الهوية العربية الإسلامية: المفاهيم
(1) الهوية

فوزي مسعود - تونس
المشاهدات: 988
محور: إسلام العقيدة

يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط

يكثر استعمال لفظ الهوية في تناولات فكرية وسياسية، مع غياب ضبط لدلالتها، ما يجعل سياقات الاستعمالات تلك غير واضحة لأنها مبنية على فرضيات مفهومية غير متفق عليها ابتداء

أحد مجالات تناول الهوية لدينا في تونس، استعمال تركيب "الهوية العربية الاسلامية"، وهذا مركّب لشدة غياب الضبط فيه، أصبح فضفاضا لا يحمل معنى يعتد به، فكلّ يستعمل "الهوية العربية الاسلامية"، بحمولة يقصدها هو ثم يبني عليها وينتقل مباشرة للمحاججة في مستوى نتيجة كلامه المبني أساسا على أمر غير متفق عليه أو على الأقل غير موضح

إذن غياب تحديد مفهوم الهوية وتفريعا عنه مفهوم تركيب "الهوية العربية الاسلامية"، يجعل الكلام والأفكار التي تستدعي لفظ الهوية، مجرد مصادرات، تنتفي معانيها ثم تنتفي قيمتها العلمية

سأتناول في هذا البحث على أجزاء هذه المسألة في مستوى المفاهيم، وستكون حول الهوية، ثم الاسلام كهوية ثم العربية كهوية

أما الاستعمالات فسيأتي ذلك لاحقا في بحوث أخرى
----------

1- هوية الموجود هي ما يميزه عن غيره من الموجودات في مجال التناول، وهي يمكن أن تكون جزءا من ذلك الموجود أو تعريفا تجريديا لاحقا يلصق به
فلون الفرد ووزنه وطوله هوية، وجنسه هوية ومستواه الدراسي هوية، وهي هويات جزء من الموجود، بينما اسم الفرد هوية له ومعرفه البنكي هوية ايضا، لكن هذه تجريدات لاحقة بالفرد لغرض تحديده في إطار ما، يكون موضوع التناول لذلك الموجود
كما إن دين الفرد ولغته مكونات لهويته اللامادية الملحقة به
فالهوية إذن تحمل أبعادا عديدة تتعلق كلها بالموجود

2- أبعاد الهوية المتعددة تعمل كلها كمحددات وترميزات للاشارة لجهة ما وهي ذلك الموجود، فعلاقة الهوية بموضوعها علاقة تجريدات، هذا يعني التالي:
هوية الموجود غير ذات الموجود، أي أن علاقة الهوية بموضوعها علاقة إشارة وليست علاقة إيجاد وتغيير، فالذي تكون هويته في بعد الإسم مثلا "منصور" لايعني أنه سيكون منصورا في حياته، أي أن بعد الهوية ذلك لا أثر له في تغيير موضوع الهوية أي الفرد

هذه القاعدة هامة جدا ولها نتائج كبيرة التأثير في مستوى المفاهيم، لأن من دلالاتها أن الهوية العربية لفرد ما لاتعني بالضرورة أنه ذو عرق عربي، و أن الهوية الاسلامية لذلك الفرد لاتعني بالضرورة أنه ملتزم بتعاليم الاسلام

إذ ليس هناك تلازم بين الموضوع وبين الهوية المستدعية، لأن ما نستدعيه بتلك الهويات اللغوية والدينية هو فقط الاسلام كترميز والعربية كترميز

وسيقع تفصيل هذه النقاط لاحقا في الأجزاء الأخرى من هذا البحث

3- عناصر الهوية متعلقة بموضوعها، ذلك يعني أن الهوية المستدعية لا تهمنا في ذاتها و إنما في إطار علاقتها بموضوع الهوية، وهذه القاعدة تجعلنا نضبط أكثر حدود مالذي نستعمله كهوية من غيره

فالدين كهوية لا يهمنا باعتباره دينا، و إنما يهمنا باعتباره دين ذلك الفرد أي في تعلقه بموضوع الهوية، هذا يعني أن الدين لايمكن أن يكون هوية إلا في تعلقه بالأفراد، ماعدا ذلك فالدين إما عقيدة وإما ثقافة، وهذا حسب التقسيم الذي اقترحته من قبل أن الاسلام به ثلاثة مستويات: إسلام العقيدة وإسلام الثقافة و إسلام الهوية

وهذا يعني أن الأرض لايمكن أن تكون جزءا من الهوية الفردية، إلا في مستوى علاقتها بالفرد، ولكن هذه العلاقة لايمكن استيعابها في مفهوم محدد (بين الفرد والأرض)، لذلك أرى أن الأرض ليست من مكونات هوية الفرد، لأن علاقته بالارض موجود بعض معانيها في أبعاد الهوية الأخرى كالوطن و الدين واللغة والصفات الجسمية

4-وجود مكون للهوية مشترك بين العديد من الافراد، يقتضي وجوبا وجود عامل الزمن لافراده بهوية ملحقة بفرد معين دون غيره، لأن اشتراك عاملان وهما الفرد ومكون الهوية يجعله تركيبا غير تعييني، عليه وجب تحديد تلك العلاقة بين الفرد ومكون الهوية بالزمن لكي يقع التحديد والإفراد

لذلك فمكونات هوية الفرد كلها زمنية، ولأنها وقتية فهي تصح في مجال زمني يحدد مدتها
لكن عوامل الهوية الفردية تختلف في مدد وجودها، فأكبر مكونات هوية الفرد طولا هي ما يمكن أن أسميه وجوده الإسمي أي وجوده كشخص يمتد طيلة فترة حياته، فهو مكون الهوية الذي يبدأ مع دخول الفرد الوجود بالولادة وينتهي بخروجه من الوجود بالموت
وأقصر مكونات هوية الفرد طولا هي مايمكن أن أسميه وجوده اللحظي، أي صفاته التي تصح في لحظة زمنية، فهو وجود لايتجاوز المقياس الزمني الصغير الذي يمكن اعتماده لقياس وجود الفرد
وبين هذين الوجودين الداخلين في مكونات هوية الفرد، توجد أبعاد أخرى تختلف في مدة وجودها كطول الفرد ولون شعره ووزنه

لكَوْن مكونات الهوية المرتبطة وجودا بالفرد تتغير زمنيا، وقعت إضافة مكونات الهوية التجريدية التي لاتتغير نسبة للزمن والتي تعتمد كهويات ثابتة نسبة للزمن مثل الاسم والمعرف الوطني وغيرها

5- هوية مجموعة معينة أي هوية بلد ما مثلا، ينطبق عليها نفس الكلام الذي قلناه حول هوية الفرد، لكن مع استثناءات وإضافات مهمة وهي أن احتساب الهوية للمجموعة يطرح إشكاليات في مستويبن وهما: طريقة احتساب قيمة بعد الهوية والمستوى الثاني المدى الزمني الذي يحتسب فيه بعد الهوية ذلك

هناك أبعاد للهوية الفردية ستتحول لما يقابلها لدى المجموعة كالاسم، وهناك أبعاد أخرى ستنعدم كالطول، لكن بعد الدين مثلا كيف يقع احتسابه و إذا كانت رقعة ما بسكانها تعاقبت عليها الأديان أي منها يمثل هوية تلك المجموعة حاليا

أرى أن احتساب مكونات الهوية القيمية يكون بالمعدل الرياضي، وعليه فإننا نقول أن سكان تلك المنطقة مسلمون لأن غالبتهم مسلمون، و أنهم عرب لأن غالبتهم يعتمدون الانتماء للهوية العربية التي تمثل لسانهم ووعاء حضارتهم

لكن أي فترة زمنية لتلك المجموعة البشرية يقع احتساب معدل تدينها و لغتها

رجوعا لمفهوم الهوية فإنه لما يعرف به الموجود موضوع التناول، أي أن المجال الزمني محدد بمجال التناول، فما يهمنا هو موجوداته، أي إن كنا نتناول المجموعة البشرية حاليا فإن المجال الزمني الذي يهمنا هو الحالي والدين الذي يهمنا هو تدينهم الحالي، و إن كنا ننظر في فترة تاريخية لتكن مثلا الفترة القرطاجنية، فإن هويتهم ستكون دينهم في تلك الفترة وبمعدل رياضي كذلك
أي لايمكن أن نقول أن هوية التونسيين حاليا هي القرطاجنية بسبب أنهم كانوا يوما ما قرطاجنيين ولا أن نقول أن هويتهم الدينية هي المسيحية لأن المسيحية كانت مكونا تاريخيا لديهم يوما ما

يمكن أن نتعمق ونقترح أن هوية المجموعات فيها مايمكن أن أسميه الهوية الإسمية أي الهوية الحالية، وفيها الهوية التاريخية، لكن هذا التناول سيطرح إشكالا آخر لأن التاريخ سيكون مدى زمني طويل، فبأي مرجح ستختار فترة دون أخرى كمكون للهوية التاريخية، لذلك أعتقد أن "الهوية التاريخية" مفهوم غير دقيق

----------------------

---فوزي مسعود------
#فوزي_مسعود
#تأملات_فوزي_مسعود
#منظومة_فرنسا
#تفكيك_منظومة_فرنسا

الرابط على فايسبوك
تفكيك منظومة فرنسا (4): الهوية العربية الإسلامية: المفاهيم
(1) الهوية

اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فايسبوك،

4-11-2022

لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه

رابط المقال

لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال

البريد الإلكتروني

اسمك

الهوية العربية الإسلامية: المفاهيم (1) الهوية

الهوية العربية الإسلامية: المفاهيم
(1) الهوية