نساء يدفعن لوحدهن ثمن التمسك بالمبادىء (2) طلقها رغم تضحية اكثر من عشر سنوات وقصة حب طويلة
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 811
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نساء يدفعن لوحدهن ثمن التمسك بالمبادىء (2)
طلقها رغم تضحية اكثر من عشر سنوات
توضيحات أولية:
1- ما سأكتبه يعد شهادة للتاريخ، فأنا سأذكر قصصا حقيقة وليس فيها أي تزيّد او خيال، الا ما تقتضيه الصياغة
2- الاسماء المذكورة لن تكون في الاغلب حقيقية، كما اني لن اذكر الاماكن بدقة
3- كل من تمكن من معرفة الابطال الحقيقيين للقصص، يرجى منه عدم ذكر اي شيىء او التعليق بذكر الاشخاص او اهلهم، لان هذه القصص مازال دمها ينزف في الكثير منها
4- ماهي مصداقية ما ساذكره، وكيف عرفت بالتفاصيل خاصة ان اغلبها تهم نساء، للاجابة عن هذه الزاوية، ساذكر بعضا من المعطيات بالقدر الذي يهم هذا الموضوع:
* هؤلاء النسوة لسن نساء عاديات اي لسن مجرد زوجات او بنات ناشطين مثلا، وانما هن نساء ناشطات فاعلات كن يمارسن العمل الحركي الطلابي بمختلف مستوياته، وشاركن في المواجهات التي حدثت سنة 1991، وخاصة مواجهات ماي 1991
*الحقيقة ان زوجتي كانت ايضا من ضمن مجموعة النساء تلك، وهي التي مدتني بالمعطيات حول حال الاخوات هؤلاء وماذا صار لهن من معاناة وغيرها، كما انها تعرف الكثير من تفاصيل علاقاتهن "العاطفية" مع بض الاخوة زمن الفترة الطلابية، بما يسمح لي من تقرير كون هناك علاقات وقصص انتظار لوعود زواج اجهضت
*انا كنت ناشطا في خلايا الاتجاه الاسلامي بالجامعة، وكنت بالطبع معنيا بالانشطة بالجامعة واعرفها واعرف رموزها في الجزء الجامعي على الاقل الذي انشط به
* لمن لايعرف النشاط الجامعي ساعتها، فانه توجد ثلاثة مستويات للتنظيمات: العمل النقابي والعمل الثقافي وهو الذي ينتخب فيه الطلبة ممثلي الهيئة الثقافية، وهذان مستويان معلومان عامان ويهم كل الطلبة ويتنافس فيه كل الطلبة
لكن هناك تنظيم اخر وهو التنظيم الحزبي وما يهمني وهؤلاء الاخوة، هو تنظيم الاتجاه الاسلامي بالجامعة، وهذه هيكلية عقدية حزبية منضبطة وانشطتها سرية، وحتى اعضاءها غير معروفين من الطلبة انهم يقومون بعمل سري او منتمي لشيئ اسمه الاتجاه الاسلامي، واغلب المنتمين لخلايا الاتجاه الاسلامي لا يمارسون الانشطة العلنية النقابية او الثقافية، وانما يتحركون في مهمات معينة مثلا المواجهات مع الامن او غيرها من الامور الاخرى، وبالطبع مواجهات ماي 1991 قادها وكان عمادها خلايا الاتجاه الاسلامي، وان كان بجزئنا الجامعي شارك البعض الاخر من الطلبة العاديين لاقتناعهم ربما بتلك المواجهات
ولان الكثير من خلايا الاتجاه الاسلامي غير معروفين لدى الطلبة بصفتهم تلك، فان مواجهات ماي 1991 بجزئي الجامعي، وهي المواجهات التي وقعت بالليل وتهجم فيها على مركز امن ووقع ما وقع، جزء ممن خاضها رجعوا للسكن الجامعي كأن شيئا لم يكن، لانهم اصلا غير معروفين، ولم يهرب الا اولئك الذين هم من الناشطين المعروفين علنيا ممن اصبح مطاردا
* اساسا حينما بدأ النظام الصدام مع الحركة الاسلامية بمواجهات ماي 1991، فان جسم الاتجاه الاسلامي بالجامعة كان في اغلبه سليما ولم يمس الا قليلا، ودليله اننا لما كنا بصدد الخروج للعطلة الصيفية اي بعد ماي 1991، تم الاتصال بنا واخذ عناويننا في الجهات، استعدادا لمواجهة قد تقع بالصيف، ما يعني ان الهياكل لم تمس
* لكن ماوقع ان خللا ما حدث في مستوى القيادة العليا والوسطى، منع وقوع تلك المواجهات، وبقي ذلك الجسم القوي ينتظر التعليمات التي لم تأت، حتى بدأ النظام بقضم الجسم والقبض المتتالي على اعضائه، الى ان تفكك، وتفرقت عناصره، وقام بعضهم بمحاولات اخرى لاحياء العمل ولكنها كانت مجهودات غير مركزية وغير قوية
* ثم هناك مجموعة قصص اخرى لا تتعلق بنساء الفترة الطلابية وتلك اعرفها من خلال اصحابها مباشرة، او نقلت لي
***************************************
طلقها رغم تضحية اكثر من عشر سنوات وقصة حب طويلة (1)
نشأت سلمى فتاة يتيمة الأم في إحدى أرياف جهة صفاقس، ثم مالبث أن توفي أبوها، فتكفل بها أخوالها واعتنوا بتربيتها ودراستها حتى وصلت الجامعة، وكانت فتاة نموذجا في قوة الشخصية و صلابة الارادة والاقتناع بالاسلام أن يسود ويضبط الواقع
كانت سلمى تنشط في المستويات العلنية وغير العلنية من العمل الطلابي، فسلمى كانت كم من مرة تنقل الوثائق السرية لخلايا الاتجاه الاسلامي من القيادة خارج الجامعة، وكانت سلمى ذات حدس أمني رهيب بحيث يمكنها تعقب واكتشاف العناصر الامنية المندسة في التجمعات الطلابية
كما أن سلمى كانت تنشط في المجال الثقافي، وقد ترشحت للانتخابات المخصصة لتلك المسائل وفازت، وحولت مقر الهيئة الثقافية بالجزء الجامعي ذلك لخلية نحل، حيث المعلقات والانشطة الترفيهية المخصصة لعموم الطلبة ممن انتخبوها
وكان فخري من أولئك الناشطين في المجال الثقافي أيضا، وكان ابتداء أقل تميزا من سلمى ودليله أنها التي ترشحت للقيادة وفازت، وكانا الاثنان يركزان مجهوداتهما على تلك الانشطة الثقافية خدمة للمشروع الاسلامي وكسبا لأصوات الطلبة العاديين
نشأت علاقة عاطفية بين فخري وسلمى، والحقيقة أن العلاقات العاطفية بين الطلبة كانت أمرا شائعا من تلك العلاقات التي يعهدها الناس كل حين
لكن العلاقات العاطفية بين الطلبة الاسلاميين ذات مغزى اخر، كانت أكثر من مجرد علاقة بين قلبين، كانت تعاهدا على الوفاء لمشروع والتضحية من أجله، إنه مشروع الاسلام واعتبار الاذى الحاصل جهادا في سبيل الله، لذلك فإن هذه القوة المبدئية كانت سببا للكثيرين نساء ورجالا للصمود أمام ضغوطات الاهل والواقع عموما، وهو صمود يقدر بقدره، فمنهم من يصمد ولا يتزحزح إلى أن يتكسر ومنهم الذي يصمد بقدر ضئيل، ولكن في كل الحالات فإن وجود المبدئ يحول عاطفة الحب لقوة جبارة
ثم من أجل تأكيد تميز علاقتهما المبدئية، كانت هذه الحوامل الطرية للمشروع الاسلامي أي هؤلاء الشباب، تصر عادة على صبغ انشطتها الترفيهية بالتميز الظاهر وترك بصمة مبادئهم فيه، فزواجهما يجب أن يكون على غير ماعهده الناس مخلوطا بمظاهر العري والسكر والاختلاط، وهما يرفضان ذلك ومستعدان عادة لمواجهة كل الارض في سبيل امضاء رايهما
كان فخري من الذين ينشطون في المجال العلني بالجامعة، ولذلك فإنه كان من أول المطلوبين والمطاردين بعيد مواجهات ماي 1991، ثم أمضى بضع سنوات مختفيا، تزوج خلالها سلمى وهو بحالته تلك حيث لم يكمل دراسته وكان يشتغل شبه متنكر في عمل بسيط، وانجبا ابنا اسمه محمد
وكان أهل فخري يرفضون زواج ابنهم من سلمى، ولايعرف السبب تحديدا، ولعله موقف بسبب تكبر وشعور التعالي الجهوي حيث فخري من العاصمة وهي بالمقابل ابنة ريف ويتيمة، ولكن فخري كان يحب سلمى ويجتمع معها في مشروع مبدئي فزوده كل ذلك بطاقة جعلته يصد رفضهم ويتزوج رغما عن أهله
ولأن فخري أساسا مطلوب لدى اجهزة بن علي، فإنه سرعان ما وقع القبض عليه في قضايا أنشطته الجامعية ومواجهات ماي 1991، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات، وبدأ في تمضيتها
وفي عمليات الاتصال بزوجها المسجون، حصل ان التقت سلمى بأهل زوجها بغرض التنسيق في ذلك، وهم من هم في كرههم لها، فكان أن قبضوا عليها واغلقوا عليها الابواب واستهموا في ضربها حد التسبب لها في كسر، وكانوا يرون أنها هي من غررت بابنهم وسبب ضياع مستقبله
وجدت سلمى نفسها تواجه واقعا فظيعا موحشا كأنما ألقي بها في الفراغ، حيث إنها امراة يتيمة لا أهل لها تقريبا، واهل زوجها يمقتونها، ولها ابن صغير لايجاوز العامين، وليس لديها شغل قار والمجتمع يرفضها اذ انها فضلا انها "خوانجية" زوجها مسجون، فانه لا احد يسأل عنها او يذكرها بحسن