البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

نزيف الديمقراطية في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1610



أساءت النخبة السياسية التونسية صنعا بتونس، وهي تستنزف التجربة الديمقراطية بحماس حتى تنز دما. ما يجري الآن (الأسبوع الثالث من شهر شباط/ فبراير2020) يجعلنا نكتب بكثير من عاطفة توجع التحليل ونألم لحال الناس والبلد والتجربة. لا نحتاج إلى استحضار نظرية المؤامرة الخارجية التي خشينا منها على التجربة التونسية الناجية الوحيدة من تجارب الربيع العربي.. إننا نرى انهيارها من داخلها بيد أبنائها ذوي الصوت العالي في الديمقراطية والثورية. وحتى لو تم بعد الآن اختراع توافق اللحظة الأخيرة حول حكومة، فإنها ستكون حكومة أعداء عاجزين عن التفاهم بما يقرب أجلها الدستوري.

التواضع الغائب أو الكبر الفاحش

كان مطلوبا من الأحزاب الفائزة في انتخابات 2019 أن تبني توافقات الحد الأدنى بالكفاءات الموجودة، للخروج بحكومة مقبولة نسبيا والشروع بسرعة في حلحلة الوضع الاقتصادي المتأزم والذي زاده انحباس الغيث ترديا. لكن تنطع الجميع وركب رأسه، وخاصة الأحزاب الجديدة ذات الكتل المتوسطة، والتي زايدت بالثورية حتى تبين زيف خطابها بين حكومة الجملي وحكومة الفخفاخ فانتهت إلى أرقام بلا معنى ولا قدرة على التأثير الإيجابي.

هذا الكبر السياسي استهدف في ظاهره حزب النهضة لحرمانه من موقع متقدم في قيادة الدولة معادل لحجمه البرلماني، أي حجمه في الشارع أو في الصندوق الانتخابي. لكنه في النتيجة أضرّ بالبلد وبالتجربة الديمقراطية، إذ انتهى بإفراغ الصندوق الانتخابي من معناه وسلم البلد للخارج، فقطع الأمل من الصندوق في أية انتخابات قادمة، هذا إذا بقي مسار الانتخابات قائما في المستقبل.

فقد حزب النهضة الكثير بهذه المناورات الصغيرة وهو يبحث الآن عن وجود أدنى في المشهد السياسي، ويعتبر خصومه أنهم انتصروا وقد صفقوا وزغردت نساؤهم وبعض رجالهم لسقوط حكومته، لكن الخسارة تتجاوز حزب النهضة إلى كافة المشهد الديمقراطي. لقد فقد الصندوق الانتخابي معناه عند الناس.

حكومة غير منتخبة

انتهت مناورات المرحلة الأولى إلى تقدم حكومة غير منتخبة، وما كان متاحا بحكم الصندوق انتقل إلى الخاسرين في الصندوق. فالسيد الفخفاخ فشل كمرشح رئاسي وظن الرابحون/ الخاسرون أنهم عثروا في شخصه على الرجل الكفء المتواضع الذي سيؤلف منهم حكومته، فإذا هو يجمع حوله الأخسرين ويفتح الحكومة لأصدقائه ويضع المنتخبين في وضع مهين؛ أن صوتوا لحكومتي واصمتوا.

وهو يتحرك في وضع مريح، منطلقا من أن من سلمه الحكم عاجز عن العودة إلى الوراء واستبعاده. لقد سُلِّم مفتاح بيت لم يبنه، فأخرج ساكنيه واستقر به على هواه أنه يتحول إلى حالة استيطان سياسي بلا مقابل انتخابي. وهو يستفيد بعد من الشحن الأيديولوجي الذي أسقط حكومة الجملي ويستثمر فيه، فما دامت جذوة الصراع مع الإسلاميين مشتعلة فهو يتحرك مرتاحا" و"الكوتش" الخارجي يراقب مرتاحا.

ولقد كتبنا دوما أنه ما دامت معركة الاستئصال بوجهها الناعم ووجهها الدموي جارية في تونس، فإن التجربة مهددة وما يجري الآن تحت أنظار الناخب التونسي المحبط هو استثمار شرير في هذه المعركة لغير مصلحة البلد. فكيف يمكن إقناع هذا الناخب في المستقبل بأن خلاصه في الذهاب إلى الصندوق الانتخابي، وهو الذي انتخب منذ 2011 ليجد غير المنتخبين يحكمونه بينما يذهب صوته وأمله هدرا؟

الذين مارسوا الخصاء الذاتي نكاية في ضرتهم الأيديولوجية لم ينتبهوا أو لعلهم مستمتعون بخصائهم السياسي ما دام خصمهم قد أخرج من المشهد، لكنهم لم يعوا ولا نراهم يعون أن خسائرهم تفوق خسائر خصمهم المنبوذ. ولذلك نسمع اصطكاك ركبهم خوفا من العودة من جديد إلى الصندوق الانتخابي بعد كل العبث السياسي الذي مارسوه، والذي زاد في وعي الناخب بأنهم غير جادين إلا في معاركهم الخاصة والتي ليست معارك الشعب التونسي.

نراقب حالة القرف الشعبي ونعي أنها مدمرة للرغبة في المشاركة الشعبية، ولكن نعي أيضا أن كثيرا من الوعي بطبيعة التكوينات السياسية الظاهرة قد زاد (وهذا هو المكسب الوحيد)، ولذلك فإن البقية الباقية من الذين قد يذهبون إلى الصندوق مستقبلا ستعاقب بقسوة أولئك الذين فوتوا عليهم فرصة احترام نتائج الصندوق وأهانوا قرارهم الانتخابي، إذ قدموا الخاسرين للحكم.

التجربة مهددة من داخلها أولا

يكفي أعداء التجربة التونسية من خارجها أن يجلسوا مرتاحين وهم يتابعون انهيارها، دون أن يكلفهم ذلك حتى بعض ما أنفقوه على حفتر لتخريب التجربة الليبيبة، أو ما دفعوه لتخريب التجربة المصرية.

هل تواطأت أحزاب الداخل مع جهات خارجية ضد التجربة؟ لا نستسهل توزيع الاتهامات ولكن نقرأ النتيجة. فأن تفشل تجربة الانتقال الديمقراطي السلس بواسطة الصندوق الانتخابي، فهو يصب في مصلحة أعداء التجربة. إنها خدمة مجانية قدمت لهم ولم تكلفهم الكثير.

لكن لا يمكن أن نمر بعملية تقييم لما يجري دون أن نلحظ اليد الفرنسية في حكومة السيد الفخفاخ. إن بصمة حزب التكتل، عضو الاشتراكية الدولية والذي تربي فيه السيد الفخفاخ وتعلم السياسية، واضحة في اختياره للوزراء، وما استقالته من الحزب عند تلقي التكليف إلا تمويها مفضوحا.

لقد باع السيد الفخفاخ (أو من اقترحه من وراء ستار) لرئيس الدولة وعدا بتسهيل علاقاته مع الغرب وتسويقه كرجل ديمقراطي منتخب، وهو الذي يدفع الآن كلفة جملته الكبيرة "التطبيع خيانة عظمى". لقد وفرت له تلك الجملة أصواتا في الصندوق، ولكنها أقامت حاجزا بينه وبين الغرب، وفرنسا صديقة الصهيونية بالتحديد. ويبدو أن سعادته بالفخفاخ هي سعادة من وجد مفتاحا لباب أغلق في وجهه، وليس أفضل من حزب الاشتراكية الدولية (والسيد بن جعفر الذي يتحرك في خلفية الفخفاخ) ليفتح هذا الباب المغلق. وهنا نصل إلى فهم أوضح لقوة الفخفاخ في تشكيل حكومته دون المنتخبين. إن عنصر قوته يأتيه من خارج البلد، وهذا هو العنوان الأوضح لتخريب التجربة التونسية.

لقد كتبنا دوما أن فرنسا هي من تختار من يحكم تونس، وعندما وصل قيس سعيد إلى الرئاسة حمدنا الله أن كان تحليلنا خاطئا، ولكن لم يطل بنا الزمن لنجد فرنسا تختار لنا حكومتنا وتفرض أصدقاءها في مواقع القرار، وتحاصر الرئيس ذا الخطاب السيادي.

هل هذا تهديد خارجي؟ إنه رغم الدور الفرنسي الخفي الذي نرى علاماته في تشكيل الفخفاخ تهديد داخلي أولا؛ لأن الداخل هو من يمكن دوما لليد الخارجية أن تعبث بالوضع الداخلي، لذلك فإن خشيتنا على التجربة والذي يتحول إلى حزن عليها وأسف شديد؛ هي خشية من نخبة لم تجدد خيالها السياسي ولا نراها تفعل وتتحرك بعد في خريطة وعي ما قبل الثورة وما قبل الديمقراطية.

إنه خيال سياسي يعجز أن يتحرر من تصور أن فرنسا تملك أن تسقط السماء فوق رؤوس التونسيين، بما يضطر حتى الرئيس الشعبي المستقل إلى لحس خطابه السيادي التحرري وانتظار الدعوة إلى زيارة فرنسا، حيث لن يحظى حتى بلحظة الخطاب أمام البرلمان الفرنسي، وهي الفرصة التي فرضها المرزوقي ذات يوم، ولن يحظى بها سعيد مثلما لم يحظ بها بورقيبة أبدا.

لقد أفرغت النخبة التونسية التجربة من زخمها الديمقراطي وروحها الاستقلالية لتعيدها حيث خطط بورقيبة دوما، حيث لا يزال يحكم تونس من قبره.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الياس الفخفاخ، تشكيل الحكومة، إسقاط الحكومة، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-02-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسن عثمان، سيد السباعي، صالح النعامي ، فتحي العابد، عزيز العرباوي، محمد الياسين، مصطفي زهران، د - محمد بنيعيش، سلوى المغربي، د. طارق عبد الحليم، المولدي الفرجاني، كريم فارق، د- محمود علي عريقات، محمد اسعد بيوض التميمي، حاتم الصولي، ياسين أحمد، صفاء العربي، أحمد الحباسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رمضان حينوني، عمار غيلوفي، مصطفى منيغ، د - المنجي الكعبي، محرر "بوابتي"، عبد الغني مزوز، أ.د. مصطفى رجب، أنس الشابي، د.محمد فتحي عبد العال، الهيثم زعفان، أحمد النعيمي، د - محمد بن موسى الشريف ، رافع القارصي، فهمي شراب، د. ضرغام عبد الله الدباغ، كريم السليتي، صباح الموسوي ، محمود فاروق سيد شعبان، حميدة الطيلوش، عواطف منصور، محمد أحمد عزوز، مجدى داود، نادية سعد، حسن الطرابلسي، صلاح الحريري، تونسي، د. أحمد بشير، فتحي الزغل، سامر أبو رمان ، عبد الرزاق قيراط ، د. أحمد محمد سليمان، خبَّاب بن مروان الحمد، جاسم الرصيف، د. عادل محمد عايش الأسطل، سلام الشماع، عمر غازي، د- هاني ابوالفتوح، إياد محمود حسين ، د- جابر قميحة، علي الكاش، سامح لطف الله، عبد الله الفقير، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود طرشوبي، الناصر الرقيق، د - الضاوي خوالدية، ضحى عبد الرحمن، منجي باكير، محمد شمام ، أحمد بوادي، د. خالد الطراولي ، الهادي المثلوثي، د. صلاح عودة الله ، د - مصطفى فهمي، د - شاكر الحوكي ، محمد عمر غرس الله، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، العادل السمعلي، صفاء العراقي، يزيد بن الحسين، سعود السبعاني، عبد الله زيدان، سليمان أحمد أبو ستة، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، وائل بنجدو، د- محمد رحال، محمد العيادي، إسراء أبو رمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، علي عبد العال، د - صالح المازقي، طلال قسومي، أحمد ملحم، أشرف إبراهيم حجاج، رضا الدبّابي، مراد قميزة، محمد الطرابلسي، محمود سلطان، عراق المطيري، يحيي البوليني، صلاح المختار، فتحـي قاره بيبـان، ماهر عدنان قنديل، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، رافد العزاوي، أبو سمية، فوزي مسعود ، د. عبد الآله المالكي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - عادل رضا، رشيد السيد أحمد، محمد يحي، سفيان عبد الكافي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة