البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

ضرّ وطني الانفلات الإيديولوجي والانقباض المعرفي

كاتب المقال د. الضاوي خوالدية - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7487 dr_khoualdia@yahoo.fr


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لعل ما انفردت به تونس منذ تسلمها بورقيبة وصحبه من فرنسا تولي حكمها رجال لم يسلم واحد منهم من كل الصفات التالية أو بعضها:
الجهل والعقد والاستخفاف والإيديولوجية، وقد أعدى مرض بورقيبة وأعضاده المربع هذا المكاتب التنفيذية المركزية والجهوية والمحلية للمنظمات الدائرة في فلك النظام كالإتحاد التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحة...

إنّ وصفي بورقيبة بضحالة المستوى التعليمي قد يصدم كثيرين رُبوا، كما رُبيت، على أن الحبيب بورقيبة أعلم الناس وأذكاهم إذ هو العبقرية الفريدة والفلتة الدهرية، لكن ليس ما رُبينا عليه صحيحا إذ بورقيبة كان مجازا، حسب المشاع، في الحقوق الفرنسية لكن ثقافته الأدبية والتاريخية والسياسية والفلسفية لم تكن في المستوى المؤهل لقيادة دولة ناشئة مثل ما قاد نهرو وماو تسي تونغ الهند والصين، يضاف إلى ذلك تشبعه بالمفاهيم الاستشراقية السائدة في القرن 19 و20 حول مركزية أوروبا وعظمتها وحقها المطلق في استعمار الشعوب الافريقية والآسيوية... البائسة المتخلفة "طبيعة" أما أغلبية وزرائه وولاته ومجلس أمته والكتاب العامين للمنظمات السائرة في فلك نظامه فلم يتجاوزوا مستوى التعليم الأساسي بل إنّ خمسين في المائة من نواب مجلس الأمة أميون (ولولا احترامي للأموات لذكرتهم اسما اسما)

ولعل تعيير بورقيبة لبعض أعضاده المتمردين عليه بمركب: "ناقص تعليم" لخير دليل، وقد استفحلت الضحالة التعليمية والقحط الثقافي في تونس لدى المسؤولين خاصة وفئات عريضة من الشعب عامة أيام المخلوع لأنه مثال للأمي الفاسد ولأن مستشاريه عملوا بكل جهد على صياغة شعب مسكين راضخ مما أدى إلى دمار شامل ثم ثورة مازالت غارقة في مستنقع القاذورات التي تركها الفاسد الأكبر. إن ضحالة مستوى رجال الحكم العلمي وقوة آلتهم الإعلامية وأمية الشعب، الخمسينات والستينات من القرن الماضي، خلقت عقدة نقص لدى الجماهير وعقدة تفوق لدى بورقيبة خاصة: الجماهير أو قسم مهم منها ترى زعيمها الرجل الأرقى والزعيم يرى شعبه مريضا تافها أميا رؤية نفسه منة إلهية لم يؤت مثلها الملوك والخلفاء وأمراء المؤمنين في سالف الحقب (د. الضاوي خوالدية: منزلة الشعب في الدول العربية الاستبدادية الحديثة، الشعب التونسي في دولة بورقيبة نموذجا ص 27 و28).

واستمرت عقدة التفوق لدى بورقيبة في نشاطها التدميري: إفلاس اقتصادي واستفحال بطالة وعسف، هزات اجتماعية... دون أن يعي هو أو مقربون منه أنّ سياسته الخرقاء قد أكلت أخضر تونس ويابسها بل عين نفسه رئيسا مدى الحياة وقال قبيل ذلك وأثناء مرض اكتئابه ردا على سؤال فريق الأطباء الأمريكيين المعالجين له التالي: "حان الوقت لتسليم مقاليد الحكم لأبنائكم الذين ربيتموهم وتهتمون بهواية تحبونها كالموسيقى والرسم مثل وانستون تشرشل" "انتظرت تونس ثلاثة ألاف سنة حتى ولد لها الحبيب بورقيبة" عندها علق رئيس فريق الأطباء: "ارجعوا به إلى تونس فإنه لا شفاء له" (جريدة الشروق 23-07-2010 ص 9: مداخلات حول مذكرات السيد أحمد بن صالح) لكن اللافت للانتباه أن بورقيبة لم يكن يحتقر الشعب وإنما كان يراه ناقصا قاصرا يشكو أمراضا ذهنية متخلفا يستوجب الشفقة.

أما بعض أعضاده الأرشيفيين ومن دار في فلكهم (الكهفي) فيستخفون الشعب وينعتونه بالغبي ويمصون دمه ماضيا وحاضرا (مرتبات تقاعد المبزع والسبسي التي حسدهم عليها رؤساء أمريكا وفرنسا واستصغروا الشعب التونسي على سكوته بعد معرفته مقدارها) لأنه ثار ولأنه أعطى صوته للإسلاميين والمثير للدهشة أيضا أن الإيديولوجية (هي نمط من التفكير يبنى على أفكار ميتافيزيقية أكثرها بلهاء لأنها تجرد كلا من النقد العقلي والدراسة السياسية من أي جدوى) التي كان يتبناها بورقيبة ورجاله والتي لا تخرج إجمالا عن العلمانية (ليست في بلادها إيديولوجيا) والماركسية كانتا وبالا على الشعب التونسي لأنها كممت الأفواه وجوعت الطبقة المسحوقة وبذخت أقلية غير أن فئات من تلاميذ بورقيبة جمعت بين عنصرين ما اجتمعا في شخص إلا أهلكاه وأهلكا المحيطين به وهما: الإيديولوجية وضحالة المستوى التعليمي فماركسيونا المتطرفون تمركسوا دون فهم معمق للماركسية وتطوراتها ودون أرضية علمية وثقافية وحضارية تحصن أصحابها من الانسياق الأعمى لها وتسلحهم بفكر نقدي نابش حافر يرى الحقيقة نسبية مما أدى إلى نتائج كارثية منها ذكرا لا حصرا:

- التحالف الماركسي الدستوري التجمعي: الخلطة الأغرب في التاريخ والأخطر على ثورة شعب داسه الدستور والتجمع طيلة 60 عاما.

- تحويل الاتحاد العام التونسي للشعل من منظمة تدافع عن حقوق العمال (رغم تبعيتها سابقا للسلطة) إلى حزب سياسية يساري أو بالأحرى عصا غليظة (بيد سياسيين ماركسيين فشلوا في كسب أنصار) يكسرون بها ظهر البلاد ورؤوس خصومهم السياسيين ليخلو لهم الجو فيشفون كرمهم المزمن إلى الحكم.

- تنصيب هذا الاتحاد نفسه (أو نصبوه) حكما بين معارضة لا أنصار لها خارج صفوفه وبين الترويكا / الحكم القائم المنتخب فهل سيكون هذا الحكم نزيها وهو يؤمن إيمان العجائز أن الرفاق على حق والترويكا على باطل؟

- برامج الحوار السياسي (البلاتوهات) يستدعى لها في الأغلب متحاورون من لون أحمر أو بنفسجي او مزيج من الاثنين باعهم في السبّ والتبخيس والاستنقاص والتحقير والكذب كبير يكشف عن حقد وكراهية دفينين في أعماق متقيئي هذا السبّ والتحقير كما يكشف عن تصحر ثقافي مرعب وقحط أخلاقي مقزز.

إنّ الانفلات الإيديولوجي والانقباض الثقافي أو بالأحرى التأدلج غير المستمد على قاعدة علمية أدبية فلسفية سياسية ثقافية متينة يحصر الحقيقة (الصواب المطلق) في تعاليم الإيديولوجيا المتبناة ويحصر الباطل (الخطأ المطلق) في الإيديولوجيا المنافسة فيغيب الحوار العقلي ويحضر بقوة حوار العضلات والغرائز.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، بورقيبة، العلمانيون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 29-10-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الله الفقير، د - الضاوي خوالدية، محمد العيادي، عزيز العرباوي، جاسم الرصيف، د. عبد الآله المالكي، محمود فاروق سيد شعبان، أنس الشابي، صفاء العراقي، د. أحمد محمد سليمان، أحمد بوادي، محمد الطرابلسي، فهمي شراب، رضا الدبّابي، سلوى المغربي، رافد العزاوي، مصطفي زهران، أ.د. مصطفى رجب، محرر "بوابتي"، محمد شمام ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. عادل محمد عايش الأسطل، المولدي الفرجاني، سيد السباعي، د- هاني ابوالفتوح، عراق المطيري، عواطف منصور، منجي باكير، د - شاكر الحوكي ، يزيد بن الحسين، مراد قميزة، علي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، الهيثم زعفان، حسني إبراهيم عبد العظيم، حسن عثمان، سامر أبو رمان ، محمد الياسين، خالد الجاف ، أبو سمية، صالح النعامي ، حسن الطرابلسي، كريم السليتي، د. أحمد بشير، عبد الغني مزوز، سليمان أحمد أبو ستة، سامح لطف الله، محمود سلطان، محمود طرشوبي، فتحي الزغل، أحمد ملحم، صباح الموسوي ، أحمد الحباسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، سعود السبعاني، أشرف إبراهيم حجاج، فوزي مسعود ، العادل السمعلي، صفاء العربي، حميدة الطيلوش، د. خالد الطراولي ، كريم فارق، د - صالح المازقي، أحمد النعيمي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فتحي العابد، فتحـي قاره بيبـان، د. طارق عبد الحليم، سفيان عبد الكافي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، علي الكاش، د- جابر قميحة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد عمر غرس الله، وائل بنجدو، طلال قسومي، عبد الرزاق قيراط ، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الله زيدان، إسراء أبو رمان، رمضان حينوني، صلاح الحريري، عمار غيلوفي، محمد يحي، د - محمد بنيعيش، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رحاب اسعد بيوض التميمي، يحيي البوليني، مصطفى منيغ، رافع القارصي، ضحى عبد الرحمن، إياد محمود حسين ، تونسي، د. صلاح عودة الله ، خبَّاب بن مروان الحمد، د - المنجي الكعبي، د.محمد فتحي عبد العال، د- محمود علي عريقات، الهادي المثلوثي، نادية سعد، د - عادل رضا، إيمى الأشقر، ياسين أحمد، د - مصطفى فهمي، عمر غازي، صلاح المختار، مجدى داود، الناصر الرقيق، محمد أحمد عزوز، رشيد السيد أحمد، حاتم الصولي، سلام الشماع، د- محمد رحال، محمد اسعد بيوض التميمي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء