البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

عودة إلى موضوع التنصير

كاتب المقال د. محمد يحيى   
 المشاهدات: 6238



لاحظت في مقال سابق أن هناك عودة إلى ما يمكن أن يسمى الكنيسة الأرثوذكسية، تمثلت في ما ذكر عن تزايد أعداد المتنصرين في الفترة الأخيرة، وبروزهم إلى مجال الصدارة الإعلامية، بجانب عودة أعداد كبيرة ممن قيل أنهم كانوا اعتنقوا الإسلام لأسباب تتعلق بموضوع الأحوال الأسرية في المسيحية أو غير ذلك من الأسباب، والذين أرادوا الآن العودة إلى أحضان الكنيسة وسط دعاية إعلامية كبيرة أيضًا.

ولقد ظهر هذا الاتجاه في الأشهر الأخيرة، وكان السبب الأساسي فيه كما يرى الجميع هو بروز قوة الكنيسة الأرثوذكسية القبطية في مصر بروزًا كبيرًا في الأعوام الأخيرة، بفضل ما أصبح لها من حضور قوي على الساحة الدولية، وبالذات في البلاد المؤثرة مثل أمريكا وبعض بلدان أوروبا الغربية، وكذلك بفضل ما أصبح لها من حضور على الساحة الداخلية بفضل وجود أعداد كبيرة من رجال الأعمال الأغنياء الذين يمدونها بالدعم، وبفضل تحولها من كنيسة إلى ما أشبه بحزب سياسي يضم في عضويته بضع ملايين من الأفراد، ألقوا إليه هدية سهلة من جانب الدولة التي دعمت وباركت تحول الكنيسة إلى الممثل الوحيد والناطق الوحيد باسم أقباط مصر، على اختلاف ميولهم وتوجهاتهم، وكأنهم جميعًا أصبحوا مجرد أعضاء مطيعين خاضعين في حزب سياسي مهيمن.

إلا أن قوة الكنيسة الأرثوذكسية ترجع أيضًا إلى عوامل أخرى، وهي هذه القوة التي أدت بها إلى أن تصبح مصدر جذب لمن كانوا تركوها، أو مصدر جذب حتى لبعض أفراد المسلمين مذبذبي العقيدة والهوية.

ولعل أهم مصادر قوة الكنيسة في الفترة الراهنة هي الإضعاف والهدم المتعمد الذي صُبَّ من جانب أجهزة مختلفة، ومن جانب تيارات مختلفة على الوسط الإسلامي العام، حيث ضُربت المؤسسة الدينية بلا رحمة، كما ضربت أيضًا الجماعات والتشكيلات والتنظيمات الإسلامية المختلفة، بحيث لم يبق في الساحة الإسلامية الآن من يقوموا بالدعوة إلا أفراد قلائل عليهم علامات استفهام ضخمة، لا سيما من حيث الأفكار التي يروجون لها، وهي أفكار تصب في خانة التجهيل أو حتى في خانة التنفير من الإسلام في نهاية المطاف.

إن تحول الكنيسة إلى القوة الاجتماعية الوحيدة في مصر، بل المؤسسة الوحيدة المنظمة والقوية في مصر بفضل قواعدها الاقتصادية والجماهيرية وعلاقاتها الخارجية، كل هذا أغرى وأدى إلى عودة من كانوا تركوها، كما أدى أيضًا إلى اجتذاب أعداد من المسلمين ضعاف الإيمان إليها، وهي أعداد أخشى أن أقول أنها سوف تتزايد في الفترة القادمة، مع شعور الكنيسة بالقوة، ومع تحركها بحرية في مجال التنصير، مستخدمة الأموال، ومستخدمة أيضًا القنوات التليفزيونية العديدة التي فُتحت لها، وسُمح لها بالبث من خلال القمر الصناعي المصري، وهو الأكثر مشاهدة في البلاد.

إلا أنه يجب أن يُذكر لوجه الحق أن قوة الكنيسة وحدها، وهي القوة التي أوصلتها إلى أن تتفاوض معها الدولة بشأن تأييد مشاريع الخلافة، ومستقبل الحكم في مصر ـ أقول أن هذه القوة وحدها ليست هي السبب الوحيد أو الكافي لتفسير ظاهرة العودة إلى النصرانية على مستويات عدة، أو ظاهرة شراسة حركة التنصير في الفترة الأخيرة، فلا بد أن يُشار في هذا الصدد وبكل صراحة ووضوح إلى المسئولية التي يتحملها في هذا المجال فريق من الأشخاص الذين يعملون الآن في مجال الخطاب الإسلامي، والذين أعطيت لهم فجأة وبدون سابق إنذار بل وبدون مبررات واضحة، مساحة من الحرية لا تتوفر الآن لأحد في مصر، بل أقول لا تتوفر حتى لأنصار النظام القائم أنفسهم أو بعضهم. لقد شهدنا في الفترة الأخيرة قنوات تليفزيونية تفتح للبعض، وهي القنوات التي لم تفتح ولا يمكن أن تفتح لتيارات أخرى، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، كما شهدنا تسليمًا لمنابر العديد من المساجد إلى هذا الفريق من الناس، وهي المنابر التي لا تسلم لأحد إلا بموافقات طويلة ومضنية من جهات الأمن وغيرها من الجهات، بل هي المنابر التي تُنزع الآن من جانب الجميع، وحتى تنزع من جانب علماء الأزهر أنفسهم.

وفي نفس الوقت فقد مُنح أعضاء هذا الفريق العامل داخل الخطاب الإسلامي أهمية ووزنًا ومكانة تفوق أضعافًا مضاعفة وزنهم الحقيقي، الذي لم يكن أحد يشعر به قبل أشهر قليلة من الآن، حتى تحولوا بفضل هذه الدعاية إلى نجوم في عالم الخطابة الإسلامية أو عالم الإفتاء أو عالم الفكر الإسلامي، وهم لم يكونوا شيئًا مذكورًا قبل سنوات قليلة، وقد تمتعوا بهذا كله بفضل تلك الدعاية التي أعطيت لهم، مع إبعاد الآخرين ممن هم أجدر بالصدارة عنهم، ولاسيما من علماء الأزهر، أو من أبناء بعض الجماعات والمؤسسات الإسلامية العريقة والعاملة في مجال الدعوة. والمشكلة الأساسية في هذا الفريق وبعيدًا عن أي اعتبارات أخرى، هي أن المادة التي يقدمونها أو نوعية الخطاب الذي يقدمونه هو خطاب يصب في نهاية الأمر في مجال تنفير الناس من الإسلام، وذلك بفضل أجواء من السطحية أو الانشغال بقضايا فرعية لا تهم أحدًا، أو الذهول عن عالم المعاصرة، أو ـ وهو الأهم ـ التملق للحكام الموجودين أو للسياسات القائمة مهما كانت درجة عدائها وتنافرها مع الإسلام.

وإني أعتقد اعتقادًا جازمًا أن هذه المساحة التي أُعطيت لذلك التيار ما أعطيت له إلا ليكون حربًا في نهاية الأمر، وأنه حربًا مستترة على الخطاب الإسلامي المعتدل والمستنير والواضح، وهو بذلك يُعد أحد أسباب ظاهرة العودة إلى المسيحية عند البعض، أو بروز ظاهرة التنصر عند البعض الآخر، ولا يخامرني شك في أننا سوف نشهد في الفترات القادمة تزايدًا في أعداد الذاهبين للكنيسة، ليس فقط بفضل قوة الكنيسة وإغراءاتها المادية لضعاف الإيمان من المسلمين، وإنما أكثر للساخطين على هذا الفرع من الخطاب الإسلامي، الذي أُعطي احتكارًا للساحة، وهو غير جدير به، وغير جدير لكي يكون خطابًا إسلاميًّا على الإطلاق.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تنصير، تبشير، مسيحية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 24-09-2009   shareah.com / موقع الشريعة

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أنس الشابي، فتحي العابد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محرر "بوابتي"، سعود السبعاني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، يحيي البوليني، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد أحمد عزوز، د- محمد رحال، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد بشير، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسن عثمان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد الحباسي، محمود سلطان، إيمى الأشقر، صباح الموسوي ، الهيثم زعفان، صالح النعامي ، د - مصطفى فهمي، حسن الطرابلسي، محمود طرشوبي، رضا الدبّابي، علي عبد العال، د - عادل رضا، كريم السليتي، إسراء أبو رمان، عمار غيلوفي، علي الكاش، حاتم الصولي، العادل السمعلي، نادية سعد، ياسين أحمد، سامر أبو رمان ، محمد الياسين، رمضان حينوني، حميدة الطيلوش، محمود فاروق سيد شعبان، د. أحمد محمد سليمان، يزيد بن الحسين، الناصر الرقيق، صلاح المختار، أ.د. مصطفى رجب، الهادي المثلوثي، د. خالد الطراولي ، د - الضاوي خوالدية، عزيز العرباوي، عبد الغني مزوز، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد ملحم، خالد الجاف ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد النعيمي، د - محمد بنيعيش، د- محمود علي عريقات، فهمي شراب، عواطف منصور، د. صلاح عودة الله ، د- جابر قميحة، تونسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مصطفى منيغ، محمد العيادي، ماهر عدنان قنديل، عبد الله الفقير، محمد شمام ، رافع القارصي، سامح لطف الله، صفاء العربي، مراد قميزة، أبو سمية، رشيد السيد أحمد، د. عبد الآله المالكي، خبَّاب بن مروان الحمد، د.محمد فتحي عبد العال، صفاء العراقي، محمد الطرابلسي، منجي باكير، مصطفي زهران، سفيان عبد الكافي، رافد العزاوي، وائل بنجدو، مجدى داود، عراق المطيري، إياد محمود حسين ، ضحى عبد الرحمن، طلال قسومي، فتحي الزغل، فتحـي قاره بيبـان، أشرف إبراهيم حجاج، محمد يحي، صلاح الحريري، د- هاني ابوالفتوح، د - المنجي الكعبي، د. طارق عبد الحليم، سيد السباعي، أحمد بوادي، جاسم الرصيف، عبد الله زيدان، سلام الشماع، فوزي مسعود ، محمد عمر غرس الله، د - شاكر الحوكي ، سلوى المغربي، د - صالح المازقي، المولدي الفرجاني، عمر غازي، عبد الرزاق قيراط ، د. عادل محمد عايش الأسطل، كريم فارق،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة