يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إذا كان المشروع التغريبي الذي فرض قهرا على التونسيين منذ الاستقلال كان ولا زال ينظر إليه على انه نموذج للتطرف العلماني ونجاحاته النادرة بالعالم الإسلامي مجسما بتونس، فإن بقاء هذا المشروع إلى يومنا هذا من خلال مواصلة إنتاجه للمواقف المشبوهة الموجهة ضد التونسيين عموما والأسرة التونسية خصوصا، يمثل حالة نادرة تؤشر من ضمن ماتعنيه على رسوخ أقدام أصحاب المشروع التغريبي التونسي وتملكهم لوسائل البقاء والاطمئنان لتمرير مخططاتهم بحيث يمضون في عبثهم بالتونسيين من دون رادع، وكيف يكون هناك رادع وهم الذين يحركون أدوات الردع، وكيف يكون هناك رادع لهم وهم يتلقون الجوائز على تحركاتهم المشبوهة، وكيف يكون هناك رادع وهم يمولون من الخارج في ظل سكوت التونسيين.
ولما كانت الحقيقة أن الأسرة التونسية بكل مكوناتها طالها الكثير من الضرب من خلال مخططات التغريب والاقتلاع منذ الاستقلال، ولما تتالت هذه المخططات المتبوعة بالأفعال، بحيث شملت المرأة والطفل والأسرة، فان الواحد يعجز على أن يتحدث عن حالنا بتونس في هذا الباب بشيء من التفصيل، وحسبي هنا تناول آخر المستجدات في مجهودات التغريب والتفكيك التي تخضع لها قهرا الأسرة التونسية، والتي أصبحت تقارب حد العبث وذلك لانتفاء الفائدة الممكنة من ورائها و لوضوح قصد الهدم من جرائها بدل ذلك.
ورغم تزايد مؤشرات التفكك الأسري بتونس المنبئة على فساد المشروع المجتمعي الذي أسس منذ الاستقلال مجسما في ارتفاع نسب الطلاق والعنوسة والتسيب والانحراف الأخلاقي لدى الشباب، واتجاه تونس نحو التناقص العددي، فان الواقفين على مشروع التغريب لم يكلوا من دفع كل التونسيين نحو الهاوية، تحركهم في ذلك قناعاتهم الفكرية المتغربة، والجوائز التي يحصلون عليها من المنظمات و الأطراف الخارجية.
ولعل من المفارقات، انه يمكن ملاحظة تلازم بين شدة أعمال الاقتلاع التي تنفذ بتونس من ناحية وبين طريق عرضها اعلاميا وهي الطريقة المبنية على المغالطة الفجة، بحيث كلما اشتد تطرف عمليات التغريب التي تنفذ بتونس ضد المرأة والطفل والأسرة، كلما زاد المجهود الدعائي داخليا بتونس و خارجيا من الأطراف الواقفة وراء المجهود الذي ينفذ داخليا، و التي تصور واقع تونس بأنه استثنائي في نموذجيته ورياديته، والحقيقة انه استثنائي في خطورته وتبعيته.
إجراءات خطيرة تقف ورائها جهات مشبوهة:
آخر المنجزات التي تسجل في دفتر العبث التي يقع تجربتها على التونسيين ويخضعون لها قهرا من دون إذن منهم، تتعلق بما أعلن أخيرا من وضع خط هاتفي مجاني على ذمة التونسيات من الآتي يشتكين من عنف الأزواج.
وجاء في خبر أوردته وكالة الانباء الفرنسية بتاريخ 29/11/2008 "وضعت الحكومة التونسية الثلاثاء أول خط اخضر مجاني بتصرف النساء المعنفات بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يتم الاحتفال به في 25 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام. وأعلنت وكالة الانباء التونسية ان وزارة شؤون المراة والاسرة والطفولة والمسنين بادرت بهذه المناسبة الى تفعيل الخط الاخضر المجاني المفتوح للنساء المعنفات وتطويره على الرقم 707 100 80'، واعلنت الوزارة عن وضع استراتيجية وطنية تتعلق بالعنف ضد النساء أعدت بالتعاون مع هيئات حكومية ومكونات المجتمع المدني."
وذكر في أخبار أخرى أن أقوى الأطراف الواقفة وراء هذا المشروع توجد منظمة تونسية مشبوهة، تدعى "جمعية النساء الديمقراطيات"، وهي منظمة مافتئت تعمل على المطالبة بتغييب الإسلام من خلفية القوانين التونسية، فهذه المنظمة طالبت ولازالت بإلغاء قوانين المواريث الإسلامية المتعلق بالمرأة واستبدالها بقوانين غربية مستمدة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما لا تخفي هذه المنظمة عدائها لمجمل الرؤية الإسلامية لموضوع المرأة وغيرها من الجوانب المنظمة لشؤون الأسرة.
ولعله يمكن فهم صمود هذه المنظمة المشبوهة، وإصرارها على مطالبها المتطرفة الغريبة، إذا ما عرفنا أنها منظمة تمول خارجيا حيث تمولها جزئيا أطراف ألمانية، وهي كذلك منظمة تلقى الدعم الغربي على تحركاتها، بل إن أعضاء هذه المنظمة يفخرون بذلك، وأخيرا، نالت هذه المنظمة التونسية "جمعية النساء الديمقراطيات"، جائزة غربية ممثلة في "الجائزة الفرنسية لحقوق الانسان لعام "2008، وغني عن القول، أن مثل هذه الجوائز لا تمنح إلا لمن يخدم أهداف المشروع التغريبي الفرنسي ويساهم في تمريره وتنفيذه.
موات التونسيين:
ولعل من مؤشرات حالة الموات التي تشهدها تونس، كون التونسيين يخضعون لقوانين أثّر على صياغتها أو كان ورائها أطراف مشبوهة أمثال هؤلاء، والحال أن الأمر كان يستدعي تتبعا قانونيا لمثل هذه المنظمة وأمثالها، فضلا على أن تقترح مشاريع الخطوط الهاتفية ومشاريع القوانين الرافضة للمواريث الإسلامية .
إذ كيف يسمح لمنظمة تونسية بان تتلقى أموالا من أطراف أجنبية، ثم تأتي بعد ذلك ويسمح لها بأن تدلي برأيها في شأن محلي داخلي؟ مثل هذا الشيء يجب أن يعتبر خيانة، ويجب استصدرا قانون يجرّم كل من يتلقى تمويلا أجنبيا ويحال رأسا على المحاكمة. ثم كيف يسمح أصلا بان يتجرأ أحدهم ويطالب بتعديل ما انزل الله من قوانين مجسما في قوانين المواريث كما فعلت هذه المنظمة ولازالت؟ كيف يسمح بان يهان التشريع الإسلامي ويستخف به تحت تبريرات زائفة؟ هل منظومة حقوق الإنسان الغربية أفضل من تشريع الله؟ كيف يقع إخضاع التونسيين لارداة شراذم تحركهم ارتباطاتهم الفكرية الغربية ولا يملكون من همّ غير استدرار شكر المنظمات الغربية وجوائزها، بحيث يصبح التونسيون مناطا لتطبيق شاذ القوانين ابتداء من مجلة الأحوال الشخصية ووصولا لحقوق الطفل و"الخط الأخضر"؟
وواضح أن مجمل التحركات المريبة التي تمس الأسرة عموما بتونس والتي يقع تمريرها منذ الاستقلال تحت مسميات عديدة، تهدف إلى إحداث فراغ داخل الأسرة يمكن من خلاله تسريع عملية الفوضى وتمييع القرار الداخلي اللازم لعمليات الضبط، بحيث يتيسر إمضاء التفكيك الأسري بسلاسة، فقوانين حقوق المرأة عموما التي تحويها مجلة الأحوال الشخصية سيئة الصيت، كانت على حساب سحب القرار من يد رب الأسرة وهو الرجل، بحيث إن هذا الأخير صُيّر مجرد جسم لا تأثير يذكر له داخل الأسرة، إذ يمكنه الآن أن يعايش داعرة في بيته (لو لم يلطفه به الله ويبعث له امرأة فيها بقية من خشية الله) من دون أن يمكنه ان يفعل شيئا ضدها أو أن يطلقها وذلك لشدة تكبيل يديه، ثم تأتي منظومة حقوق الطفل لتحد من تدخل الأبوين لتربية أبنائهما بحيث إن هذه المنظومة أضافت بعدا آخر للفوضى داخل الأسرة، ولا احد يمكن أن يردع الجميع داخل الأسرة، فكل سيد نفسه: الرجل لا سلطة له على زوجته وأبنائه، والأم لا سلطة لها على أبنائها، وكل يغني على ليلاه، وأخيرا جاءت الخطوة الأخيرة رغم بساطتها نسبة للخطوات السابقة والمتمثلة في خط هاتفي ظاهره الوقوف مع الزوجة المضطهدة وباطنه سعي لإحداث مزيد من الفوضى داخل الأسرة وتسريع عمليات التفكيك المتواجدة أصلا بمرحلة متقدمة، وكل هذا ليؤكد نية ضرب الأسرة لاستكمال ما تبقى من عوامل تماسك.
مشاريع خطوط خضر أخرى:
وإذا كان القائمون على مشروع الخط الأخضر بتونس، يعنيهم أمر الأسرة فعلا كما يزعمون، فانه توجد العديد من الأولويات التي تستحق خطوطا خضرا وحمرا، وجب وضعها أمام الزوج والزوجة وتمثل أهمية اكبر من تخاصم الزوجين، من ذلك:
- لماذا لا يوضع خط اخضر أمام الزوجة التي تشتكي من كون زوجها يصاحب امرأة أخرى ويخرج معها، أليس خطورة الزنا اشد من خطورة تخاصم زوجين، أم إن الحقيقة هي أن حماية الأسرة لا تعني القائمين على أمر المشاريع بتونس شيئا؟
- لماذا لا يقع وضع خط احمر لكي يعلم الزوج بخيانة زوجته وخروجها صحبة رجال آخرين؟ أليس هذا الأمر اخطر من تخاصم الزوجين، أم إن الحقيقة هي أن الزنا يعد من الأمور الشخصية حسبما تقول منظومة حقوق المرأة الغربية وهي المنظومة التي تسعى لترويجها المنظمة التونسية المشبوهة، وهي كذلك الخلفية التي صبغت أصلا مجمل القوانين التونسية (قانون العقوبات في موضوع الزنا مثلا)
- لماذا لا يقع وضع خط اخضر أمام الأولياء (الأم والأب) لكي يطلبوا الإعانة لإنقاذ بناتهم مما يقع أمام المعاهد، و إنقاذهن من المقاهي و إنقاذهن من النزل، حيث تعج العديد من هذه الأماكن بالفتيات الصغيرات من دون رقيب ولا حسيب؟ أليس إنقاذ أجيال من الضياع أهم من فك خصومة بين زوجين، آم أن صيانة أجيال التونسيين لا تعني هؤلاء؟
- لماذا لا يقع وضع خط اخضر أو احمر أمام التونسيين لكي ُيعْلموا بوجود الممارسات اللاخلاقية بجنبات الطرقات، وبالمقاهي وأمام المعاهد من تقييل وعناق وغيرها تقع بين الفتيان والفتيات، أليس مقاومة مثل هذه الظواهر أولى من الالتفات لأمر نزاع بسيط بين زوجين؟ أم إن الحقيقة هي أن أمر المجتمع التونسي وسلامته لا تعني هؤلاء شيئا؟
- لماذا لا يقع وضع خط بأي لون أمام التونسيين لكي ينبهوا للسرقات التي تقع للمال العمومي في كل المجالات من رشاوى وضغوطات يخضع لها التونسي كلما أراد قضاء شأن إداري أو أراد المشاركة بمناظرة حكومية او ماشابهها، أو استعمال للممتلكات العمومية (سيارات وغيرها) بغير وجه حق؟
أليست كل هذه المسائل الخطيرة وغيرها الكثير من التي يعانيها التونسيون جديرة بان توضع لها خطوط هاتفية مجانية، وتسخر لها فرق للتدخل؟ أليست هذه قضايا أهم من نزاع بين زوجين ؟
على أية حال، يجب القول أني اكتب ما اكتب من دون رجاء التفاعل ممن امضوا هذه المشاريع بتونس، فهؤلاء لا خيرة فيهم، ومن رأيي أن أمرهم ليس بأيديهم، ولكني اكتب للتونسيين الضحايا الذين ينظر إليهم على أنهم فئران مخابر لتطبيق آخر الإصدارات الغربية في ميدان القوانين، ثم يمضي بعدها هؤلاء لتلقي الجوائز جزاء ما اقترفوا بحقنا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
5-12-2008 / 18:11:25 ابو سمية