البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

نداء تونس والفساد.. خطان متلازمان

كاتب المقال عائد عميرة - تونس   
 المشاهدات: 2796



بين الحين والأخر تطل علينا شخصيات نافذة في حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحاكم في البلاد، بتصريحات تؤكّد سيطرة الفساد والفاسدين على هذا الحزب وهياكله بالكامل، وتحوّله من حزب سياسي يدّعي الوطنية والشفافية إلى واجهة للفساد تمنح الوافدين إليها والداخلين إلى بين طاعتها صكّ الغفران والحصانة، ليخون بذلك الثقة التي منحها له طيف كبير من شعب تونس في انتخابات 2014، حتى أن البعض أصبح يعتبر "نداء تونس" والفساد كالخطان المتلاحمان لا ينفصل الواحد عن الثاني.

زمرة من الانتهازيين

في بداية تأسيسه، صيف سنة 2012، قال مؤسسو الحزب إن حزبهم يستند إلى الفكر الإصلاحي التونسي وإلى التراث الإنساني العالمي وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية، وإنه يرنو إلى تكريس المواطنة وهيبة الدولة وحماية تونس من أيدي العابثين والحاقدين والطامعين فيها من الخارج والداخل، لكن بعد قرابة الست سنوات من التأسيس حصل العكس، فقد أصبح الحزب بمثابة "دكان لتبيض الفاسد".

من بين أسباب ذلك، أن أغلب الفاسدين احتمى بالحزب حتى قبل الإعلان عن تأسيسه، فقد جمع الباجي قائد السبسي الرئيس الحالي لتونس ومؤسس النداء في بداية تأسيس حزبه، يساريين ودستوريين وتجمعيين ورجال أعمال ونقابيين ومستقلين، القاسم المشترك بينهم "الفساد" و"الانتهازية".

انتخبهم الشعب، ومنحهم ثقته ليصلوا قبّة برلمان باردو، إلا أنهم غيّروا وجهتم وقبلتهم نحو جمع المال وكسب السلطة عوض وضع برامج لتنمية البلاد واخراجها من أزماتها المتكررة التي ضربت جلّ القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

فبوصولهم إلى البرلمان وتصدّر المشهد السياسي في البلاد، خانوا الأمانة وباعوا لمن يعطي أكثر، فقد شكّل نواب الحزب لوبيات مصالح داخل أروقة البرلمان، همّهم الوحيد جمع المال، أما إيصال صوت من انتخبهم والدفاع عن حقوقهم، فذلك شعار انتخابي ذهاب زمانه إلى حين محطة انتخابية أخرى قرب موعدها.

المصالحة مع الفاسدين

لم يكتفي النداء ونوابه وقياداته حتى أنصاره في المدن والقرى بتصدّر واجهة الفساد بعد الثورة فقط، بل عملوا على المصالحة مع الفاسدين قبل الثورة أيضا، فالقسم الأكبر من هؤلاء احتمى بالنداء ليشتري صكّ الغفران والتوبة ويتمتّع بالحصانة التي تحميه من المساءلة القضائية والأخلاقية.

ففي الوقت الذي كان فيه شعب تونس ينتظر من البرلمان الجديد اصدار قوانين استثنائية تردع الفساد، عكف "النداء" ورئيسه الأول "الباجي قائد السبسي" على صياغة مشروع قانون يتعلّق بالمصالحة مع هذه الأفة التي أربكت الاقتصاد التونسي وأثرت سلبًا على المجتمع، رغم معارضة العديد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وطيف كبير من الشعب التونسي.

لم يعملوا على صياغته فحسب، بل حابوا الجميع للمصادقة عليه وتمريره ليعطوا انطباعا بتواصل منظومة الفساد التي كانت تحكم البلاد وخياراتها السياسية والاقتصادية الفاشلة، ومحاولة الالتفاف على المحاسبة كحلقة رئيسية ضمن مسار العدالة الانتقالية وتشريع الإفلات من المحاسبة والتطبيع مع الفاسدين.

فمثّل هذا القانون الذي تمّ المصادقة عليه، خرقًا واضحا للدستور وقانون العدالة الانتقالية ومنظومة كشف الحقيقة التي تقتضي فضح منظومة الفساد والاستبداد والتفريط في مصالح البلاد، وكشف خيوطها كاملة ومحاسبة المتورطين فيها بهدف منع تكرارها ومنع أي محاولة للإفلات من العقاب وتأسيسًا للمنظومة الديمقراطية المنشودة التي تقتضي المحاسبة والاعتذار قبل المصالحة والتجاوز.

حماية الفاسدين

فضلا عن المصالحة معهم، عمل "النداء" على حماية الفاسدين لحماية مصالحه، فالاثنين يشتركان في نفس المصلحة ونفس الهدف "السلطة" و"التحكم في أجهزة الحكم". فخلال فترة حكمه، فضّل "نداء تونس" أن يضمّ في حكومته وزراء تتعلّق بهم ملفات فساد حتى يتمكّن من التحكّم فيهم وابتزازهم ويكونوا أداة طيّعة لتنفيذ برنامجه.

فحتى المنشقين عن الحزب وعددهم أكثر من الباقين صلبه، والمؤسسين لدكاكين حزبية جديدة، كان السبب الأول لانسحابهم من "النداء" عدم تمكنهم من السرقة أكثر وتغلّب أخرين عليهم، ففضلوا الاستقالة حتى لا ينافسهم أحد في الفساد.

هذا الوضع جعل الفاسدين يتحكّموا في البلاد والعباد، حتى أنّ منظمة "مجموعة الأزمات الدولية" قالت في أحدث تقرير لها عن تونس، إنّ نحو 300 "رجل ظل" يتحكمون في أجهزة الدولة بتونس ويعرقلون الإصلاحات، وبعضهم يعطل تنفيذ مشاريع تنموية بالمناطق الداخلية ويحرك الاحتجاجات الاجتماعية فيها.

وحذرت المنظمة في تقريرها الذي حمل عنوان "الانتقال المعطَّل: فساد وجهوية في تونس" من أن مظاهر الإثراء من المناصب السياسية والإدارية والمحسوبية والسمسرة أصبحت تنخر الإدارة والطبقة السياسية العليا في تونس (الأحزاب، البرلمان..)، وعموم المواطنين أصبحوا يعتبرون أجهزة الدولة أجهزة "مافيوزية."

ووفقًا للتقرير فإن الفاعلين الاقتصاديين الذين مولوا الحملة الانتخابية لبعض الأحزاب السياسية التي وصلت إلى الحكم بعد انتخابات 2014، في إشارة إلى "النداء"، أصبحوا يؤثّرون مباشرة في تعيين الوزراء وكتاب الدولة وكوادر الإدارة المركزية والجهوية والمحلية بما في ذلك الديوانة وقوات الأمن الداخلي.

مسرحية سيئة الإخراج

أمام اشتداد الحملة على الحزب بعد اكتشاف خوره، أراد بعض القائمين على نداء تونس وهم قلّة قليلة أن يراوغوا الشعب ويقوم ببعض العمليات التمويهية على غرار ما أعلن عنه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، من فتح "حرب على الفساد"، ينتصر فيها لتونس على الفساد والفاسدين.

غير أنه سرعان ما انكشف الأمر، فقد كانت مسرحية سيئة الإخراج، فكيف لحزب وصل إلى السلطة عبر دعم رجال أعمال فاسدين له، ويضم في صفوفه مئات المتورطين في قضايا فساد موضوعة أمام القضاء التونسي، أن يقود حملة مكافحة فساد.

والجميع يتذكر التقارير الإعلامية التي أكدت أن وصول يوسف الشاهد لمنصب رئاسة الحكومة تم بعد ضغط كبير مورس من قبل رجال أعمال، بعضهم موضوع تحت الإقامة الجبرية الآن، على رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد لتقديم استقالته بعد أن أعرب عن نيته مكافحة الفساد.

فلم تكن هذه الحملة غير إرادة شقّ في "النداء" يسعى لإعادة بسط نفوذه في البلاد وإحكام قبضته عليها بعد أن ضعفت وكادت تذهب لغيره، فالشاهد لم يبدأ هذه "الحرب"، حسب وصفه، إراديًا بل كان مأمورًا يتلقى الأوامر ممن أعلى منه مكانًا وممن أوصله لما هو فيه اليوم من منصب، فرئيس الحكومة التونسية لا يمتلك الرغبة ولا القدرة ولا الإمكانية لمحاربة الفساد، وإنما له إمكانية السمع والطاعة فقط.

الفساد يطيح بالشاهد أيضًا

بعد أن قاد الحرب الانتقائية على الفساد لأيام، ها قد قربت الإطاحة برئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي بدأ سماع صوته وتداول اسمه ورؤية صورته تقلق بعض المتنفّذين في حزب "النداء"، الذي لا يريدون لأحد أن ينافسهم أو يفوقهم جاها ومكانة على رأسهم نجل الرئيس حافظ قائد السبسي.

فهذه الحملة وإن كان لا ناقة له فيها ولا جمال قد مكّنته من تصدّر نوايا التصويت في حال اجراء انتخابات رئاسية، وهي أيضا من ستكون سببا في خروجه من قصر الحكومة بالقصبة كسلفه الحبيب الصيد.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، نداء تونس، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 26-01-2018   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسن عثمان، صالح النعامي ، أحمد النعيمي، محمود طرشوبي، حاتم الصولي، عراق المطيري، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. خالد الطراولي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. طارق عبد الحليم، إياد محمود حسين ، عمر غازي، محمد يحي، د - محمد بن موسى الشريف ، رافع القارصي، صلاح الحريري، د - المنجي الكعبي، إيمى الأشقر، مجدى داود، د. صلاح عودة الله ، رحاب اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، د - الضاوي خوالدية، فتحي العابد، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الغني مزوز، رافد العزاوي، علي عبد العال، سعود السبعاني، علي الكاش، د. عبد الآله المالكي، العادل السمعلي، ياسين أحمد، كريم فارق، عبد الله زيدان، د - شاكر الحوكي ، عمار غيلوفي، رشيد السيد أحمد، وائل بنجدو، الهيثم زعفان، صفاء العربي، سلوى المغربي، أنس الشابي، أحمد بوادي، محمد عمر غرس الله، سامر أبو رمان ، د - عادل رضا، فتحـي قاره بيبـان، مراد قميزة، كريم السليتي، عزيز العرباوي، سامح لطف الله، يحيي البوليني، د- محمود علي عريقات، حسن الطرابلسي، فهمي شراب، خالد الجاف ، د- محمد رحال، خبَّاب بن مروان الحمد، الهادي المثلوثي، محمد أحمد عزوز، مصطفي زهران، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد الطرابلسي، نادية سعد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. أحمد بشير، د - صالح المازقي، الناصر الرقيق، أحمد ملحم، رمضان حينوني، إسراء أبو رمان، أشرف إبراهيم حجاج، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حميدة الطيلوش، د- جابر قميحة، د. أحمد محمد سليمان، فوزي مسعود ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد شمام ، محمود سلطان، سليمان أحمد أبو ستة، رضا الدبّابي، محمد الياسين، سفيان عبد الكافي، د. مصطفى يوسف اللداوي، عواطف منصور، المولدي الفرجاني، محمد العيادي، ضحى عبد الرحمن، د - محمد بنيعيش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أبو سمية، منجي باكير، فتحي الزغل، سيد السباعي، عبد الرزاق قيراط ، طلال قسومي، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفى منيغ، صباح الموسوي ، أ.د. مصطفى رجب، د- هاني ابوالفتوح، عبد الله الفقير، د - مصطفى فهمي، أحمد الحباسي، محرر "بوابتي"، تونسي، محمود فاروق سيد شعبان، ماهر عدنان قنديل، يزيد بن الحسين، صلاح المختار، صفاء العراقي، جاسم الرصيف،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة