(124) وجهة نظر حول أسلمة العلوم
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
ظهَر في العقدَيْنِ الأَخيرَيْنِ دعاوَى جديدة ذات أصولٍ قديمة ومُتكرِّرة، تحمل اسم: مشروع أسْلمة وتأصيل العلوم، والتكامُل بين العلوم الشرعيَّة والعلوم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، أو التكامل بين معطيات الوحي والخِبرة البشريَّة، وأُنشِئت لهذا الغرَض جامعاتٌ ومعاهدُ وكليَّات، تُخرِّج أجيالاً تحمِل هذا الفِكر وتُروِّج له.

اتِّجاهات ثلاثة تُؤصِّل المشروع:
وهناك اتِّجاهات ثلاثةٌ داخلَ هذا المشروع، أحسب أنَّها تتَّسِم جميعًا بسِمة الاستِعلاء على الكتاب والسُّنَّة، وما انبثق منهما مِن شريعة وفِقه، يلبس الاتِّجاه الأوَّل ثوبَ الاعتدال، وهو أخطرُها، فيدعو أصحابُه إلى الاستعانةِ بالقواعد الفقهيَّة والمنهجيَّة الأصوليَّة، وتطبيقها في العلوم الاجتماعيَّة، وعرْض نَتائج العلوم الاجتماعيَّة على عُلَماء الدِّين، وإقامة جسْر بينهما، ويغلب على الاتِّجاه الثاني صِفةُ السطحيَّة والوصوليَّة، أمَّا الاتجاه الثالِث فقد تطرَّف إلى الحدِّ الذي دعا فيه إلى نقْدِ التراث، ومراجعة الدِّراسات التي بُنِيت على القرآنِ والسُّنة، وتجديدها، مع استِبعاد مفاهيمِ الحقِّ والباطل، والإيمان والكُفر... إلخ[1].

وأيًّا كانتِ الاتِّجاهات داخلَ هذا المشروع بما فيها الاتِّجاه المعتدل، فإنَّ جميعَها تعتقد أنَّ مستجداتِ العصر قد أحدثَتْ خللاً في الأبنية الاجتماعيَّة، ومشكلاتٍ لم تكن قائمةً في الصدر الأول، ممَّا يستوجب مواجهتَها بالعلوم الاجتماعية العصرية الحديثة، مع مُراعاةِ اتِّساق ما يُؤخَذ منها مع الكتاب والسُّنَّة، فالمسألة إذًا ليستْ مواجهةَ تغيُّرات العصر بحلولٍ مستنبطة من الخطوط العريضة للشريعة، أو إقامة مصالِح الدنيا بالرُّجوع إلى التعاليمِ المتضمَّنة في القواعِد الكليَّة للشريعة، وإنزال الوقائع المتجدِّدة التي تَعرِض للأفراد والجماعات عليها، وفحْص ما يترتَّب عليها مِن المصالِح والمفاسد، وإنَّما الاستعانةُ بنظريَّات وتحليلات العلومِ الاجتماعيَّة، والخبرة البشريَّة التي لا يُبدو لهم أنَّها تَتعارَض مع معطياتِ الوحي في مواجهةِ هذه التغيُّرات، فيُصبح...