عبد العزيز محمد احمد خليفة - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10203 amakhalifa@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يسعد موقع "بوابتي" انضمام الأستاذ عبد العزيز محمد احمد خليفة، من مصر، للمساهمين بالنشر بموقعنا، ونحن نرحب به وبكتاباته
مشرف موقع "بوابتي"
*******
علي غير موعد دق جرس التليفون يعلن عن مكالمة من مكان بعيد.. كان المتحدث غريباً في صوته، هادئ النبرات أخبرني باسمه.. ظللت أردد الاسم عدة مرات كي يسعفني ويعرفني أكثر بنفسه، فالذاكرة أحياناً تكون خارج نطاق الخدمة من كثرة ما فيها من أحداث متلاحقة ولكنها اليوم أسعفتني بعد برهة قصيرة، فقد كان زميلا ًدراسياً افترقنا منذ خمسة وعشرون عاماً، ولم نلتقي أبداً ولو عبر الهاتف..كيف عرفت رقم تليفوني وما الذى دحرجك في طريقي بعد هذه السنين، أسئلة عديدة باغته بها قبل أن يجبني بأنه عرف رقم الهاتف عن طريق الإنترنت، وبهدوئه الرزين طلب مقابلتي في أسوان غداً حيث سيصلها قادماً من البحر الأحمر في مهمة عمل سريعة.
وتلاقينا لقاءا غريباً كانت الدهشة ثالثتنا فيه فصورة كل منا قابعة في ذهن الأخر عندما افترقنا منذ ربع قرن وها نحن نلتقي وقد أخذ الشيب مكاناً مرموقاً في رأس كل منا وبدت الأجساد أكثر بدانة، وقلت الخطوات والكلمات وحتى الضحكات ولحظات المرح التي تبادلناها بدت وكأنها قادمة من كهف أهل الكهف، عرفت منه أنه أمضى بعد تخرجه عشرين عاماًِ يعمل في شركات البترول الأجنبية واكتسب خبرة جعلته في مصاف الخبراء الأجانب، وجميع ثروة من المال تكفيه وتكفي سبعة أجيال من بعده كان نتيجتها أن أسس شركة خدمات بترولية متخصصة تدار بطريقة حديثة، وأصبح رئيساً لمجلس إدارتها تدير عليه ربحا ًوفيراً وأصبح لدية الوقت الكافي ليمارس حياته ويبحث عن أصدقائه القدامى، فاجأني بأنه يريد ترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب، وأنه قرأ مقالي في بريد الأهرام منذ خمس سنوات مضت وكيف أنني لم أجد سبباً معقولاً واحداً يدفع الناس علي التكالب علي عضوية مجلس الشعب هذا، فمنهم من يسعى لدخوله طلباً للحصانة وهذا يعنى بأنة يريد أن يأتي بأفعال في غير مسار دولاب المجتمع تحميه الحصانة من الآثار المترتبة عن أفعاله هذه، وأخر يسعى للعضوية طالبا للجاه والسلطان، وتساءلت وقتها ما الذي يدفع الوزير والمستشار وقاضى القضاة إلي طلب العضوية وليس بعد وجاهتهم وجاهة.
وأخر يطلب العضوية أملاً في الدخل الضخم الذي سيحصل علية من راتبه وبدل الجلسات، وهو لا يدري أن مكافأة العضو لا تتعدى ألف جنية شهرياً ومكافأة الجلسة الواحدة خمسة وسبعون جنيهاً ولم يتبقى من طالب العضوية سوى الذي يختاره الناس ويرغمونه علي خوض الانتخابات لما يتوسمونه فيه من خير وقدرة علي العطاء وإنكار الذات، وهو عن كل هذا زاهد غير راغب فيها وهذا بالطبع لم يولد بعد بل من يختارونه ربما لم يصلوا إلي أصلاب أبائهم بعد.
قلت له - حامداً الله – أن ارحتنى من الإجابة بقراءة مقالي فلم أغير رأى فيما قلت منذ خمس سنوات، ولكنة قال أنه حين أراد تأسيس شركته هذه بحث في مدن الصعيد وفي محافظته عمن يمكن أن يعمل معه في تخصصاتها المختلفة ويكون قادراً علي التعامل بحرفية ومهارة مع الشركات الأخرى، فلم يجد ضالته سوى في محافظات القاهرة والإسكندرية وبعض محافظات الوجه البحري، الأمر الذي أقلقه كثيراً وشعر بالهوة السحيقة ما بين شعب البلد الواحد وكيف أن الغالبية العظمى منه غير مؤهله لمواكبة متطلبات العصر الحديث، وان واجبه يحتم عليه بما انعم الله عليه من علم وفضل أن يرقى بمستوى أهله حتى يصل إلي مصاف المقاييس العالمية في التعلم والمعرفة فما كان منه أن أختار مساعداًَ لكل خبير مؤهل من أبناء الصعيد عله يستطيع أن يكتسب ما أفتقده في سنوات عمره من دراسة وخبرة في الحياة، ولكن ما فعله لا يكفي فالسواد الأعظم مازال قابعاً في دهاليز الاتكالية وانتظار الوظيفة الميرى، ولتغيير ذلك لابد أن تتغير أشياء كثيرة في القوانين والتشريعات والحقوق ونوعية الدراسة والنهوض المتكامل بمجتمع الصعيد مع الحفاظ علي تقاليده الحميدة ونبذ كل ما علق به من شوائب، وكل هذا لن يستطيع أن يفعله وحده ولابد أن يكون له صوت مسموع فلربما أستطاع أن يبدأ خطوة يكملها آخرون يأتون بعده..
جميل منك ما ذكرته ياعزيزى ولكنك لن تستطيع أن تدخل مجلس الشعب هذا بهذه الامانى الطيبة و الأحلام الوردية، فلن تستطيع أن تقنع أحداً بما تريده وحولك قارون وأمثاله وقد بدوا في كامل زينتهم يترقبون الفرصة ولن يسمحوا لأمثالك باقتناصها منهم..فهل تستطيع أن تقيم في كل مناسبة دينية ووطنية حفلاًً ضخماً تدعو له وجهاء القوم من تنفيذيين وشعبيين وعامة الناس وتنحر الذبائح بلا حساب، وهل تستطيع أن تستقدم أطباء عالميين لمعالجة المرضى بالمجان في المستشفيات الحكومية بعد أن تعلن عن ذلك في كافة وسائل الإعلام وهل تستطيع أن تدفع بسخاء لكل مسئول وغير مسئول إذا ما اقتضت الظروف هذا، وهل تستطيع أن تستقدم فرقاً كروية ومسرحية ومطربين يقدمون العابهم وفنونهم لصالح عامه البسطاء بالمجان وتغلف هذا بمسميات براقة مثل من اجل مرض السرطان ومن اجل المعوقين ومن اجل استكمال جامعة الإقليم والمسميات كثيرة والبسطاء وعامة الناس يصدقون كل هذه الأهازيج بعفوية وتلقائية ولا يدرون ماذا تخبئ لهم الأقدار .
إن استطعت أن تفعل ذلك و ما أظن ان المال يعوزك فحسب ما قلت لي أنة وفير ويكفى ولكنك في الحاجة إلي تغييرات كثيرة في داخلك ربما قد تستطيع بعد خمسين عاماً أخرى مثل ما مضى من العمر.
فغر صديقي العزيز فاه دهشة وحسرة وبعد ما أفاق من دهشته قال وما الحل، قلت له والله المستعان أن تبدأ بمن حولك وتبحث عن احتياجاتهم الحقيقية الحالية والمستقبلية فإن كانوا مرضي أنشأت مستشفى حديثاً لعلاجهم أو تعمل علي تطوير المستشفي القائم فعلا وإن كانوا في جهالة أنشأت مركزا حديثا للتدريب واللحاق بتعلم النظم الحديثة في كافة مناحي المعرفة والحياة وان كانوا بلا عمل أنشأت لهم مشروعا حقيقياً يدر عليهم د خلاً يكفيهم سؤال اللئيم ويعمل علي تطوير المجتمع والارتقاء بسلوكه، وان كانوا يعانون ظلماً أو اضطهاداً زرعت فيهم المثابرة والتحدي بما أتاك الله من فضل وعلم..هذا قليل من كثير ولن تكون في حاجة أبدا لعضوية هذا المجلس بل ربما هدي الله البعض من عبادة ليحذو حذوك وقتها لن يكون الناس في حاجة لمجلس كل ما فيه تصفيق وموافقة و وتثاؤب أعضاء في جلسات الصباح والمساء..فالفوز الحقيقي هو أن تصنع سعادة تراها في عيون ألآخرين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: