البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من كان في نعمة.. أو أبلغ كلام قاله الباجي في خطابه

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3785


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لم تكن مفاجأتي بشعر يَستشهد به سي الباجي في خطابه الأخير (حواره ٢٤ / ٩ /٢٠١٨)، ولكن بمطابقة ذلك الشعر للمقام، على المعنى البلاغي المشهور لكل مقام مقال.

فقد كان مقاله في توديع صديقه الشيخ راشد الغنوشي عند الباب بعد لقائه الحار به في قصر قرطاج، في موضوع السيد الشاهد وحكومته من النهضة، إن كانت ستسانده في تجديد الثقة على حساب التوافق مؤثِرة القطيعة مع حزبه ومع رئيس حزبه، أو تَحسِب للأمر ألف حساب.

هذا الشعر، الذي استشهد به الرئيس الباجي، وهو من جيل الزعماء من طينة بورقيبة وبن يوسف والبلهوان الذين كانوا يحلّون خطبهم ببليغ القول من الأشعار والأقوال المأثورة فضلاً عن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وللأسف قل مثيلهم، لاختلاف مناهج التربية والتعليم وغلبة ثقافة العصر الأجنبية على اللغة العربية في بلادها بتونس، أعتبره أبلغ كلام قاله سي الباجي في خطابه، يلخص به القطيعة التي أحدثتها النهضة معه بمساندة الشاهد ضد حزبه نفسه كما قلت وإرادة زعيم حزبه.

هذا الشعر، وإنما هما بيتان لا أكثر، لأن صحافيين - فيما رأيت - كتبا في الموضوع زادا بيتاً ثالثاً دون توضيح، مع ما في ذلك البيت من الخطأ، فوجبت الإشارة لأمانة النقل.

قلت إذن هما بيتان لابن حمديس الشاعر الصقلي المشهور (المتوفى 527 هـ /1133م ). وقد ذكّر الأستاذ الباجي بقصتهما مع ممدوح الشاعر الأمير المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، وكانت عروس الأندلس، وكان ابن عباد آنذاك في الأسر بأغمات بالمغرب على يد يوسف بن تاشفين أمير المرابطين. وكان ابن عباد وهو نفسه شاعر، بعث لصديقه ابن حمديس بأبيات يشكو حاله في الأسر ويستذكر ما كان فيه من عز ومنعة، مطلعها:

غريبٌ بأرض المغْرِبينِ أسيرُ… سيَبكي عليه منبر وسريرُ

فجاوبه ابن حمديس بأبيات مثلها يقول في مطلعها:

جرَى بك جَدٌّ بالكرام عَثورُ … وجارَ زمانٌ كنت فيه تُجيرُ

ومنها البيتان المشهوران:

تجيء خلافاً للأمور أمورُ … ويعدل دهرٌ في الوَرى ويَجورُ

أتيأسُ من يوم يناقضُ أمْسَه … وزُهر الدَّراري في البروج تدورُ

وهما البيتان اللذان ساقهما الأستاذ الباجي على سمع الأستاذ راشد وهو يودعه بباب قصر قرطاج بعد ما كان من إعلان القطيعة بينهما من جانب النهضة في قضية الشاهد، عندما سأله ماذا يقول أخيراً.

وهذا شعر لا يحتاج الى شرح، ولكن الحكمة فيه أن الشاعر قابلَ بين متناقضات هي شأن الحياة، قابل بين الأمور وخلافها، أي تقلب الأقدار، كما قد يقول قائل، وقابل بين العدل والجور بين الناس في هذه الدنيا التي لا تدوم على حال، أو هي كالأيام لا تشبه بعضها بعضاً وإن تشابهت، بما تحمله من هموم أو سرور، وأنها ستمضي هكذا كالفلك في دورته، وهو يخلبك بأنجمه الزاهرة وبروجه.. لأن هذا الدوران علامة على تقلب الأحوال، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يطمئن الى حال قد تعقبها حال أسوأ منها فيندم على ما فات، وهيهات ندم لا يمحوه أمل أو لا يعقبه أمل.

والبلاغة فيه أنه جاء على أسلوب الحكيم، أو ما يسميه البلاغيون في اصطلاحهم بهذا الاسم، وهو أن تفاجئ المخاطب بجواب على سؤاله، فتحيّره إجابتك لأنك تلقي على سمعه ما لم يكن يترقبه أو تتركه في حيرة من أمره، فيذهب عنك وهو أكثر قلقاً أو وهو أكثر حرجاً ماذا يقول أو ماذا يفعل.

وإذا استحضرنا الى الذهن مأساة ابن عباد - ولا نخال الأستاذ الغنوشي لم يستحضرها - حين لم يغتفر له قائد المرابطين يوسف ابن تاشفين، الذي جاء لتحرير الأندلس من ملوك الطوائف لما رآه من استقوائهم بعضهم على بعض بملوك الإسبان للنصرة على خصمه. فهزمه وأخذه أسيراً الى أغمات ليموت هناك حتف أنفه، لقاء موالاته لأعداء المسلمين وتصديه لدعوة المرابطين بفتح الأندلس من جديد بعد تطهيرها من ملوك الطوائف وتوحيدها تحت رايته.

يبقى أن البلاغة، القائمة كشأن اللغات عامة على المجاز والتشبيه، لا يفترض فيها أن يكون المثل المضروب أو الشعر الذي يستدعيه المتكلم لتحقيق غرض بياني في خطابه ومثلُه تضمين من القرآن والسنة، مقصوداً منه أن يستوفي فيه وجوه الشبه كلها بين المشبه والمشبه به أو المجاز ينطبق تماماً على واقع الحال الدائر فيه اللفظ على المعنى.

ولا أجازف إذا قلت بمناسبة هذين البيتين من شعر ابن حمديس اللذين جرى ذكرهما على لسان الرئيس الباجي في حواره إنهما أبلغ كلام قاله الباجي في خطابه، لأنه بهما يلخص القطيعة التي أحدثتها النهضة معه بمساندتها للسيد الشاهد في أزمته بالحكومة ضد حزبه نفسه كما قلت وإرادة زعيم حزبه. أقول ذلك خلافاً لبعض المتأدبين العصريين نعى، في مقال له عن اللغة الخداع، على الرئيس الباجي بأن لجوءه للشعر كدأبه في الاستشهاد قبل ذلك بالقرآن إنما يحاول أن يخفي به زيف خطابه وتهلل كلامه.

ولذلك قدرت أن الشاهد والنهضة والباجي، سيحدث بينهم ما لا تحمد عقباه ما لم يتفقوا على أمر، يكون فيه منجاة البلاد من الأزمة التي كلنا شريك فيها، كتونسيين وليس فقط كتونسيين مسؤولين في هذا المركز أو ذاك.

وكنت في مقال سابق قلت ما معناه في قضية مُعاصاة السيد الحبيب الصيد رئيس الحكومة آنذاك عن الاستقالة: إن المنصب قد يجعل صاحبه يستأسد. ولكن ما كل مستأسد يأمن قارضاً من القوارض لا يفتّت من شبكته فيندم ويتذكر قولة من قال: "من كان في نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر".



تونس في ٥ أكتوبر ٢٠١٨


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، نداء تونس، حركة النهضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 7-10-2018  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  على هامش الانتخابات الرئاسية القادمة صدور كتابين تاريخيين في طبعة جديدة
  حل الدولتين في مأزق النقض
  فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ
  المرحوم قاسم بوسنينة مثال نادر من الرجال المخلصين
  فعل المستحيل، أو بعبع حق النقض في يد إسرائيل بالتناظر لأمريكا
  أفكار يجرفها الطوفان
  كل ما تخسره إسرائيل بتطاول مدة الحرب تكسبه حماس
  يهود العالم في ولايات متحدة أمريكية صهيونية
  هدنة تفتح على حل دائم وإلا عودة لحماس أشد بأسا
  معركة الأسرى أقوى من معركة السلاح وفتيل النار
  كل الغثاء حمله الطوفان
  رب درس تأخذه من عند غير مدرس ولو من طوفان
  في غزة طوفان دموع اختلط بطوفان الأقصى
  فرنسا من المعاداة للسامية إلى المؤاخاة للصهيونية
  قمة العرب والمسلمين لمساندة طوفان الأقصى في غزة بما أوتوا من قوة الإختلاف والإئتلاف
  فلسطين بطوفان الأقصى دخلت حرب التحرير بالمعنى الجزائري الفريد
  إهلال الإسلام على الكون الجديد
  "‏الفيتو" الأمريكي البريطاني الفرنسي ملطوخ في غزة
  ‏إسرائيل تقتل نفسها عرقا عرقا في غزة
  إسرائيل «غريبة» أوروبا في الشرق الأوسط
  هذه حرب ظالمة لا حرب دفاع عن النفس
  مال الإسلام إرهاب
  الصراع الأمريكي الإسرائيلي
  ‏تركيا وإيران ومصر
  حل الدولة الواحدة
  التهور مزلة والإقدام عن تبصر مأمون
  الموقف التونسي
  ‌على أنفاس غزة
  لمحات شابية
  نيتشه الموت والحياة

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مراد قميزة، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمود علي عريقات، د. مصطفى يوسف اللداوي، صلاح المختار، د- هاني ابوالفتوح، كريم فارق، محمد الطرابلسي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د.محمد فتحي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، أنس الشابي، صلاح الحريري، د - شاكر الحوكي ، نادية سعد، د - الضاوي خوالدية، صفاء العراقي، فتحي الزغل، د. خالد الطراولي ، د. عبد الآله المالكي، أحمد بوادي، حميدة الطيلوش، منجي باكير، أحمد النعيمي، حاتم الصولي، فتحي العابد، عزيز العرباوي، حسن عثمان، محمد شمام ، أبو سمية، محرر "بوابتي"، محمد العيادي، إسراء أبو رمان، عمر غازي، محمد أحمد عزوز، محمد اسعد بيوض التميمي، جاسم الرصيف، فتحـي قاره بيبـان، رضا الدبّابي، يزيد بن الحسين، حسن الطرابلسي، د. أحمد بشير، طلال قسومي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رافع القارصي، الهيثم زعفان، محمود فاروق سيد شعبان، سلام الشماع، صالح النعامي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ماهر عدنان قنديل، سفيان عبد الكافي، أحمد الحباسي، أ.د. مصطفى رجب، محمد الياسين، فوزي مسعود ، خبَّاب بن مروان الحمد، ياسين أحمد، عبد الرزاق قيراط ، علي عبد العال، محمد عمر غرس الله، صباح الموسوي ، إياد محمود حسين ، د- جابر قميحة، عبد الغني مزوز، رمضان حينوني، الناصر الرقيق، العادل السمعلي، المولدي الفرجاني، د - عادل رضا، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، الهادي المثلوثي، مصطفي زهران، أحمد ملحم، وائل بنجدو، سعود السبعاني، محمود طرشوبي، د - مصطفى فهمي، سامر أبو رمان ، يحيي البوليني، سامح لطف الله، إيمى الأشقر، علي الكاش، عواطف منصور، د. أحمد محمد سليمان، د - محمد بنيعيش، د- محمد رحال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عمار غيلوفي، رافد العزاوي، عبد الله الفقير، عبد الله زيدان، سلوى المغربي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سيد السباعي، د. صلاح عودة الله ، صفاء العربي، د - صالح المازقي، تونسي، أشرف إبراهيم حجاج، فهمي شراب، رحاب اسعد بيوض التميمي، رشيد السيد أحمد، كريم السليتي، محمد يحي، ضحى عبد الرحمن، د - المنجي الكعبي، د. طارق عبد الحليم، عراق المطيري، محمود سلطان، د. عادل محمد عايش الأسطل، مجدى داود،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة