البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الرئيس التونسي يُجَرُّ إلى معارك الاستئصال السياسي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2821


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


بدأ التونسيون يفهمون أخيرًا رئيسهم، فبعد تسعة أشهر من توليه الحكم تكلم الرجل وعبر عن مكنونات عقله، فخذل جمهوره الذي صوت له، إلا أنه تدبر جمهورًا آخر كان صوّت ضده، إذ يتمنى الكثيرون لو أنه سكت الدهر كله، بينما أصبح الذين كانوا يتمنون لو أنه لم يكن قبل الرابع والعشرين من حزيران يرونه نبيًا مرسلًا بعد أن كان داعشيًا منكرًا.

انزياح غريب في المشهد السياسي التونسي يشبه إعادة تركيب أوراق اللعب لإعادة اللعبة المعتادة بنفس الورق ولكن بتغيير في مواقع اللاعبين، فقد خيبت زيارة الرئيس الرسمية لفرنسا ظن الكثيرين وأفرحت آخرين، فكشفت أن التونسيين يراوحون في نفس المكان الذي اعتادوه. حرب الاستئصال التي تصب فرنسا زيتًا على نارها كل ساعة.

سيهتم هذا التقرير بهذه النتيجة من نتائج الزيارة، فلها نتائج أخرى كتب فيها الكثير، خاصة لجهة ترتيب العلاقة مع النظام الليبي القادم.

الرئيس المجهول يتّضح
يشترك أنصار الرئيس الجدد (المقبلين عليه) والقدامى (المدبرين عنه) في أنهم لم يحددوا جيدًا ملامح شخصية الرئيس ولا أفكاره، لذلك فإن ظهوره في المساجد وحرصه على الصلاة وقت الحملة الانتخابية جعل كثيرين يرونه صنيعة حزب النهضة وقد دسه الحزب في قائمة المرشحين دسًا، ولهذا السبب مال كل تيار الحداثة أو اليسار وفلول التجمع إلى المرشح المنافس باعتباره وجهًا غير إسلامي أولًا ويمكن أن يكون تقدميًا ثانيًا. ولم يكن مهمًا في تلك اللحظة أنه متهم بالفساد والتخابر.

مع تقدم الوقت وظهور الرئيس وكلامه السياسي في مواضيع اللحظة بدأت الصورة تتضح ثم تتغير، إذ أحدثت زيارة الرئيس لفرنسا وظهوره بوجه متودد للفرنسيين وثقافتهم وتاريخهم وحرصه على إبراز اختلافه السياسي مع رئيس البرلمان رئيس حزب النهضة انقلابًا في الجمهور، وقادت وسائل الإعلام التي كانت تتخذ الرئيس موضوعًا ساخرًا الانقلاب، فإذا هي تمجد عبقريته السياسية وفلاحه في الحصول على قرض بلا فوائد. وتمجد خاصة ثلاثة عناصر مهمة:

أولًا: إنكاره للاحتلال الفرنسي لتونس والنظر إليه كمرحلة حماية مقننة ومشروعة لا توجب إرهاق فرنسا بطلب الاعتذار أو التعويض المادي أو الرمزي عن القتل والتشريد والنهب، فلم يكن هناك إلا بعض القسوة التي لا توجب جزاء.

ثانيًا: موقفه من الأزمة الليبيبة التي انحاز فيها إلى حل غريب (لويا جرقا ليبية) بما كشف أنه يخرب على الشرعية في طرابلس بما يقربه من محور حفتر مصر، أي المحور المعادي للثورات العربية، وهو المحور الذي يجد له أنصارًا في تونس كانوا مع المرشح الزبيدي ثم مالوا في الدور الثاني للقروي ثم هم الآن يهاجرون إلى الرئيس.

ثالثًا: محاولته شخصنة الصراع بينه وبين رئيس البرلمان وكشف هذا الخلاف خارج البلاد وفي وسائل إعلام أجنبية.

تجتمع نتيجة هذه العناصر في توسيع الفجوة بين الرئيس وبين حزب النهضة وقيادته وتؤذن بحرب قادمة ومن أجل هذا هاجر الجمهور، فقد وجدوا من يجدد المعركة ضد (الخوانجية). غير مهم عند هؤلاء الخراب الذي قد تجره حرب مماثلة على البلد في هذا الظرف المأزوم بعد الكورونا.

الخيبة أيضًا تتضح
ليست الخيبة أن يتخذ السياسي موقفًا غير متوافق مع هوى العامة (وهو هوى متقلب غالبًا)، أو أن يقول ما لا يروق لها ولكن الخيبة أن لا يكون للسياسي خطة يسير عليها ويصوغ مواقفه من داخلها بما يجعل عموم الناس يحددون مواقفهم منه على بينة ودراية.

نحن نعيش خيبة اكتشاف سياسي بلا خطة عمل، وما يضاعف الخيبة بأنه يقاد إلى خطة ليست خطته على الأقل فيما ظهر لنا منه في حملته الانتخابية. حين أطلق جملًا ترتقي فوق صراع الأحزاب والتيارات الأيديولوجية وهي معارك قديمة ومؤذية للشعب في فكره وفي قوته.

الخطة البديلة ليست جديدة إنها خطة المعركة الأبدية ضد (الخوانجية). وهنا تقع الهجرة السياسية التي نتابع وهنا نجد كل مصدر مشاكل البلد التي تعيق تقدمه، وقد جر الرئيس إليها.(هذا إذا منحناه فتوى أنه عاش خارجها قبل الفوز بالمنصب فغموضه وغياب كل تاريخ سياسي ونضالي له حيرنا دومًا).

كتبنا دومًا أن هذه المعركة الاستئصالية أعاقت تقدم الديمقراطية في تونس (في الوطن العربي عامة) وكتبنا أنها معركة لا تتم لصالح تقدم البلدان ولا لصالح تطورها الفكري ولا الثقافي، ولذلك تحمسنا لكل من يقف خارجها لينهيها ويؤسس لديمقراطية مع الإسلاميين ولهذا كان الدكتور المرزوقي مرشحنا ولا يزال أمثولتنا الأخلاقية في الوقوف خارج هذا الصراع المدمر لقدرات البلد ومستقبله.

كان عندنا أمل أن يكون قيس سعيد في موقع المرزوقي في هذه المعركة أو أن يكون له مع الإسلاميين موقع الشريك الباني لديمقراطية بلا إقصاء ولكن ما نراه الآن يدفعنا إلى خيبة.

سيعود الرئيس بالبلد (أو يستعمل الرئيس من قبل جهات معروفة) إلى وضع مشابه لوضع بن علي أي معركة استقطاب حادة يملك أحد طرفيها قدرة على الأذى. نعم تغيرت الأوضاع ولم يعد بن علي وأسلوبه إلا أمنية لعشاق الاستئصال، فالإسلاميون ملكوا بعض وسائل الدفاع عن أنفسهم وبالديمقراطية نفسها غير أن الحديث ليس عن سلامة الإسلاميين ونجاتهم من محارق أخرى بل عن جدوى المعركة نفسها ولماذا يجر إليها البلد دومًا.

البلد محتاج إلى تنمية سياسية أي إلى جر النقاشات العامة إلى مجالات تأسيس مشروع ثقافي ديمقراطي لا يقصى أحدًا ولا يتعالى فيه أحد على أحد باسم التقدمية أو الحداثة مثلما لا يحتاج فيه إلى تكفير أو إقصاء باسم اختلاف المعتقد، وهذه مهام القائد الفكري للبلد (المفروض أن يكمل الرئيس هذا المشروع الذي بدأه المرزوقي وقطعه الباجي لأنه لم يكن مثقفًا ولا مفكرًا)، لكن عوض ذلك وبعد زيادة فرنسا خاصة نعتقد أننا مقبلون على معارك مزيفة كثيرة هدفها في الظاهر رأس الإسلاميين وباطنها رأس الديمقراطية.

الديمقراطية التي جعلت بعض التونسيين يتجرأ ويرفع صوته مطالبًا بتجريم الاحتلال وطلب التعويض المادي والأدبي. حيث تم جر النقاش الوطني لأول مرة إلى مسائل السيادة والاستقلال عوض النقاش الممجوج حول صراع التقدمية والرجعية.

جملة أخيرة هنا، أول مستفيد من معركة الاستئصال السياسي ليس أصواتها في الداخل بل كل خاسر من الديمقراطية التي تدفع النقاش إلى المسائل السيادية. إذا أراد المرء أن يعرف سبب خراب تونس فليبحث عن اليد الفرنسية في الزوايا العتمة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

قيس سعيد، تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 29-06-2020  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد الطرابلسي، سلوى المغربي، رافد العزاوي، محمد أحمد عزوز، مصطفى منيغ، ياسين أحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فتحي الزغل، سامر أبو رمان ، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود فاروق سيد شعبان، د - شاكر الحوكي ، عبد الله زيدان، أحمد النعيمي، مراد قميزة، رافع القارصي، سلام الشماع، يزيد بن الحسين، تونسي، سامح لطف الله، نادية سعد، محمد اسعد بيوض التميمي، سعود السبعاني، د - مصطفى فهمي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. أحمد محمد سليمان، المولدي اليوسفي، محمود طرشوبي، عمار غيلوفي، عبد العزيز كحيل، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، المولدي الفرجاني، إسراء أبو رمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. أحمد بشير، خالد الجاف ، د. عبد الآله المالكي، د - الضاوي خوالدية، صفاء العربي، طلال قسومي، عبد الله الفقير، صالح النعامي ، د - عادل رضا، رضا الدبّابي، أحمد ملحم، أ.د. مصطفى رجب، محرر "بوابتي"، محمد العيادي، كريم السليتي، عمر غازي، العادل السمعلي، علي الكاش، كريم فارق، عزيز العرباوي، عواطف منصور، أحمد الحباسي، طارق خفاجي، د. طارق عبد الحليم، خبَّاب بن مروان الحمد، د - المنجي الكعبي، د. خالد الطراولي ، أنس الشابي، فهمي شراب، د.محمد فتحي عبد العال، بيلسان قيصر، إيمى الأشقر، حميدة الطيلوش، عبد الرزاق قيراط ، علي عبد العال، أشرف إبراهيم حجاج، جاسم الرصيف، د- هاني ابوالفتوح، فتحـي قاره بيبـان، الهادي المثلوثي، د. صلاح عودة الله ، حاتم الصولي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - صالح المازقي، حسن الطرابلسي، عراق المطيري، محمد يحي، منجي باكير، فتحي العابد، صباح الموسوي ، مجدى داود، سيد السباعي، محمد الياسين، د- محمد رحال، أبو سمية، إياد محمود حسين ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صلاح الحريري، وائل بنجدو، حسن عثمان، أحمد بوادي، محمود سلطان، ماهر عدنان قنديل، محمد علي العقربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- محمود علي عريقات، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد شمام ، فوزي مسعود ، مصطفي زهران، د - محمد بنيعيش، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الغني مزوز، صفاء العراقي، رمضان حينوني، سليمان أحمد أبو ستة، صلاح المختار، محمد عمر غرس الله، رشيد السيد أحمد، سفيان عبد الكافي، الهيثم زعفان، ضحى عبد الرحمن، يحيي البوليني، حسني إبراهيم عبد العظيم،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة