البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: مأزق دستوري أم مأزق سياسي؟

كاتب المقال عادل بن عبد الله - تونس   
 المشاهدات: 1127


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


عند توافقهم على النظام البرلماني المعدّل وعلى القانون الانتخابي، كان الآباء المؤسسون للجمهورية الثانية يطمحون إلى وضع نظام حكم يحقق غايتين أساسيتين: أولا تفكيك مركزية السلطة التي قلبت النظام الرئاسي إلى نظام رئاسوي زمن المخلوع، ثانيا منع تغوّل أي حزب سياسي على المشهد العام كما فعل الحزب الحاكم في تونس خلال المرحلتين الدستورية والتجمعية.

لقد حرصت التوافقات التأسيسية على توزيع السلطات بين مختلف الفاعلين السياسيين بصورة تمنع عودة الاستبداد، ولكن العديد من العوامل السياقية - مثل الضغائن الأيديولوجية وانعدام الثقة بين الفاعلين السياسيين، وغياب سردية موحدة للثورة، و"هلامية" المشروع الوطني الجامع - جعلت تلك "التوافقات التأسيسية" محتاجة بصورة دورية إلى "توافقات سياسية" تمنع تفجّر "الألغام" التي أخفاها الاحتفاء بـ"الاستثناء التونسي". إنها ألغام ترتبط من جهة أولى بالدستور ذاته من جهة وجود بعض الفراغات أو المسكوت عنه أو التناقض الممكن بين بعض فصوله، وترتبط من جهة ثانية بطبيعة النظام السياسي ذاته والقانون الانتخابي.

لقد كانت اللحظة التأسيسية لحظة واعدة، ولكنها كانت أيضا لحظة مأزومة. فهي لحظة واعدة من جهة ما تبشّر به من "وضعية مثالية" تشتغل فيها جميع المؤسسات والسطات"معا" لتحقيق الصالح العام، أي مأسسة شعارات الثورة أو تحويل مطالبها إلى سياسة للدولة داخليا وخارجيا. إنها وضعية "مثالية" لأنها تفترض تجانس الرئاستين التنفيذيتين من جهة أولى، وتفترض من جهة ثانية التجانس بين السلطة التنفيذية - برأسيها - وبين السلطة التشريعية، خاصة الحزب الحاصل على الأغلبية.

ويعلم المتابع للشأن التونسي أن هذه الوضعية لم تتحقق إلا بصورة عابرة/ هشة بعد انتخابات 2014. فرغم "تغّول" نداء تونس- سيطرته على الرئاسات الثلاث دون تعبير أي طرف عن وجود "تخوفات" جدية على الديمقراطية - ورغم إحكام المرحوم الباجي قائد السبسي سلطته على رئاسة الحكومة وعلى مجلس النواب مؤقتا، فإن تمرد رئيس الوزراء يوسف الشاهد على وضعية "الوزير الأول"، وانقسام حركة النداء إلى أكثر من "شق" - بسبب الصراعات الكبيرة بين قادة النداء ومؤسسيه - كل ذلك قد تسبب في أزمات سياسية دورية لم تنته بوفاة الرئيس السابق، ولا يبدو أن وصول السيد قيس سعيد إلى رئاسة الجمهورية سيكون مساعدا على الخروج منها.

رغم الفوارق الكثيرة بين المرحوم الباجي قائد السبسي والرئيس الحالي قيس سعيد - اختلافات في التجربة داخل أجهزة الدولة، في وجود رافعة حزبية انتخابية، في الحزام/المشروع السياسي بعد دخول قرطاج.. الخ - فإن ما يجمع بين الرجلين هو خلفيتهما الحقوقية، وسعيهما إلى الانقلاب واقعيا على القانون المنظم للسلطات، وذلك بمركزة السلطة في قرطاج ومحاولة تهميش السلطة التشريعية، وتدجين رئيس الوزراء ليتحول بحكم الأمر الواقع إلى "وزير أول" كما كان الأمر زمن المخلوع.

ولكنّ الخلفية الحقوقية للمرحوم الباجي قائد السبسي لم تكن تحتل مركز جملته السياسية، ولم تكن تلك الخلفية ذات تأثير كبير في إنتاج المواقف السياسية المطلوبة لإدارة الصراعات داخل حركة النداء وخارجها. لقد كان المرحوم الباجي يسوّق لنفسه باعتباره "رجل دولة"، أي باعتباره ذلك البورقيبي الذي دعاه منطق الواجب - لا الايمان بالثورة - للرجوع إلى السياسة بقصد إعادة هيبتها وحماية نمطها المجتمعي.

وعلى خلاف المرحوم قائد السبسي، فإن الرأسمال الرمزي للسيد قيس سعيد يكاد ينحصر في صفة "الخبير الدستوري". فلا يعرف التونسيون عن هذا "الانسان المستقر" أكثر من أنه كان مدرسا للدستور في الجامعة برتبة أستاذ مساعد - أي برتبة متدنية حسب التراتبية العلمية الجامعية - ولكنّ هذا "الخبير الدستوري" بدا منحازا إلى الثورة وإلى قضايا شعبه الكبرى أكثر من غالبية "الخبراء"، وهم في الحقيقة مجرد ملحقات وظيفية ببعض الأحزاب أو اللوبيات المالية والجهوية. ولذلك أضيف إلى رأسماله الرمزي الأصلي رأسمال جديد يرتبط بـ"المثقف العضوي" المتصالح مع دينه وهويته، لكن من غير أن يتماهى مع الإسلام السياسي أو مع خصومه الأيديولوجيين.

وقد سمحت بعض المعطيات السياقية - من مثل اختلاف المنظومة القديمة على دعم مرشح معين، ومواجهة السيد نبيل القروى في الدور الثاني - بوصول السيد قيس سعيد إلى قرطاج بنسبة تصويت عالية. وبقراءته لتلك النسبة على أساس أنها نوع من "التفويض الشعبي"، عمد الرئيس قيس سعيد إلى توظيف الأزمة البرلمانية - بل تعميقها - ليحاول النجاح فيما فشل فيه المرحوم قائد السبسي: الانقلاب على القانون المنظم للسلطات ومركزة السلطة في قرطاج دون الحاجة إلى تقديم مشروع قانون لتعديل الدستور.

يأبى التاريخ - الذي يقال إنه لا يعيد نفسه إلا في شكل مهزلة - أن يحرم التونسيين من مهازله منذ أن كتبوا دستور جمهوريتهم الثانية. ولعل سبب سخرية التاريخ من دستور "الجمهورية الثانية" هو تحوّلها - بمسارها الانتقالي وبما تدعيه من مأسسة لاستحقاقات الثورة - إلا مجرد لحظة ثانية في الجمهورية الأولى.

فبعد أن التقي الخطّان المتوازيان على حد عبارة المرحوم قائد السبسي - خط النهضة وخط نداء تونس - في توافق سياسي لم يستفد منه إلا طلقاء الثورة والمشبوهون من مختلف الأيديولوجيات والفئات، ها هو "الخبير الدستوري" قيس سعيد يُنصّب نفسه مرجعا أعلى للدستور ويبشّر التونسيين - من خلال تعليله لرد قانون المحكمة الدستورية إلى مجلس النواب - باستحالة إرساء "المحكمة الدستورية" بسبب تجاوز الآجال الموضوعة لذلك.

ولعل قضية المحكمة الدستورية هي أعظم مثال على الطبيعة السياسية للأزمة. فغياب المحكمة راجع بالأساس إلى توازنات وحسابات سياسية - داخلية وإقليمية - تتجاوز مجلس النواب، وهو أمر لا يختلف عن الأسباب العميقة لموقف رئيس الجمهورية من المحكمة الدستورية الآن وهنا: رفض إرساء سلطة تحكيميةٍ تحرم الرئيس من "احتكار" تأويل الدستور وتعطي للحزام السياسي لرئيس الحكومة "المتمرد" قدرة أكبر على المناورة في إطار حرب الصلاحيات - أو حرب المحاور الإقليمية - مع رئاسة الجمهورية.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، إتحاد الشغل، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 10-05-2021  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- هاني ابوالفتوح، أنس الشابي، صالح النعامي ، أحمد ملحم، د - مصطفى فهمي، عزيز العرباوي، جاسم الرصيف، فتحي الزغل، المولدي الفرجاني، د - محمد بن موسى الشريف ، عراق المطيري، أحمد بوادي، سلام الشماع، حسن الطرابلسي، عمار غيلوفي، ياسين أحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، يزيد بن الحسين، د. أحمد محمد سليمان، محمد الياسين، فتحي العابد، علي الكاش، علي عبد العال، محمود فاروق سيد شعبان، عواطف منصور، حميدة الطيلوش، د.محمد فتحي عبد العال، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمر غازي، رافع القارصي، خبَّاب بن مروان الحمد، طلال قسومي، فوزي مسعود ، د - صالح المازقي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، خالد الجاف ، تونسي، سعود السبعاني، يحيي البوليني، د - شاكر الحوكي ، كريم السليتي، عبد الله زيدان، د. صلاح عودة الله ، د- محمد رحال، محمود طرشوبي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د- محمود علي عريقات، محمد عمر غرس الله، العادل السمعلي، د - عادل رضا، د. خالد الطراولي ، صلاح الحريري، سامر أبو رمان ، عبد الرزاق قيراط ، رمضان حينوني، محمد الطرابلسي، رافد العزاوي، الناصر الرقيق، سليمان أحمد أبو ستة، محمد شمام ، الهيثم زعفان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. عادل محمد عايش الأسطل، إياد محمود حسين ، حسن عثمان، محمد يحي، عبد الله الفقير، منجي باكير، د - المنجي الكعبي، سلوى المغربي، د - الضاوي خوالدية، د- جابر قميحة، رضا الدبّابي، سيد السباعي، إسراء أبو رمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، أ.د. مصطفى رجب، كريم فارق، مصطفى منيغ، أحمد الحباسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، صلاح المختار، مجدى داود، د. أحمد بشير، سفيان عبد الكافي، أبو سمية، محرر "بوابتي"، فهمي شراب، وائل بنجدو، محمد أحمد عزوز، محمود سلطان، د. عبد الآله المالكي، إيمى الأشقر، عبد الغني مزوز، محمد العيادي، حاتم الصولي، فتحـي قاره بيبـان، ضحى عبد الرحمن، مصطفي زهران، ماهر عدنان قنديل، أشرف إبراهيم حجاج، صباح الموسوي ، د. طارق عبد الحليم، صفاء العربي، الهادي المثلوثي، د - محمد بنيعيش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صفاء العراقي، رشيد السيد أحمد، نادية سعد، أحمد النعيمي، مراد قميزة، سامح لطف الله،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة