د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2068
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هذه الانتخابات التي نعيشها، من يَعرف سابقاتها التي عشناها في عهد ما قبل التعددية السياسية وقيام هيئة عليا مستقلة لإدارتها من الألف الى الياء، يلمس تقدماً كبيراً حققناه في مجال الشعارات التي كان يرفعها حكامنا السابقون منذ الاستقلال، من ديمقراطية وحرية وحقوق إنسان، ولا يكادون يطبقون منها حرفاً، لأسباب كثيرة مبررة غالباً، منها تعويد الشعب تدريجياً على التعامل مع هذه المفاهيم الجديدة كما أصبحت تمارس في الدول المتقدمة، بدون إفراط ولا تفريط، لأن وضع الشيء الطيب في غير موضعه قد ينقلب الى ضده. ولذلك كانت نتائج ٩٩ فاصلة ٩٩ بالمائة في انتخاب الرئيس، لا تثير الا قليلاً من الناس أو معارضة إن وجدت للقدح فيها. ولما كنا في نظام الحزب الواحد كانت المعارضة لا يسمع لها صوت ولا تُنظَر لها طعون في المحاكم إلا صورياً.
وكان الصوت المسموع والمردد في الإعلام هو حياد الإدارة والشفافية والنزاهة، التي تضمنها كلها الدولة عن طريق تسخير كافة أجهزتها ودواليبها ومؤسساتها.
وبعد الثورة تقرر أن تستقل العملية الانتخابية بهيئة مستقلة للانتخابات والاستفتاء، تعضدها هيئة مستقلة كذلك للإعلام السمعي والبصري، لتضافر كل الجهود عبرهما من أجل تسيير العملية الانتخابية بكافة مراحلها دون تدخل من أجهزة الدولة أو دواليبها كالسابق.
ولذلك كنت أحد من تصور أن كلمة الرئيس المؤقت للجمهورية التي أعلن عن إلقائها عشية الجمعة والشعب يستعد للاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية ستكون تقليدية، تهاني وتمنيات بالعام الجديد للشعب التونسي والأمة العربية الإسلامية في سائر الأرض، ودعوات لوقف الحروب فيها وانتصار المقاومة في الأراضي المحتلة لاستعادة القدس وفلسطين.
فإذا الانتخابات الرئاسية، ومهمة الرئيس المؤقت في إنجازها في الوقت المحدد، هي كل كلمته التي ألقاها، خشية مما سماه "إشاعات وأقاويل" تمس بأجهزة الأمن والقضاء في سياق الأحداث التي واكبت الحملة الانتخابية للتشكيك في مصداقية الدولة، وشدد على وجوب التزام كل الأطراف المتدخلة في العملية الانتخابية بدورها في ظل حياد الإدارة ومعايير المنافسة والشفافية والنزاهة التي يضمنها الدستور، والاحتكام الى صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس الجديد، عملاً بالتداول على السلطة، والأهم كما قال تجديد الثقة في مصداقية الدولة، مكتفياً بوصف التداول على السلطة بالمهم. دون أن يعني في تقديرنا فصل المهم عن الأهم.
ويظهر أن إيقاف أحد المترشحين في السجن هو الذي عناه بأن الحملة الانتخابية بدأت قبل أوانها وسببت هذا اللغط الإعلامي الكبير الذي خشاه أن يثير تشويشاً على سير العملية الانتخابية، الى حد تشكيك بعض الناس في انتهائها بخير وربما توقفها. وكأنه أراد تطمين الجميع وحتى أصدقاءنا بالخارج الذين أشار الى انشغالهم بما يحدث وتساؤلاتهم: "يا هل ترى هذه الانتخابات باش تم، وباش تم بصفة شفافة؟".
وذكّر بصفته الساهر على الدستور مندداً "بالألسن الخبيثة" التي وراء هذا التشكيك.
وتنويهه، بأن نجاح هذه الانتخابات مرتبط بوعي الناخبين "وبحسن اختيارهم لمن سيتولى قيادة تونس في السنوات المقبلة "، يوحي بأن بين المترشحين مَن ينبغي أن يرقي وعي الشعب وحسن اختيار الناخبين الى قلة أهليته لتولي قيادة تونس، وبالتالي عدم التصويت له. وهذه مجازفة كلامية مع احترامي لسيادته، لأن اختيار المواطن لمن يصوت له لا يتوقف على درجة معينة للوعي عنده، أو لحسن الاختيار أو سوئه، فالصندوق وحده هو الفيصل، لأن المنصب والكرسي لواحد لا لأكثر، وإلا فكلهم - عند كل من ينتصر لمرشحه - أهلٌ للحكم.
وهم على اختلاف مشاربهم، ليسوا في مقام من يذَكّرون بواجباتهم وهم مبوبون للحكم من رئيس مؤقت مطالب فقط بإنجاز الانتخابات الرئاسية المبكرة في آجالها الدستورية، مع التمسك بالحياد التام، بعدم التدخل في مجرياتها، لوجود هيئات مستقلة وقضاء مستقل كذلك لمعالجعة كل أحداثها وحوادثها، وإن بنسبة من الرضى لا ترقى الى وجود محكمة دستورية وظروف عادية.
قلتُ ليسوا في مقام من يُذَكّرون "بصيانة مكاسب تونس التي تحققت ودعم الخيارات التي أكدها الدستور"، كما قال. فمن برامج بعض الأحزاب ورؤسائها أن يراجعوا الدستور وينقحوه ربما في جوهره، لعرضه على الاستفتاء، وليس يُثنيهم عن ذلك سوى إرادة الشعب عبر التصويت الحر النزيه.
وكما تباحث سيادته مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء، لضبط روزنامة الانتخابات الرئاسية المبكرة بالاقتراح على مجلس النواب لتعديل القانون الانتخابي حتى تظهر نتيجة التصويت قبل يوم من نهاية عهدته المؤقتة على رأس الدولة، دون التأخير ولو بيوم واحد، لتسليم مشعل الرئاسة للرئيس الجديد المنتخب انتخاباً شعبياً ديمقراطياً عن طريق الاقتراع السري، فإن صلاحيات الرئيس الجديد ستكون أوسع لاقتراح تعديل جذري في ذلك القانون الأساسي لهيئة الانتخابات، بحيث يعالج الاختلالات التي تبين، من خلال هذه الانتخابات المبكرة الأولى من نوعها، العجز عن التوقي منها حتى لا تُحدث التشويش والحيرة والتشكيك فتؤثر بدورها على النتائج.
حتى لا أعود الى القول كما قلت في السابق عن بعض الانتخابات التي عشتها إن نتائج الانتخابات هي إحدى ثلاث، نتائج رسمية ونتائج معارضة ونتائج حقيقية طي الصندوق. وتبقى هذه النتائج متضاربة فيما بينها الى أن تستقر الديمقراطية على نحو صحيح.
--------------
تونس في ٢ سبتمبر ٢٠١٩
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: