يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تأملات حول الموت (5): غياب المعنى لازم الموت
أواصل النظر في فلسفة الموت (1) وهذه المرة حول علاقة الموت بالمعنى، وبالدقة حول حدث إيجاد المعنى وانعدامه
وسننتهي من هذا المقال لخلاصة أن الموت ينهي توليد المعاني وأن من لاينتح المعنى ميت بصيغة ما
لنأخذ أحد من تعرفهم ممن توفي، ثم حاول ان تتبع ذهنيا صوره لحد حدث موته
ستجد نفسك عاجزا أن تواصل تتبع التصورات المتعلقة بذلك الشخص مابعد حدث الموت
ماسبب ذلك العجز عن وجود صور ما تتعلق بذلك الشخص الميت، الجواب الأولي المباشر سيكون إنه الموت، لكن مالمقصود بذلك تحديدا
نحن نعجز عن إنتاج تصورات حول الشخص، بسبب كون أننا نعجز عن إنتاج معاني متعلقة به من بعد أن كان ذلك ممكنا من قبل، ولما كان العامل الوحيد الذي طرأ على المجالين الممكن وغير الممكن هو الموت، كان لازم ذلك أن الموت هو الذي كان مانعا من وجود المعنى (2)
إذن هذا يؤدي لأن الموت ينهي عمليات إنتاج المعنى المتعلقة بالشخص
لكن ماهو المعنى المقصود بأن الموت انهى إنتاجه
هل المعنى هو الفعل، أم أنه الموجود أم أنه الإدراك، ثم أي إدراك هل هو إدراكنا لذلك الشخص أم أنه إدراك ذلك الشخص لغيره
لننظر قبل ذلك لماهية المعنى، ماهو المعنى
نحن حينما نأخذ مفهوما ما، ليكن الخير أو الشر، ثم نعيش أحداثا معينة، فإننا قد نخرج بتصور ثم حكم تقييمي كون ذلك الحدث خيرا وجيدا أو شرا وفسادا، فذلك التصور ناتج عن ادراك وتقييم للموجود انتهى لانتاج معنى هو موضوع التقييم بالخير أو الشر
أي أن المعنى هو محتوى المفهوم ومكوناته المستوعبة، فهو تصورات لامادية ناتجة عن إدراك موجودات
فالمعنى لازمه إذن موجود ما ثم ادراكك لذلك الموجود ومتعلقاته من صفات أو أفعال
الآن رجوعا للميت، فإن انقطاع توليد المعاني منه هو نتيجة لغياب الموجود الذي سيتعذر معه ادراكك لأي شيء ممكن الصدور منه، وهذا هو التفسير الأولي الظاهر
لكن ألا يمكن اعتبار الميت موجودا بصفته الاعتبارية فهو في كل الحالات شخص نعرفه وله اسم وقيمة اعتبارية، فلماذا لا يصح عليه توليد المعاني
يمكن ملاحظة أننا لايمكننا انتاج المعنى بسبب أننا لانقوم بالادراك رغم الوجود الاعتباري للميت
بالتالي فإن الادراك المقصود ليس الاستيعاب الذهني للموجود كتصور، وإنما الاستيعاب الذهني لأفعال الموجود التصوري نسبة للواقع، ولما يكون ذلك الموجود غائبا عن الواقع فإنه لن يكون هناك آثار له يمكن إدراكها وبالتالي تنعدم المعاني
هنا إذن علاقة بين انتاج المعنى وإدراك الموجود، وهذه العلاقة تصح في الموجودات المادية فقط، أما غير المادية فإن إدراكها وانتاج المعاني منها لايلزم منه الوجود المادي لأنها أساسا غير ذلك، فنحن ندرك الخير والشر وندرك الحرارة والبرد وهي كلها غير ماديات
إذن وصلنا لخلاصة أن عدم الموجود المادي يعني عدم انتاج المعنى، ونحن استخلصنا ذلك من الاتجاه المعاكس لهذه العلاقة فقد ادركنا غياب المعنى وفسرناه بغياب الموجود المادي
لكن غياب انتاج المعنى لايعني بالضرورة غياب الموجود المادي، لأنه يمكن لموجودات كثيرة تكون من غير آثار للمعاني تنتجها، هذا نظريا ممكن لكن عمليا إن كان موجود ما غير منتح للمعاني فإنه بمثابة غير الموجود
أي أن الموجود الحي الذي لاينتج المعنى أي لايصدر أفعالا فإنه عبارة عن كائن غير موجود من حيث إنه لايتصرف بقدراته الكامنة في انتاج المعنى
فمن لاينتح المعنى يعتبر ميتا
-----------
(1) يحسن الاطلاع على الحلقات الأخرى من هذا البحث:
* تأملات حول الموت (1): مبررات الموت
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10499
* تأملات حول الموت (2): الموت كموجود
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10501
* تأملات حول الموت (3): الموت والذكريات
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10547
* تأملات حول الموت (4): الحياة في هذا الدنيا فوضى غير مفهومة
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10637
(2) يحسن الاطلاع على المقالات المتعلقة بالمعنى وإنتاج المعنى، بمحور: مقالات في المعنى على موقع بوابتي