البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

التقدم على طريق الديمقراطية الصعب في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2487



خاضت تونس يوم 22 من نوفمبر/تشرين الثاني يومًا سياسيًا بامتياز، وصل فيه الخطاب السياسي إلى قمم حادة، لكن انفضت جموع المتظاهرين دون فوضى أو عراك دموي مما نعرف في بلدان عربية أخرى لا يسمح فيها لمعارض برفع صوته.

قال كثيرون إن ذلك علامة من علامات الديمقراطية وقال آخرون هو عجز الحكومة عن احتواء الشارع وقال آخرون هي حلقات تنفيس الاحتقان كي لا ينفجر، ولكن الحدث طرح أسئلة عن ميلاد الديمقراطية في بلد عانى طويلاً من الديكتاتورية الغاشمة.

ما حدث هو علامة على حياة سياسية نشطة تبني تقاليدها الخاصة ضمن مجالها الثقافي والتاريخي معتمدة على قواها الحية في أفق مفتوح نحو الديمقراطية.

إعادة تقويم النظام السياسي التونسي

في سنوات ما بين 2014-2018 حاول الرئيس الانحراف بالنظام السياسي التونسي المحدد بدستور 2014 نحو نظام رئاسي يوسع سلطات الرئيس على السلطة التنفيذية (الحكومة) بتقليص صلاحيات رئيس الحكومة، وكان من علامات ذلك إقصاء الحبيب الصيد الذي تمسك بصلاحيته، لكن يوسف الشاهد قاوم ما سلط عليه من مؤسسة الرئاسة واستمسك بصلاحيته الدستورية وفرض العودة إلى روح الدستور، وكان آخر خطاب له أمام البرلمان هو خطاب رئيس حكومة لا خطاب وزير أول، بما يعني أنه أعاد تقويم النظام السياسي واستعادة روح الدستور؛ وهو ما ألزم الرئيس بالوقوف عند حده.

لقد تم إنقاذ النظام السياسي من العودة إلى مرحلة ما قبل الثورة، ومكّن لمؤسسة البرلمان من التحرك بحرية أمام الرئيس، فدعمت الحكومة ورئيسها بأغلبية برلمانية مريحة تسمح بالاستمرار والتقدم نحو تكريس النظام الجديد كما حدده الدستور، لكن المعارك عن طبيعة النظام وتوجهاته لم تنته.

مظاهرة الإضراب العام تأتي في سياق الصراع على طبيعة الحكم

نزلت النقابة بثقلها يوم 22 من نوفمبر/تشرين الثاني تحت لافتات الزيادة في أجور الموظف العمومي المتردية وتدهور المقدرة الشرائية للموظفين، وهذا حق لكن أريد به غير ذلك.

هنا وجبت العودة إلى الخصومة السياسية القائمة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة (قرطاج ضد القصبة)، لقد كانت آخر محاولة للرئيس لعزل رئيس الحكومة المتمرد عليه (وهو صنيعته بالأساس) هي وثيقة قرطاج 2 التي وضعت برنامج حكم ليبرالي من 64 نقطة كانت النقطة الـ64 منها هي عزل رئيس الحكومة واستبداله بشخص ثانٍ يختاره الرئيس ويكون صنيعته الطيعة.

وقف حزب النهضة (شريك الحكم) ضد النقطة الـ64 وتمسك بالاستقرار الحكومي حتى إنجاز انتخابات تغير المشهد البرلماني وبالتالي بنيان الحكومة لما بعد 2019، فخسر الرئيس وبقي رئيس الحكومة، وكانت النقابة قد وافقت بصفتها شريك حكم غير برلماني على النقاط الـ63 كاملة بصيغتها الليبرالية وووقفت مع الرئيس في نقطة استبدال رئيس الحكومة، فلم يكن لديها خطاب السيادة الوطنية في مواجهة مؤسسات الإقراض الدولي (كريستين لاقارد)، فلما خسر الرئيس وجدت النقابة نفسها في صف الخاسرين فاستعادت خطاب السيادة والدفاع عن المفقرين في مواجهة البنك الدولي.

هنا مفتاح فهم ما حصل يوم 22 من نوفمبر/تشرين الثاني؛ لذلك رفع شعار الشعب يريد إسقاط الحكومة، وزيد عليه شعارات معادية لحزب النهضة ورئيسها الغنوشي، بما نقل موضوع المظاهرة من النقابي الاجتماعي إلى السياسي المباشر، وظهرت يد الرئيس الخفية في تحريك الشارع بواسطة النقابة اليسارية المعادية للنهضة.

لم يسلّم الرئيس لرئيس الحكومة بعد، وما زال يناور لإسقاطه بالشارع وفرض خياره التوريثي، لكن الشارع كان أقل حماسًا لذلك، فقد حضر الجمع بشعارات اجتماعية ورفض الانخراط في معركة الرئيس واليسار (عصا الرئيس) ضد النهضة، بما كرس المطلب الاجتماعي وإن على استحياء في مواجهة الأجندة الرئاسية، وهو ما جعل المظاهرة تنتهي بسلام فلا أحد كان يريد صدامًا بين أنصار الحكومة وأنصار الرئيس لأنها معركة لا تعني جمهور الموظفين كثيرًا.

تفويت الشارع للصدام السياسي ثبت الحكومة في مواجهة الرئاسة وكرس سلامة النظام السياسي الجديد الذي يقدم التفاوض الاجتماعي على الصراع السياسي، وتلك خطوة أخرى كبيرة في اتجاه تثبيت الدستور بحكومة 2019.

النقابة ضيعت بوصلتها

بات من المؤكد أن النقابة ليست نقابة وإن حاولت التستر بخطاب اجتماعي، لقد حمل الشق اليساري من النقابة كل النضال النقابي المشروع إلى أجندة سياسية فانخرطت النقابة في الصراع السياسي، فلم تعد النقابة معنية بتحسين شروط المعيشة لمنخرطيها بقدر انخراطها في الحرب الأيديولوجية بين فصائل اليسار التونسي وحزب النهضة، فاليسار انحاز إلى أجندة الرئيس رغم علمه بروحها التوريثية لأن النهضة وقفت ضد ذلك ودافعت عن الاستقرار الحكومي في مواجهة نزوات التوريث.

في هذه اللحظة يجد كثير من التونسيين أن النقابة تعمل كحزب سياسي وقد كرس ذلك خطيب المنظمة في الاجتماع (الأمين العام) إذ أعلن المشاركة في المواعيد الانتخابية (ترشيحًا وانتخابًا)، معولاً على تماسك القاعدة المنخرطة في النقابة، ولكنه تناسى أو تجاهل أن المنخرطين هم أولاً أنصار أحزاب قبل أن يكونوا تابعًا للنقابة.

تسييس النقابة أفقد التحرك زخمه وأفقد النقابة موقعها كطرف اجتماعي فوق سياسي معني أولاً بمفاوضة الحكومة على الاجتماعي قبل السياسي، وجعل الصراع الخفي الكامن يظهر على السطح، وهو ما كان يعول عليه رئيس الحكومة وحزامها السياسي (النهضة بالتحديد) لكي لا يولي اهتمامًا كبيرًا للتحرك، إذ لا يمكن الرد على تحرك سياسي بتوافقات نقابية، وهنا خسرت النقابة وربحت الحكومة وقتًا وجهدًا سيدفع النقابة إلى ابتكار حيل احتجاجية أخرى، فلا يبدو أن جرابها يحتوي أكثر من الإضراب العام في أكثر القطاعات السياسية ثقلاً بشريًا (الوظيفة العمومية)، لقد خسر الرئيس النقابة أيضًا.

آخر المعارك القذرة

نهاية الاستقطاب الأيديولوجي تلوح في الأفق والتحالفات الانتخابية غير الأيديولوجية تتبلور، والباقون في حرب السبعينيات يخسرون، هذه أهم نتيجة لتحرك يوم 22 من نوفمبر، فالضغينة التي يحملها الرئيس ضد رئيس حزب النهضة تدفعه إلى أفعال غير ديمقراطية مثل استقبال ولي عهد السعودية نكاية في النهضة، فيوم 27 من نوفمبر/تشرين الثاني يمكن أن يحل ولي العهد المتورط في دم خاشقجي في تونس وحرب اليمن والتطبيع مع الكيان الصهيوني، لا محبة في تونس ونظامها السياسي الديمقراطي وليد الربيع العربي الذي يعاديه ولي العهد، ولكن تلميعًا لصورته الملوثة بالدم، والرئيس يجدها فرصة للنكاية رغم أنه لن يربح من الزيارة إلا تلويث سمعته بمصافحة قاتل، النكاية ليست من عمل السياسة بل هي كيد ضرائر يلحق ضررًا بالرئيس المؤتمن على الدستور وسمعة التجربة الديمقراطية التي أقسم على صيانتها وتطويرها.

رغم ذلك لا يمكن تجاهل تقدم التجربة الديمقراطية، فالصراعات تجري في العلن والمواقف تتخذ بوضوح، والجمهور الواسع يتابع كل التفاصيل بنباهة وحرص، لذلك فإننا بعد 22 من نوفمبر في تونس أقرب إلى الاستقرار الحكومي وأقرب إلى انتخابات تكرس الفرز بين الديمقراطية وأعدائها وإن كان يجب ملازمة الحذر في التفاؤل لأن التجربة هشة بعد ويمكن كسرها رغم الصبر والأناة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإتحاد التونسي للشغل، النقابات العمالية بتونس، النقابة، الإضرابات،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 24-11-2018   المصدر: موقع ميم

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
يحيي البوليني، صلاح الحريري، د- محمد رحال، د - صالح المازقي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - المنجي الكعبي، العادل السمعلي، عمار غيلوفي، د - الضاوي خوالدية، عبد الغني مزوز، أشرف إبراهيم حجاج، محمود فاروق سيد شعبان، محمود سلطان، وائل بنجدو، صفاء العربي، محمد الياسين، محمد العيادي، الهيثم زعفان، صباح الموسوي ، محمد اسعد بيوض التميمي، خالد الجاف ، د. خالد الطراولي ، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الله زيدان، محمد عمر غرس الله، أحمد الحباسي، صالح النعامي ، محمد يحي، نادية سعد، إسراء أبو رمان، ضحى عبد الرحمن، علي الكاش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، الهادي المثلوثي، د - شاكر الحوكي ، عواطف منصور، سلوى المغربي، د. عبد الآله المالكي، مجدى داود، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الله الفقير، تونسي، د - مصطفى فهمي، عبد الرزاق قيراط ، طلال قسومي، سيد السباعي، أنس الشابي، كريم فارق، محمد شمام ، ماهر عدنان قنديل، مراد قميزة، حسني إبراهيم عبد العظيم، يزيد بن الحسين، رافع القارصي، د. عادل محمد عايش الأسطل، أبو سمية، د- جابر قميحة، رضا الدبّابي، أ.د. مصطفى رجب، سلام الشماع، حسن الطرابلسي، د. طارق عبد الحليم، د. صلاح عودة الله ، د- هاني ابوالفتوح، فتحي الزغل، صلاح المختار، محمود طرشوبي، أحمد بوادي، أحمد النعيمي، د- محمود علي عريقات، إياد محمود حسين ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عزيز العرباوي، د.محمد فتحي عبد العال، د. أحمد بشير، جاسم الرصيف، محمد أحمد عزوز، سفيان عبد الكافي، حاتم الصولي، فوزي مسعود ، محمد الطرابلسي، ياسين أحمد، د - محمد بنيعيش، د. أحمد محمد سليمان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد ملحم، كريم السليتي، المولدي الفرجاني، سامر أبو رمان ، عراق المطيري، منجي باكير، سامح لطف الله، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، فتحي العابد، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفي زهران، حسن عثمان، فتحـي قاره بيبـان، د - عادل رضا، الناصر الرقيق، سعود السبعاني، علي عبد العال، مصطفى منيغ، محرر "بوابتي"، عمر غازي، رمضان حينوني، رافد العزاوي، صفاء العراقي، إيمى الأشقر، حميدة الطيلوش، رشيد السيد أحمد، فهمي شراب،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة