البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الدين بين الثورة والانقلاب

كاتب المقال محمد هنيد   
 المشاهدات: 271



لعبت المقولات والشعارات الدينية الإسلامية دورا مركزيا في تشكيل وعي الشعوب وردود أفعالها خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها المنطقة فهما وقراءة وتأويلا. لا يقتصر الأمر هنا على الحركات والأحزاب الإسلامية الصناعية منها والطبيعية بل يتنزل هذا الحضور الكثيف خاصة في الوعي الجمعي للجماهير العريضة في المشرق والمغرب.

لحظتان أساسيتان صاغتا خصائص الواقع الذي نعيشه اليوم وهما لحظة الثورة إن جاز التوصيف ولحظة الانقلاب على الثورات الذي دُشّن رسميا في صيف 2013 في مصر. نعيش اليوم لحظة التمكين للانقلابات التي أعادت المشهد العربي إلى ما كان عليه قبل الانفجار التونسي الكبير مع اعتبار الحجم الهائل للخسائر في الأرواح والقناعات.

الآن يمكن للقارئ أن يستقرئ الدور الذي لعبته المقولات الدينية في كلا الطورين بعد أن استكملت اللحظتان دورتهما الحضارية والتاريخية. كيف يمكن تقييم الدور الذي لعبه الدين في الطور الثوري؟ وكيف حسمت المقولات الدينية معركة الانقلاب على الثورة؟ ولماذا فشلت نفس هذه المقولات في منع انزلاق مسارات التغيير؟

الدين والثورة

إذا كانت هناك حقيقة ثابتة خلال انطلاق الثورات فهي أن الشعارات الدينية لم تكن حاضرة فيها ولا هي كانت موجّهة لها. فلم تكن الأحزاب والحركات الإسلامية محركا للثورات التي نجحت في التخلص من الأصباغ الأيديولوجية بسبب طبيعتها الفجائية وهو ما يمثل حسب كثيرين أحد أهم أسباب نجاحها.

بعد سقوط واجهة النظام في مصر وتونس وليبيا خاصة وجدت الشعارات الدينية طريقها إلى ساحات الفعل السياسي فنجح الإسلاميون سريعا في التموقع في قلب المشهد الثوري. لكن لا بد أن نميّز هنا بين الحضور الإسلامي في شكله الانتخابي السلمي في تونس ومصر حيث نجح الإخوان في الوصول إلى السلطة وبين الحضور المسلح للمجموعات الإسلامية في ليبيا ومن بعدها سوريا التي فرض فيها السلاح نفسه في مواجهة قمع النظام.

سيطر الاستقطاب الديني على طبيعة المشهد الذي أعقب الثورات وتحرك عبر مسارين: أما المسار الأول فيتثمل في قدرة التنظيمات الإسلامية وخاصة الإخوان على تعبئة قواعدها والفوز في كل الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها مصر وتونس خاصة. أما المسار الثاني فظهر من خلال قدرة الشعارات الدينية على التعبئة في مواجهة عنف النظام والثورة المضادة في كل من سوريا وليبيا بشكل ساهم في تركيز مسارات التغيير داخل دائرة العنف والعنف المضاد.

هنا أخذت المسارات الثورية اتجاهات دامية ستكون السبب في توفير الأرضية الخصبة للتدخلات الخارجية والأجندات الإقليمية والدولية التي تحولت إلى فاعل أساسي داخل المسرح الثوري. بناء عليه فإذا كانت لحظة الانطلاق الثورية خالية من الفاعل الديني فإنه سرعان ما استحوذ على المشهد بعد سقوط واجهة النظام.

الدين والانقلاب

بخلاف المرحلة السابقة فإن لحظة الانقلابات التي يمكن رصدها انطلاقا من لحظة سقوط النظام نفسه كانت مشبّعة بالخطاب الديني. سريعا جدا ما حركت الدولة العميقة ممثلة في أركان النظام القديم الذين لم تلمسهم الثورة حركات دينية مختلفة الخطاب لكنها متسقة الهدف والحركة مثل حزب النور في مصر أو فرق المداخلة في ليبيا أو مختلف الأذرع السلفية في تونس.

كان الخطاب الديني يقف في مواجهة خطاب ديني آخر ويحاول إسقاطه من الداخل مستفيدا من حالة الفوضى التي أعقبت الثورات ومن العجز الكبير في الأداء السياسي لخصومهم الإسلاميين في السلطة. تحوّلت المقولات الدينية مثل الفتنة والخروج والولاء والطاعة.. إلى أدوات أساسية في تحريك الوعي الجمعي للجماهير التي وجدت نفسها بعيدة عن المطالب الأساسية التي اندلعت من أجلها الثورات ممثلة في المطالبة بالعدل والشغل والحرية والكرامة.

استفادت بقايا النظام القديم من الفاعل الديني في ضرب كلا المكونين ببعضهما البعض وسط تغلغل عميق لأجندات القوى الخارجية في داخل المشهد الثوري. ثم تطوّر الأمر في مصر وليبيا وسوريا وحتي في تونس إلى مرحلة ظهور الجماعات العقائدية المسلحة وطغيانها على المشهد مثل تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق خاصة.

هنا وجد النظام العالمي بما هو الراعي الخفي للانقلاب على المسارات الديمقراطية فضاءات مفتوحة لفرض مقولة "الخريف الإسلامي" في مقابل مقولة " الربيع العربي". وسط هذا الصراع العنيف بين المقولات الدينية استحكمت حالة الفوضى والعنف وبدأ الجمهور العربي يطرح أسئلة كثيرة حول مصير التغيير وحول جدواه. وهو الأمر الذي منح الانقلابات شرعية شعبية باعتبارها المنقذ من حالة الفوضى التي ألغت مطلب الحرية وفرضت مطلب الأمن.

مآلات الخطاب الديني

لا يمكن أن ننكر اليوم التراجع الكبير لقيمة الشعارات الدينية في تصوّر الخروج من حالة الانسداد السياسي عربيا بعد أن برهن الإسلاميون عن عجز كبير وفشل ذريع في تحقيق ما كانت الجماهير تعتقد أنهم قادرون على تحقيقه. صحيح أن ما لحق بالقيادات الإسلامية من قمع وتنكيل خاصة في مصر لا يزال يحفظ لها قدرا من التعاطف الطبيعي لكنه لم يعد يحفظ لها الثقة في القدرة على الفعل السياسي كما كان الأمر قبل الثورات.

لكن من جهة أخرى لم تطوّر الساحة العربية أية بدائل جديدة تسمح بصياغة مشاريع سياسية أو فكرية قادرة على ملء الفراغ الذي تركه المكوّن الديني في الخطاب السياسي اليوم. فبعد أن انحسر بريق الأطروحات الأيديولوجية الكلاسيكية من قومية عروبية ويسارية شيوعية ولبرالية علمانية وإسلامية إخوانية أضحت الساحة الفكرية العربية شبه قاحلة من كل إطار مرجعي يمكن أن يكون رافعة تؤطر مسارا ممكنا للتغيير السياسي والاجتماعي.

هل انقضت فعلا مرحلة الأيديولوجيات السياسية؟ وهل يمكن اعتبار الخطاب الديني جزءا من هذه الأيديولوجيات؟ هل يمكن أن ننتظر خروج منوالات وأطر فكرية جديدة؟ هل تنجح نخب جديدة في صياغة مشاريع فكرية قادرة على إخراج خطابات ناجعة لا تتصادم مع أفق انتظار الوعي الجمعي؟

إن صياغة خطاب سياسي جديد متصالح مع ثوابت المجتمعات وهويتها الحضارية دون إنكار السياقات الإقليمية والدولية قد يكون واحدا من المخارج الممكنة من حالة الانحباس السياسي عربيا. إن التقدّم على طريق بناء خطاب مجتمعي ناجع يقطع مع الشعارات العاطفية ويؤسس لمشاريع إجرائية مباشرة قادرة على تجميع أشلاء المختلِف المتصارِع وفرض نسق المتنوع الثابت هي السبيل الأسلم لكسر دورة الفشل التي تشل حالة الوعي العربي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، انقلاب قيس، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-10-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
الهادي المثلوثي، منجي باكير، حسن الطرابلسي، طلال قسومي، د. أحمد بشير، د.محمد فتحي عبد العال، سلوى المغربي، حميدة الطيلوش، فهمي شراب، يحيي البوليني، فتحي العابد، خالد الجاف ، عواطف منصور، د- جابر قميحة، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، جاسم الرصيف، أحمد بوادي، عمار غيلوفي، محمد العيادي، أبو سمية، د - محمد بنيعيش، العادل السمعلي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، الهيثم زعفان، رضا الدبّابي، أحمد الحباسي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. طارق عبد الحليم، فوزي مسعود ، د- محمود علي عريقات، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د- هاني ابوالفتوح، صلاح الحريري، صلاح المختار، د. أحمد محمد سليمان، محمد يحي، إسراء أبو رمان، صفاء العربي، د - الضاوي خوالدية، رافع القارصي، سلام الشماع، فتحـي قاره بيبـان، سليمان أحمد أبو ستة، ماهر عدنان قنديل، د. عبد الآله المالكي، د - المنجي الكعبي، كريم فارق، محمد عمر غرس الله، عراق المطيري، صباح الموسوي ، عبد الغني مزوز، رافد العزاوي، أحمد ملحم، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - عادل رضا، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد الياسين، حسن عثمان، د - مصطفى فهمي، محمد اسعد بيوض التميمي، سامح لطف الله، د - شاكر الحوكي ، د - صالح المازقي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. صلاح عودة الله ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الرزاق قيراط ، فتحي الزغل، إياد محمود حسين ، محمد الطرابلسي، عبد الله الفقير، كريم السليتي، المولدي الفرجاني، يزيد بن الحسين، سامر أبو رمان ، أ.د. مصطفى رجب، أنس الشابي، مصطفى منيغ، عبد الله زيدان، أشرف إبراهيم حجاج، سعود السبعاني، د- محمد رحال، محمود سلطان، أحمد النعيمي، ياسين أحمد، رشيد السيد أحمد، تونسي، علي الكاش، وائل بنجدو، صالح النعامي ، عزيز العرباوي، عمر غازي، مجدى داود، حاتم الصولي، نادية سعد، سيد السباعي، الناصر الرقيق، علي عبد العال، مراد قميزة، مصطفي زهران، محمد شمام ، سفيان عبد الكافي، محمد أحمد عزوز، د. مصطفى يوسف اللداوي، ضحى عبد الرحمن، د. خالد الطراولي ، رمضان حينوني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود طرشوبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، صفاء العراقي، محمود فاروق سيد شعبان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة