البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات محرر بوابتي
مقالات فوزي مسعود على الفايسبوك

الذين لايدركون الفرق بين المعرفة والفكر:
إلى أي مدى يصبح تدريس معارف الإنسانيات خطرا يعيق التفكير

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس   
 المشاهدات: 91
 محور:  المفكر التابع

 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


هناك احتمال أن يتحول تدريس معارف الإنسانيات لحاجز يمنع التفكير الحر المنطلق، وتتحول جامعاتنا التي تقدم اختصاصات معارف الإنسانيات من فلسفة وعلم الاجتماع وعلم الانسان ومعارف الإسلاميات، أن تتحول لهياكل لإنتاج خرّيج لايستطيع أصلا تحمل فكرة تكون على غير ما درسه، فيصيّره عالة متعصبا

بل إن الأمر يجاوز الإحتمال، وإنما هذا يحصل واقعا لدى العديد من دارسي الإنسانيات بجامعاتنا، وأستنتج هذا من خلال تفاعلات بعض المتابعين الكرام مع ما أكتب

بداية أنوّه لكوني لا أعمّم، إذ العديد من أهم متابعيّ من تونس والجزائر والمغرب وموريطانيا ومصر هم ذوو اختصاص إنسانيات بل ذوو مستويات دكتورا، ومنهم من يروج لما أكتب ويتفاعل عموما بطريقة إيجابية لأنه ينظر في المحتوى أي الفكرة، وإنما أنا أتحدث عن ملاحظة تصح على بعض خريجي الإنسانيات

-----

حينما صدور كتابي "الربط اللامادي بفرنسا"، وفي سياق نقاش مع أحدهم، ذكّرت بالفكرة التي هي محور الكتاب وهو أن خطر فرنسا يوجد في الربط والارتباط اللامادي ممثلا في منظومات التشكيل الذهني من تعليم وتثقيف وإعلام ، وأن هذا الخطر لا يتم التوقف عنده لدى عموم الفواعل السياسية بتونس
فكان رد هذا الشخص ببساطة، "أنت لست مختصا، وتكتب خارج اختصاصك، مما ينزع الأهمية عما تقوله"

وآخر قال لي مرة أنت تقول كلاما لايصح لأنك تخرج التعريفات عن المتداول في المعارف كما تدرس في الجامعات

ومرة رددت على كلام كتبه أحد أعلام الفلسفة في تونس، وكان قال في مامعناه "لو لم يحصل كذا تاريخيا لحصل كذا، ثم بنى عليه فكرة المقال
كتبت وقلت أن هذا الكلام لايصح منطقيا وبالتالي لا قيمة له لأنه مبني على مصادرة أي بناء مجهول على مجهول
فانبرى العديد متهجمين وقالوا كلاما من نوع "من أنت لترد عليه"، و"أنت تتحدث خارج اختصاصك"، و"أنت تتعمد الاحتكاك بالرموز لكي تشتهر"..

------

ما يجمع كل هذه العينات هو التالي:

- أنها لأشخاص تخلط بين المعرفة وبين الفكر
- هؤلاء لايفكرون لذلك لا ينظرون في محتوى ما تكتب، إنما ينظرون لشكل الكلام ومساره، فإن أتى من مسار المعارف التي درسوها وكان متبنيا لفرضياتها وتحديداتها ومصطلحاتها، قبلوا كلامك من دون النظر في محتواه، وإلا ردّوك ردا من دون النظر في المحتوى

هؤلاء مثلهم كمثل مجموعة تنادت للوصول لمكان ما بالجبل، وكلّ يسعى لبلوغ هدفه، لكن منهم مجموعة تلزمك أن تصل للهدف بوجوب المرور من مسار معين تحديدا، ولا مبرر لذلك إلا أنها لما تعلمت كيفية الوصول للهدف، استعملت ذلك الطريق، فاعتقدت أنه الطريق الوحيد
وهذا يقرب للقول الرائج: "حَافِظْ ومُوشْ فاهم"، أي يتلقى المعارف مغمض العينين من دون التفكير

ولأن هؤلاء لايفكرون فإنهم لايدركون أن المعارف تلك هي ممكن من ممكنات عديدة أخرى، ولايدركون أن المعارف معالجة لحقل معاني معلومة، بينما التفكير بحث في حقل معاني مجهولة (*)

ولايدركون أن الفكر أشمل من المعارف لأنه هو الذي أوجده، وأن الفكر يمكنه أن يقيّم ويسائل المعرفة، بينما لا يمكنك أن تستعمل حقلا معرفيا من الانسانيات لتردّ فكرة إلا أن تكون فكرة معرفية داخل ذلك الحقل المعرفي، وهذا أمر آخر لأنه ليس هو المقصود بالفكر الذي استعمله

ولايدركون أن الإختصاص متعلق بالمعرفة بينما الفكر ليس يلزم منه الاختصاص لأن الفكر ينظر في التأطير الأعلى الموجد للحقل المعرفي وليس في تفاصيله، أي أن الفكر يتحرك في محور الصوابية (ثنائية الإيجاد وعدمه) بينما المعرفة تتحرك في محور الصحة (حقل معاني موجودة ابتداء) (*)

فأنا مثلا حينما أقول بخطر استعمال الفتوى لضبط المجال العام، إنما أقدم فكرة تتعامل مع مدى صوابية الإيجاد وليس مع تفصيل الموجود، أي أتناول صوابية ذلك التمشي بقطع النظر عن تفاصيل الفتوى، لأنني لا أتحدث في حقل معرفي من الاسلاميات وأناقش تفاصيله، لذلك لامعنى للرد علي أنني لست صاحب إختصاص فهذا اعتراض خارج الموضوع، لان الكلام ليس حول محتوى الفتوى وإنما حول فكرة الفتوى ابتداء من حيث صوابية الوجود

وقس على ذلك أيضا حينما كتبت حول خطر منظومة فرنسا وخطر تدريس الفرنسية كلغة أولى، الذي رد أنني لست مختصا في علم الاجتماع ولم أقم بدراسة عينات لاستنتاج آراء حول خطر ذلك، وسبب فساد رده أنني لا اتحدث في التفاصيل وإنما أقدم فكرة تتعلق بصوابية الايجاد قبل الدخول للتفاصيل المعرفية والاختصاص، أي صوابية التحكم والتأثير في تونس وفرض لغة أجنبية عليها، هذه فكرة لا تصح من حيث الوجود بقطع النظر عن مدى قوة التأثير والتفاصيل، وقد كتبت في هذا الشأن أن ما لايصح وجوده لاتصح تفاصيله

الفكرة أشمل من الحقل المعرفي، والفكرة يمكن أن تتحول لحقل معرفي جديد ولها قواعد جديدة

خطر مثل هذا الشخص الذي يخلط بين المعرفة والتفكير، أنه يتحول لمروج لذلك القدر من المعرفة الذي درسه، ويجعله أفقه الاعلى، ثم ينتهي به الحال لمتعصب جامد الذهن ينافس متعصبي الطوائف وعبدة الأبقار في دفاعهم عن أبقارهم

وخطر هؤلاء أيضا أنهم يتحولون لدعاة تبعية للنموذجية الغربية من طرف خفي، ماداموا يتحلقون حول مفاهيمها تلك يدافعون عنها لا يرون غيرها صوابا، ولا يدركون أن العديد من المناهج المستعملة في معارف الإنسانيات إنما تحمل بصمة عقدية تقول بعلوية النموذجية الغربية

وهؤلاء يعتقدون أن لافلسفة إلا مادرسوه وبالطريقة التي قالها الرموز الذين درسوهم، وأن لا علم اجتماع إلا الذي درسوه لهم وبالطريقة تلك، بينما الحقيقة أن ما أكتبه مثلا فيه شيىء من فلسفة وفيهم شيىء من علم الإجتماع وفيه أقدار من علوم أخرى تتناول الانسانيات، لكنها ليست على الطريقة التي يدرسونها

-----

(*) تعمقت في بحث هذه المواضيع في كتابي "المركزية العقدية والمجال المفاهيمي"، وهو الكتاب الذي قدّم له الدكتور محمد الرحموني أستاذ الحضارة بالجامعة التونسية، والذي تفاعل إيجابيا مع الأفكار التي طرحها الكتاب، رغم أنها تعارض وتخرج عن السائد مما يقدم في جامعاتنا من معارف ومما يدرّسه هو ذاته، وقال أن هذا الكتاب يمضي في سياق "العصيان المعرفي" ورفض النموذج الغربي، وقد صدق الأستاذ الرحموني في ذلك ووفّق في نحت المصطلح

------

فوزي مسعود
#فوزي_مسعود
.الذين لايدركون الفرق بين المعرفة والفكر:
إلى أي مدى يصبح تدريس معارف الإنسانيات خطرا يعيق التفكير


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فايسبوك،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 3-04-2025  


تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
مقالات فوزي مسعود على الفايسبوك حسب المحاور
اضغط على اسم المحور للإطلاع على مقالاته

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء