احمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2316
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عندما طرح وزير الخارجية و رئيس الحكومة التركية السابق ما سمى بنظرية ‘ صفر مشاكل تركية مع دول الجوار ‘ سال كثير من الحبر و كتب المعلقون و المحللون ما كتبوا معتبرين أن هناك تحولا دراماتيكيا فى السياسة التركية و بالذات فى رؤية حزب العدالة و التنمية لعلاقاته مع دول الجوار ، عندما تمت الحادثة الشهيرة بين رئيس الدولة التركية و المجرم شمعون بيريز فى مؤتمر دافوس استنتج المتابعون أن الرئيس التركى سينأى بنفسه عن كل السياسات التركية السابقة و سيكون هناك انموذج تركى سياسى يقوم على احترام دول الجوار و عدم التدخل فى شؤونها تحت كل الذرائع ، هذا على الورق كما يقال ، لكن بعد ما يناهز السبعة سنوات من تدبير المؤامرة على سوريا و المشاركة فيها بتلك الكيفية القذرة بات الجميع يعتقدون أن سياسة الصفر مشاكل قد تحولت الى سياسة كم من المشاكل مع دول الجوار بل هناك من يتنبأ من الان بان تركيا ستدفع أثمانا غالية نتيجة رعونة رئيسها التى تشبه فى كثير من العناوين رعونة المعزول محمد مرسى و راشد الغنوشى ، يدفع البعض بالقول بأن تركيا قد اضطرت فى النهاية الى الخضوع الى الاملاء الروسى بغاية حفظ ماء الوجه كما يدفعون بأن قيام الرئيس التركى بالاستفتاء الاخير على الدستور و سجن كل معارضيه أو ذويهم ستكون رصاصة الرحمة التى ستسقط الحزب الحاكم مهما طال الزمن .
بمطالعة دقيقة للأحداث التى سبقت و تلت ما سمى ‘ بالثورة السورية ‘ نجد أن الخطاب التركى الرسمى قد كان متشددا الى أبعد الحدود و كان الامر اليومى لهذا الخطاب هو رحيل الرئيس الاسد حالا و بدون شروط ، هذا ما كان مطروحا من دول الخليج و من اسرائيل و طبعا من الادارة الامريكية على لسان الرئيس باراك أوباما ، اليوم انقلب المشهد 360 درجة لتختلف اللهجة المتشنجة التركية و تحل محلها مفردات سياسية كانت غائبة طيلة اكثر من ستة سنوات من عمر هذه المؤامرة الدنيئة و من بينها القبول بالسيادة و وحدة التراب السورى بل القبول بالمستحيل سابقا و هو بقاء و استمرار حكم الرئيس بشار الاسد ، يجب أن ندرك أيضا أن مواقف بقية اطراف المؤامرة على سوريا هى نسخة قص و لصق للمشهد التركى بحيث يمكن القول أن خسائر اطراف المؤامرة كبيرة و مرعبة و توشك أن تؤدى ببعض الانظمة الخليجية الى صراعات قادمة حول كيفية التعامل مع الرئيس الاسد و مع محور المقاومة خاصة و أن الامريكان قد نفضوا ايديهم تقريبا من الملف السورى و باتوا يبحثون عن حل روسى يحفظ لهم ما تبقى من ماء الوجه ، يجمع المراقبون اليوم على أن روسيا هى اللاعب الاساسى فى الحل السياسى و أن على تركيا تقديم تنازلات مؤلمة حتى تضمن علاقات شبه طبيعية مع الجانب السورى و بطبيعة الحال ستكون لهذه التنازلات فاتورة انتخابية سيدفعها الحزب الحاكم فى الانتخابات القريبة القادمة .
يتساءل المتابعون اليوم بشغف كبير عن مغزى قيام الرئيس التركى اثر الاستفتاء الاخير باتخاذ اجراءات تربط مؤسسات الدولة بالمؤسسة الرئاسية و من بين هذه المؤسسات مؤسسة الاستخبارات التركية بحيث اصبح الرئيس هو المتابع المباشر لعمل هذا الجهاز و هو قرار مرعب بكل المقاييس عندما نعلم الطبيعة العدوانية للرئيس التركى و مدى ديكتاتوريته تجاه المعارضة التى ادخل الالاف منها الى السجون منذ ما سمى بالانقلاب الفاشل ، فى هذا السياق يتحدث المتابعون على أن الخسارة فى سوريا و فشل الانقلاب و فشل الرؤية التركية تجاه الانقلاب الكردى الاخير بعد أن تم اسقاط مسعود البرزانى بجرة قلم و نجاح ايران فى فرض حالة من الاستقرار فى الشمال العراقى لصالح الدولة المركزية العراقية قد جعلوا الرئيس التركى يفكر فى الاستقواء بجهاز المخابرات لتسيير البلاد و تجنب انقلاب جديد يقضى على احلام حزب العدالة و التنمية فضلا على ان هذا الاجراء يعتبر اجراء استباقيا لإضعاف الجيش لدفعه الى عدم التفكير مجددا فى الانقلاب على الحكومة و محو الصورة النمطية القديمة التى تتحدث عن كونه الحامى الوحيد للجمهورية ، طبعا هناك احساس و خوف رهيب لدى القيادة التركية بأن فتح المعركة الدموية ضد سوريا كما كان من نتائجها انقطاع الصلة بين النظامين فان التفجيرات المرعبة التى حدثت داخل التراب التركى تؤكد أن نار الارهاب التركى قد وصلت الى تلابيب الجبة العثمانية الملطخة بدماء الابرياء و أن ارتدادات الهزيمة الارهــــابية فى العراق و سوريا و لبنان و اليمن ستكون مخيفة بكل المقاييس و ان الحديث عن انموذج تركى او عن انموذج حكم اسلام سياسى ناجح قد اصبح مجرد أوهام مبتورة .
منذ اشهر قليلة اشار رئيس الدولة الى حالة من الارهاق السياسى للحزب الحاكم ، يفسر الملاحظون هذا التصريح بما ظهر للعيان من غطرسة الحزب و محاولة تركيع المعارضة فضلا عن بروز عدة قضايا فساد و استعمال نفوذ طالت حتى ابن الرئيس نفسه و افتضاح حالات من قدوم المالى السياسى الاجنبى لتمويل نشاط الحزب الحاكم ، ماذا يعنى كل هذا على أرض الواقع التركى ؟ ...بطبيعة الحال هذه مؤشرات ترهل و سقوط للحزب الحاكم تؤكد أن كوادره قد انغمسوا فى الاثراء الغير المشروع و فى حرب الوساطات و استعمال النفوذ بما يعكس حالة من فقدان البوصلة خاصة و أن الحزب يتحمل اليوم كما تتحمل الطبقة الحاكمة مسؤولية الفشل فى سوريا و العراق و لبنان ، فى مجال آخر يؤكد العارفون ان العلاقات التركية الامريكية تمر بأصعب فتراتها و أن هناك فى الادارة الامريكية من حرك الاكراد بقيادة القائد عبد الله اوجلان المعتقل فى جزيرة ايمرلى لتسخين الحدود و أن هذه الادارة قد قامت بتشويش على القمر الصناعى حتى لا تتمكن الطائرات التركية من تحديد مواقع الثوار الاكراد خاصة بعد خطاب التهديد الصادر عن الرئيس التركى ، بتجميع الصورة بصورة بطيئة يتأكد المتابعون أن حكم حزب العدالة آيل الى السقوط و المسألة مسألة وقت لا غير .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: