البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تسويق التبعية

كاتب المقال أحمد الصويان   
 المشاهدات: 7021



تضطرب البيئة المعاصرة بطوفان متعدد الأطياف من التيارات الفكرية، وهذا الاضطراب ناتج في كثير من الأحيان عن صراع فكري واجتماعي متعدد الجبهات في البلاد الغربية، تمتد انعكاساته في البيئة العربية والإسلامية، فترى ألواناً من التخبط والخلط الفكري الذي بلغ مداه في العقد الأخير.

ومع كثرة الهزائم والنكسات السياسية والحضارية التي تشهدها البلاد الإسلامية ازداد التخبط والاضطراب، وتكاثر المتهوكون في أودية الباطل.. أولئك المنهزمون الذين لم يجدوا سبيلاً لرفع رؤوسهم إلا بالتقليد المطلق لكل ما غربي؛ فهو المحور الذي يدورون في رحاه، واستعلوا بانهزاميتهم، وتطاولوا بسقوطهم، وعدُّوا ذلك باباً من أبواب التزيّن يتبخترون به على غيرهم..!

قال الله ـ تعالى ـ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175 - 176].

إننا نرى آثار هذه الانهزامية هشيماً يسري في أغلوطات فكرية وإعلامية مستمرة، ويتطاير شررها في الحاضر والبادي، وضجت الصحافة العلمانية والقنوات الفضائية بثرثرة مملَّة، فيها كل شيء ما عدا الكلام العلمي الذي يبني العقل ويربي الخلق..!

من آخر الأمثلة الصارخة على ذلك: موقف هؤلاء المنهزمين إزاء القانون الفرنسي الفج من الحجاب الإسلامي؛ حيث تسابقوا على تسويقه والتماس المعاذير له بتملق وتكلف لا يخفى، وأسرف بعضهم في الهجوم على الحجاب والقيم الإسلامية، ونعى على المسلمين بسخرية وشماتة تخلفهم ومتاجرتهم بـ (فقه الآخرة!)، وبتعلقهم بتلك التوافه الشكلية التي تقيد الحركة وتنتهك الحقوق، في الوقت الذي تقدمت فيه المرأة الفرنسية، وبلغت قمة السمو الحضاري بزعمه، بل إن بعضهم راح يؤكد بكل أنواع التأكيد سلامة النهج العلماني، وأنَّه هو الخيار الأمثل أو هو الوحيد الذي سوف يضع أمتنا في مدارج التحضر والتقدم الإنساني..! وصدق المولى ـ جل وعلا ـ: {فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].

والطريف في الأمر أن وزير الخارجية الفرنسي قام بزيارة إلى دول الخليج وبعض البلاد العربية لشرح موقف بلاده، ونسي أن بعض هؤلاء المتساقطين من بني جلدتنا ربما كانوا أكثر حماساً وتشنجاً في الدفاع عن كل ما هو غربي، وتزيينه بكل أنواع الزينة المصطنعة، إنها بكل وضوح عقدة الانكسار والهزيمة التي تطغى على العقل، وتجعله كالإمَّعة الوضيع، وتحوطه بالمهانة والصغار، وصدق المولى ـ جل وعلا ـ: {وَإخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 202].

ولهذا ليس عجيباً أننا بدأنا نقرأ ونسمع في بلادنا العربية من أثنى على فتوى شيخ الأزهر، وطار بها فرحاً، بل والأخطر من ذلك من يريد تعميم هذه الفتوى على الواقع الإسلامي لتشابه الظروف والدواعي التي من أجلها صدرت الفتوى. وكل ذلك ليس حباً في الأزهر أو انتظاراً لرأيه، ولكن لأنها وافقت هوى استقر في نفوسهم..!!

إنَّ المأزق الذي يتســاقط فيه هــؤلاء يومـاً بعد يـــوم أنهــم لا يملكون مشروعاً حضارياً جاداً لنهضة الأمة كما يزعمون، وإنما غاية ما يملكونه أنهم يريدون أن يزجوا بالأمة في المستنقع الغربي الآسن، ليكون أبناؤها عبيداً يتمرغون تحت أعتابهم، ويجترون بكل بلاهة قيمهم المادية والاجتماعية، حلوها ومرها، خيرها وشرها، كما قال أحد أشياخهم منذ زمن ليس بالبعيد!

وحسبك أن تقرأ أطروحات ما يسمى بالاتجاه الليبرالي في منطقة الخليج بخصوص قضية المرأة مثلاً؛ فالحجاب الشرعي هو الحائل ـ بزعمهم ـ عن تسريع عجلة التنمية والنمو الاقتصادي، ومنع الاختلاط عندهم رمز من رموز البدائية والتخلف، جعل الأمة العربية في حضيض المجتمعات الإنسانية المعاصرة. والانتصار الكبير الذي ينتفشون به ويصفقون له عندما تتجرأ إحداهن بنزع حجابها متجاوزة حدود الشرع وقيم الأمة، وفي كل بلد تتكرر مسرحية سعد زغلول، وهدى شعراوي..!

والعجيب أنهم يريدون أن يقنعونا بأن التحديث والتطوير الذي يتطلع إليه جميع الناس قرين التغريب الثقافي والاجتماعي..!

إن النازلة القادمة التي تجددت الدعوة إليها بعد مبادرة (الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية) التي أعلنها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي هي: قضية المرأة وتغيير القيم الاجتماعية للأسرة التي قررها الشرع المطهر. وأحسب أن المسألة ليست مجرد معركة حجاب عابرة، أو دعوة للاختلاط بين الرجال والنساء فحسب، بل هي مقدمات حثيثة لإعادة صياغة جميع القيم الاجتماعية صياغة جديدة، تُمسخ فيها الهوية الإسلامية، وتنتزع فيها الكرامة الإنسانية، وتصبح فيها المرأة المسلمة مجرد ألعوبة تافهة، ودمية هزيلة، يعبث بها رؤوس الفساد، ودعاة المنكر.

لست قلقاً من هؤلاء الصغار؛ لأن هذه المواقف المكشوفة تفضحهم عند الخاصة والعامة، وتميط اللثام عن انتكاسهم الفاضح، وتبرز بجلاء حقيقة شعاراتهم المتناقضة التي يتشدقون بها بكل صفاقة ومهانة. قال الله ـ تعالى ـ: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَـحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30].

نعم.. لست قلقاً من هؤلاء إذا ما وعى الدعاة والمصلحون طبيعة المعركة، وأدركوا أن الحق يُصرَع إذا أُخِذَ بتهاون وتثاقل.

ولكن ثمة حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن العلماء والدعاة قصروا تقصيراً بيناً في الدعوة في أوساط النساء، وكان الخطاب الدعوي في مجمله خطاباً رتيباً مكرراً يفتقد للجاذبية والتجديد والإبداع، في الوقت الذي تصدَّر فيه المفسدون للتغريب ونشر الرذائل والعبث بالقيم، وفتنوا الناس في أخلاقهم وأعراضهم.

هذه حقيقة مهمة يجب أن نعيها؛ لأن ذلك سيقودنا ـ بعون الله تعالى ـ إلى إعداد رؤية شاملة للدعوة في الوسط النسائي، وتقديم البدائل العملية الجادة التي تحفظ للأمة كرامتها وعفتها.

وها هنا وقفة مهمة مع الأخوات الداعيات لتذكيرهن بواجبهن الشرعي في أخذ زمام المبادرة، والإقبال على الدعوة والتربية، والحرص على سعة الأفق، والبدء بالأولويات.

إن للمرأة الداعية طاقات كبيرة ومجالات عديدة لا يملكها الرجال، وتستطيع بإذن الله ـ تعالى ـ إن هي أقبلت على الدعوة وجدَّت في العمل أن تنجز إنجازات كبيرة، وتذبّ عن الأمة شروراً كثيرة.

ولئن كنا قد قصرنا في وقت مضى، فلا عذر لنا فيما يأتي. وردود الأفعال الآنية مهمة ولا بد منها، لكن لا يجوز أن نبقى هكذا عاجزين متواكلين، بل يجب أن نبادر بأطروحات مستبصرة، نستشرف فيها أبعاد المرحلة وتبعاتها. قال الله ـ تعالى ـ: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} [الرعد: 17].


 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 15-09-2008   albayan-magazine.com

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي الكاش، فتحـي قاره بيبـان، يزيد بن الحسين، صلاح الحريري، سعود السبعاني، عراق المطيري، محمود فاروق سيد شعبان، ياسين أحمد، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - الضاوي خوالدية، د.محمد فتحي عبد العال، محمد العيادي، الناصر الرقيق، محمد يحي، عواطف منصور، د - شاكر الحوكي ، حاتم الصولي، حميدة الطيلوش، فتحي العابد، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الغني مزوز، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- هاني ابوالفتوح، ماهر عدنان قنديل، الهادي المثلوثي، أ.د. مصطفى رجب، حسني إبراهيم عبد العظيم، رافع القارصي، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الهيثم زعفان، صفاء العربي، صفاء العراقي، خالد الجاف ، جاسم الرصيف، مجدى داود، د. أحمد بشير، أحمد بوادي، سفيان عبد الكافي، فتحي الزغل، د - محمد بنيعيش، سامح لطف الله، محمد الياسين، صباح الموسوي ، طلال قسومي، د - مصطفى فهمي، مصطفي زهران، حسن الطرابلسي، إيمى الأشقر، رضا الدبّابي، د. أحمد محمد سليمان، د. طارق عبد الحليم، مراد قميزة، كريم فارق، عمار غيلوفي، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد الحباسي، عبد الله الفقير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فوزي مسعود ، سلام الشماع، د. خالد الطراولي ، علي عبد العال، كريم السليتي، محرر "بوابتي"، يحيي البوليني، د- جابر قميحة، مصطفى منيغ، تونسي، د- محمد رحال، صلاح المختار، إياد محمود حسين ، أبو سمية، عبد الرزاق قيراط ، سلوى المغربي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، العادل السمعلي، د- محمود علي عريقات، منجي باكير، د - صالح المازقي، د - محمد بن موسى الشريف ، سيد السباعي، أحمد ملحم، محمد أحمد عزوز، رمضان حينوني، وائل بنجدو، المولدي الفرجاني، عبد الله زيدان، أحمد النعيمي، رافد العزاوي، ضحى عبد الرحمن، عمر غازي، محمود طرشوبي، عزيز العرباوي، د - عادل رضا، محمد الطرابلسي، د. صلاح عودة الله ، محمود سلطان، سامر أبو رمان ، صالح النعامي ، محمد عمر غرس الله، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أشرف إبراهيم حجاج، محمد شمام ، د - المنجي الكعبي، أنس الشابي، د. عادل محمد عايش الأسطل، رشيد السيد أحمد، فهمي شراب، د. عبد الآله المالكي، حسن عثمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، نادية سعد، إسراء أبو رمان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة