البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

كيف ساهمت النخبة المتغربة بصناعة الإرهاب؟

كاتب المقال جمال سلطان - مصر   
 المشاهدات: 3798



كيف ظهر الإرهاب في العالم الإسلامي؟ وكيف توحش؟ وما هي أسبابه؟ بطبيعة الحال من الخطأ أن ينسب الإرهاب لسبب واحد، فهذا تسطيح للأمور، هناك عديد من الأسباب الفكرية والثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية أيضا، تتقاطع وتتداخل وتتكامل، تغلب إحداها على الأخرى في حالة وتغلب غيرها في حالة أخرى، ولكني لاحظت أن هناك سببا جوهريا في استنبات الإرهاب في العالم العربي والإسلامي واتساع نطاقه لم يلتفت إليه كثير من الباحثين أو المحللين، وهو مسؤولية النخب الفكرية والثقافية المتغربة، علمانية النزعة والهوى في ثقافتنا، سواء كانوا قد اختاروا اليسار أو الليبرالية أو نزعات القومية، فهذه النخب مسؤولة مسؤولية مباشرة وأصيلة عن التطرف والإرهاب في بلادنا، وهذا ما يحتاج بعض التوضيح.

المجتمع الإسلامي لم يكن مقصورا على علوم الدين وحدها، ولا على قواعد الفقه وحدها وعلى نصوص السنة وحدها، وإنما كانت هناك حضارة إنسانية تنمو وتتعاظم وتنسج خيوط مجتمعها بالتدريج على مر السنين والعقود ثم القرون، ليعرف العالم مجتمعا إنسانيا خصبا ومركبا ومتمازجا بصنوف من العلم والدين والأدب والفن والثقافة والمعرفة والفلسفة والزهد والرفاه معا، وهذا المجتمع المتمازج، بإرثه الحضاري ونسيجه المركب، كان يحمي بعضه بعضا، ويخفف بعضه من غلواء بعض، ويوازن بعضه بعضا، ويرقق بعضه من خشونة بعض، وتنمو خلاياه حتى المتعارضة نموا طبيعيا يتصل نسبه بنسب بعض حضاريا وإنسانيا، وكانت مكونات المجتمع من الارتباط والتمازج بما يصعب عليك أن تفصلها عن بعضها.

هذا بالضبط ما حمى المجتمع الإسلامي في أغلب قرونه من نزعات الغلو والتطرف والإرهاب، لتصبح حالات شاذة وعابرة وقصيرة الأمد وخاطفة في مسار التاريخ الطويل لأكثر من ألف وأربعمائة عام، بينما كان الاعتدال والتسامح ورقي الحياة هو سمة هذا المجتمع اللصيقة به، وهي التي جعلته من القوة بحيث كان قادرا على استيعاب أي غزاة وقوى عالمية كاسحة ثم يهضمها ثم يذيبها في تيار حياته النابض والحي بقيمه وثقافته وفنونه وآدابه وعلومه وفي دينه أيضا.

في العصر الحديث، وعندما أراد المجتمع العربي والإسلامي أن ينهض وأن يواكب عالما جديدا يتشكل، كان يفترض أن تكون النهضة عملية شاملة لكل مكونات هذا المجتمع، ومتصلة مع تراثه ومكوناته المتمازجة التي حققت له توازنه عبر التاريخ واعتداله وتسامحه ونسيجه الخاص لتضيف إليها الجديد وتمزجها بالخبرة الإنسانية الجديدة، لكن الذي حدث أن النخبة الجديدة انجذبت إلى الحالة الغربية المبهجة والقوية والمستعلية بروح الهزيمة، وعجزت عن تفكيكها ونقل ما تحتاجه منها لدعم خطط النهضة في بلادنا واستكمال الخبرة الإنسانية التي نقصت، سيطر الكسل الذهني وضعف روح الإبداع عليها، ودفع تلك النخب إلى استيراد الحالة الغربية بمكوناتها كلها وحتى حساسياتها الفنية والأدبية ومذاهبها الفكرية والفلسفية، وجعلها بديلا كاملا تقريبا للنسيج الاجتماعي والثقافي والمعرفي والقيمي الإسلامي، ودافعوا عن ذلك ببسالة وقرروا قطيعة مع ماضي الأمة ومجتمعه التاريخي ونسيج حضارتها.

ثم تشكلت نظم سياسية على هذا الأساس بعد ذلك، خاصة عندما نجح العسكريون في اختطاف السلطة في العواصم العربية والإسلامية المهمة والمحورية، فترجموا هذا "الاختيار" الثقافي إلى منهج سياسي وهوية دولة ومشروعها تفرض عنوة بالقمع وسحق إرادة الشعوب، وهو ما ولد رد فعل مقابل عند الحالة "الدينية" فنشطت جمعيات وأفكار للإحياء الديني، ونشطت معها حركة إحياء علمي وتراثي، انحشر معظمها في علوم الشريعة والفقه والسنة بشكل مباشر ومنعزل عن أي سياق حضاري واجتماعي، نشأت في صحراء قاحلة من الإرث الإنساني والأدبي والفني والحضاري الذي يذيبها في مشروع إنساني غني ومتسامح، فنشأت أجيال جديدة على هذه العلوم أو شذرات منها، لكنها في صحراء الروح والفكر والأنسنة والحضارة، في معزل عن بقية مكونات حضارة الإسلام والمنظومة التي شكلت نسيج مجتمعه عبر التاريخ، فوقع الخلل، وبدت القطيعة التي فرضتها النخب العلمانية تؤتي ثمارها في ملايين الشباب الجديد، فهم يعيشون نسقا اجتماعيا وقيميا يختلف تماما عن علوم الشريعة والفقه والسنة التي يدرسونها، فتمزق المجتمع، ونمت الأفكار فيه على أساس الخوف من الآخر والشك فيه والرغبة في سحقه أو تهميشه، وغاب التسامح والاعتدال.

وكان أخطر ما تولد عن ذلك الانقسام الذي سببته القطيعة، هو جفاف الحالة الدينية، وانعزال معطياتها العلمية عن بقية المكونات المجتمعية الثقافية والأدبية والفنية والمعرفية، وهي المكونات التي كانت تحقق توازنا مع علوم الشريعة في المجتمع وترطب من قسوة الخلاف وتنشر ظلال التسامح الاجتماعي والديني والثقافي، بل وتفسر كثيرا من معطيات الشريعة، وتجعل التعايش بين المكونات كلها حالة إنسانية تذيب متناقضاتها في سياق حضاري واحد، فلما غاب هذا كله، اتسع فضاء الوعي أمام بعض المغامرين في الحالة الإسلامية لاختطاف الفكر الديني في اتجاهات عنيفة ودموية وشديدة التطرف، وكان سهلا عليهم اختطاف عقول كثير من الشباب الذي غاب عن وعيه وتكوينه التربوي والثقافي والروحي ذلك التواصل الشامل مع ميراثه الحضاري بآدابه وفنونه وثقافته والذي يحقق له الامتلاء والاتزان والتكامل في الشخصية الإنسانية ويغرس فيه روح التسامح والتعايش.

في تاريخ "الأمة" ومجتمعها كان يتجاور العالم والجاهل والزاهد والمترف والعابد والفاسق والتقي والفاجر والمؤمن والملحد، وتجد بينهم الحوارات الثرية واللمحات الإنسانية العميقة والتسامح والرهان على تقلبات القلوب ورحمة الله بالخلق، بل وتعايشت في هذا المجتمع المتسامح مذاهب الفكر والعلم والفقه على شدة ما بينها من خلاف وجدل مرير، وكان نادرا ما تجد فقيها إلا وتجد له في الأدب أو الشعر أو الفنون أو الفلسفة أو التصوف أو الأخلاق عطاء واجتهادا وتأملات رائعة، بل وتعايشت الديانات ومعابدها على مر القرون، نسيج حضاري واجتماعي قوي وعفي استوعب المتناقضات وحولها إلى طاقات إيجابية لتحسين جودة الحياة ونشر التسامح وصناعة الحضارة، كل هذا اختفى الآن؛ بسبب تلك القطيعة الجاهلة التي فرضها على واقعنا النخبة المتغربة ظنا منها أنها تختصر الطريق لنهضة الأمة وجعلها في مصاف الغرب المتفوق خلال سنوات، فلا ظهرا للمجتمع أبقوا ولا نهضة حققوا، بل ورثونا هذا الجفاف الإنساني والخلل الروحي والثقافي والحضاري الذي شكل بيئة خصبة لتوالد الإرهاب والتطرف والكراهية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

التبعية، الغرب، الإنكسار، العلمانيون، دعاة التبعية، الحداثيون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-07-2016   المصريون

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
المولدي الفرجاني، د.محمد فتحي عبد العال، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بوادي، مصطفى منيغ، د - صالح المازقي، فتحي العابد، د. أحمد بشير، حسني إبراهيم عبد العظيم، علي عبد العال، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - الضاوي خوالدية، عبد الله الفقير، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد الياسين، محمود فاروق سيد شعبان، كريم السليتي، حاتم الصولي، الهادي المثلوثي، محمد عمر غرس الله، د. طارق عبد الحليم، رضا الدبّابي، د. عبد الآله المالكي، محمد أحمد عزوز، د - مصطفى فهمي، إسراء أبو رمان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، خالد الجاف ، د - محمد بنيعيش، سلام الشماع، رافع القارصي، صلاح الحريري، د- جابر قميحة، محمد يحي، صلاح المختار، الناصر الرقيق، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد شمام ، ضحى عبد الرحمن، فوزي مسعود ، محرر "بوابتي"، سيد السباعي، رشيد السيد أحمد، عبد الرزاق قيراط ، إيمى الأشقر، يحيي البوليني، سفيان عبد الكافي، سامر أبو رمان ، يزيد بن الحسين، عزيز العرباوي، ياسين أحمد، نادية سعد، صفاء العربي، سامح لطف الله، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمود علي عريقات، علي الكاش، ماهر عدنان قنديل، أ.د. مصطفى رجب، رافد العزاوي، عمار غيلوفي، أحمد الحباسي، عمر غازي، صباح الموسوي ، سلوى المغربي، محمد العيادي، أشرف إبراهيم حجاج، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود سلطان، د - عادل رضا، فتحي الزغل، د. أحمد محمد سليمان، حميدة الطيلوش، العادل السمعلي، مراد قميزة، د. صلاح عودة الله ، د- محمد رحال، أحمد ملحم، كريم فارق، إياد محمود حسين ، أنس الشابي، جاسم الرصيف، منجي باكير، أبو سمية، د- هاني ابوالفتوح، رمضان حينوني، د - شاكر الحوكي ، فتحـي قاره بيبـان، مصطفي زهران، أحمد النعيمي، عبد الله زيدان، د. خالد الطراولي ، حسن الطرابلسي، محمد الطرابلسي، فهمي شراب، خبَّاب بن مروان الحمد، د - المنجي الكعبي، صفاء العراقي، سعود السبعاني، عراق المطيري، محمود طرشوبي، رحاب اسعد بيوض التميمي، عواطف منصور، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الغني مزوز، وائل بنجدو، د. ضرغام عبد الله الدباغ، طلال قسومي، تونسي، الهيثم زعفان، مجدى داود، حسن عثمان، صالح النعامي ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة