعنى وخرجوا به إلى مالا يعنى ، فيكون ذلك فتنة على العالم والمتعلم .
وحال دعاة المشروع هو خير دليل على صدق هذه القاعدة ، هاهم يتنازعون حول عمن هو صاحب فكرة المشروع ، وأن فلانا سرق الفكرة من فلان ، وأن فلانا لم يميز بين المحاولات الإصلاحية التجديدية والمنهج المعرفى للأسلمة ، وأن فلانا لم يميز بين التأصيل والأسلمة ، وأن فلانا قد استبعد من مؤتمرات الأسلمة لأنه دمج بين ما يسمى بالعرفانية ومحاولات تكييف المعرفة الغربية ، وأن مسارات الأسلمة قد غدت بدونه شعارا بلا منهج وأن المشروع قد شوه وزيف . وننقل هنا هذه
العبارات التى تؤكد صدق هذه القاعدة التى أشرنا إليها وتكشف الفتنة التي دخلت على دعاة المشروع أنفسهم : " (.... انتحلت أفكاري بدون إثبات أي حق لي ...
ظل بعض العلماء المتطلعين إلى الشهرة يوالون نشر أفكاري تلك بطرق وأساليب غير محكمة ولا مجودة .....إن المسلمين لا بد أن ينتبهوا إلى المنتحلين والمزيفين والمحاكون من الجهلاء .... إنهم يرتكبون جرما وشرا عظيما بنشر القيم الهابطة التى يفرضونها على الغافلين فرضا .... إنهم يسعون إلى كسب الثناء والحمد الذى لا يستحقونه ....إن فلانا يخفى فى نفسه الإستنارة مالله مبديه فى حالات ومواقف كثيرة .....وهكذا إلى آخر ما أشار إليه أبو القاسم الحاج فى مقالته عن الأصول والتمويه فى إسلامية المعرفة.
رابعا: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا وهكذا " ويقول الشيخ محمد الخضر حسين فى تعليقه على هذا الحديث : أن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم العرب بأنها أمة أمية جاء لبيان قلة العارفين منها بالكتابة وذكر هذا الوصف ليكون كالعلة لتعليق حكم الصيام على رؤية الهلال دون الحساب ، ولم يأت به من باب الفخر حتى يفهم منه مدح الأمية والترغيب فى البقاء عليها ، فالقرآن وصفهم بالأميين ونبه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث فيهم ليخرجهم من طور الأمية ويرتقى بهم إلى صفوف الذين أوتوا العلم والحكمة فقال تعالى : " هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلوعليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) الجمعة/2. هذه الأمة الأمية التى يغلب على أفرادها عدم معرفة الكتابة إلى الآن من أين لها أن تفهم معنى " إشكالية التحيز والجانب التفكيكى فى الإبستومولوجيا المعاصرة والموقف المعادى الذى يدفع إلى العدمية وجدلية الغيب دون لاهوت وجدلية الإنسان دون وجودية عبثية وجدلية الطبيعة دون مادية " إلى آخر ذلك من المصطلحات الغامضة عند دعاة المشروع .! إنها أمة أمية ، وأي حكمة وراء هذه المصطلحات يمكن أن تتعلمها الأمة ؟ وإن ادعوا بأن الحكمة هى ضالة المؤمن فحيث وجدها هو أحق بها ، فعلماء الحديث ذكروا بأن هذا حديث غريب . كما أن الحكمة ليست فى هذه المصطلحات الغامضة التى أشرنا إليها ، فالحكمة فى كتاب الله نوعان : مفردة ومقترنة بالكتاب فالمفردة فسرت بالنبوة والقرآن والعلم والفقه والمقترنة بالكتاب فسرت بالسنة . فأين هذا من التفكيك والجدلية والإبستومولوجيا وغير ذلك . حتى ولو افترض البعض أن الأخذ بها جائز قلنا أنها صعبة المأخذ، وعرة المسلك، بعيدة الملتمس ، لا يليق الخطاب بتعلمها للتعرف على آيات الله ودلائل توحيده.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخض فى ذلك ، ولم ينقل عنه ذلك ، ومن لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دل على عدمه . كما أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم جميعا لم يخوضوا فى هذه الأشياء التى لا يترتب عليها عمل مع أنهم كانوا أعلم الناس بمعنى العلم المطلوب.
إن المعاني المطلوب علمها لا بد أن تكون سهلة المأخذ ، يسع للأمي تعقلها، ولا بد أن تكون قريبة الفهم والسهولة على العقل بحيث يشترك فيها الناس جميعا سواء من كان منهم ثاقب الفهم أو بليدا ، وهى إن كانت من النوع الذى لا يدركه إلا المثقفون والصفوة لم تكن عامة و لم تكن للأميين . إن التعمق فى البحث فيما لا يشترك فيه الجمهور خروج عن مقتضى الإسلام الذى جاء لأمة أمية ، وإذا جمحت نفوس الناس إلى أن تطلب مالم يطلب منها تقع فى ظلمة لا انفكاك لها . وصحيح أن الله تعالى جعل الناس فى فهم الإسلام على مراتب ، وأن من له زيادة فى فهم الإسلام ليس كمن ليس زيادة ، لكن هذا الأمر هبة من الله ، ولا تخرجهم هذه الزيادة عن حكم الاشتراك مع الناس فى أمر الإٍسلام ، فهذه الزيادة أصلها الأمر المشترك . والمسائل التى تميز الخواص عن العوام لا تخرج عن هذا القانون ، فالجميع جارون على حكم أمر مشترك مفهوم للجمهور على الجملة.
الخلاصة : أن كل عمل كان المتبع فيه هو الهوى بإطلاق من غير إلتفات إلى الأمر والنهى أو التخيير هو باطل بإطلاق . فالعمل لا بد من باعث يحمل عليه وداع يدعو إليه ، فإذا لم يكن هذا الباعث والداعي هو تلبية أمر الشارع ، ولم يكن للشارع فيه مدخل فليس الدافع هنا إلا مقتضى الهوى والشهوة، وما كان ذلك فهو باطل بإطلاق ، لأنه خلاف الحق بإطلاق .وفى حديث ابن مسعود رضي الله عنه فى الموطأ " إنك فى زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه ، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه ....يبدأون أعمالهم قبل أهوائهم ، وسيأتى على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قرائه تحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده .......يبدأون فيه أهواءهم قبل أعمالهم " .
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
23-03-2009 / 23:06:57 طالب العلم
الحق المتبع
شرف كبير لنا ان يكون هذا العالم من كتاب بوابتى
17-06-2008 / 07:06:12 ابو سمية
الى هشام البحار
مقالات الدكتور أحمد إبراهيم خضر، تعد فعلا متميزة من حيث محتواها ومن حيث توجهها
17-06-2008 / 04:21:09 هشام البحار
المسموح والمنموع فى العلاقة بين الخطيبن
د\ احمد خضر انى احبك فى الله لا نك نا بغة لا نعلم قدرها فعلا من يقدر كلامك الا من يذوق مراره
11-04-2008 / 01:25:40 د أحمد إبراهيم خضر
الأستاذ الفاضل مشرف موفع بوابتى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم يا أخى العزيز على ترحيبكم بى ، وإنه لشرف لى وكرم منكم أن تنشروا لى مقالاتى فى موقعكم الموقر . وإن قبلها الله تعالى منى فلكم فيها الأجر والثواب إن شاء الله ، وأسأله تعالى أن تكون فى ميزان أعمالنا وأعمالكم يوم الموقف العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم
د أحمد إبراهيم خضر
10/4/2008
23-03-2009 / 23:06:57 طالب العلم