فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6244
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يبدئ المسلمون كل عام ويعيدون في مسألة يفتعلونها تتعلق بدخول شهر رمضان وبخروجه، و يبدو أن البعض ممن يتبوأ مناصب مستحدثة لا علاقة لها بالإسلام، أولئك الذين يحترفون ويرتزقون بالإفتاء الرسمي ويحتكرون الحديث في أمور الدين، مرتاحون لهيطة الناس الدورية حول هذه المسألة، مادام الأمر يعد مناسبة تؤكد انضباط الكل لهم وبهم.
لست متأكدا أن إشكالية رؤية الهلال هذه كانت موجودة من قبل بهذه الأقدار، ولم أطلع خلال كل مطالعاتي للكتب التاريخية الإسلامية المعتبرة، أن المسلمين كانوا يواجهون مشكلة تسمى رؤية الهلال.
أغلب الظن ان بروز هذه الإشكالية مفتعل حديثا، ولذلك علاقة بتحكم بقايا الغرب في البلدان الإسلامية، أما تضخيم الموضوع وجعله مدار الجدل سنويا، فهو يدخل في باب إسلام الإنحطاط وبالتحديد التدين الوظيفي الذي تحدثت عنه العديد من المرات سابقا
التدين الوظيفي هو تدين يهدف لتأدية وظيفة دنيوية مصلحية، فهو إذن أداة لخدمة غرض آخر غير ماهو مطلوب دينيا من تلك العبادة، فينتهي الاسلام والمسلمون لمجرد أدوات لخدمة أغراض المتحكمين بالواقع من سياسيين أو أصحاب مصالح إقتصادية أو ذوي الوجاهة الاجتماعية كالمتحدثين بأمور الدين و الفن والثقافة ومن شابههم.
عمليا يقع الأمر بطرق عديدة منها إختزال الاسلام في بعض مبادئه، ثم يعمل على تضخيمها حد إلغاء باقي الجوانب، فالأمر ساعتها صحيح وحق ولكنه حق ناقص أو بعض الحق فقط، وإعتبار بعض الحق فقط دون البعض الآخر يقود للفساد، لان الحقائق تصح نسبة لذاتها أو / و نسبة لإطارها الأشمل، وحينما تأخذ الحقائق منفصلة تصبح غير ذات فائدة مثلما ينتظر منها حينما تنزل في إطار يكملها مع غيرها من الممارسات والالتزامات، وهو نفس الأمر مع التدين الوظيفي الذي يعمل على تضخيم بعض جوانب التعبد ويجعله محور كل شيئ ويلغي باقي العبادات بل وباقي أبعاد التدين.
على أية حال لكي لا أطيل في ماهية التدين الوظيفي وهي النقطة التي تناولتها العديد من المرات من قبل (راجع مقالاتي السابقة حول التدين الوظيفي والفقه الوظيفي)، ورجوعا لرؤية الهلال و علاقة ذلك بالتدين الوظيفي أقول:
ينبني اللغط كله بناء على حديث نبوي شريف يقول مامعناه صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته.
إما أن اللغط يرجع لشدة تعلق الناس بدينهم وحرصهم الشديد على تطبيقه في أدق تفاصيله، حد إلتزامهم بدقة متناهية بالاحاديث، وإما لا.
لكننا نعرف من إستقراء الواقع أن عموم المسلمين والتونسيين على الأقل، أبعد من أن يكونوا ملتزمين بفرائض الإسلام على تمامها، فالزكاة لاتؤدى والربا هو محور النشاط الإقتصادي، والاسلام لايحكم في واقع الناس، والتعري وإشاعة الفاحشة هو السائد ويرعى من طرف الدولة، وتحكيم المنظومات الغربية في كل مفاصل حياة الناس هو الواقع، ويرضى الناس بكل ذلك ويرونه نمطا ومكسبا يجب الحفاظ عليه، فهذه أسس الاسلام إذن غائبة من أن تحكم، فضلا على أن ننظر لما دون الفرائض من توجيهات الإسلام.
فثبت إذن أن الزوابع الدورية حول رؤية الهلال، لا تعكس تدينا أو التزاما بالإسلام، إذ لو التزم المسلمون والتونسيون خاصة بالاسلام في كل فرائضه وحرصوا على الإنضباط بها مثل التزامهم في دقائق رؤية الهلال، لما كان حالنا هو الواقع.
لما كان الأمر كذلك فيجب أن ننظر في سبب هيطة الهلال الدورية هذه، ونعمل على وضعها في إطارها أنها زوابع وظيفية، تكرس تدينا منحطا مناسباتيا.
من طرق محاربة هذه العادة الوظيفية، إعتبار أن رؤية الهلال أصلا ليست لها حقيقة كل هذه الأهمية، إذ يمكن الصوم منذ اليوم الذي يعلن فيه أحدهم عن رؤية الهلال وأنتهى الامر وذلك مصداق الحديث النبوي، فلماذا التزيد والتعنت، وبالإمكان الصوم في اليوم الموالي إن كان ببلد يقول برؤية أخرى، مادام الكل ينطبق عليه الحديث.
في كل الحالات لا داعي للجدال، لان الاصل هو واجب صوم شهر في مقدار زمن دخوله وخروجه ظنيين، وليس واجب تحري حقيقة الرؤية الصحيحة (دعك من القواعد على شاكلة ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب، لأن هذه القاعدة أساسا فاسدة منطقيا)، لأن الرؤية لن تقود في كل الحالات لأمر ثابت، فدخول الشهر وخروجه تفصيل عن أصل، ثم هو تفصيل أمره كله احتمالي، أي صحته تتراوح بين الصفر والواحد ولا أحد بإمكانه تأكيد ان رؤيته هي الإحتمال الصحيح، إذ لو كان كذلك لماكان هناك من داع أصلا للإختلاف، ولو وجدت طريقة علمية تنتج إحتمالا ثابتا، سينتهي الأمر، ولكن لو بقي ساعتها من يريد الرؤية العينية فيجب اعتبار تصرفه سليما ايضا.
فما هو مطلوب إذن هو تحري دخول الشهر وخروجه بالنظر العيني البسيط أو بتصديق من يوثق به، ولاحاجة للبحث بالضرورة عن الصحة في ذلك مادام قد حصل قدر الاجتهاد، ثم ان الراي الاخر هو ايضا مجرد اجتهاد حول الرؤية، ولايوجد مرجح يقول بصحة الترجيحين عن الآخر، فثبت ان الامرين متعادلان من حيث الصوابية، وساعتها فلايعرف مالداعي لخلق مشكلة مفتعلة حول صوابية من تصح رؤيته.
إذن فالصوم بكل البدايات صحيح ولا إشكال فيه، وهكذا ينتهي الأمر، من دون حاجة لمفتني ولا لمؤسسات و لا لأقمار صناعية ولا لغيرها.
بمثل هذا التصورات البسيطة للإسلام، الذي هو أصلا دين بسيط من قبل أن يأتي عليه من يريد أن يعقد شؤونه ويجعله مغاليق يتحكم هو في مداخلها، بمثل هذه التصورات نتجاوز توظيف الاسلام وننظر في قوته كدين رسالي يهدف لتغيير الواقع وتحريره من أيادي الموظفين له.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: