طبقات المعنى والمفهوم والأداة: التحكم الذهني في الفرد التابع
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 1269 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حينما نريد فهم كيفية عمل منظومات التحكم في الأفراد بالمجتمع، نلاحظ أولا أن التحكم كما وضحنا سابقا ذو طبيعة لامادية، وان التحكم معالجة تقع في مستوى المفاهيم من خلال تغيير معانيها
ثم أن تلك المفاهيم ومعانيها تنقلها و تروجها أدوات ووسائط، وهي حوامل المفاهيم، وهي التي تمثل المستوى المادي من عملية إنتاج المعاني، ونجد من أهمها الإعلام والتعليم والثقافة ورجال الدين وزعماء السياسة
فنحن أمام ثلاث طبقات: حامل المفهوم، المفهوم، المعنى
ثم انه يمكننا ملاحظة أمرين:
أولا: انه من ضمن الطبقات الثلاث فان طبقة المعنى هي التي ستكون موضوع التغييرات، لأن طبقة المفهوم لن تتغير إذ الناس ما زالت تستعمل مفهوم الحرية والتدين والكرامة، بالإضافة لكون حوامل المفاهيم لن يقع المس بها من طرف الفرد لأنها أساسا ليست بيده، فالإعلام والتعليم وأجهزة الثقافة ورجال الدين كلهم بيد المتحكمين بالواقع
وحده المعنى وطبقته سيكون موضوعا للتصرف فيه بالإضافة والحذف بما يخدم مصلحة المتحكم بالواقع
ثانيا: هذا البناء الطبقي لمسار إنتاج المعنى يجعل الفرد وجوبا ضحية توجيه ذهني لأنه مفتقر للمعنى الذي تنتجه الطبقتان السابقتان
يمكن القول أن مركزة أدوات تشكيل الأذهان في يد طرف ما وهو عموم ما يحصل في الدولة الحديثة، تصيّر الجموع بمثابة القطعان لا فكاك لهم من اللهاث وراء الالتزام بمعانيها التي تنتجها
كيف نخرج من هذه الحتمية
لكن هذا الاستنتاج لا يصح إلا لأن الناس تتناول موجودات الواقع من خلال مفاهيمها وليس معانيها إذ الناس تقبل مفهوم التدين وتنتظر من يفسر لها معنى ذلك وتقبل مفهوم الحرية وتنتظر من يفسر لها معنى ذلك وقس على هذا غيرها من المفاهيم، فلو أن الناس اعتمدت معاني الموجودات مباشرة لأزالت طبقة المفهوم من حلقات التأثير ولانتفى بالتالي فعلها، وهذا هو الشرط اللازم لأفضل واقصر طريقة لإبطال مفعول أدوات التوجيه الذهني القهري لصناعة الإمعات
حينما يكون تناول موجودات الواقع من خلال المعاني وليس المفاهيم، هذا يكون من خلال رفض وجود منتجي المعاني للمفاهيم المتعارف عليها
فالناس ليست بحاجة لمتحدث باسم الإسلام لكي يقولب مفاهيم الحق والباطل وينتهي لإقناع الناس بالواقع المنحرف، إذ ما يقوم به هؤلاء هو إعادة إنتاج معاني لمفاهيم متفق عليها كالحلال والحرام فيأتي هو ويتلاعب ببراعة فقهية فيحلل الحرام ويحرم الحلال فهذا تغيير معاني المفاهيم
والناس ليست في حاجة للإعلام و لا للثقافة التي تديرها منظومة فرنسا حيث تتحايل على مفاهيم الحرية والتقدم ومشتقاتها بتحوير محتوياتها / معانيها تنتهي بالترويج للانحرافات الأخلاقية والتطبيع معها وعلى تتفيه وعي الناس وعلى إقناعهم بفضائل أن تكون تابعا صاغرا للغرب
والناس ليست في حاجة لزعيم سياسي أو نقابي لكي يوضح المصلحة الخاصة والوطنية وهي عمليات ضخ للمعاني في المفاهيم تنتهي عادة لخدمة المتحكمين بالسلطة السياسة
حينما نكتفي ذاتيا في إنتاج المعاني لما نحتاجه من مفاهيم ونستقل عن غيرنا في هذا المستوى، ونتعامل مع انفسنا أننا أفراد رشد أحرار، لن نكون في حاجة للوسائط المنتجة للمعاني الوظيفية الخادمة لسادة الواقع، وستنهدم آليا سلسلة طبقات التأثير التي تتحكم فينا حاليا وتقود الجموع لخدمة المتحكمين بالواقع ومن ورائهم فرنسا
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: