البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

طريق أفريقيا الطويل نحو الحرية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 358



ما أطول طريق أفريقيا نحو الحرية.. هذه خاتمة للقول العاطفي الذي أثاره فينا خطاب التمرد على الاحتلال الفرنسي للنيجر بعد الانقلاب الأخير، والذي بلغ قمّته بطرد سفير فرنسا (الماكث هناك ضيفا ثقيلا وبلا كرامة) ومحاصرة قاعدتها العسكرية بجماهير تائقة للحرية.

طريق أفريقيا نحو التحرر من الاستعمار الغربي المباشر وغير المباشر لا تزال طويلة والثمن المطلوب للحرية لم يدفع بعد، وقد يحل احتلال مكان آخر فأفريقيا غير مسلحة إلا بعواطف جياشة، أما الأسباب فلا نراها تتضافر والعاطفة وحدها لا تكفي لخوض المعركة وإن كانت تدل على الطريق. البلدان الأفريقية لم تملك بعد النخب القائدة للمعارك المصيرية، والمحتلون لن تواتيهم لحظة النبل الإنساني التي يعيدون به الحقوق لأصحابها فيعاملون الأفارقة على أنهم بشر يستحقون الحياة الكريمة.

أفريقيا بلا نخب قائدة

شمال أفريقيا مختلف بدرجات عن وسطها، والشمال والوسط مختلفان عن الجنوب، لكن كل أفريقيا عرفت الاحتلال والاستنزاف الاستعماري مند قرون. التعدد خصب ثقافيا واقتصاديا لكن تاريخ الاستعمار ساوى بين كل المناطق في الفقر، ومن أهم النتائج هشاشة النخب الأفريقية.

لقد تأخر التعليم في أفريقيا، ولم تُنتج الجامعات النخب القيادية وإن تميز أفارقة في كل بقاع العالم بكفاءات فردية تمت "سرقتها" بنفس الشروط/ الحِيل التي سرقت بها الثورات الباطنية. يستوي في ذلك شمال أفريقيا العربي الذي كان له تاريخ في التعليم مع وسطها الذي لم يعرف أشكال الحكم الحديث إلا في نصف القرن العشرين الثاني، لذلك فالجامعات الأفريقية غير مصنفة ولا يمكنها منافسة جامعات الغرب في المدى المنظور.

هذا الفقر النخبوي كان سببا في تصدر نخب عسكرية لكل مشاهد السياسة والاقتصاد خاصة في مستعمرات فرنسا، والتي يمكن اعتبارها أكبر ضحايا التفقير والتجهيل مند قرنين على الأقل. النخب العسكرية بدورها أثبتت ضعفا مهولا في إدارة بلدانها، وقد تبين أن ولاء العسكريين ظل قويا لمن دربهم وعلمهم مسك السلاح، وما أسهل ما استعملوا سلاحهم ضد شعوبهم لمصلحة المدرب.

الفقر النخبوي تجلى في الفقر السياسي، فأفريقيا ليست بها حياة حزبية حقيقية وهي من شروط بناء الديمقراطية. لم تُبنَ الأحزاب فلم تُبن السياسة المدنية، وتعاون العسكر مع المحتل لمزيد من تفقير الساحات السياسة بما في ذلك في بلدان شمال أفريقيا (مصر وتونس والمغرب أبرز الأمثلة). توجد خصوصيات محلية في السنغال حيث تختلط الحياة الحزبية بحركات التصوف، كما تعتبر تجربة جنوب أفريقيا مختلفة (بسبب غياب الأثر الفرنسي التدميري خاصة)، لكن في المجمل غياب حركات سياسية مدنية سمح للعسكر بالمبادرة دوما، لذلك نحسب عدد الانقلابات ولا نحسب عدد الانتخابات.

الانقلابات عنوان الفشل الأفريقي الشامل

هنا يستوي العرب مع غيرهم دون أية أهمية للون البشرة أو للغو العربي بتقدم العرب على السود، بل العرب الانقلابيون علموا أفريقيا الانقلابات العسكرية، لقد دشن العرب من مصر إلى الجزائر إلى ليبيا وانتهاء بتونس طريق الانقلابات والفشل السياسي وتأبيد الخضوع للاحتلال وقهر الشعوب بيد محلية.

بارقة الأمل العاطفية التي أثارها خطاب انقلاب النيجر الأخير وقبله انقلاب توماس سنكارا البوركيني (ونستحضر باتريس لوممبا) لم تتحول إلى حركة تحرر ولا نراها تفعل في المدى المنظور. لدينا معلومات مبتورة عن حالة رواندا التي قطعت مع المحتل الفرنسي وحرمت استعمال لغته كخطوة تحرر ثقافي، لكن ليس لدينا علم دقيق بدور الصين المتسللة إلى أفريقيا من بوابة التعاون الاقتصادي.

لا نحتاج أدلة كثيرة للتأكيد على فشل العسكر في إدارة بلدانهم، فالفقر ظاهر والجهل متفشٍ أما المرض فأفريقيا لا تزال دون الحد الأدنى الصحي الإنساني وهي حقل طواعين مقيمة من الإيبولا إلى السيدا إلى الملاريا إلى كورونا. أعداء البشرية الثلاثة يقيمون إقامة دائمة في أفريقيا المحكومة بعسكر ضعيف وعميل وإن تخفّى وراء خطاب التحرر من الاستعمار، هذا دون نقاش في النوايا المعلنة ولكن بناء على النتائج المنظورة. كم كان من دور للعسكر في هذه الحالة وكم كان لدور الاستعمار الذي منع أفريقيا من التحرر؟ الأمر يطول قياسه ويعسر على التحليل، لكن الهشاشة الأفريقية هي حاصل كل هذه الأسباب مجتمعة، وهي التي قد تمهد لاحتلالات جديدة.

أفريقيا قد تغير محتلا بآخر

من الواضح أن التمرد العاطفي ضد فرنسا بالتحديد تحرّضه قوى أخرى عيونها على الثروات الأفريقية، ومن الواضح أيضا أن بعض حروب أوروبا تجري على الأرض الأفريقية. ولنتذكر الخطاب الناري لرئيسة وزراء إيطاليا في حملتها الانتخابية على فرنسا ودورها في سرقة الثورات الأفريقية، وهو خطاب في جوهره يقول إن إيطاليا أولى بهذه الثورات من فرنسا، وروسيا لا تخفي خطتها في قطع المدد الأفريقي على أوروبا (الغاز الجزائري والنفط الليبي والأورانيوم النيجري.. الخ).

إضعاف أوروبا يقوي روسيا، أما أفريقيا فيمكنها الانتظار تحت حماية فاغنر. تتسلل الصين كلص ظريف غير مؤذ إلى كل الساحات الاقتصادية ويتفطن لها الناس بعد أن تكون قد أمسكت بخناق كل دولة على حدة مثل طاعون كورونا، بينما يتربص الأمريكان بالصين وبفرنسا منتظرين نضوج الثمرة.

يحتاج الأفارقة إلى سند خارجي ضد المحتل القديم لكنهم يكتشفون (وأظنهم يفعلون الآن، وهذا توقع متفائل) أنهم يستبدلون محتلا بآخر.

يمكن لمراقب خارجي أن ينصح من برجه العاجي أن الأفضل هو العودة إلى الشعوب والاعتماد عليها للتحرر من كل استعمار، لكن هذه النصيحة ستقع داخل ثكنة عسكرية معجبة بنياشينها فلا تصل إلى إذن حصيفة، فلا تكون إلا لغوا نخبويا.

هنا تتضح طريق أفريقيا الطويلة نحو الحرية؛ إزاحة العسكر عن السياسة يمر ببناء تعليم متين يفرز نخبا، والنخب تحتاج وقتا لتتفق على مشروع وطني يبلور مطالبه التحررية سلميا عبر مسار بناء ديمقراطية ثابتة تعتمد طموحات شعوبها في التحرر أولا (العسكر يخاف من المدرسة).

إن نقطة البداية -رغم ذلك- بيد العسكر حتى الآن، ولم نقرأ في التاريخ أن عسكريا فكر بشكل مدني والنماذج العربية الأفريقية الثلاتة الكبرى (مصر وليبيا والجزائر) لا تعتبر أمثلة تقدم للأفارقة للاقتداء بها للأسف. العرب هنا أسوأ المعلمين.

إذا ما العمل لتكون أفريقيا حرة وقوية ومالكة لإرادتها على ثرواتها؟ إنها معركة تحرر وطني جديدة تملك الآن سلاحا قويا يمكن اعتماده: الشعوب الأفريقية برغم فقرها النخبوي وإنما بفطرتها الإنسانية بدأت تصرخ بمطلب الحرية، وإذا لم تصغِ إليه الطغم العسكرية وتتبناه فعلا لا تمويها فإن الانقلابات ستتوالى حتى تتحول الروح التحررية إلى مشروع جماعي لن يهرب منه العسكر.

ننتظر بقلوبنا مع جمهور النيجر الذي يحاصر ثكنة فرنسية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فرنسا، إفريقيا، الإحتلال، الإستعمار، مالي، تشاد، النيجر،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-09-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الرزاق قيراط ، حسن عثمان، رشيد السيد أحمد، تونسي، العادل السمعلي، رافع القارصي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، خالد الجاف ، سلام الشماع، محمد عمر غرس الله، سامر أبو رمان ، يزيد بن الحسين، وائل بنجدو، أحمد ملحم، صالح النعامي ، محرر "بوابتي"، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمود سلطان، فتحي العابد، أ.د. مصطفى رجب، مصطفى منيغ، د.محمد فتحي عبد العال، محمد شمام ، سعود السبعاني، كريم السليتي، د - شاكر الحوكي ، المولدي الفرجاني، فهمي شراب، د- هاني ابوالفتوح، صلاح المختار، حميدة الطيلوش، سفيان عبد الكافي، سيد السباعي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- محمد رحال، يحيي البوليني، فتحي الزغل، محمد أحمد عزوز، د - عادل رضا، كريم فارق، خبَّاب بن مروان الحمد، ضحى عبد الرحمن، إيمى الأشقر، رضا الدبّابي، د. أحمد بشير، عمار غيلوفي، سامح لطف الله، عبد الله الفقير، ماهر عدنان قنديل، محمد العيادي، مصطفي زهران، محمد يحي، عواطف منصور، فوزي مسعود ، أحمد الحباسي، د - مصطفى فهمي، د - الضاوي خوالدية، محمد الطرابلسي، د. عبد الآله المالكي، مراد قميزة، أحمد النعيمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بنيعيش، حسن الطرابلسي، د. أحمد محمد سليمان، طلال قسومي، عزيز العرباوي، سلوى المغربي، صفاء العراقي، رمضان حينوني، أشرف إبراهيم حجاج، عراق المطيري، الهيثم زعفان، مجدى داود، عبد الله زيدان، د- جابر قميحة، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الغني مزوز، د. صلاح عودة الله ، صباح الموسوي ، عمر غازي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - صالح المازقي، إياد محمود حسين ، منجي باكير، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد بوادي، حاتم الصولي، إسراء أبو رمان، ياسين أحمد، سليمان أحمد أبو ستة، الهادي المثلوثي، د. عادل محمد عايش الأسطل، صلاح الحريري، رحاب اسعد بيوض التميمي، صفاء العربي، حسني إبراهيم عبد العظيم، الناصر الرقيق، نادية سعد، د. خالد الطراولي ، فتحـي قاره بيبـان، محمد الياسين، رافد العزاوي، د - المنجي الكعبي، د- محمود علي عريقات، محمود طرشوبي، أبو سمية، علي عبد العال، د. طارق عبد الحليم، د - محمد بن موسى الشريف ، أنس الشابي، علي الكاش، جاسم الرصيف،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة