د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2036
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تنازع الصلاحيات أمر مفروغ منه في الدستور، ووضع له المحكمة الدستورية كآلية لفض النزاعات التي قد ترقى الى الإساءة الى صورة الدولة أو تهدد استقرارها.
وفي الأيام التي نخوض فيها بصورة استثنائية انتخابات لخلافة رئيس الجمهورية المتوفى قبل انتهاء عهدته بشهور، هي بالضبط شهور تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية للعهدة الخمسية القادمة، نخوضها وأفئدتنا في أيدينا.
فكونها انتخابات رئاسية مبكرة، أي سابقة لأوانها وسابقة في ترتيبها، باعتبار أنها في العادة كانت تُجرى بعد التشريعية. وكونها انتخابات أصبحت بتقديمها مضغوطاً عليها بالتشريعية وبالمدة المحددة بالتسعين يوماً في الدستور، انخرط فيها الجميع وهو أقل استعداداً وتحضيراً لها كما لو كانت في أوانها.
فلم يكن بد من ظهور إخلالات في تنظيمها عملياً لم ترق الى حد الآن من حسن الحظ الى المخالفات التي يعاقب عليها القانون أو تهدد الاستقرار.
لكن ما جدّ أخيراً، في يومين متتاليين، من تصريحات لاثنين من أبرز المرشحين، أحدهما رئيس حزب من أهم الأحزاب، والآخر وزيراً من وزراء السيادة ولكنه مستقل. أثار الهلع في الأوساط، الى حد الخشية من تصاعد التوتر بما ينذر بإدخال الاضطراب في النفوس وانعكاسه سلبياً على المسار الانتخابي ككل.
وكأنما كلمة رئيس الدولة المؤقت في يوم افتتاح الحملة لم تمنع من وقوع المحظور، وهو الكشف من جانب ومن آخر في حوارات مع الرجلين، كل على قناة تلفزية خاصة، على تفاصيل أحداث جدت يوم الخميس المسمى بالأسود، وفي مناسبة مشابهة قبلها بشهر تقريباً، حين أُطلقت إشاعة وفاة الرئيس، أو قُربها، أو عجزه في أضعف الأحوال عن ممارسة مهامه واحتمال تَعيّن التفويضُ بها لرئيس الحكومة. من شأن هذه التفاصيل إدانة بعض التصرفات في دائرة السلطة التنفيذية، أو تأويل بعض التحركات لمنع كل مباغتة أو إجراء غير دستوري، أو استعجال في غير محله أو توقع متقدم من باب المحاكمة على نوايا. وهذه التصرفات أو التحركات سواء في دائرة الرئيس المريض وهو في المستشفى العسكري تحت سلطة وزير الدفاع، أو في دائرة السلطة التنفيذية برئاسة رئيس الحكومة أو في مجلس نواب الشعب، في تنازع أو على الأقل في تباحث بين المجلس وبين رؤساء الكتل، وبين رئيس المجلس نفسه الغائب يومها في نقاهة وبين نائبه الأول.
ولقرب الرجلين من تلك الأحداث كشفت تصريحاتهما، وإن في إطار الحملة الانتخابية، عن خفايا ألقت بظلالها على المشهد السياسي ليس فقط في تلك الأيام، وإنما ألقت الضوء في الوقت نفسه على سلوكيات سابقة، أقل ما يقال فيها أنها تنبئ على تصيّد كل طرف من الأطراف أو الأحزاب، المتنازعة على السلطة بينها وبين الوزراء المستقلين وبين خصومها المباشرين، تصيّد الفرصةَ السانحة للإمساك بزمام الأمور كلّ أكثر من غيره حتى لا يفوّت عن نفسه الدفاع عن شرعيته الدستورية من الانتهاك لحساب بعض الأطراف المناوئة.
وكما بينت لنا التجربة التي مررنا بها بسلام بعد انتقال السلطة، للرئيس المؤقت للجمهورية بشكل دستوري، لا غبار عليه رغم غياب المحكمة الدستورية لتجاوز تلك التوترات السابقة أو أية حركة مشكوك في دستوريتها، فإننا في هذه الانتخابات السابقة لأوانها لاختيار رئيس من بين أكثر من عشرين مرشحاً نبدو أحوج لليقظة والحذر، لأنه هو التداول السلمي للسلطة. ولأن كل ما سبقه والأحداث التي قبلها كانت إرهاصات للتداول وليست التداول ذاته للرئيس المؤقت، لأن هذا لا يسمى تداولاً بل مجرد انتقال وقتي لمهام رئيس الدولة بانتظار صاحب المنصب نفسه، الفائز في انتخابات رئاسية انتخاباً حراًً عاماً مباشراً وفق الدستور والمنتظر بعد الانتخابات الرئاسية لو تمت في أوقاتها العادية.
فالانتخابات السابقة لأوانها تحمل في ذاتها بذرة خاصة غير بذرة الانتخابات العادية.
----------
تونس في 5 سبتمبر 2019
----------------
وقع تحوير العنوان الأصلي للمقال كما وردنا
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: