فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6123
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
- ليس صحيحا أن هناك اتفاقا على أن الخلافتين الأموية والعباسية خلافة شرعية، ولم يتفق على صحتيهما إلا الفقهاء من الذين يدورون في فلك السلطة أو المرضي عنهم من طرفها، وهم عموم من وصلتنا إنتاجاتهم الفقهية والتاريخية، وإلا فالتاريخ يعج بأخبار المذاهب الفقهية التي انقرضت لبعدها عن السلطان، وأخبار الحركات الاحتجاجية التي لم تكد تهجع يوما طوال قرون، وهي الاحتجاجات الفكرية والثورية واقعا التي تم تشويهها من طرف مفكري الحكام وفقهائهم ممن وصلتنا أعمالهم فأخذنا آرائهم على أنها مسلمات، منها أن الثائرين ضد الواقع هم خوارج وروافض ومبتدعة وغيرها من الألقاب
- الجماعات الجهادية تنطلق من نفس الأسس المفهومية لما يسمى المدرسة السلفية وفي خاصتها المذهب الحنبلي، وأحمد بن حنبل من أكبر أصحاب المذاهب ممن يعلي من شأن الحاكم (دعك من مسألة تعذيبه في مسألة خلق القرآن، فذلك كان لموقف فكري وليس سياسي، والدليل أن الخليفة الذي تلا من عذبه أعلى من شأنه وقربه)، هذه المدرسة كغيرها من المدارس الفقهية المرضي عنها سياسيا وتاريخيا، تعلي من شأن الحكام من ناحية، و من شأن حكام بني أمية خاصة حد اعتبار معاوية صحابيا ذا فضل، وابنه المجرم يزيد صاحب موقعة "الحرة" مغتصب نساء المهاجرين والأنصار وقاصف الكعبة، ذا أيادي بيضاء على المسلمين.
- مفهوم الطاغوت المتداول حاليا هو نتاج اجتهادات فترة التأسيس الأولى التي كانت فيها القوة العسكرية هي أداة الحاكم ومطيته لتغيير الواقع (عمل فقهاء السلطان على إخفاء أن السلطة الدينية هي الأداة الثانية وأنها كان يفترض أن تدخل في مفهوم الطاغوت)، ومنها صيغ ساعتها مفهوم الطاغية وأدواته، ثم تواصل استعمال نفس المفهوم لحد الآن، ولكن هذا أمر أصبح منقوصا حاليا، لان أدوات تغيير الواقع تجاوز السلطة السياسية، ثم إن القوة لم تعد مقتصرة على القوة العسكرية (هذا ماوضحته في نص سابق).
- عمل بنو أمية مبكرا على تدجين الإسلام والانقلاب على منظومته، وهم أول من أسس عمليا مفهوم فقهاء السلطان من خلال استحداث شرعية دينية لحكمهم لكي يستتب الأمر لهم، تم ذلك من خلال شراء ذمم العشرات من الصحابة والتابعين والإغداق عليهم، منهم من التحق مباشرة للدفاع عن بني أمية رغم أفاعيلهم (أبو هريرة وغيره الكثير)، ومنهم من اكتفى بالصمت والدعم الضمني للواقع، فيهم رموز كبار وعلى رأسهم مالك ابن أنس الذي كان يطرق أبواب بني أمية أول عهده طلبا للعطايا بزعم تفرغه للعلم، وحينما ذاع صيته واصلت كل السلطات دعمه ماليا والإغداق عليه لشراء سكوته (يقول الشافعي في ما معناه أنه بهت لكثرة الخيل والأنعام أمام مقر مالك حينما أتاه بالمدينة طلبا للعلم، كما انه تعجب من قوة السمت والهيبة التي اصطنعها مالك لنفسه من خلال التعالي الذي حازه بالتقرب من الحكام حتى انه لايمكنك التحدث معه مباشرة بل يكتب السؤال ويقدم لمالك لينظر فيه، طبعا الشافعي قال هذا في معرض المدح)، حيث رغم كل الفضاعات التي ارتكبها بنو أمية بحق المسلمين من اغتصاب نساء المهاجرين والأنصار في وقعة 'الحرة'، وهدم الكعبة، لم يحتج مالك، ولما جاء بنو العباس التحق بركبهم كعادته في التقرب من الحكام.
- خلال تلك الفترة، تم التأسيس لمنظومة متكاملة من المفاهيم تقوم على احتكار الإسلام وتصييره أداة في يد السلطة السياسية لتكريس الواقع، عن طريق محاور وهي خاصة:
- جعل الإسلام مؤسسة رسمية وليس دينا مشاعا لكل المسلمين، لتلك المؤسسة فقط حق النظر في فهم الإسلام وتفسيره، تم ذلك من خلال تكوين الصنميات الشخصية والرموز العلمية التي تصطنعها السلطات وتعلي من شأنها، ولا يقربها الناس ليسهل التحكم من خلالهم بالواقع.
- إنتاج فقه وظيفي يعمل على تكريس الواقع وينبذ عمليات تغييره، ويختزل الإسلام في أبعاد الفرد فقط، وتم تناسي الجوانب الجماعية والاجتماعية للإسلام.
- تتفيه وتسفيه كل عملية نقد للواقع ولكل من يتجرأ على الإتيان بما يخالف رأي الإسلام الرسمي الدائر في فلك السلطة، أي كل من يخرج عن الرأي الرسمي الذي يمثله الفقهاء والمؤرخون والعلماء عموما ممن بلغتنا أعمالهم إلا الاستثناء القليل.
- إنتاج مفاهيم احتكارية للإسلام، من مثل أن الإسلام لايفهمه إلا الشيوخ، مما ولد واقعا كهنوتيا يقارب ما كان للكنيسة زمن تغولها بأوروبا.
- إغراق النصوص الإسلامية بسيل من الأحاديث الموضوعة التي تجرم بل تكفر أحيانا كل من يمتلك وعيا يسعى من خلاله لنقد الواقع وفقهاء السلطان، تم ذلك إما بالوضع المباشر للحديث، وإما من خلال المغالطات المنطقية لما هو ثابت كالقرآن.
- اعتماد الحفظ لمتون الإسلام كمقياس للقدرة لفهم الإسلام والحديث فيه، والحال أن الحفظ لايؤشر على أية ملكة، باستثناء ملكة الحفظ وقوة الذاكرة، وهذا يفترض أن لا يكون عامل كاف لفهم الإسلام والتحدث فيه، ولكنه للأسف الواقع، فعموم المتحدثين هم ممن حفظ القرآن والأحاديث، ولكن الحفظ شيء والفهم شيء آخر
- فهم الإسلام يعتمد على العقل، إذن فالأكثر قدرة على استعمال العقل وأدواته كالمنطق والرياضيات هو الأجدر بفهم الإسلام، وعليه كان يجدر أن يقع استبعاد كل ممن يتحدث في الإسلام من الشيوخ ممن لا زاد علمي رياضي ومنطقي له.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: