البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

النخبة التونسية تلاحق مجتمعها ولا تقوده

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1909



مشهد تشكيل الحكومة التونسية يسير بخطى وئيدة والمتشائمون يتوقعون حكومة هشة وغير ذات برنامج، وهناك إجماع لدى كل مكونات المشهد السياسي الظاهرة على أن البلد يعيش في قاع أزمة اقتصادية ولا خروج من الأزمة إلا بفعل سياسي جماعي مشترك يؤجل الخلافات إلى حين من أجل الشروع الفعلي في الإنقاذ، لكن نتابع الخلافات أكثر مما نتابع الاتفاقات أو نأمل على الأقل تأجيل الخلافات لصالح حد أدنى سياسي يسمح بالتقدم نحو حل اقتصادي، ونحتار في تفسير سلوك النخبة السياسية في هذه المرحلة وكيف يرتبون أولوياتهم ومواقفهم. هل تسبق النخبة مجتمعها أم تلاحقه إذ يسبقها فتبسق تقدمه ونطرح السؤال عن مكانة الوطني فيما يفعلون أمام الحزبي والشخصي؟

محتارون في طبيعة الأحزاب ونخبها
الجميع حريص على مكاسب الدولة الاجتماعية من تعليم مجاني وصحة عامة في المتناول وعلاج أمراض المؤسسات الاقتصادية العمومية حتى ليظن المتابع أننا إزاء أحزاب يسار اشتراكي أو تكوينات ديمقراطية اجتماعية، لكن الجميع يقبل مناقشة ميزانية ليبرالية دون اعتراض، بل يتركز جزء من النقاش حول خطوات ليبرالية تخفف من فشل المؤسسات العمومية بالدعوة إلى مشاركة القطاع الخاص في التصرف بهذه المؤسسات الفاشلة، لكن جزءًا آخر يحرص على تجاهل المبدأ أو الخلفية الليبرالية للسياسيات الاقتصادية الحاليّة ويعمل على توريط المتقدمين للحكم في العار الليبرالي.

جرى هذا في فترة حكومات (2014-2019) ويجري الآن تهيئة لعمل حكومة (2019-2024)، وإذ نحوصل نجد خطابًا موجهًا للشارع ذي طبيعة يسارية ولكن على الأرض نجد ممارسة ليبرالية، ونجد في الحوصلة أن مجموعة سياسية هي حزب قلب تونس قد غنمت سياسيًا من هذه الازدواجية واصطادت جمهورها من فشل الذين تخلوا عن جمهور الفقراء رغم خطابها الاجتماعي (اليساري). نفس هذه المجموعة تصنع شعبيتها بمقاومة الفقر لكنها تتجه يمينًا أي نحو المزيد من خلق أسباب الفقر، بما يضع الجميع في نفس الطريق، الحديث في الإعلام عن الفقراء والإجراءات في الموازنة لصالح رأس المال المحلي والوافد. أين الخلل؟

كراسات الجامعة أمام تعقيدات الواقع
في محاولة للفهم نتذكر أن أهم وجوه النخبة السياسية الظاهرة الآن في المشهد هي نفسها قيادات التيارات السياسية في الجامعة التونسية في الثمانينيات، ومن المهم التذكير أن خطاب الجامعة أو ما كان يسمى بالحركة الطلابية كان واقعًا تحت تأثير خطاب يساري يرى كل الحلول في الجنوح يسارًا والقطع مع التوجهات الليبرالية، وكان هذا الخطاب يساعد على استقطاب الشباب الحالم في مواجهة سياسات ليبرالية يغلب عليها الترقيع السريع.

انتقلت حمى اليسارية إلى التيارات الإسلامية نفسها خاصة بعد تطعميها بمفاهيم الثورة الإيرانية مثل الاستضعاف والاستكبار، ولم نجد في الجامعة تيارًا ليبراليًا صرفًا يؤمن باقتصاد السوق، حتى إنه يمكن القول إن من شروط الحياة الطلابية إعلان الطالب يساريته مثلما يهمل لحيته ويتعلم التدخين في الغالب، شيء من الجيفارية تذوي بعد الخروج إلى الحياة العامة ولكن نفاجأ بأنها مخزنة وها نحن نراها تخرج الآن في العراك السياسي بشأن قيادة البلد بعد الثورة، إذ يبدو أنه يعز على قيادات الحركة الطلابية القديمة مغادرة جيفاريتهم رغم وقوفهم على تعقيدات الواقع اليومي الذي ورثته تونس من حقبة بن علي وزادت عليه حكومات ما بعد الثورة فلم تعالج وإنما لفقت ورقعت حتى انتهت إلى الأزمة الحاليّة.

نحن إزاء قيادات سياسية (اكتهلت كلها) لكنها مثلت ذات يوم دور الشاب اليساري في الجامعة وصنعت به شخصية (أو واجهة رومانسية) وبقيت أرواحها هناك (تحلم بالعدل كما حلمت بالثورة)، فلما فوجئت بالثورة لم تلحق أرواحها عقولها فانجذبت، فهي أقرب إلى جماعة من المجاذيب يرفعون صورة جيفارا ويصادقون على ميزانية مملاة في واقع ليبرالي تابع (حيث يستحضرون اسم البنك الدولي عدو الطلاب دومًا ليلقى عليه عبء تخريب بلد لم يجدوا له حلولًا لا في أحلامهم ولا عقولهم).

إننا إزاء حالة نفسية مرضية وإن لم تقر بمرضها (فإنكار الحالة جزء من الحالة)، أن الظهور الإعلامي الحاليّ بخطاب اليسار هو استمرار لحالة الخطيب الطلابي الجيفاري الذي يخطب وعينه على صديقته وبرنامج الأمسية العاطفية ما بعد الخُطبة وقد عوض البلاتوه الإعلامي بعد الثورة منبر الساحة الجامعية فكشف أن الشخصية السياسية التونسية (أو النخبة) لم تتطور ولم تعالج فشلها في الحياة الطلابية (حين لم يفلح الطلاب في قلع شعرة واحدة من رأس النظام الليبرالي) وتصر الآن على تكملة الخطبة الطلابية القديمة، الإضافة الوحيدة في المشهد هي ربطة العنق الثمينة التي كانت في الجامعة تعني الخيانة الطبقية.

ارتباك الإسلاميين يعقد المشهد
الإسلاميون لا يجدون لأنفسهم موقعًا ولا تصنيفًا، فلا هم يسار ولا هم يمين، فيدافعون عن مكتسبات اجتماعية ولكنهم لا يجدون حليفًا إلا طبقة فاسدة نشأت في واقع ليبرالي هجين وفاسد، ويسمح ارتباك الإسلاميين (الذين يقدمهم الشارع للحكم منذ الثورة) في إنعاش الزهو الخطابي اليساري على حسابهم، ونرى ذلك بوضوح هذه الأيام حيث يحتار الإسلاميون في تأليف حكومتهم تحت ضغط خطاب مزايد بالثورية والاشتراكية.

لقد سقطت السلطة بين يدي الإسلاميين دون أن يستعدوا لها بحكم المجزرة التي عاشوها وبحكم أنهم رغم خطاب الاستضعاف والاستكبار الثمانيني لم يطوروا أي أطروحة اقتصادية سياسية خاصة بهم بعيدًا عن يسارية الجامعة التي كانت تربكهم منذ زمن طويل (لقد دخلوا المشهد العام دعاة إلى الله ككل الحركات الإسلامية مشرقًا ومغربًا فوجدوا أنفسهم يقودون السياسة فلم يفلحوا في الجهتين حتى الآن ولم يعد يسعفهم التحجج بالمذابح).

هذا الارتباك يسمح بإعلاء صوت المزايدة ويعطل في النهاية حكومة تؤلف في واقع ليبرالي غير معترف بنفسه، حتى إن أعتى الليبراليين يتظاهرون بتقديس مكتسبات الدولة الاجتماعية كالمدرسة العمومية والمستشفي العمومي ولكنهم يبنون المصحات الخاصة ويدفعون بأولادهم إلى تعليم خاص يسير بسرعة الضوء مقارنة بالمدرسة العمومية.

هجنة المشهد الفكري والسياسي التونسي
السبق الديمقراطي التونسي على بقية البلدان العربية التي لا تزال تعاني أنظمة فاشية دموية في مصر والعراق وسوريا والجزائر لا يترجم بسبق سياسي عملي في التسيير، لذلك نتابع الارتباك الكبير في تأليف الحكومة ونميل إلى الاعتقاد أن الحكومة القادمة ستحمل عاهة النخبة المتعبة أو الكسولة دون التغيير ونقف إذن على حالة نخبة تلاحق مطالب شعبها ولا تدركه في عجلته نحو التنمية المنتظرة، ويتحول الموقف النخبوي إلى عائق سياسي وعملي في الإدارة ويؤجل الحلول المنتظرة ويحول السبق السياسي المتمثل في الانتخابات النظيفة إلى سردية فيها مقدمة جيدة وجوهر منقوص، أما الخاتمة فلا تزال بعيدة.

نحن إزاء إنشاء مدرسي بسيط كتب التلميذ مقدمته بشكل مقنع يدعو إلى الفخر ثم وقف لا يتقدم نحو تفكيك الموضوع وبناء الإنشاء/النص الكامل ولا يجد المصحح (وهو هنا الشعب المتعطش) مادة مكتوبة بذكاء لإسناد عدد لهذا التلميذ الخطيب الجيفاري ذي اللحية الثورية وربطة العنق البرجوازية الذي يدخل السياسية وعينه على برنامج الأمسية العاطفية بعد البلاتوه التلفزي، وحتى الآن تعمل النخبة التونسية على إعاقة شعبها عن التقدم نحو الديمقراطية الكاملة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إنتخابات تونس، إتحاد الشغل، اليسار التونسي، اليسار بتونس، النقابات،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 24-11-2019   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عزيز العرباوي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رافع القارصي، أحمد بوادي، رضا الدبّابي، محمد عمر غرس الله، عراق المطيري، د.محمد فتحي عبد العال، كريم السليتي، رافد العزاوي، د - شاكر الحوكي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حسني إبراهيم عبد العظيم، مجدى داود، د- محمد رحال، سفيان عبد الكافي، علي الكاش، أ.د. مصطفى رجب، صالح النعامي ، ياسين أحمد، وائل بنجدو، محرر "بوابتي"، د- جابر قميحة، إسراء أبو رمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، جاسم الرصيف، أحمد الحباسي، خالد الجاف ، حسن عثمان، فتحي الزغل، خبَّاب بن مروان الحمد، صلاح الحريري، أشرف إبراهيم حجاج، طلال قسومي، عمار غيلوفي، د - الضاوي خوالدية، عمر غازي، الناصر الرقيق، إيمى الأشقر، عبد الغني مزوز، نادية سعد، مصطفى منيغ، الهادي المثلوثي، علي عبد العال، د- هاني ابوالفتوح، إياد محمود حسين ، منجي باكير، محمود فاروق سيد شعبان، سامر أبو رمان ، د - عادل رضا، حميدة الطيلوش، د. أحمد بشير، رحاب اسعد بيوض التميمي، أنس الشابي، فتحـي قاره بيبـان، العادل السمعلي، د - صالح المازقي، كريم فارق، سلام الشماع، د - المنجي الكعبي، أبو سمية، د. صلاح عودة الله ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. خالد الطراولي ، مصطفي زهران، تونسي، رمضان حينوني، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الرزاق قيراط ، فوزي مسعود ، محمد أحمد عزوز، فتحي العابد، د - محمد بنيعيش، محمد اسعد بيوض التميمي، محمود طرشوبي، محمود سلطان، د. أحمد محمد سليمان، رشيد السيد أحمد، عبد الله زيدان، د. عبد الآله المالكي، د. مصطفى يوسف اللداوي، ماهر عدنان قنديل، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فهمي شراب، ضحى عبد الرحمن، صلاح المختار، محمد شمام ، أحمد ملحم، سيد السباعي، حسن الطرابلسي، محمد الياسين، مراد قميزة، حاتم الصولي، يزيد بن الحسين، سعود السبعاني، أحمد النعيمي، سامح لطف الله، د- محمود علي عريقات، الهيثم زعفان، عواطف منصور، محمد الطرابلسي، د. طارق عبد الحليم، صفاء العراقي، عبد الله الفقير، محمد يحي، يحيي البوليني، د - مصطفى فهمي، المولدي الفرجاني، سلوى المغربي، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد العيادي، صباح الموسوي ، صفاء العربي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة