البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

التطبيع مع إسرائيل: الحالة التونسية

كاتب المقال طارق الكحلاوي - تونس   
 المشاهدات: 3268



أحد أكثر المسائل إثارة للاهتمام في الأيام الأخيرة في تونس هو حملة مواطنية جمعت جمعيات وأحزابا ومثقفين ومنظمات اجتماعية على رأسها "الاتحاد العام التونسي للشغل" ضد عرض للفنان اليهودي-التونسي الاصل ميشال بوجناح على مسرح قرطاج. موضوع بوجناح الذي دافع علنا ومرارا ووقف بوضوح مع الدولة العبرية ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية بل ساءل حق الإعلام في نقد إسرائيل يطرح موضوع التطبيع مع إسرائيل عموما في تونس. ربما من المفيد العودة إلى الأصول والسياق التاريخي للموضوع في الاطار التونسي، ويساعدنا على ذلك مقال علمي صدر مؤخرا أي هذه السنة في مجلة (Middle Eastern Studies) لجاكوب عبادي وهو مدرس للتاريخ في أكاديمية القوات الجوية الأمريكية بعنوان "تونس وإسرائيل: علاقات تحت الضغط". ورغم أن هذا العمل ليس الأول من نوعه، إذ سبقه كتاب مايكل لاسكيير منذ سنين قليلة، لكنه الأخير ويتيح فرصة لعرض محين لهذه العلاقات.

يعود المقال إلى المرحلة التأسيسية لهذه العلاقة التي سبقت استقلال تونس وترجع إلى أوائل الخمسينات وتكثفت مع دولة الاستقلال. يشير عبادي إلى أن الحافز الإسرائيلي الأساسي لإقامة هذه العلاقة المبكرة هو: "في المقام الأول لتسهيل هجرة اليهود التونسيين إلى إسرائيل… واعتبر القادة اليهود أن الحكومة الإسرائيلية هي حاميها الطبيعي.. فإن المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية رأوا أنه من خلال دعم الوطنيين التونسيين، يمكن أن تحصل إسرائيل على سهولة الوصول إلى العالم العربي وفي الوقت نفسه تحسين حالة الطائفة اليهودية في ذلك البلد."

يشير عبادي في هذا السياق إلى تجاوب أولي إسرائيلي مع طلبات للدعم من ممثلين للحركة الوطنية: "هناك تقارير في ربيع عام 1952 تفيد بأن إسرائيل أقامت اتصالات مع القوميين التونسيين الذين طلبوا مساعدة أجنبية في نضالهم من أجل الاستقلال عن الهيمنة الفرنسية وكان من بينهم سياسيون بارزون مثل الباهي الادغم." لكن يبدو أن إسرائيل تراجعت عن حماسها لذلك في وقت لاحق: "فإن الخوف من استعداء فرنسا منع الخارجية الإسرائيلية وبالتالي فإن الموقف السائد في مسؤوليها هو أنه من الأفضل تجنب الاتصال مع الوطنيين." لكن رغم ذلك واصل الإسرائيليون هذه العلاقة في إطار الأمم المتحدة: "في المناقشة التي جرت خلال الدورة السابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر 1952، قال ممثل إسرائيل لقد أثار طموح الشعب التونسي لتقرير المصير ما وصفه بأنه مشاعر أخوية بين جميع الشعوب الحرة."

يركز عبادي على تصور بورقيبة عموما للصراع الدولي وانحيازه للمعسكر الغربي وبالتالي سعيه لإقامة علاقة قوية مع واشنطن كركن أساسي لفهم توجهه نحو التقارب مع إسرائيل. تتم الإشارة هنا خاصة لدفعه نحو الحصول على أسلحة أمريكية بداية الاستقلال وعلاقة ذلك بسعي بورقيبة للتقارب مع إسرائيل. يقول عبادي في هذا الإطار: "وكان المسؤولون في واشنطن يستجيبون للاحتياجات الأمنية لبورقيبة خصوصا في أعقاب رفض فرنسا توريد الأسلحة إلى بلده، ففي مارس 1957 تحدث نائب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عن الدور البناء الذي تلعبه تونس في الصراع العربي الإسرائيلي وبعد ذلك تلقت تونس شحنة صغيرة من الأسلحة شملت 500 بندقية من طراز M-1 و000 50 طلقة ذخيرة وعدد قليل من الرشاشات."

وفي هذا السياق بدأت تتشكل نظرة بورقيبة للصراع العربي الإسرائيلي وتأتي ما يسميها الكاتب "مبادرة بورقيبة للسلام" ويعرض سياقها وظروفها والتي مثلت أول اتصالات سرية بين الحكومة التونسية وإسرائيل: "وقد بدأت مبادرة بورقيبة للسلام بالفعل قبل قضية السويس عندما سافر بن غوريون إلى فرنسا. ووصفت مصادر الحكومة التونسية البعثة بأنها مسألة تتعلق بالأمن القومي، وهي مسألة يجب أن تظل سرية وعقدت عدة اجتماعات بين ممثلي البلدين خلال الخمسينات والستينات، من خلال وسطاء إسرائيليين مثل ناحوم جولدمان الذي كان آنذاك رئيس المنظمة الصهيونية العالمية. وفي الوقت نفسه دعا بورقيبة القادة العرب إلى تبني نهج معتدل تجاه إسرائيل وقد رحب الإسرائيليون بذلك." ومن الواضح حسب الكاتب أن أحد دوافع بورقيبة في هذا التقارب هو توجهه المعادي والمنافس لعبد الناصر الذي أصبح مع العدوان الثلاثي زعيما عربيا يتجاوز تأثيره الحدود المصرية.

مبادرة بورقيبة سنة 1965 في إطار "خطاب إريحا" والتي طرحت القبول بقرار التقسيم إما تجاهلها أو نقدها بشدة من قبل الدول العربية. ورغم ترحيب إسرائيل بها فإنها تجنبت التجاوب معها. ويقول عبادي في هذا السياق: "كان المسؤولون الإسرائيليون مندهشين ومحبطين بمبادرة بورقيبة خوفا من أن تجبر هذه المبادرة إسرائيل على تقديم تنازلات لم تكن مستعدة لها."

واصل بورقيبة توجهاته بعد حرب النكسة ورحيل ناصر وخاصة توجه السادات الواضح نحو "مفاوضات السلام" إثر حرب 1973. بدا أن التحولات الكبيرة في المنطقة في صالح المنطق الذي يدافع عنه. وواضح في هذا الاتجاه تصريحاته المثيرة: "مستشار بورقيبة المقرب من الشأن الفلسطيني محمد فياض الذي زار إسرائيل في سبتمبر 1970، من أجل تسهيل الزيارات من قبل العرب الراغبين في مقابلة أقاربهم في الأراضي المحتلة، سعى أيضا لتسهيل الاجتماع مع مسؤولين فلسطينيين أو إسرائيليين. وفي خريف عام 1971، قال بورقيبة لوكالة أسوشيتد وفي تونس، كان الحل الإيجابي الوحيد للنزاع هو اتحاد بين إسرائيل والدول العربية. ودعما لموقفه، قال إن تفوق إسرائيل في مجال العلم والتكنولوجيا يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة للدول العربية."

هذا التوجه العام تواصل في سياق اتصالات سرية متواترة إلى حين نهاية حقبة بورقيبة سنة 1987. إثر ذلك لم يشذ نظام بن علي عن السياسة البورقيبة ووظف جيدا حضور منظمة التحرير في تونس للمساهمة في دفعها لفتح قناة سرية مع واشنطن في تونس آخر الثمانينات في اتجاه تطبيع قادم، رغم الهجمات الإسرائيلية والاغتيالات التي طالت الفلسطينيين على الأراضي التونسية والتي طالما أثارت شكوكا على مستوى تواطؤ تونسي فيها.

ويشير عبادي أيضا إلى أهمية العلاقة التونسية الأمريكية في تأطير رؤية نظام بن علي لإسرائيل: "نظام بن علي كان يبحث باستمرار عن طريقة لشطب ديونه الضخمة والأمريكية عموما يميل المسؤولون إلى النظر بشكل إيجابي في طلباته. عندما جاء بن علي يطلب من الرئيس جورج H.W. بوش للحصول على السلاح والمعونة الاقتصادية، طلبه لم يقع على آذان صماء. وبرر بوش استعداده للامتثال لطلبه قائلا إن تونس لعبت دورا هاما كوسيط بين الدول العربية والغرب، وهو بلد مستقر وعملي يدعم الحل السلمي للصراع العربي الإسرائيلي." وهو ما مهد لما يسميه "شهر العسل" مع إسرائيل في التسعينات من خلال تبادل مكتبي اتصال في تونس وتل أبيب. ومثلت عموما سفرات السواح إلى الغريبة محرارا أساسيا لتواصل هذه العلاقة السرية حتى بعد غلق مكتب الاتصالات بما يعيدها لأيام التأسيس الأولى في الستينات حيث ذكر لاسكيير في كتابه الدور الأساسي الذي لعبته الاتصالات مع إسرائيل وشبكتها في الغرب لتسهيل تركيز وحدات سياحية في تونس وتنشطيها بقدوم سواح غربيين في الستينات.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، التطبيع، إسرائيل، بقايا فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-07-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عزيز العرباوي، محمد الطرابلسي، أبو سمية، د- جابر قميحة، فتحـي قاره بيبـان، محمد أحمد عزوز، رضا الدبّابي، عبد الرزاق قيراط ، د. خالد الطراولي ، د - شاكر الحوكي ، تونسي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. أحمد بشير، الناصر الرقيق، د - صالح المازقي، سامح لطف الله، فتحي العابد، سيد السباعي، أحمد النعيمي، ماهر عدنان قنديل، محرر "بوابتي"، د- محمود علي عريقات، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - محمد بن موسى الشريف ، د. عبد الآله المالكي، محمود سلطان، عبد الغني مزوز، رحاب اسعد بيوض التميمي، إياد محمود حسين ، مراد قميزة، عراق المطيري، فهمي شراب، محمود طرشوبي، د- هاني ابوالفتوح، سلوى المغربي، د. أحمد محمد سليمان، كريم السليتي، أنس الشابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد ملحم، وائل بنجدو، محمد يحي، إيمى الأشقر، علي عبد العال، حاتم الصولي، رمضان حينوني، د - مصطفى فهمي، سليمان أحمد أبو ستة، فوزي مسعود ، محمد شمام ، علي الكاش، كريم فارق، نادية سعد، جاسم الرصيف، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي الزغل، الهادي المثلوثي، أحمد الحباسي، د- محمد رحال، منجي باكير، يحيي البوليني، يزيد بن الحسين، صباح الموسوي ، عبد الله زيدان، سعود السبعاني، د. صلاح عودة الله ، رافد العزاوي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رشيد السيد أحمد، سفيان عبد الكافي، سامر أبو رمان ، صالح النعامي ، محمد الياسين، محمد اسعد بيوض التميمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، ياسين أحمد، د - محمد بنيعيش، مصطفى منيغ، طلال قسومي، د - الضاوي خوالدية، ضحى عبد الرحمن، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفي زهران، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صفاء العراقي، مجدى داود، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - المنجي الكعبي، سلام الشماع، حميدة الطيلوش، صلاح الحريري، العادل السمعلي، عواطف منصور، خالد الجاف ، عمار غيلوفي، الهيثم زعفان، خبَّاب بن مروان الحمد، عمر غازي، المولدي الفرجاني، حسن عثمان، عبد الله الفقير، رافع القارصي، صفاء العربي، محمد عمر غرس الله، د - عادل رضا، أشرف إبراهيم حجاج، إسراء أبو رمان، حسن الطرابلسي، أحمد بوادي، محمد العيادي، أ.د. مصطفى رجب، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صلاح المختار، د. طارق عبد الحليم،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة