فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 607 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يقع في مساحات تفكيرية كثيرة الخلط بين الادراك والوعي، وينتج عن ذلك أخطاء منهجية
لو أخذنا موجودا ما، فإن له علاقات مع غيره من الموجودات، وهي علاقات تختلف في نوعها، فمنها علاقات تنتج تغيرا ماديا في صفات مثلا وجود الأكل من عدمه، فهنا علاقة بين الموجود بشرا أو حيوانا وبين الأكل، ومنها التي تنتج تغيرا في لاماديات منها أن اللغة المستعملة في هذا المحل لغة فرنسية وليست عربية مثلا
العلاقة التي تربط الموجود مع طرف العلاقة الثاني (الاكل، المحل...) حينما يطرأ عليها تغيير، فذلك الانتباه لحدوث تغير للعلاقة هو الإدراك
الإدراك إذن، هو انتباه وتسجيل لحدوث تغير في صفة موجود تربطه به علاقة
مقابل الإدراك، فإن الإحساس والشعور (مع تغير طفيف في عمق المعنى بينهما) هو انتباه لحدوث تغير في صفة لديك، فنحن نقول عن الجوع أنه إحساس وشعور بالجوع وليس إدراكا للجوع
ونحن نقول إدراكا للخطر حينما يكون مصدر الخطر موجودا خارجيا تعرفه (عدو، حيوان مفترس)، لكننا نقول إحساسا بالخطر حينما يكون مصدر الخطر غير معروف أي لاتعلق له بموجود خارجي بعد
الإدراك مَلَكَة تشترك فيها كل الموجودات، فالبشر يدرك والحيوان أيضا يدرك
الإدراك أمر له تعلق بتغير صفة موجود في مستوى كمّها وقيمتها المادية فقط، فالإدراك يسجل المعطيات ولكنه لايقول بأنها جيدة ومقبولة أو لا من حيث تقييمها الكيفي
فالإدراك حينما يسجل تغير اللغة المستعملة في مكان ما، لايقول لنا إن ذلك جيد أو لا
والإدراك حينما يسجل أن اللحم الذي يباع في تلك المساحة التجارية لحم خنزير لايقول لنا إن ذلك حرام أو غير ذلك من التقييمات الكيفية القيميّة
حينما نمرر النتيجة التي سجلها الادراك للتقييم القيمي والكيفي فإن ذلك يسمى وعيا، وهذا الوعي يتطلب وجود مرجعية قيميّة من خلالها تتم عملية التقييم وعليها تعرض نتائج الادراكات
الوعي إذن تقييم للادراكات الأولية الخام من خلال مرجعية قيمية
والوعي هو الذي يحكم بأن نتيجة ذلك الإدراك مقبولة أم لا، فالإدراك هو الذي يقول لنا أن استعمال اللغة الفرنسية في مساحة عامة أمر غير مقبول، في حال كانت المرجعية التقييمية تقول برفضي التبعية لفرنسا، ولكنه نفس الادراك الذي يمكن أن يقبل من طرف وعي آخر لايرى مشكلة في التبعية لفرنسا
وقس على ذلك باقي الادراكات
لذلك فالوعي لايوجد إلا لدى من لديه منظومة ترجيح قيمي، وهو بالتالي لايوجد لدى الحيوانات
ولأن الوعي ضابط تحكيمي مهم، فإن أجهزة التوجيه الذهني للجموع تعمل على التحكم فيه وفي آلياته لكي تكون نتائجه موافقة لاغراضها وغير رافضة للواقع الذي تنتجه هي بما يخدم مصالحها