فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 929 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعود الناس على فهم أن التاثير يكون بالسبب فقط، وهم يربطون ذلك بالايجاد، فيقولون أنه بفعل ذلك السبب كان ذلك الموجود
والعديد يتوسع فيقول بالعلة إنها سبب الايجاد، فيخلط بين العلة والسبب، والحال أنه يوجد فرق بينهما
يشترك السبب والعلة في كونهما يؤثران على الموجود، لكن السبب تأثيره سابق زمنيا عن الموجود، بينما العلة تأثيرها لاحق زمنيا عنه
لنأخذ أمثلة لفهم المسألة:
- سبب شغلك أي موجده هو تحصيلك العلمي ثم بحثك عن العمل، ولكن علة ذلك الشغل هو تلقي الأجر والعيش بكرامة والزواج وغيرها
- سبب استقرارك في ذلك البيت تحديدا، هو نتيحة عمليات بحثك في الانترنت التي لم تسفر عن محل أفضل، وعلة ذلك السكن هو الزواج وتربية الاطفال
لنتعمق في النظر:
1- الموجود يكوّن مع السببب والعلة شبكة علاقات مركزها الموجود وطرفاها السبب والعلة
2- علاقة السبب مع الموجود علاقة إيجاد و أسبقية زمنية لأن الموجود لاحق وجوبا عن السبب، لكن السببية لاتعني بالضرورة الايجاد وإنما قد تكون التأثير في بعض خصائص الموجود، فهنا يمكن أن يفهم السبب كعامل إيجاد وتغيير لصفة وخاصية وليس ايجادا أصيلا للكل
ثم إن العلاقة هنا ذات اتجاه واحد فالسبب دائما هو المؤثر، أي أن الفعل في اتجاه واحد
3- علاقة العلة مع الموجود علاقة لاحقة زمنيا، لأن العلة هي المستفادة من حصول الموجود
لكن التأخر الزمني للعلة عن الموجود تأخر مادي واقعي وليس تأخرا تصوريا، حيث قبل حصول الموجود كانت العلة عاملا أخذ بعين الاعتبار لإنشاء الموجود، فأنت درست من أجل تلقي الأجر، وأنت اخترت ذلك السكن تحديدا من أجل الزواج ولأنه قريب من المدرسة التي سيذهب لها أطفالك
4- العلة لها تأثير في الموجود بطريقة غير مباشرة، فهي تأثر فيها من خلال التعامل مع السبب المؤدي للموجود، أي أن العلة سبب للسبب، أي أن العلة سبب لعمل سبب الموجود وتأثيره فيه
فسعيك للزواج (العلة) هو الذي جعلك تقوم بعملية بحث عن مسكن (سبب المسكن، فهنا العلة أصبحت سببا للبحث عن المسكن الذي هو سبب للمسكن) وهو سبب وجود المسكن
5- حينما نتتبع هذه العلاقة وعواملها بمفهومها اللغوي ودلالاته تبدو العملية معقدة نوعا ما، لكن لو اكتفينا ببنائها النسقي حيث هناك علاقة بين ثلاثة عوامل ربما ستصبح الامور أوضح، وستكون العلاقات كالتالي:
- علاقة السبب والموجود علاقة ذات اتجاه واحد من السبب نحو الموجود
- علاقة الموجود بالعلة علاقة غير موجودة
- علاقة العلة بالسبب علاقة تأثير محتملة وليست لازمة دوما، و إن وجدت فهي من العلة على السبب
6- علاقة التأثير هي التي تجمع السبب والموجود والعلة، الان حينما نضيف لها تقييما معياريا يقول بكون الموجد هو الأقوى في العلاقة أي أن اتجاه العلاقة هو الذي يعطي قيمة لطرفي العلاقة وهذا ما هو حاصل عمليا في واقعنا، أي أن السبب هو الاقوى، ساعتها سنجد نتيجة يمكن أن يتحول فيها الضعيف في الواقع مؤثرا في أسباب الوجود، وبالتالي يتحول لعامل تأثير في ذلك الموجود من خلال التحكم في أسبابه، وهذه جدلية ذات أبعاد مهمة علينا فهمها أولا بغرض فهم الواقع الذي يمضي حسب هذه القوانين الاجتماعية
مثلا النظام الحاكم الذي تتحكم فيه مجموعة ذات مصالح تعمل على استغلال الناس، قبل اتخاذ قرار بزيادة اسعار أو غيرها، تتجنب استثارة ردة فعل الناس فتقرر ارجاء ذلك القرار او تعديله
هنا رد الناس هو العلة التي أثرت في سبب القرار، أي أن الموضوع الموجود وهم الناس انتجوا تأثيرا عطل الاسباب الاولية للمتحكمين بالواقع
فالضعيف موضوع التأثير الاولي تحول لمؤثر في القوي من خلال التاثير في اسباب قراراته
يمكن التوسع في هذه العلاقة التأثيرية من خلال التحكم في عواملها الثلاثة بحيث تنتج اثارا لمصلحتك