البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

صلاح البيطار.. أبو "البعث" الذي قتله أبناؤه

كاتب المقال محمد خير موسى   
 المشاهدات: 1407



كان الشيخ سليم البيطار من أبرز علماء حي الميدان الدمشقي، وكان يلقب "الفرضي" فهو المرجع في علم الفرائض ومسائل المواريث.

أنجب الشيخ سليم أربعة أبناء كانوا جميعًا من العلماء والمشايخ المعروفين في دمشق، وهم الشيخ محمد البيطار وكان يشغل منصب أمين عام الفتوى في دمشق، والشيخ عبد الرزاق البيطار وقد ألف حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، والشيخ عبد الغني البيطار وكان بارعًا في الفقه الشافعي حتى لقبه المشايخ بـ"الشافعي الصغير"، والشيخ خير البيطار الذي كان من أبرز دعاة حي الميدان الدمشقي وأنجب مجموعة من الأبناء أحدهم ولد سنة 1912 وأسماه صلاح الدين.

فصلاح الدين البيطار هو ابن بيئة أسرية زاخرة بالعلماء والدعوة الإسلامية، غير أنه فور انتهاء دراسته الثانوية انتقل إلى جامعة السوربون في فرنسا ليدرس تخصص الفيزياء، وهناك في السوربون كان اللقاء الأول بينه وبين ميشيل عفلق، وغدت العلاقة أوثق من مجرد صحبةٍ دراسية لينتقل إلى الفكر النقيض للفكر الذي تربى عليه في دمشق وليتبنى الفكر الاشتراكي الفرنسي ويكفر بمبادئ الإسلام وتعاليمه.

في دمشق بوجهٍ جديدٍ
عاد صلاح الدين إلى دمشق لينخرط في سلك التدريس غير أنه سرعان ما بدأ عمله السياسي مع رفيقه عفلق ليشكلا معًا "جمعية الإحياء العربي" فاستقال من التدريس عام 1942 ليتفرغ لرسالة البعث التي شارك في تأسيس حزبها "حزب البعث العربي الاشتراكي" مع رفيقه عفلق وحليفهما أكرم الحوراني.

اللافت في هذه العلاقة بينه وبين عفلق حجم تناقض كل مهما مع بيئته الأسرية التي نشأ فيها، فعفلق الذي نشأ في بيئة مسيحية أرثوذوكسية كان أشد اعتزازًا بالإسلام من صلاح الدين البيطار، وكان يرى أن الإسلام أحد مكونات القومية العربية ورافدٌ عميق لا يمكن للقومية العربية أن تقوم دونه.

بينما صلاح الدين البيطار الذي نشأ في بيئة مشيخية شرعية كان رافضًا عنيفًا للإسلام إلى درجة العداء معه، حتى إنه حذف من اسمه كلمة "الدين" فكان يرفض أن ينادى صلاح الدين ويصر أن اسمه فقط "صلاح البيطار".

مع الوحدة ومع الانفصال
كان صلاح البيطار من أوائل الموقعين على وثيقة الوحدة بين سوريا ومصر ومن أبرز الداعين إليها، وكانت المفاجأة أنه أيضًا كان من أوائل الموقعين على وثيقة الانفصال وإنهاء الوحدة عام 1961، وهنا برز الموقف المتناقض بين البعثيين والإسلاميين.

فالبعثيون المنادون بالقومية ورافعو شعار الوحدة العربية كانوا أول من وقع على وثيقة الانفصال وإنهاء الوحدة، بينما الإسلاميون الذين ذاقوا الويلات من جمال عبد الناصر ونكل بهم نظام الوحدة تنكيلًا فظيعًا، رفضوا رفضًا قاطعًا التوقيع على وثيقة الانفصال وكانوا كلهم يرددون عبارة الأستاذ عصام العطار: "الوحدة أكبر من أخطائها".

وعندما ارتفعت الأصوات الشعبية مستنكرةً هذا التناقض البعثي الصارخ بين المنطلقات النظرية والأهداف المعلنة في الوحدة والحرية والاشتراكية والتطبيق العملي السلوكي، سارع صلاح البيطار إلى إعلان سحب توقيعه على وثيقة الانفصال في محاولةٍ لحفظ ماء الوجه، معلنًا أن سبب سحب توقيعه على وثيقة الانفصال هو ما تبين له من أن هذا الانفصال ضد وحدة النضال في الوطن العربي، ولكن ما فائدة هذا بعد أن انتهى كل شيءٍ وقضي الأمر؟!

رئيس الوزراء البعثي المنقلب والمنقلب عليه
كان صلاح البيطار أحد أهم أعمدة انقلاب البعث في الـ8 من مارس/آذار 1963 وكان رئيس وزراء حكومة البعث الأولى التي شكلها مجلس قيادة الثورة عقب الانقلاب، فكان أحد أبرز الذين رسخوا سلطة الانقلاب وقمعوا الحريات وألغوا كل الأحزاب عدا الحزبين الشيوعي والناصري اللذين أيدا الانقلاب.

واستمر صلاح البيطار رئيسًا للوزراء أربع مرات متتالية إلى حين قيام صلاح جديد وحافظ الأسد بانقلابهما البعثي على البعث نفسه الذي عرف باسم حركة 23 فبراير/شباط 1966.

اعتقل صلاح البيطار فترةً يسيرة تمكن بعدها من الفرار إلى بيروت واستقر فيها، وفي عام 1969م أصدرت قيادة البعث الجديدة حكمًا بالإعدام الغيابي على البيطار، وفي عام 1970 عندما قام حافظ الأسد بانقلابه حاول مد الجسور مجددًا معه فأصدر عفوًا عنه ما لبث صلاح البيطار أن رجع عقبه إلى دمشق، وعندما شعر أن حافظ الأسد يريد استغلاله لمآربه الشخصية ويتخذه وسيلةً لتثبيت أقدامه في الحكم سارع بالمغادرة إلى باريس وأقام بها.

الصراع البعثي حتى الرمق الأخير
شعر حافظ الأسد بأن وجود ميشيل عفلق في بغداد يمثل ثقلًا محرجًا له كون عفلق الأب الروحي لحزب البعث، فاتصل مجددًا بصلاح البيطار أبرز الآباء المؤسسين مع عفلق عام 1978، ودعاه إلى دمشق واجتمع معه على مدار أكثر من خمس ساعات كانت عاصفةً وفشل حافظ الأسد في إقناع صلاح البيطار بالإقامة في دمشق ليكون ثقلًا مكافئًا لثقل وجود ورمزية وجود عفلق في بغداد عند صدام حسين عدو حافظ الأسد اللدود.

وبعد الاجتماع مباشرة رجع البيطار إلى باريس، وفيها أعلن إصدار مجلة "الإحياء العربي"، مستعيدًا بذلك اسم الجمعية الأولى التي أسسها مع رفيقه ميشيل عفلق، ورغم أنه أصدر هذه المجلة، ففي الحقيقة لم يكن يمتلك ذخيرة أو آثارًا فكرية كتلك التي كان يملكها رفيقه الأب المؤسس عفلق.

كانت هذه المجلة منبرًا لمعارضة نظام الأسد ومركزًا يلتف حوله أعداء حافظ الأسد من القوميين والبعثيين وغيرهم، حتى بدأ حافظ الأسد يستشعر أن صلاح البيطار غدا يشكل خطرًا على نظام حكمه بما يملكه من إرث بعثي تاريخي، فهو أحد الآباء المؤسسين للبعث الذي يتغنى به حافظ الأسد ويحكم باسمه، ومن جهة أخرى بدأت بعض الأنظمة العربية المناهضة والمعادية لحافظ الأسد بالتواصل معه، فما كان من الأسد إلا أن تعامل معه بمنطق كاتم الصوت الذي يتقنه المستبدون والطغاة، فأطلقت رصاصة من كاتم الصوت على عنق صلاح البيطار من الخلف في باريس لتطوى صفحة أحد أهم الآباء المؤسسين للبعث بأيدي أبنائه البعثيين يوم 21 من يوليو/تموز 1980.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

صلاح البيطار، البعث، سوريا، العراق،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 14-05-2020   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد اسعد بيوض التميمي، محمود فاروق سيد شعبان، سيد السباعي، محمد الياسين، رافد العزاوي، منجي باكير، أحمد النعيمي، صلاح المختار، أحمد ملحم، أحمد الحباسي، المولدي الفرجاني، سلوى المغربي، خبَّاب بن مروان الحمد، محرر "بوابتي"، د - محمد بنيعيش، وائل بنجدو، الهيثم زعفان، يزيد بن الحسين، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. عبد الآله المالكي، د - عادل رضا، سامح لطف الله، عمار غيلوفي، عبد الله زيدان، محمد شمام ، إياد محمود حسين ، ياسين أحمد، سليمان أحمد أبو ستة، مصطفى منيغ، الناصر الرقيق، أبو سمية، صلاح الحريري، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مجدى داود، مراد قميزة، أنس الشابي، نادية سعد، محمد أحمد عزوز، إسراء أبو رمان، عمر غازي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رمضان حينوني، د- محمود علي عريقات، سفيان عبد الكافي، د- محمد رحال، د - مصطفى فهمي، سلام الشماع، د - محمد بن موسى الشريف ، فتحـي قاره بيبـان، فتحي الزغل، عراق المطيري، د - شاكر الحوكي ، محمد العيادي، حسن عثمان، د. خالد الطراولي ، فهمي شراب، فوزي مسعود ، د. صلاح عودة الله ، د - صالح المازقي، جاسم الرصيف، حميدة الطيلوش، رضا الدبّابي، علي الكاش، صالح النعامي ، محمود طرشوبي، عزيز العرباوي، صفاء العراقي، محمود سلطان، محمد عمر غرس الله، مصطفي زهران، تونسي، عبد الغني مزوز، فتحي العابد، محمد الطرابلسي، حسني إبراهيم عبد العظيم، خالد الجاف ، طلال قسومي، د.محمد فتحي عبد العال، صفاء العربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد بوادي، د- جابر قميحة، إيمى الأشقر، عواطف منصور، عبد الله الفقير، الهادي المثلوثي، عبد الرزاق قيراط ، رشيد السيد أحمد، د - الضاوي خوالدية، ماهر عدنان قنديل، حسن الطرابلسي، كريم السليتي، سعود السبعاني، محمد يحي، سامر أبو رمان ، د- هاني ابوالفتوح، أحمد بن عبد المحسن العساف ، يحيي البوليني، أشرف إبراهيم حجاج، د. طارق عبد الحليم، د - المنجي الكعبي، علي عبد العال، كريم فارق، رافع القارصي، العادل السمعلي، حاتم الصولي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. أحمد محمد سليمان، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، د. مصطفى يوسف اللداوي، ضحى عبد الرحمن، رحاب اسعد بيوض التميمي، أ.د. مصطفى رجب،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة