البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

توانسة ضدّ التطبيع

كاتب المقال سالم لبيض - تونس   
 المشاهدات: 2427



حملة واسعة تعرفها شوارع تونس ومقاهيها ومنتدياتها وقراها ومدنها وجامعاتها وجمعياتها وفضاؤها العام، تتطلع إلى جمع مليون توقيع. وهي عفوية تلقائية من نخب شبابية عرفت بمناصرتها القضية الفلسطينية في أعيادها التقليدية، وفي ذكراها المركزية، وفي كل مناسبة لها علاقة بالشأن والتاريخ الفلسطيني المعاصر. وها هي الآن تبادر إلى عمل شعبي منظم، واسع الانتشار يشمل أكبر قدر ممكن من الشرائح الشعبية المناهضة للصهيونية ودولتها العبرية. لم تكن تونس دولة طوق، متاخمة لدولة الكيان الصهيوني، وفق الإيتيمولوجيا المتداولة في الثقافة السياسية العربية المعاصرة، لكنها شاركت في كل الحروب العربية –الصهيونية، بمقادير مختلفة، عبر إرسال الحكومات فرقا عسكرية وعناصر دعم ومساندة، أو فتح أبواب التطوع أمام الشباب والطلاب للقتال في صفوف التنظيمات الفلسطينية واللبنانية ذات الطبيعة القومية العربية أو اليسارية أو الإسلامية، أو جمع التبرّعات من المال والدم. ناهيك عمّا عرفه الشارع التونسي من مظاهرات ومسيرات ضخمة مؤيدة لفلسطين والقضية الفلسطينية، كلّما دارت حرب أو معركة جديدة أو انتفاضة شعبية لها علاقة بهذه القضية وبمقاومة الدولة العنصرية.

ومنذ 1982 السنة التي عرفت تحول منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس، واستقبال التونسيين مقاتليها استقبال الأبطال في مرفإ مدينة بنزرت في أقصى الشمال، بعد الغزو الصهيوني بيروت ومجزرة صبرا وشاتيلا، وخصوصا منذ أكتوبر/ تشرين الأول 1985، تاريخ العدوان الصهيوني على مدينة حمام الشط مقر القيادة الفلسطينية الذي اندمجت فيه الدماء التونسية الفلسطينية واختلطت، باتت تونس جبهة حرب مفتوحةٍ، لعل من أبرز نتائجها المباشرة اغتيال كوماندوز صهيوني القائد الفلسطيني خليل الوزير أبو جهاد سنة 1988، في سيدي بوسعيد في ضاحية تونس الشمالية على مرمى حجر من قصر الحكم والسيادة في قرطاج، العمل الذي اعتبر قادة الدول الصهيونية مرتكبيه أبطالا قوميين. كما أن من النتائج نفسها اغتيال المهندس الطيار التونسي محمد الزواري، المنتظم في الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في صفاقس يوم 15 ديسمبر/ كانون الأول 2016، الذي اعترفت أوساط إسرائيلية بجريمة اغتياله، واعتبرتها عملا خارقا ومتميزا لأجهزتها الموسادية.

ولعلّ من دواعي الحملة التونسية ضدّ التطبيع، التي استندت، هذه المرّة، إلى التعاطف الشعبي العربي والتونسي مع القدس، واعتبارها عاصمة فلسطين العربية والتاريخية، ضدّ قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي أمضى وثيقة الاعتراف بها عاصمة الدولة الصهيونية الأبدية، هو تغلغل التصهين في بعض النخب التونسية الفكرية والعلمية الفنية والرياضية التي بلغ بها الأمر اعتبار زيارة دولة الكيان الصهيوني أمرا اعتياديا. أما التعاون معه في مؤتمرات وحفلات وأنشطة مختلفة، فذلك يعدّ من مظاهر التقدم والتحضر واستغلال الفرص. ولعل أبز مظاهر تصهين بعض العقول التونسية، وأكثرها صلفا واستفزازا، فهو تنظيم معرض تاريخي عن الهولوكست، في المكتبة الوطنية التونسية رمز المعارف وموطن النخبة الفكرية التونسية وملتقى الأجيال. قام بذلك أساتذة جامعيون عرفوا بقربهم من "إسرائيل" ومراكز القوى الصهيونية المشتغلة في مجال البحث التاريخي، في الوقت الذي كانت الشوارع التونسية، من أقصى شمال البلاد إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وفي كل مدنها وقراها، تشهد مظاهرات احتجاجية غاضبة ضدّ القرار الأميركي بشأن القدس. قد لا يتسع المجال لاستعراض مظاهر التطبيع والاختراق الاستخباري والعلمي والسياسي الصهيوني لتونس، باعتراف مراكز مختصة، مثل مركز يافا الفلسطيني الذي أصدر تقريرا سنة 2012، بيّن فيه حجم ذلك الاختراق ومستوياته، لاسيما في المجال السياسي، لكن الهشاشة التي تعيشها الدولة التونسية ومؤسساتها منذ سنة 2011، وحجم الأموال الأجنبية التي أغدقت على الفاعلين في الساحتين، السياسية والمدنية، تجعل من الاختراق والتغلغل الصهيونيين، في المجتمع وفي هياكل الدولة، أمرا يسيرا وممكنا، كما ظهر ذلك جليا في اغتيال الشهيد محمد الزواري، حيث تمت المعاينة والتخطيط والتنفيذ والتغطية الإعلامية للعملية، ومغادرة المنفذين تونس، والأجهزة الأمنية والمخابراتية التونسية مصابة بالبكم والصمم والعمى في آن معا.

الحملات والتيارات والأحزاب وقوى المجتمع المناهضة للتطبيع قديمة وعريقة وأصيلة في تونس، ولها وعي متقدّم بخطورة التغلغل الصهيوني على الدولة والنخب التونسية، زيادة على تبنيها المبدئي القضية الفلسطينية. وقد عملت هذه التيارات والقوى على تجريم التطبيع في الدستور التونسي لسنة 2014، لكنها فشلت في ذلك، بسبب رفض حركة النهضة، القوة الرئيسية بالمجلس الوطني التأسيسي التونسي آنذاك، التي كانت ترى، كما صرّح بذلك زعيم الحركة، راشد الغنوشي، أن مكان تجريم التطبيع ليس الدستور. وقد عبر عن هذا الموقف أيضا الرجل الثاني في الحركة، علي لعريض، في أكثر من مناسبة، بما في ذلك التحفظ على تضمين التجريم في قانون. الأمر الذي يستند إلى خلفية سياسية براغماتية للحركة الإسلامية التونسية، تستشعر منها خطورة على مستقبلها السياسي وعلاقاتها الدولية وممارسة الحكم. وقد بات تجريم التطبيع أحد عناوين مقاومة الصهيونية في تونس، المعركة التي سطع نجمها من جديد بعد الوعد الأميركي المزعوم بشأن القدس، ومؤسسات الدولة أصبحت مطالبة بالانخراط فيها حماية لنفسها وللمجتمع من التآمر الصهيوني. على هذه الأرضية، علا صوت المطالبة بإحياء المبادرة التشريعية التي تقدمت بها كتلة الجبهة الشعبية منذ سنة 2015، وباتت تحظى بقبول برلمانيين، فاق عددهم التسعين من مختلف الكتل والاتجاهات النيابية، بعد يوم برلماني مشهود، عرف الخطب والمواقف المؤيدة للقضية الفلسطينية، والمندّدة بالقرار الأميركي المتعلق القدس، بشأن سن قانون يجرّم التطبيع في تونس ويؤثّم مرتكبيه. ومن أبرز ما نص عليه مشروع القانون "يعد مرتكبا لجريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني كل من قام أو شارك أو حاول ارتكاب عمليات الاتجار والتعاقد والتعاون والمبادلات والتحويلات بكل أنواعها التجارية والصناعية والحرفية والمهنية والمالية والخدمية والثقافية والعلمية بمقابل أو بدونه بصفة عرضية أو متواترة وبشكل أو عبر وساطة من قبل الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين من ذوي الجنسية التونسية مهما كان مكان إقامتهم والأشخاص الطبيعيين والأشخاص المعنويين المقيمين بالجمهورية التونسية سواء كانت إقامتهم مؤقتة أو دائمة مع كل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين لهم علاقة مهما كانت طبيعتها مع مؤسسات دولة إسرائيل الحكومية وغير الحكومية العمومية والخاصة. بالإضافة إلى المشاركة بأي شكل من الأشكال في الأنشطة والفعاليات والتظاهرات والملتقيات والمعارض والمسابقات بأنواعها السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والرياضية التي تقام على الإقليم الذي تحتله وتتحكم فيه سلطات دولة إسرائيل الحكومية وغير الحكومية سواء كانت عمومية أو خاصة من الذوات الطبيعيين أو المعنويين خارج إقليم دولة إسرائيل"، ويقترح المشروع جملة من العقوبات وأشكال الزجر ضد التونسيين المطبعين، تتراوح بين السجن من سنتين إلى خمس سنوات والتغريم المالي بآلاف الدنانير.

لا تهدف مبادرة "توانسة ضد التطبيع"، التي تقف وراءها حركة الشعب والتيارات العروبية في تونس، فقط إلى تحسيس الرأي العام التونسي، وتوعيته بأهمية مقاومة التطبيع، بوصفه وباء ينخر المجتمع، ويخترق نسيجه ومنظومته القيمة والمناعية ومؤسساته وديناميته وقدرته على الاستمرار والتطور، وإنما ترمي كذلك إلى توفير مستندٍ قوي الحجة والبيان، يتضمن توقيع أكبر قدر من الشرائح والقوى الاجتماعية والشعبية الحية والفاعلة على وثيقةٍ تدعم فكرة تضمين تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في قانون واضح المعالم، يقرّه مجلس نواب الشعب بصفته مطلبا شعبيا، ويمكن أن تقتدي به البلدان العربية التي تتعرّض للاختراق الصهيوني متعدد المستويات، من دون أن تكون لها تقاليد سالفة في مقاومته.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، التطبيع مع إسرائيل، إسرائيل، مقاومة التطبيع،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-01-2018   المصدر: العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. كاظم عبد الحسين عباس ، رمضان حينوني، د. طارق عبد الحليم، محمد عمر غرس الله، ماهر عدنان قنديل، حسني إبراهيم عبد العظيم، علي عبد العال، الهيثم زعفان، منجي باكير، مصطفي زهران، محمد اسعد بيوض التميمي، عواطف منصور، ضحى عبد الرحمن، د. مصطفى يوسف اللداوي، المولدي الفرجاني، د. أحمد بشير، سامر أبو رمان ، سفيان عبد الكافي، أ.د. مصطفى رجب، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رضا الدبّابي، د. خالد الطراولي ، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، إياد محمود حسين ، مراد قميزة، فتحـي قاره بيبـان، فتحي العابد، وائل بنجدو، د - عادل رضا، تونسي، يزيد بن الحسين، أبو سمية، جاسم الرصيف، سلوى المغربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صفاء العربي، د- محمود علي عريقات، د- هاني ابوالفتوح، محمد الطرابلسي، كريم السليتي، حميدة الطيلوش، محمود فاروق سيد شعبان، محمد أحمد عزوز، رشيد السيد أحمد، أحمد النعيمي، الناصر الرقيق، رافد العزاوي، محمد العيادي، إسراء أبو رمان، عبد الله الفقير، نادية سعد، أحمد الحباسي، د. عبد الآله المالكي، ياسين أحمد، سامح لطف الله، خالد الجاف ، رحاب اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، عبد الغني مزوز، محمود طرشوبي، د - مصطفى فهمي، محمد يحي، صفاء العراقي، يحيي البوليني، د. عادل محمد عايش الأسطل، صلاح الحريري، د - محمد بن موسى الشريف ، خبَّاب بن مروان الحمد، د- جابر قميحة، رافع القارصي، محمد الياسين، د - المنجي الكعبي، د - الضاوي خوالدية، أنس الشابي، حاتم الصولي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محرر "بوابتي"، صلاح المختار، العادل السمعلي، سيد السباعي، عراق المطيري، طلال قسومي، محمود سلطان، عبد الرزاق قيراط ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - شاكر الحوكي ، د - محمد بنيعيش، عزيز العرباوي، سعود السبعاني، عمار غيلوفي، فتحي الزغل، حسن الطرابلسي، سلام الشماع، عمر غازي، أحمد ملحم، د. صلاح عودة الله ، أشرف إبراهيم حجاج، محمد شمام ، صالح النعامي ، د - صالح المازقي، عبد الله زيدان، حسن عثمان، أحمد بوادي، علي الكاش، إيمى الأشقر، فهمي شراب، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفى منيغ، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمد رحال، كريم فارق، فوزي مسعود ، مجدى داود،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة