أهمية المرأة وكراهة "اللعب": نماذج لتوظيف القرآن من خلال التفسير البعدي
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 576 محور: إسلام العقيدة
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
التفسير البعدي كما وضحته من قبل (1) هو أن يحدد الموضوع المراد تأكيده، ثم يستدعى القرآن ويبحث عن الآيات ويتصرف في تأويلها بحيث توافق الهدف المطروح أولا وهو إثباته من خلال السند القرآني
هذا النمط من التعامل مع القرآن ومع تبرير الفكرة، أسميه التفسير البعدي وهو نوع من المصادرة على المطلوب وتحكم، لأن النتيجة سابقة على السبب عكس مايجب أن يحصل أي النتيجة لاحقة عن السبب، وهذا لايصح عقليا، إذ هنا نجد النتيجة المراد تبريرها هي الحاضرة ابتداء، ثم على ضوئها يستدعى القرآن وتختار آليات التبرير، بينما السليم أن يكون القرآن أولا كسبب هو المؤدي للفكرة التي تنتج هنا الحالة بالواقع
وكل ماهو مصادرة وتحكم لايصح وفاسد
من ضمن أدوات توظيف القرآن حين استدعائه في التفسير البعدي اعتماد ذكر اللفظ كمقياس جدارة معيارية
هم ينطلقون من فرضية غير مبرهن عليها تقول أن اللفظ المذكور بالقرآن تشريف لموضوعه، ثم كلما ذكر أكثر كان ذلك دليل قيمة مضافة لموضوعه
لذلك هم يقولون أن القرآن كرّم المرأة ودليل ذلك أنه أوجد سورة باسمها
ووجدت أحدهم كتب موضوعا طويلا يريد أن يقول في خلاصته أن اللعب أمر مذموم في الاسلام وأنه لايليق بالجادين والمسلمين الملتزمين، وكان كما هو واضح هذا رأيه في اللعب واللهو ولم يجد طريقة للإقناع به الا باستدعاء التفسير البعدي للقرآن واعتماد تعداد الالفاظ، فهو انطلق من الهدف ثم استدعى السبب بعديا في تمشي تحكمي
واستند في ذلك لاحتساب الكلمات ذات جذر لعب، ثم قارنها مع كلمة جدّ، ودخل في عملية حسابية، ثم استنتج من خلال تحكمات أن اللعب لايليق بالمسلم، ثم هو يقول ضمنيا أن هذا هو موقف القرآن ومايجب أن يكون عليه موقف الفرد المسلم الملتزم اعتمادا على طلاسمه التي استعملها وافترض صوابيتها بناء على صوابية فكرة قيمة الموضوع نسبة للذكر في القرآن
الذين يؤكدون أهمية المرأة في الإسلام بناء على وجود سورة باسمها في القرآن، وهذا الذي يقول أن اللعب لايليق بالمسلم بناء على احتساب الكلمات وغيرهم من الذين يعتمدون فرضية قيمة الموضوع بناء على ذكره بالقرآن، لا أحد منهم برهن على صحة فكرته الأساس قبل أن ينتقل لاعتمادها كأداة للتبرير
------------------
الحقيقة أن هذه الفكرة فاسدة ولاقيمة لها وهي نوع من التحكم وبناء القواعد ذاتيا ثم إلزام الغير بها
الألفاظ في القرآن رغم خصوصيته، تبقى أوعية لمعاني، فلايعقل أن نعامل اللفظ بقيمة له بذاته مستقلة عن المعنى، لأن الذي يستند للالفاظ كمبرر للقيمة يقول ضمنيا بوجود قيمة ذاتية للفظ مستقلة عن المعنى
هذا التصور لايصح في اللغة ولايصح بالتالي في القرآن
نحن حينما نقول عن شيىء ما إنه جميل مثلا، فإن الجمال لايوجد في اللفظ مجموع الأحرف: ج م ي ل، إنما في موضوع اللفظ ومدلوله، اللفظ مجرد وعاء أي دال وممثل للصوت الناطق بكلمة جميل
لذلك فإن ذكر اللفظ في القرآن لايعتبر تكريما لموضوعه ولا لوما له، ويسقط تصورهم عن تكريم المرأة (2) من خلال وجود سورة باسمها بصعوبة الزعم أن الله كرم الفيل عن سائر الحيوانات لأنه ذكر سورة باسمه لو اعتمدنا نفس آلية تبريرهم، هذا عبث لايليق بالقرآن
كما أن تكرار الألفاظ عدديا لايعني مؤشر قيمة، لأنه حتى في حياتنا العادية تكرار الشيىء لايعني قيمة له، فمن أين لكم هذا الحسم والاستنتاج الذي وصلتم إليه، هو مجرد تحكم لاقيمة له
ثبت إذن أن هذا التفسير البعدي فاسد في مستويين، أولا لأنه يفسر القرآن بعديا وهذه مصادرة لاتصح، ثم هو استعمل موضوع التبرير (أهمية المرأة، موضوع اللعب...) بطريقة تحكمية أيضا لاتصح، فهو فساد مركب
------------
(1) ينظر للمقالات التالية في فهم التفسير البعدي:
التفسير البعدي بالقرآن مصادرة على المطلوب وعمل تحكمي
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10794
في تكوّن المعنى (4): التبريرات البعدية المعتمدة على القرآن في عمومها مصادرات فاسدة عقليا
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10678
(2) تكريم المرأة، من المواضيع التي تطرح في سياق موقف الانهزام أمام المركزية الغربية
موضوع المرأة يطرح بطريقة غير سليمة، نحن تعاملنا مع المركزية الغربية لايجب أن يكون باعتمادها مسطرة نقيم مواقفنا وعقيدتنا من خلالها وعلى ضوئها
نحن لسنا ملزمين بترير أي شىء لاعدائنا، ثم إن موضوع المرأة حينما يطرح في سياق رد فعل على اتهامات المركزية الغربية يجعلنا نستعمل أدواتها ومفاهيمها وظلالها وزواياها للنظر، وهذا ينتهي بنا خاضعين لمسطرتها التقييمية
المرأة لها قيمة في الإسلام لكن من زاوية أخرى وتصور آخر غير التصور الغربي، المرأة لها قيمة من حيث أنها إنسان، لا توجد في الإسلام عنصرية جنسية أي تفضيل امرأة على رجل أو رجل على امرأة
تناول موضوع المرأة في الاسلام مختلف عن تناول المركزية الغربية له، لذلك لايصح الاشتراك مع الغرب في طريقة تناول موضوع المرأة