البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

اليسار الجديد في أمريكا اللاتينية

كاتب المقال محمد كريشان   
 المشاهدات: 646



لأول مرة في تاريخ كولومبيا يتولى مقاليد الحكم رئيس يساري في بلد معروف تاريخيا بقربه من الولايات المتحدة وباصطفافه اليميني الثابت.

وبوصول الرئيس غوستافو بيترو إلى هذا المنصب يكون هو الأخير في سلسلة انتصارات انتخابية لقوى التغيير الديمقراطي في أمريكا اللاتينية منذ فوز أندريس مانويل لوبيس أوبرادور في المكسيك عام 2018 وما أعقبه من فوز لليساريين في كل من الأرجنتين عام 2018 ثم بوليفيا عام 2020 فالبيرو وهندوراس والشيلي عام 2021 في انتظار فوز اليساري جار بولسونارو بالرئاسة في البرازيل في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

الواضح إلى حد الآن أن الشخصيات التقدمية اليسارية التي وصلت إلى الحكم في كل هذه الدول تختلف تماما عن دول أخرى لاتينية توصف بأنها يسارية وهي أساسا كوبا وفنزويلا ونيكارغوا، ليس فقط بسبب حرصها على تمييز نفسها عن نمط الحكم الاستبدادي لهذه الدول الثلاث ولكن أيضا من بسبب أطروحاتها الفكرية وأهدافها المعلنة.

وفي الوقت الذي يريد فيه البعض وصف كل ما جرى في كل هذه الدول بأنه عودة قوية وغير مسبوقة لليسار تجعل من كل تلك المنطقة اللاتينية مصبوغة باللون الأحمر أو الوردي، المعبّر تقليديا عن التوجهات اليسارية، إلا أن الواضح إلى حد الآن كذلك أن هذا اليسار هو يسار جديد، شبابي بدرجة كبيرة، يركّز على مجموعة إصلاحات اجتماعية وضريبية مع اهتمام كبير بقضايا البيئة والتغيرات المناخية ووضع المرأة، بالتوازي مع دعوات للوحدة الوطنية والحوار والسلم الاجتماعية. هذا اليسار الجديد ليس منغلقا ولا مغرما بالشعارات الكبرى ولا تقسيم المجتمع إلى «ثوريين» و«رجعيين» كما في تجارب كثيرة سابقة في العالم، حتى أن صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، المعروفة بميولها اليسارية، وصفت في افتتاحيتها قبل بضعة أيام رموز هذا اليسار الصاعد بأنهم «يجسّدون جيلا جديدا وتطلّعات جديدة في تناغم كامل مع الواقع في عالم اليوم».

نظرة سريعة على ما جاء في خطاب الرئيس الكولومبي الجديد خلال حفل أداء اليمين الدستورية الأحد أمام مئات آلاف الحاضرين في العاصمة بوغوتا يعطينا فكرة عن طبيعة الاهتمامات المختلفة لهؤلاء «اليساريين الجدد» الذي تحوّلوا إلى قوة اقتراح عملية وبناءة. لقد دعا بيترو، هذا المقاتل السابق ذو 62 عاما، الجماعات المسلحة في بلاده إلى التخلي عن سلاحها مقابل «السلام وحوافز قانونية» كما أنه اقترح مقاربة جديدة لكيفية القضاء على تجارة المخدرات وزراعتها وعصاباتها في بلد هو المنتج الأول للكوكايين في العالم.

ولم يتوقف الرئيس الجديد عند هذا الحد بل اقترح إنشاء صندوق دولي لحماية منطقة الأمازون التي تعاني من قطع متوحش للأشجار، وهي الغابة الضرورية للغاية لامتصاص الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري.

الملفت كذلك في أطروحات غوستافو بيترو، الذي لم يدع إلى حفل تنصيبه رؤساء يساريين غير ديمقراطيين في حين حضر ما لا يقل عن تسعة رؤساء من أمريكا اللاتينية إلى جانب ملك إسبانيا، غياب الوعود المعسولة الموجّهة إلى الطبقات الشعبية والمسحوقة، الخزّان الانتخابي المفضّل لليساريين، حتى أنه لم يتردد في القول بأنه لن يتمكّن وجماعته في أربعة أعوام من تغيير خمسة قرون من الفوارق والتهميش لفئات شعبية عديدة لكنه سيعمل على إرساء قواعد مختلفة لبلد جديد.

واضح كذلك أن هؤلاء «اليساريين الجدد» ليسوا أسرى لأنماط إيديولوجية تكيّف نظرتهم إلى كل شيء في هذا الكون بل تراهم محتفظين بأرجلهم على الأرض بعيدا عن كل أوهام كاذبة يضلّلون بها أنفسهم والناس. وهم في كل ذلك واعون على ما يبدو بأن هذه الموجة لصعود اليسار في دول أمريكية لاتينية هي في حقيقة الأمر «تعبير عن موجة غضب شعبية وانتصار للمعارضات أكثر من كونها موجة يسار» وفق ما قالته لصحيفة «لوموند» الفرنسية ماريا فيكتوريا موريلو مديرة معهد الدراسات اللاتينية الأمريكية في جامعة كولومبيا في نيويورك.

هذه «النكهة» المختلفة لهؤلاء اليساريين الجدد تبدو ملهمة لبعض اليساريين في أوروبا وخاصة في فرنسا مع جون ليك ميلنشون في وقت يتصاعد فيه اليمين المتطرف مع كل موعد انتخابي لكن ذلك لم يمنع اليسار من محاولة إيجاد صيغة جديدة تعيد له شعبيته القديمة.

المؤلم، إن جاز التعبير، في كل ما سبق هو أن رياح التغيير السياسي تهب في أكثر من منطقة في هذا العالم لكنها تبدو في بلادنا العربية جامدة بالكامل فلا جديد على الإطلاق في عالم الأفكار والتدافع السياسي. كل ما لدينا حاليا هو فقط تصاعد التوجه الرسمي الذي يجمع بين القمع وتفاهة الخطاب. وفي الوقت الذي يسعى فيه اليسار، في أمريكا اللاتينية الآن على الأقل، إلى تجديد خطابه وعقلنة شعاراته نرى اليسار العربي ما زال محنّطا يعيش في غياهب التاريخ مكتفيا بالافتنان بكل ديكتاتور باطش بشعبه شرقا وغربا، قديما وحديثا، في وقت تقف فيه، على الضفة الأخرى، حركات إسلامية متكلّسة هي الأخرى وعاجزة عن أي تطوير تخرج به أي جديد، مما يجعلنا في عقم سياسي كامل يسارا ويمينا، وفي كل الاتجاهات.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

اليسار، الثورات، أمريكا، اليسار الغربي، اليسار الثوري،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-08-2022   المصدر: القدس العربي / عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عزيز العرباوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. طارق عبد الحليم، د. صلاح عودة الله ، فهمي شراب، صالح النعامي ، د. مصطفى يوسف اللداوي، خبَّاب بن مروان الحمد، صفاء العربي، إياد محمود حسين ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد بوادي، رافع القارصي، عواطف منصور، رشيد السيد أحمد، كريم فارق، جاسم الرصيف، سامر أبو رمان ، د. عادل محمد عايش الأسطل، صباح الموسوي ، المولدي الفرجاني، أشرف إبراهيم حجاج، إيمى الأشقر، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العراقي، أحمد ملحم، د - محمد بنيعيش، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد محمد سليمان، يحيي البوليني، د- محمود علي عريقات، إسراء أبو رمان، رضا الدبّابي، الناصر الرقيق، محمود طرشوبي، ماهر عدنان قنديل، د. خالد الطراولي ، عمار غيلوفي، مصطفى منيغ، نادية سعد، طلال قسومي، تونسي، محمد أحمد عزوز، فوزي مسعود ، يزيد بن الحسين، عبد الله زيدان، الهيثم زعفان، د- محمد رحال، صلاح المختار، حاتم الصولي، محمود سلطان، حسن عثمان، عبد الغني مزوز، رافد العزاوي، عبد الله الفقير، خالد الجاف ، محمد عمر غرس الله، د- هاني ابوالفتوح، سامح لطف الله، فتحـي قاره بيبـان، سلوى المغربي، سيد السباعي، د. عبد الآله المالكي، حميدة الطيلوش، د - مصطفى فهمي، محمد الياسين، محمد شمام ، كريم السليتي، الهادي المثلوثي، علي عبد العال، منجي باكير، وائل بنجدو، محمد الطرابلسي، رمضان حينوني، فتحي الزغل، علي الكاش، د.محمد فتحي عبد العال، د - محمد بن موسى الشريف ، محرر "بوابتي"، د - شاكر الحوكي ، أنس الشابي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أ.د. مصطفى رجب، محمود فاروق سيد شعبان، د- جابر قميحة، صلاح الحريري، د - الضاوي خوالدية، مراد قميزة، ضحى عبد الرحمن، محمد العيادي، محمد اسعد بيوض التميمي، سفيان عبد الكافي، د - المنجي الكعبي، د. أحمد بشير، أحمد الحباسي، عمر غازي، د - صالح المازقي، أحمد النعيمي، عبد الرزاق قيراط ، محمد يحي، سعود السبعاني، سلام الشماع، مصطفي زهران، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحي العابد، العادل السمعلي، د - عادل رضا، ياسين أحمد، مجدى داود، عراق المطيري، حسن الطرابلسي، أبو سمية، سليمان أحمد أبو ستة،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة