البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

دولة تونسية جديدة في الأفق

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2006



ما وراء الفرح التونسي بالانتخابات وأبعد من أشواق العرب إلى تقليدهم؛ تطرح الحالة التونسية أسئلة كثيرة عن العلاقة بين المواطن (الناخب) والسياسي. هناك متغير جديد عن أشكال الانتظام وسبل التواصل، فما جرى في تونس مختلف عن معتاد تحول إلى قاعدة حتى ظُن أنه القاعدة الوحيدة المتاحة والممكنة. يمكن دفع فكرة جديدة إلى مدى أبعد مما ظهر حتى الآن، انتهى حنين المواطن إلى الزعيم وانتهى المواطن العضو في الأسرة الحزبية، وهناك انكسار الرابط العاطفي مع الزعيم الأب ومع الحزب الأسرة، وحلول علاقة مؤقتة ذات طبيعة محدودة بإنجاز مهام في فترة محددة، بناءً على عقد عمل محدود المدة ومحدد بأهداف يفوض بمقتضاه المواطن شخصًا سياسيًا لإنجاز مهمة محددة ثم يتم استبداله.

العلاقة بين المواطن والسياسي تتحول إلى حركة ذات طبيعة محددة تشبه الاستعانة بعامل بناء لإجراء إصلاحات مقابل أجر، وسيكون هذا هو الوجه الجديد للتعاقد السياسي، وقد دشنه التونسيون دون كراسات نظرية وربما تحول فعلهم إلى كراسة مسالك لإنجاز التحولات الكبرى عبر تفتيتها إلى مهام محدودة تتراكم عبر الزمن السياسي والاجتماعي للمجتمعات.

تحرر المواطن من يتمه للزعيم الأب

في انتخابات تونس 2019 قدم سياسيون أنفسهم بصور مختلفة، فأكد الشباب على معنى الأخوة وأكد الكبار على معنى الأبوة، ولكن الشعب اختار الشخص الذي لم يظهر عاطفة جياشة وتحدث كخبير في إدارة الدولة، ورغم أنه ظهر بوجه أقرب إلى العبوس وتكلم بصوت إذاعي ولم يبتسم، فإنه حظي بالقبول حتى الآن (نكتب بين الدورين) واحتمال فوزه بالرئاسة أكبر من منافسه الذي يشتغل على تجييش العواطف ويبكي.

كأنني سمعت المواطن التونسي يقول للسياسي (كل سياسي) لست يتيمًا ولا أحتاج أن أبكي على كتفك وأمنحك مسرحًا لتمثيل دور الأب أو الأخ، قم بواجبك الذي نتفق عليه وأنا أراقب مدى إتقانك للعمل وأحكم، وقد أُنهي التعاقد وأقطع الأجر. إنه فعل سياسي لكنه يشبه علاقة استخدام مخالفة تمامًا لعلاقة التبعية التي عاشتها الأجيال السابقة.

نتحدث هنا عن أجيال وعن انقلاب في تصور العلاقة مع الحاكم (السياسي عامة)، فهناك انقلاب جيلي ظهر في انتخابات تونس 2019، ويمكن التوسع في قراءته إلى حد القول بموت الزعيم الملهم والأب الروحي والشيخ ممثلاً خاصة في الزعيم بورقيبة، فكانت حملة بعض المنتمين إلى البورقيبية تقابل بحملات تصفير في الشارع وقرب تمثاله وتحظى أكثر بالتجاهل وظهر ذلك في نسب التصويت.

الجيل التونسي الجديد قال لآبائه تنحوا ونحوا زعيمكم سنحكم برئيس مختلف وسنعامله بعقد أهداف، وفي هامش هذا نلمح أن أحد الذين لم يستبقوا هذا الوعي هو حزب النهضة الإسلامي (رغم ما فيه من شباب يافع) قال الشباب للحزب من خارجه لا نحتاج شيخكم المعمم الفصيح رغم جمال جبته التونسية.

انتخابات 2019 في تونس أسقطت البورقيبية (الزعاماتية) إلى الأبد وفتحت باب تغيير سياسي، بل فرضت تفكيرًا من خارج منوال الزعامة مقترحة منوال تعاقد جديد (الرئيس الموظف عند شعبه).

تحرر المواطن من الأسرة الحزبية الحنون

لم تسقط انتخابات 2019 شيوخ السياسة وآباء الشعب الروحيين، بل أسقطت فكرة الانتظام الحزبي التقليدية أيضًا، فيمكن لشخص فرد أن يفوز دون استعمال ماكينة حزبية، فسبل التواصل الجديدة قدمت حلاً تقنيًا للفعل السياسي الجديد (التواصل الفردي والجماعي عبر الإنترنت وبالمجان تقريبًا). قيس سعيد في مواجهة مورو حالة دالة، الماكينة الحزبية القوية مقابل الاتصال الفردي الحر، ينطق الأمر كذلك على حالة سعيد في مواجهة الزبيدي والشاهد.

في حالة النهضة الأخوة الدينية ليست ضمانة لتصويت سياسي، وفي حالة الزبيدي التحشيد الجهوي (ما قبل الديمقراطية) ليست كفيلة بالتجميع. بل أكثر من ذلك المال الوفير لم يعد يضمن النجاح، فقد أنفقت حملات حزبية أموالاً كثيرة (يعلم الله مصدرها) ذهبت هدرًا ولم تضمن الفوز، بل فاز حتى الآن الرجل الفقير بحملة متطوعين لم يثبت أحد أنهم مرتزقة حملات ممن ينشط بمقابل في المواسم السياسية.

الأسرة السياسة بشكلها الحزبي الكلاسيكي إلى زوال، لذلك قد نشهد مراجعات عميقة للأبنية الحزبية الكلاسيكية كما ورثناها عن تقاليد الديمقراطية التمثيلية من القرن 19، ولا شك أن أشكال الانتظام الجديدة ستكون سائلة وغير منضبطة لأشخاص وزعامات ثابتة أو متحركة بما ينهي وجود الزعامة أصلاً، ويصير كل انتظام مؤقت ومرتبط بمهام، تمامًا مثل إدارة الدولة ومؤسساتها.

هل هي علوم الإدارة الحديثة التي تطورت في الشركات الكبرى (تيوتا وفوفو وسيمنس وغيرها) تنتقل إلى أساليب إدارة الشأن السياسي العام، يبدو ذلك من خلال تجربة تونس.

قتل هيجل

إذا كانت الديمقراطية التمثيلية قد قتلت الزعيم الأبدي في أوروبا وتأخرت عند العرب لأسباب نعرفها، فإن الأفق الذي دشنه التونسيون هو ديمقراطية تمثيلية تتجاوز الرئيس الأبدي كما الزعيم الحزبي المقدس في ذات الوقت بما يجعلها تجربة مؤسسة في العلوم السياسية.

يمكن القول إن إدارة الشأن العام تخرج من تصور الدولة الأب إلى الدولة الإدارة بضمان حرية الأفراد في الفعل وهذه صورة تهدم الدولة المقدسة المتعالية نائبة الله على الأرض (في مرحلة محددة/النهضة الأوربية) قتلت الدولة الإله وتصل الآن إلى مرحلة احتضارها للتحول إلى جهاز مبسط مهمته الأولى ضمان الحريات الفردية وضمان العيش المشترك دون أي قدسية موهومة.

هل ندفع المجاز إلى أقصاه فنقول: لقد قتل التونسيون هيجل بهواتف نقالة لم يخترعوها ولكنهم استفادوا من قدرتها على تغيير فكر العالم حتى إنهم لم يقرأوا هيجل.

كان جيلي من المتعلمين يضرب المثل بعسر هضم فلسفة هيجل في مسألة الدولة، فكنا نقول هذا الأمر المقرر أعسر من هيجل، وكنا نسقط في دروس الفلسفة إذا اختبرنا فيه، أدرك هذا الجيل جيلًا آخر من أبنائه يسأله هل كنت مضطرًا لقراءته ؟ ثم يضرب زر (الكنصلة) فإذا هيجل ذكرى وإذا دولة سائلة في الأفق.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإنتخابات، الإنتخابات التشريعية، الإنتخابات الرئاسية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 26-09-2019   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فتحـي قاره بيبـان، إياد محمود حسين ، سلام الشماع، طلال قسومي، يزيد بن الحسين، فتحي العابد، د. أحمد بشير، فتحي الزغل، د. طارق عبد الحليم، الهادي المثلوثي، د - المنجي الكعبي، محمود سلطان، أحمد النعيمي، د.محمد فتحي عبد العال، نادية سعد، الهيثم زعفان، محمد الطرابلسي، خبَّاب بن مروان الحمد، رافع القارصي، صفاء العربي، مجدى داود، سفيان عبد الكافي، محمود فاروق سيد شعبان، حميدة الطيلوش، حاتم الصولي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أنس الشابي، عبد الرزاق قيراط ، د. خالد الطراولي ، إيمى الأشقر، محمد العيادي، وائل بنجدو، د- هاني ابوالفتوح، أحمد ملحم، د - مصطفى فهمي، د. عبد الآله المالكي، المولدي الفرجاني، صلاح الحريري، د - الضاوي خوالدية، رضا الدبّابي، سليمان أحمد أبو ستة، محرر "بوابتي"، سامح لطف الله، د- جابر قميحة، رافد العزاوي، ضحى عبد الرحمن، ماهر عدنان قنديل، د. صلاح عودة الله ، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - محمد بنيعيش، محمد شمام ، صالح النعامي ، كريم السليتي، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله الفقير، أحمد بوادي، د - شاكر الحوكي ، مصطفى منيغ، سعود السبعاني، خالد الجاف ، محمد عمر غرس الله، عواطف منصور، كريم فارق، د - عادل رضا، صباح الموسوي ، مصطفي زهران، علي الكاش، محمد الياسين، ياسين أحمد، د - صالح المازقي، صلاح المختار، يحيي البوليني، عمر غازي، مراد قميزة، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سيد السباعي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عمار غيلوفي، علي عبد العال، صفاء العراقي، د- محمود علي عريقات، محمد اسعد بيوض التميمي، العادل السمعلي، أحمد الحباسي، منجي باكير، عبد الله زيدان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. أحمد محمد سليمان، رمضان حينوني، عزيز العرباوي، حسن الطرابلسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، إسراء أبو رمان، عبد الغني مزوز، د- محمد رحال، محمد يحي، سامر أبو رمان ، حسن عثمان، الناصر الرقيق، د - محمد بن موسى الشريف ، أشرف إبراهيم حجاج، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رشيد السيد أحمد، أبو سمية، عراق المطيري، حسني إبراهيم عبد العظيم، فوزي مسعود ، تونسي، محمود طرشوبي، فهمي شراب، محمد أحمد عزوز، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، جاسم الرصيف، سلوى المغربي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة