البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: للأزمة فعل تأسيسي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 833



نقوم كل فجر نبحث عن بصيص أمل في المستقبل، ولسان الحال يقول رب شدة تنتج فرجا ولو بعد حين، ونبيت على خيبة فوضع تونس لا يسر أصدقاءها وقد يكون مصدر فرح لأعدائها. ولتونس أعداء كثر، لكن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة.

كانت عندنا أغنية وطنية وضعت في حرب الجلاء وظلت موسيقى نصر تعزف في كل ذكرى عزيزة (بني وطني يا ليوث الصدام)، واليوم تحل ذكرى عظيمة لكن إعلامنا الوطني يبث أغاني تذكرنا بدلع المخادع، ذكرى انتصار نوعي على طلائع الإرهاب المتسلل إلى جسد الوطن، ذكرى معركة بن قردان التي دحر فيها شعب أعزل متلاحم مع قواته الوطنية من جيش وحرس؛ رأس جسر إرهابي كان ينوي فتح ثغرة في الجنوب وربما بناء دولته ثم التسلل والاستيلاء، ذكرى معركة صاغ فيها الشعب شعارات خالدة: "وطني قبل بطني" و"بلادي قبل أولادي".

يتعمد إعلام الخيانة ردمها ومحوها من ذاكرة الناس. تونس مقسمة بين الذين دحروا الإرهاب، وبين الذين يريدون محو البطولات من الذاكرة. في هذا الأخدود فقدت الثورة زخمها، وفيه تاهت السياسة، وفيه نفقد الأمل في الخروج إلا بمعجزة أخرى مثل معركة بن قردان.

لن نستسلم لخطاب الرثاء

يطاوعنا خطاب الرثاء لحالنا ولحال البلد، فالرثاء لذيذ ويعوضنا عن الهزائم الثقيلة. لكن لن نكتب مراثي في سياق تحليل، فالوطن باق وإن خسرنا معارك كثيرة. نحتاج نقدا ذاتيا بديلا عن التعزية الخائبة، ولكن من أين نبدأ؟ من الأولى بالنقد الذاتي؟

لا يجب (نعم نحن في لغة وجوب) أن ننتظر تراجعات عقلانية ممن سرق الثورة والسلطة وأعاد التموقع في مراكز القرار بالحيلة والشيطنة. لدينا ما يكفي من الأدلة على تحالف هذه الفئة مع الإرهاب والاستثمار فيه، لتخريب كل المسارات السياسية الديمقراطية التي تولدت من الثورة وعملت على بناء الديمقراطية في بلد عانى من القمع طويلا، وما ترذيل معركة بن قردان الفاصلة إلا جملة في سياق الالتفاف والتخريب.

يدور حديث كثير عن حوار وطني ثان للخروج من الأزمة التي تراكمت أسبابها وعمقها الانقلاب، حتى انغلقت أبواب الأمل في وجوه الناس. الداعون للحوار كثر (أنصار الثورة والديمقراطية وأعداؤها في ذات الوقت)، ولكن على أية قاعدة سيكون الحوار مع من خلق الأزمة واستثمر في اليأس والتثبيط؟ هل بقي مجال لحسن النية يقرب الأعداء من لحظة تفاوض على المستقبل؟ أقول الأعداء ولا أقول المختلفين في السياسة، فأساس طاولة الحوار الاختلاف وليس التنافي.

إني أرى عجزا مطلقا عن الخروج من حالة التنافي العدمي، والأقل تشاؤما يقولون ستتدخل السفارات لحلحلة الأمور، وهذا أكبر دليل على حالة التنافي بين فرقاء الوطن الواحد. لا داعي إذن لرثاء وطن مقسوم في العمق، فوجب الحديث بلغة أخرى لبناء تصورات مختلفة على صواب موقف أهالي بن قردان ضد الإرهاب.

فارق القوة وفارق الأخلاق

كان أهل بن قردان على حق مطلق في خروجهم العفوي ضد الإرهاب، لقد كشفوا الروح الكامنة في شعب يملك وطنا ويحتاج حماة. هؤلاء هم المرجع الأخلاقي الضروري، لكن من يسعى إلى تفاوض أو يبني عملا للمستقبل؟ وهذا سبب من أسباب القوة التي لا يجب امتهانها أو التنازل عنها من أجل توافقات سياسية مؤقتة سبق تجريبها وفشلت، بل أنتجت خلاف ما بنيت عليه.

في التحليل الذي أراه سليما أخلاقيا وسياسيا إنه لا فرق بين داعش في بن قردان (الإرهاب) وبين مخربي الديمقراطية في المركز، فكلاهما يعادي الديمقراطية. نعم ليس متاحا حمل السلاح ضد الذين يكيدون للديمقراطية (ولست داعية سلاح)، لكن كل تفاوض معهم على غير قاعدة معركة بن قردان (الحسم الأخلاقي) هو تنفيس لأزمتهم وتوفير حل سياسي ينقذهم مما خلقوه من كوارث مست سلامة الوطن.

نعم توجد فوارق في القوة المادية. أنصار الثورة والديمقراطية عُزّل من السلاح المادي الاقتصادي، لكنهم مسلحون بموقف سياسي أخلاقي لا ريب فيه. إن عددهم كثير لكنهم في بحثهم عن مخارج تفاوضية للأزمة القائمة يضيعون قوة موقفهم الأخلاقي والسياسي ويفتحون أبواب الاستسلام، كما كان الأمر في حوار 2013 الذي أعاد تسليم البلد لمنظومة الفساد والاستبداد التي غيرت وجهها ولم تغير طبيعتها الإجرامية. أليس هذا موقفا عدميا؟ هل يبقى أنصار الثورة والديمقراطية مكتوفي الأيدي في انتظار أن يأتيهم أعداء الديمقراطية خاضعين أذلاء؟

لقد تم حوار 2013 تحت مسمى الحفاظ على الدولة والجمهورية ولغو كثير مماثل، لكن هذا الغطاء انكشف عن خديعة. لم يتم الحفاظ على الدولة، لقد تم الحفاظ على نظام المصالح القديمة ودعمه بما يتنافى ومطالب الثورة والناس التي آمنت بها. معركة بن قردان لم تلح على اللغو إياه، لكنها حافظت على الدولة وعلى الجمهورية. والذين خدعوا شركاءهم في الحوار الوطني هم الذين يطمسون معركة بن قردان ورمزيتها؛ لأن المفاوض المخدوع تخلى عن قوته الأخلاقية. لقد تخلى عن سلاحه، ونرى علامات على تنازل جديد عن هذه القوة في مواجهة صناع الأزمة.

صانع الأزمة يحلها

الأزمة يحلها من صنعها أو يغرق فيها وحده، لنتوقف عن الشفقة عن دولة ليست إلا غنيمة الفاسدين. هذا التكالب على الحوار المغشوش طريق ضيعت ثورة. طرف الحوار المخادع لا يستحق أن ننقذه، نعم إنه المالك الحقيقي للبلد ومن مصلحته (التي لم يدركها حق إدراكها) أن يعيش البلد ويزدهر، ففي ذلك مغنمه وهو لا يحسن تقدير فوائد الديمقراطية عليه أولا، والحوار سيوفر له مخرجا داخل الرداءة السائدة والتي خلقها بنفسه لأنه لا يفلح في التفكير خارجها. لندعه يغرق فذلك مخرج منتج لحل دائم.

الموقف الأسلم سياسيا أن نترك الأزمة تأكل صناعها، لذلك فإن التكالب على حوار وطني خطأ تكتيكي واستراتيجي، لم يتعلم شيئا من فشل حوار 2013. موازين القوة المادية متفاوتة نعم، ولكن موازين القوة الأخلاقية راجحة لمصلحة الديمقراطية وأنصارها. سيقول كثيرون إن هذا التطهر الثوري فوق الربوة يهلك البلد، ووجب الرد بسرعة: أي بلد؟ بلد مافيا المزابل الإيطالية؟ بلد التهريب وتخريب الموانئ؟ بلد توريد البصل المسرطن من مصر؟

أظن أن عقلاء كثيرين تقودهم محبة البلد والشفقة على ناسه من الفقر والخصاصة. يجب على هؤلاء أن يروا أيضا أن حالة الركود تصيب طبقة مافيا المزابل في مقتل، هذه المافيا تحتاج شعبا طيبا أو غبيا يقتني سلعها. إذا افتقر هذا الشعب الغبي سقطت المافيا، وهذا يجري الآن أمام أعين العالم وهو المنفذ الوحيد للخروج من الأزمة. فأنا أحد الذين يستريبون في نوايا المهرولين إلى حوارات وطنية مع دولة المافيا.

للأزمة فعل تأسيسي، لندعها تخرب لتبني بروح معركة بن قردان.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-03-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رافد العزاوي، د - شاكر الحوكي ، الهادي المثلوثي، كريم السليتي، عمر غازي، مصطفي زهران، نادية سعد، د- هاني ابوالفتوح، طلال قسومي، رضا الدبّابي، رشيد السيد أحمد، مراد قميزة، جاسم الرصيف، إياد محمود حسين ، أنس الشابي، محرر "بوابتي"، حسن عثمان، محمود سلطان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد الطرابلسي، عمار غيلوفي، رحاب اسعد بيوض التميمي، صفاء العربي، عراق المطيري، حاتم الصولي، د. أحمد محمد سليمان، خالد الجاف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد يحي، سامر أبو رمان ، ضحى عبد الرحمن، خبَّاب بن مروان الحمد، سعود السبعاني، عبد الغني مزوز، د- جابر قميحة، د - عادل رضا، يزيد بن الحسين، صلاح الحريري، فوزي مسعود ، تونسي، صلاح المختار، صباح الموسوي ، عزيز العرباوي، أشرف إبراهيم حجاج، يحيي البوليني، أحمد بوادي، د. طارق عبد الحليم، د- محمود علي عريقات، د. مصطفى يوسف اللداوي، مجدى داود، فتحي العابد، محمد شمام ، رافع القارصي، إسراء أبو رمان، رمضان حينوني، سامح لطف الله، أحمد ملحم، علي عبد العال، فتحـي قاره بيبـان، محمد الياسين، د. خالد الطراولي ، صفاء العراقي، د. أحمد بشير، د- محمد رحال، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سلوى المغربي، محمد اسعد بيوض التميمي، إيمى الأشقر، د - مصطفى فهمي، محمد عمر غرس الله، ماهر عدنان قنديل، عبد الله زيدان، محمد العيادي، وائل بنجدو، الناصر الرقيق، علي الكاش، د - المنجي الكعبي، د - محمد بنيعيش، سفيان عبد الكافي، أ.د. مصطفى رجب، د. عادل محمد عايش الأسطل، مصطفى منيغ، سلام الشماع، حميدة الطيلوش، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. صلاح عودة الله ، د.محمد فتحي عبد العال، د - الضاوي خوالدية، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سيد السباعي، عواطف منصور، صالح النعامي ، حسن الطرابلسي، منجي باكير، أحمد الحباسي، أبو سمية، أحمد النعيمي، د - صالح المازقي، كريم فارق، سليمان أحمد أبو ستة، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، العادل السمعلي، محمود فاروق سيد شعبان، المولدي الفرجاني، عبد الرزاق قيراط ، الهيثم زعفان، ياسين أحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود طرشوبي، د. عبد الآله المالكي، فهمي شراب، فتحي الزغل، محمد أحمد عزوز، عبد الله الفقير،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة