البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من الاستعمار إلى العلمانية: فرنسا تواصل حربها على المسلمات

كاتب المقال ماليا بواتيا   
 المشاهدات: 1842



في أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر، كتب الطبيب النفسي والفيلسوف فرانز فانون عن المنهج الجندري الفرنسي للحفاظ على القبضة الاستعمارية حيث قال: "إذا أردنا تدمير بنية المجتمع الجزائري وقدرته على المقاومة يجب في البداية أن نقهر النساء، يجب أن نذهب ونعثر عليهن خلف الحجاب حيث يختبئن أو في المنازل حيث يبقيهم الرجال بعيدًا عن الأنظار".

هذه الطريقة كما يبدو ليست من الماضي البعيد للدولة الفرنسية ونسختها المتطرفة للعلمانية، ففي الواقع ومرة أخرى، كان الأسبوع الماضي يمتلئ بمئات المعلقين وعشرات النقاشات التليفزيونية والإذاعية عن النساء المسلمات وحقهن في ارتداء الحجاب.

هذا الهجوم اللانهائي أصبح معتادًا في السياق الفرنسي، حيث وحد طيفًا سياسيًا واسعًا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ليستهدف واحدة من أكثر المجموعات المظلومة في البلاد، جاء ذلك في أعقاب حادثة لرحلة مدرسية رافقت فيها إحدى الأمهات المحجبات ابنها في البرلمان المحلي بديجون.

تعرضت فطيمة للإساءة اللفظية من السياسي جوليان أودول من حزب التجمع الوطني الفاشي (المعروف سابقًا باسم الجبهة الوطنية) الذي طالبها بإزالة غطاء رأسها أو عدم دخولها المبنى، واجه رئيس البرلمان حديث أودول بفتور بينما طالبه بقية الأعضاء بالتوقف عن الحديث بشكل غير مقنع، ونتيجة لذلك واجهت الأم الإهانة وحدها بينما تحاول مواساة ابنها الحزين.

لم يكن تصرف أودول فعلاً شاذًا، فهو يستند إلى التشريعات القائمة التي تهدف إلى منع النساء المسلمات عن الحياة العامة في فرنسا، فعلى سبيل المثال عام 2004 أصبح من غير القانوني دخول المدارس والأماكن العامة - كموظف أو مستخدم - في أثناء ارتداء الحجاب، كما أن فرنسا تعد أول دولة في أوروبا تحظر ارتداء النقاب وذلك عام 2011.

أصداء الحقبة الاستعمارية
صادف الأسبوع الماضي ذكرى المذبحة الفرنسية التي حدثت في 17 من أكتوبر 1961 خلال حرب الجزائر، حيث تعرض مئات المتظاهرين الجزائرين من أجل استقلال الجزائر إلى القتل وإلقاء جثثهم في نهر السين بواسطة الشرطة الفرنسية بقيادة موريس بابون الذي شارك من قبل في ترحيل مئات اليهود في أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم تعترف الدولة الفرنسية بالحدث وبجزء قليل من القتلى إلا أواخر التسعينيات، ولم تضع نصبًا تذكاريًا في مكان الحادث إلا عام 2001.

إن حقيقة وقوع الحدثين في الوقت نفسه أمر معبّر، فمقاومة الدولة الفرنسية للاعتراف بالعنف الاستعماري والإساءة الموجهة للجزائريين في الداخل والخارج وتخليد ذكراها، يلعب دورًا مهمًا في إخفاء العنف الموجه ضد المسلمين في فرنسا اليوم.

ومعاملة النساء المسلمات على يد الدولة اليوم تعكس الإهانات التي تعرضت لها النساء الجزائريات تحت الاستعمار، وعنف الشرطة ضد الشباب المسلم في شوارع فرنسا اليوم يعكس عنف الشرطة ضد العمال المهاجرين في الماضي، كما أن العزل الاجتماعي للسكان المسلمين في الضواحي الفقيرة عبر البلاد اليوم يعكس عزلهم في ضواحي فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية.

كراهية معاصرة
من المستحيل أن تعترف الدولة بماضيها لأنه لم ينته، فالاعتراف يؤدي إلى ضرورة التغيير وتحقيق العدالة، فعلى سبيل المثال كان لزامًا على الدولة والمؤسسات العامة استغلال ذكرى مذبحة 1961 للحشد ضد الكراهية المعاصرة.

لكن ما حدث بدلًا من ذلك إعادة العنصرية التي ميزت المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر وجميع القارات الأخرى، يشكل رد فعل أودول مزيجًا من الغضب والشعور بالاستحقاق الذي وجهه لفطيمة، وهو يوضح النقطة التي تقف عندها البلاد فيما يتعلق بحرية رعايا الدول التي استعمرتها من قبل، ففرنسا ما زالت لا تقبل ولا تؤمن بحق الملونين في الحرية.

ما زالت حاجة فرنسا إلى العزل والاضهاد عميقة حتى بعد عقود من تحرير الجزائر، التي تتركز في السيطرة على المرأة المسلمة وجسدها وموقعها في المجتمع، كان من الصعب مشاهدة الإهانة التي تعرضت لها فطيمة في تلك اللحظة وكذلك ابنها الذي كان منزعجًا حتى إنه لجأ إلى ذراعي والدته، لكن ذلك لم يؤثر إطلاقًا على السياسي الفاشي.

لكن السير في شوراع باريس - العاصمة الكبيرة متنوعة الثقافات - مع ارتداء الحجاب ومحاولة دخول بنك محلي أو متجر، سيوضح تمامًا أن تلك الحوادث ليست شاذة أو استثنائية، بعد 6 أيام من حادثة فطيمة قالت الصحيفة الفرنسية "Libération" إن هناك 85 نقاشًا تليفزيونيًا بشأن الحجاب في جميع القنوات الإخبارية الفرنسية وهناك 286 ضيفًا يتحدثون عن الموضوع وليس بينهم امرأة محجبة واحدة.

في تلك النقاشات يدور الحديث عما يجب أن ترتديه المرأة المسلمة وضرورة حرمانها من هذا الحق في حال رفضها الرضوخ وما الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة الفرنسية لاستبعادهم، كما قارن أحد الصحفيين الحجاب بملابس الراهبات.

موسم مفتوح
اللافت للنظر أن هذا الموسم المفتوح أمام النساء المسلمات وحقهن في المشاركة في الحياة العامة في فرنسا لا يحميهن من اليمين المتطرف، في الواقع تم تطبيع وجهة نظر أودول من النقاشات النسوية الليبرالية التي دافعت عن حظر الدولة للنقاب في بدايات الألفية.

والآن، وكما هو الوضع في آخر عقدين، فهذه الهجمات والقوانين الاستثنائية وعنف الدولة تحدث بدعوى تحرير النساء المسلمات المضطهدات وحمايتهن من أزواجهن وآبائهن الهمجيين.

وكما وعدت أمريكا بتحرير المرأة الأفغانية من خلال قصفها ووعد الاستعمار بتحرير رعاياه من خلال استغلالهم حتى الموت، وعد مثقفو فرنسا بتحرير المرأة المسلمة وذلك من خلال استبعادها من الحياة العامة والنقاش العام والعمل.

الحقيقة أنه لا أحد من الأطراف المهتمة بالدفاع عن المرأة المسلمة والعلمانية يعتقدون أن النساء اللاتي يرتدين الحجاب يستحققن دخول الفضاء السياسي والفكري حيث يمكنهن تقديم مطالبهن، فالجولة الأخيرة من النقاشات التليفزيونة تؤكد ذلك.

المقاومة
بينما تحاول فطيمة السعي وراء العدالة بالطرق القانونية، فإن تجربتها ستلاحق كل من تعرضن لهذا الحادث وبشكل أوسع ستلاحق الفتيات والنساء المسلمات لتذكرهن بأن أجسادهن ساحة معركة تواصل فيها الدولة الفرنسية شن هجومها على الملونين، تعد الاحتجاجات والغضب على وسائل التواصل الاجتماعي والتضامن الدولي من أهم الأدوات التي ستمحو العزلة التي تأثر بها البعض، كما أنها ستحد من ثقة حديث الإسلاموفوبيا الفرنسية.

يتساءل المرء إذا كانت الدولة الفرنسية قد تعلمت شيئًا، ربما رفضها الاعتراف بماضيها جعلها غير قادرة على تعلم الدروس منه، وإذا كانت سيطرة فرنسا على المجتمع الجزائري قائمة على التحكم في نسائها، فإن ذلك نجح في وضع النساء الجزائريات في مقدمة المقاومة ضد الحكم الفرنسي.

بالنظر إلى فطيمة التي كانت تواجه بصمت وشجاعة صراخ السياسي بينما وقف البقية مرتبكين، يمكننا رؤية أن التاريخ يعيد نفسه، فهي وحدها تمثل المقاومة في تلك الغرفة، والنهاية المستقبلية لهذا الحكم.

------------
ترجمة وتحرير نون بوست


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فرنسا، حرب الإسلام، العلمانية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 24-10-2019   المصدر: ميدل إيست آي / نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مجدى داود، فهمي شراب، د. عادل محمد عايش الأسطل، فتحي الزغل، محمد الياسين، جاسم الرصيف، سيد السباعي، د. أحمد بشير، محرر "بوابتي"، عمر غازي، ضحى عبد الرحمن، د. صلاح عودة الله ، مصطفى منيغ، صباح الموسوي ، فوزي مسعود ، فتحي العابد، سامح لطف الله، محمد يحي، د - محمد بنيعيش، حاتم الصولي، سلوى المغربي، د - شاكر الحوكي ، د- جابر قميحة، عزيز العرباوي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد بوادي، د - مصطفى فهمي، محمد اسعد بيوض التميمي، رشيد السيد أحمد، صالح النعامي ، مصطفي زهران، منجي باكير، د- محمود علي عريقات، صلاح المختار، طلال قسومي، خالد الجاف ، د - محمد بن موسى الشريف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد ملحم، سامر أبو رمان ، إيمى الأشقر، حسن الطرابلسي، المولدي الفرجاني، حميدة الطيلوش، د- محمد رحال، محمد أحمد عزوز، سليمان أحمد أبو ستة، يزيد بن الحسين، نادية سعد، سعود السبعاني، يحيي البوليني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أبو سمية، إسراء أبو رمان، محمود فاروق سيد شعبان، محمد الطرابلسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. خالد الطراولي ، محمد عمر غرس الله، عواطف منصور، العادل السمعلي، سفيان عبد الكافي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عراق المطيري، رمضان حينوني، تونسي، د - المنجي الكعبي، د.محمد فتحي عبد العال، أشرف إبراهيم حجاج، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، محمد شمام ، عبد الغني مزوز، أ.د. مصطفى رجب، محمود طرشوبي، د - الضاوي خوالدية، علي الكاش، رافد العزاوي، صلاح الحريري، الهيثم زعفان، كريم السليتي، د - صالح المازقي، أنس الشابي، عبد الله زيدان، عبد الرزاق قيراط ، عبد الله الفقير، حسن عثمان، أحمد الحباسي، سلام الشماع، صفاء العراقي، إياد محمود حسين ، عمار غيلوفي، أحمد النعيمي، محمود سلطان، د. عبد الآله المالكي، محمد العيادي، الناصر الرقيق، ماهر عدنان قنديل، رضا الدبّابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، صفاء العربي، د - عادل رضا، مراد قميزة، ياسين أحمد، علي عبد العال، خبَّاب بن مروان الحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- هاني ابوالفتوح، وائل بنجدو، د. طارق عبد الحليم، رافع القارصي، فتحـي قاره بيبـان، كريم فارق،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة