البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل هناك علاقة بين العَلْمانية والعِلم؟

كاتب المقال  فوزي شداد   
 المشاهدات: 2214



منذ أن عرفت مجتمعاتنا العربية والإسلامية هذا المصطلح يحاول دعاتها إلصاقها بالعلم وإلباسها لباس الرقي والتحضر، ليتسنى لهم ترويج بضاعتهم الفاسدة ومشروعهم العلماني الخبيث، ويُسَهّل عليهم اختراق عقول من يمضون وراء كل ناعق، مما دفع الأديب زكى نجيب محمود منذ سنوات إلى كتابة مقال في جريدة الأهرام تحت عنوان “عين – فتحه – عا” أي عَلمانية بفتح العين وليس بكسرها، ليرفع هذا اللبس ويقطع نسبتها إلى العلم، فربط العَلمانية به نوع من الغش والتدليس الفكري وتسمية الأشياء بغير مسمياتها.

والعَلمانية في جذورها الأوربية من حيث اللغة والاشتقاق والمعنى لا علاقة لها بالعِلم من قريب أو بعيد، فهي في اللغة الإنجليزية (Secularism) أي اللادينية أو الدنيوية، وأما العِلم في كل من الإنجليزية والفرنسية فهو (Science)، والمذهب العلمي يطلق عليه (Scientism).

ومعنى العلمانية أي اللادينية أو الدنيوية، فتجده مقرراً هكذا بوضوح في دوائر المعارف الغربية، فعلى سبيل المثال جاء في دائرة المعارف البريطانية (9/19) تحت مادة (Secularism):”هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها..وظل هذا الاتجاه يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله، باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية.”

وفي معجم أكسفورد جاء في شرحه لكلمة (Secular): أ- دنيوي أو مادي، ليس دينياً ولا روحياً: مثل التربية اللادينية في الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.
ب- الرأي الذي يقول إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية.

وفي معجم ويبستر جاء تعريفها:”هي رؤية للحياة، أو في أي أمر معين يعتمد أساساً على أنه يجب استبعاد الدين وكل الاعتبارات الدينية وتجاهلها، ومن ثم فهي نظام أخلاقي يعتمد على قانون يقول: بأن المستويات الأخلاقية والسلوكيات الاجتماعية يجب أن تحدد من خلال الرجوع إلى الحياة المعيشية والرفاهية الاجتماعية دونما الرجوع إلى الدين.”

وفي معاجمنا العربية كذلك نجد أن مصطلح العَلمانية ليس له علاقة بالعِلم من حيث اللغة أو المعنى، فعلى سبيل المثال أدرج مجمع اللغة العربية في المعجم الوسيط معنى العلمانية – من باب المعاصرة وإدراج معاني بعض المصطلحات المستخدمة التي شاعت في المجتمع العربي – فكان تعريفه لها:” العَلمانية مشتقة من العَلْم بمعنى العَالم أو الدنيا، والعَلماني هو خلاف الديني أو الكهنوتي.”

ويقسم بعض الباحثين اتجاه الدول والأفراد أصحاب الاتجاهات العلمانية من حيث موقفها وحدود التعامل مع التعاليم الدينية إلى قسمين: قسم يسمح به وفق المفهوم الضيق للدين، كالمجتمعات الديمقراطية الليبرالية التي تسمي منهجها بـ(العلمانية المعتدلة – Non Religious)، أي أنها مجتمعات لا دينية ولكنها غير معادية للدين، وقسم يسمى بـ(العلمانية المتطرفة Anti Religious )، أي المضادة للدين والمعادية له.

وبدهي أنه بالنسبة للإسلام لا فرق بين المسميين، فكل ما ليس دينياً من المبادئ والقيم والتطبيقات فهو في حقيقته مضاد للدين، فالإسلام واللادينية نقيضان لا يجتمعان ولا واسطة بينهما، كما أن العلمانية بمفهومها الشامل لا تقف عند مجرد الفصل بين الدين والحياة، بل لها موقف سلبي من الدين من جهة، ومن جهة أخرى لها مفهوم فلسفي متجذر يتعلق باستقلال العقل في قدرته عن الوحي وكل ما هو ديني.

وهذا المفهوم الفلسفي له أسسه القديمة منذ عهود الفلاسفة الرومانيين واليونانيين، فالفيلسوف اليوناني إبيقور (341-270 ق.م) الذي ينسب إليه أصول العلمانية كان يرى أن الغاية من دراسة الطبيعة هي العيش بأمان تجاه الآخرين والأشياء، بيد أنّ هذه الغاية لا يتوصل إِليها كما يدعي إِلاّ من لا يخاف؛ لا من الأساطير الأخروية، ولا من الظواهر الطبيعية، ولا من الموت، ولا حتى من الآلهة.

وانتقل هذا المفهوم لتلامذته وأتباعه وحملة مذهبه، فعند الإبيقوريين كل شيء في العالم يمكن توضيحه من دون حاجة إِلى إِقحام الآلهة.

وخلال عصر ما يسمى بعصر التّنوير الأوربي ظهرت أراء العديد من فلاسفة وأعلام الفكر الحر ما يرسخ لهذا الاتجاه، خاصة بعد أن أدى فساد الكنيسة وتجاوزات رهبانها وقساوستها إلى اتجاه كاد يعصف بفكرة الدين بالكلية، فحاول الفيلسوف الإنجليزي التجريبي جون لوك (1632م – 1704م) التوسط في الصراع بين البرجوازية والعلماء من ناحية وبين السلطة الكهنوتية الكنيسة والأمراء من ناحية أخرى، فانتقل بمفهوم العلمانية من الصورة النظرية إلى التطبيقات العملية في الحياة السياسة والفكرية والاجتماعية والأخلاقية، وانتهى إلى الإبقاء على فكرة الدين مع عزله عن إدارة الحياة، ووضع الإيمان والوحي والمعجزات تحت محكمة العقل الإنساني.

وهكذا فالمعنى الصحيح للعلمانية هو الفصل التام بين الدين والحياة، وعدم المبالاة بالدين أو الاعتبارات الدينية مطلقاً، ونزع القداسة عن المقررات والتعاليم والمبادئ والأخلاقيات الدينية، وإقامة الحياة على غير منهج الله، سواء على المستوى الفردي أو مستوى قوانين وإجراءات الدولة، إنه باختصار إقصاء الدين من جميع مجالات الحياة، وإحلال منظومة من القيم والأخلاق والمعايير والتصورات الإنسانية الوضعية في مقابله.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

العلمانية، العلم، الغرب،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-08-2018   المصدر: إسلام اون لاين

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- هاني ابوالفتوح، د. عبد الآله المالكي، مراد قميزة، د - صالح المازقي، د - محمد بن موسى الشريف ، ياسين أحمد، صلاح المختار، صباح الموسوي ، رافد العزاوي، محمد الياسين، محمد يحي، خالد الجاف ، د - شاكر الحوكي ، ضحى عبد الرحمن، مجدى داود، علي الكاش، سيد السباعي، أنس الشابي، سامر أبو رمان ، عراق المطيري، منجي باكير، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسن عثمان، سعود السبعاني، ماهر عدنان قنديل، سلام الشماع، صالح النعامي ، محمد الطرابلسي، عمار غيلوفي، رمضان حينوني، المولدي الفرجاني، محمود طرشوبي، صلاح الحريري، عبد الله زيدان، إيمى الأشقر، فتحـي قاره بيبـان، فوزي مسعود ، أ.د. مصطفى رجب، عمر غازي، فتحي الزغل، د. أحمد بشير، د. أحمد محمد سليمان، أشرف إبراهيم حجاج، د- محمد رحال، محمود فاروق سيد شعبان، محمد شمام ، عبد الغني مزوز، فتحي العابد، أحمد الحباسي، د. طارق عبد الحليم، محمد العيادي، محمد عمر غرس الله، محمد أحمد عزوز، صفاء العربي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الله الفقير، خبَّاب بن مروان الحمد، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عواطف منصور، د. خالد الطراولي ، أبو سمية، الناصر الرقيق، الهيثم زعفان، نادية سعد، فهمي شراب، مصطفي زهران، عزيز العرباوي، يزيد بن الحسين، يحيي البوليني، د - محمد بنيعيش، د. عادل محمد عايش الأسطل، حميدة الطيلوش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد بوادي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، الهادي المثلوثي، حسن الطرابلسي، سامح لطف الله، د - مصطفى فهمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمود سلطان، إياد محمود حسين ، أحمد ملحم، وائل بنجدو، طلال قسومي، محرر "بوابتي"، د - عادل رضا، أحمد النعيمي، د- جابر قميحة، العادل السمعلي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سفيان عبد الكافي، صفاء العراقي، حاتم الصولي، د- محمود علي عريقات، د - المنجي الكعبي، علي عبد العال، سلوى المغربي، كريم فارق، عبد الرزاق قيراط ، سليمان أحمد أبو ستة، رافع القارصي، رشيد السيد أحمد، إسراء أبو رمان، جاسم الرصيف، محمد اسعد بيوض التميمي، تونسي، كريم السليتي، رضا الدبّابي، د - الضاوي خوالدية، د. صلاح عودة الله ، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفى منيغ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة