تجريم الزنا في تركيا: إلى أي حد سيواصل أردوغان تحدي أوروبا؟
ترجمة وتحرير: نون بوست المشاهدات: 2603
مؤخرا، عمدت تركيا إلى إعادة النظر في قانون تجريم الزنا، علما وأن القانون التركي ومنذ أواخر التسعينات، لم يعد يعتبر الزنا جريمة. وخلال سنة 2004، طرح هذا الاقتراح، أي قانون تجريم الزنا، بالفعل على طاولة المفاوضات، لكنه واجه معارضة المعسكر العلماني في تركيا. وقد تراجعت الحكومة عن مقترحها بسبب الضغط الذي سلّطه عليها قادة الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الراهن، من الصعب أن يعمد أي طرف إلى معارضة إرادة أردوغان فيما يتعلق بهذه المسألة. هذا حوار أجرته "أتلتنكو" مع لوران ليليكيان، المحلل السياسي ومختص في الشأن التركي حول هذه القضية.
- أتلنتيكو: تركيا بصدد التفكير في إقرار قانون تجريم الزنا، على الرغم من أن التفكير في هذه المسألة وقع تأجيله بصفة مستمرة بسبب الضغط المسلط عليها من قبل الاتحاد الأوروبي. في الوقت الراهن، ونظرا لأن مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي لم تعد موضع نقاش، إلى أي مدى تستطيع تركيا أن تمضي قدما في إصلاحاتها؟ وما هو الهدف المنشود من وراء ذلك؟
- لوران ليليكيان: أعتقد أنه يجب أن نتوقع الأسوأ. بعبارة أخرى، على المدى المتوسط ستبرز جمهورية إسلامية تركية متطابقة مع النموذج الإيراني، باستثناء اختلاف وحيد يتمثل في أن تركيا دولة سنية، أي العودة الفعلية لنظام الخلافة العثمانية الذي ألغاه أتاتورك. كانت هذه الفرضية غير واقعية قبل خمس سنوات، ولكن الوضع تغير تدريجيا، نظرا لأن الغرب فقد الكثير من تأثيره ونفوذه وسيطرته الفعلية على تركيا، وذلك وفقا لما ذكرته خلية تفكير أمريكية في الفترة الأخيرة. وبالتالي، يمكن لأردوغان، في الوقت الراهن، تنفيذ برنامجه الإسلامي دون أن تُسلط عليه أي قيود تقريبا.
فضلا عن ذلك، تواصل البرجوازية الأناضولية الصغيرة والعالم الريفي الذين ساهموا في نجاح أردوغان، في دعمه في حين أن المعارضة المنظمة لم تعد قادرة على التعبير عن موقفها. فمن ناحية، لم تعد تملك نموذجا بديلا موثوق فيه لاقتراحه. ومن ناحية أخرى، لا يوجد حاليا أي زعيم في صفوف أحزاب المعارضة قادر على تحدي أردوغان بجدية.
بالإضافة إلى ذلك، اضطر المجتمع المدني الغربي، في ظل عمليات التطهير والمحاكمات الصورية إلى التراجع في صمت، على غرار ما حدث خلال "الهجرة الداخلية" في فترة الرايخ الثالث. في المقابل، لا تزال هناك بعض الجهات التي تحاول مقاومة هذا التيار، على غرار المدعي العام الذي شرع في اتخاذ إجراءات قضائية ضد مجموعة من الزعماء القوميين بتهمة "التحريض على الكراهية". ولكن، تم تهميش ما قام به هذا المسؤول نظرا لأنه يعيش في بلد يرتكز فيه البرنامج السياسي الإسلامي على تقاليد الدولة القومية.
يعتقد الكثير من المراقبين أننا بصدد أن نشهد بروز أحد الأنظمة الشمولية. وأعتقد أن حدوث تحول اقتصادي من شأنه أن يحول دون تحقيق أردوغان لطموحاته الرامية لجعل البلاد جمهورية إسلامية. وفي إطار نظام كلياني فعلي، غالبا ما تكون اعتبارات هذا النظام غير فعالة إلى أن ينهار بشكل نهائي.
- أتلنتيكو: هل يمكن للعلاقات الاقتصادية التي لا تزال تجمع الاتحاد الأوروبي وتركيا أن تكون وسيلة للضغط على أنقرة؟
- لوران ليليكيان: هذا الاحتمال وارد، نظرا لأن الاتحاد الأوروبي نفسه لا يضع وزنه الاقتصادي في خدمة رؤيته السياسية، وخاصة مع تركيا، التي تستفيد من امتيازات الاتحاد الجمركي. فضلا عن ذلك، عند النظر في هيكل المبادلات التجارية الخاصة بتركيا، نلاحظ بوضوح أن الكفة تميل لصالح الاتحاد الأوروبي. ولكن على مدى العقد الماضي، ارتفعت حصة الصادرات والواردات التركية في إطار علاقاتها بآسيا وخاصة الصين. وفي الفترة الأخيرة، فتحت تركيا أيضا باب الاستثمار مع روسيا على خلفية التحالفات الاقتصادية قصيرة الأجل التي تربطهما حول القضية السورية.
أخيرا، لا تزال أوروبا في حالة شلل بسبب قضية المهاجرين، في حين تعتقد أنها يمكن أن تؤخر انبثاق هذه المشاكل من خلال التعامل مع أردوغان. وفي هذا السياق، يمكن الاستشهاد بمقولة ونستون تشرشل: "إذا أردت أن تتجنب حرب العقوبات الاقتصادية مقابل العار. ستحصل على العار ومعه العديد من المهاجرين أيضا". في الواقع، يعود السبب الرئيسي وراء التفوق الذي حققه أردوغان إلى الجبن الغربي.
- أتلنتيكو: إذا تباعد الاتحاد الأوروبي وتركيا أكثر فأكثر على المستوى الدبلوماسي مقارنة بالمجال الاقتصادي، فماذا سيكون مصير الأتراك المسيسين المنتشرين في جميع أنحاء أوروبا؟
- لوران ليليكيان: هذا سؤال مهم للغاية لأن أتراك أوروبا، فضلا عن المواطنين الأوروبيين من أصول تركية يعدون من المجتمعات التي تحرص على زواج الأقارب، في حين أنها تعتبر الأكثر انغلاقا على نفسها(على سبيل المثال، يعد العلم التركي الذي لا يزال يُرفع في بلدية ماكون الفرنسية دليلا على ذلك). وقد أكدت هذه الحقيقة الثابتة العديد من الدراسات التي تم إجراؤها حيال هذا الشأن. في الأثناء، يوجد قدر من المسؤولية يقع على عاتق دول الاتحاد التي أسندت مهمة رعاية هؤلاء السكان إلى بلد المنشأ، ولكن في الحقيقة قد لا يختلف ذلك بشكل كبير عن بقية المجتمعات الأخرى.
يتمثل الفرق في أن تركيا ليست الجزائر أو المغرب، ولكنها دولة ذات تقاليد إمبراطورية ضاربة في القدم، التي تتمتع باستراتيجية عالمية، في حين تعتبر هؤلاء المواطنين أداة للتأثير، بل وحتى "سلاحا". في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى مثالان حدثا في الفترة الأخيرة. أولا، وانطلاقا من أنقرة، وقع تنظيم مظاهرات واسعة شملت الأتراك في مختلف البلدان الأوروبية (ألمانيا وهولندا) لدعم المغامرة العسكرية التركية في سوريا. ثانيا، التصويت السلبي لحزب دينك في البرلمان الهولندي، الذي يتألف بشكل حصري تقريبا من المواطنين الأتراك، على قرار الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن الذي حظي بدعم جميع الأحزاب السياسية الأخرى.
يعد هذا الأمر معضلة حقيقية لأن جزءا كبيرا من هذه المجتمعات التركية، لم يندمج في الهياكل الاجتماعية السياسية الأوروبية، فضلا عن أنها خلقت تشكيلاتها الخاصة التي تقوم على أساس عرقي. ذكرتُ أنفا حزب دينك في هولندا ولكن لدينا أيضا حزب المساواة والعدالة الذي شارك في الانتخابات التشريعية الأخيرة في فرنسا.
الأسوأ من ذلك، أصبح الأوروبيون المسيحيون من أصل تركي الذين لا يتقيدون بأوامر أنقرة في الوقت الراهن، مهددين داخل أوروبا. وينطبق هذا الأمر على النواب البرلمانيين الهولنديين، الذين هم عموما من اليساريين، الذين صوتوا لصالح القرار المتعلق بالإبادة الجماعية للأرمن، أو جيم أوزديمير، زعيم حزب الخضر الألماني، الذي كان لا بد من تأمين مرافقة الشرطة له ... في ميونيخ! أعتقد أنه من المهم، إذا لم يفت الأوان، أن تعمد دول الاتحاد إلى تخليص هؤلاء المتساكنين من سلطة أنقرة حتى تتبنى بنفسها سبل تعليمهم وإدماجهم. ولا شك أن هذا سيتحقق من خلال تفكيك الهياكل القومية الإسلامية أو التركية التي لا حصر لها والتي تعمل بحرية في أوروبا وتشكل "الذراع المسلح" الذي يعمل على إخضاع أتراك أوروبا لسلطة أنقرة.
من وجهة نظر مثالية، ينبغي أن يتم اتخاذ بعض الإجراءات القمعية لأن بعض هذه الهياكل ولا سيما المنظمات ذات النزعة القومية تمارس بعض أنشطة المافيا التي تشمل المخدرات والبغاء. ولكني لست متأكدا من أن هذه الإجراءات قد أخذت بعين الاعتبار حجم المشكلة وأهميتها. ودعونا لا ننسى أن الإسلام السياسي في تركيا ليس سوى القناع الحالي للقومية وليس العكس.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: