البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

التفاؤل أم خداع الوعي؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 3576



هذ المقال ثمرة حوار دار بيني وبين صديق عراقي عزيز رأى في ما أكتب نبرة تشاؤمية لا تكشف الوجه المضيء لتجربة تونس السياسية ولما تعيشه تونس عامة من استقرار ينبئ عن احتمالات تقدم لا شك فيها. وكان يقرأ ما أكتب وهو بالموصل التي يقتل الناس فيها بالمئات لا بالعشرات. ولا يرى أفقا لإنقاذ المدينة العظيمة من العدم. ولقد عذرته وهو يجري المقارنة ويحسب القتلى هناك وقد يكون اختلط عليه الأمر فلم يعرف الشهيد من القتيل. فالوضع في العراق جنوني. بينما ينظر من بعيد إلى الحالة التونسية باعتبارها حالة مثالية لا ينقص التونسيون فيها إلا قليل من الكماليات لتكون تجربة خالية من كل عيب.

زاوية نظره غير زاويتي ولذلك سأبرر له هنا بعض أسباب تشاؤمي بخصوص بلدي الذي أعرف أو أزعم معرفة تفاصيل يومه الدامي بلا مذابح وعسى أن يقاسمني بعض مخاوفي فالقتل درجات لكنه يظل قتلا بشعا رغم اختلاف الأعداد.

آخر القتلى الشهداء

انتهى الأسبوع الأول من شهر رمضان بفاجعة أليمة في تونس. جهة مجهولة اختطفت شابا وذبحته في جبل مغيلة بوسط البلاد. اتفق الجميع على أن الجهة إرهابية مجرمة لكن الموجع في الحادثة أن هذا الشاب الذبيح ليس إلا شقيق طفل آخر تم اختطافه منذ سنة ونصف بنفس الطريقة وفصل رأسه عن جسده وهو في سن السادسة عشر وأرسل الرأس إلى أم الولد في حاوية بلاستيكية فاضطرت إلى وضعه في ثلاجة بيت الجيران حتى يتم جمع طرفي جثته ودفنه. قبل أن يبرد حزنها عن الطفل الأول (مبروك) أرسلت لها جثة الولد الثاني (خليفة).

كان رئيس الدولة وفي إطار تغطية أعوار دولة لا تحمي مواطنيها رغم قواتها المجندة لمحاربة الإرهاب قد استقبل الأخ (القتيل الثاني) ووعده بالحماية له ولأسرته لكن الفتى ذبح قبل أن تصبح وعود الرئيس حقيقة. وإمعانا في القتل بررت الرئاسة فعلها بإصدار قائمة في الأعطيات المادية التي قدمت للأسرة بين الحادثتين على أن ذلك مكارم سلطانية كافية لنسيان الألم.

هذا قتيل واحد بينما كان صديقي العراقي يحسب في نفس اليوم 400 قتيل أطلق عليهم الرصاص وهم يهربون من أمام قوات داعش في الموصل. نظريا يجوز لي التفاؤل فبين الواحد و الأربع مائة فرق عددي كبير لكن لا فرق بين موت الدولتين. الدولة مصدر الأمن وضامنته وهي في الحالتين غائبة ومتخلية والمواطن (البشر ما قبل المواطنة) لا يزال نهبا للقتل المنهجي وسخرية الإعلام. وإذا ماتت الدولة كان التشاؤم على نفس القدر. فنفس واحدة كالناس جميعا وعجز الدولة يدمر الأمل في المستقبل.

فرادة الحالة التونسية عربيا

ربما يكون لأصدقائي العرب ولفرط الألم الذي يكابدون في بلدانهم رغبة في النظر إلى تونس التي يسودها سلام ظاهر على أنها نموذج ناجح في إدارة اختلافاتها السياسية وهم يرونها تتقدم -ولو ببطء- نحو إنضاج حالة ديمقراطية عربية وحيدة في خريطة يسودها القتل والتدمير والاختراق الصهيوني والرجعي العربي والإرهاب المنظم.

هذا التفاؤل في تقديري يبالغ في حسن الظن بتونس وتجربتها، أما مصدر تشاؤمي مقابل تفاؤلهم أو ظنهم الحسن بالتجربة أني أرى التجربة من داخلها وهي أبعد ما تكون عن حالة سلم دائمة أو تمهد لديمقراطية مستقرة، بل هي حالة من تأجيل الاقتتال الداخلي إلى أجل نحن بالغوه في وقت قريب. وسأعود إلى مثال أم القتيلين.

عندما أقارن تدخل الدولة لصالح أم القتيلين أجد أن إعلام الدولة الخاص والعام (والموجه من النظام السياسي) لا يتكرم على الطفلين الذبيحين حتى بلقب الشهادة. فهما القتيلان لا الشهيدان بينما منحت نفس الأدوات لقب الشهادة لأحد أبناء البرجوازية الذي قضى في عملية إرهابية وهو يتمتع بفترة نزهة في ملهى ليلي في إسطنبول (برأس السنة الميلادية) فنظمت له جنازة رسمية وعزى الرئيس ورئيس الحكومة أسرته في مشاهد مهيبة بينما لم يكلف أحد خاطره بجبر خاطر أم الشهيدين في جبل مغيلة.

وعندما أقارن تدخل الدولة بكل طاقمها السياسي والحزبي الحاكم والمعارض لصالح مستثمرة سياحية تعرضت مؤسستها إلى عملية إرهابية فلم يصبها إلا أذى مادي تكفلت الدولة بتعويضه بأموال طائلة. بينما منت على أم الشهيدين الثكلى ببعض المعونة الغذائية. أعرف أن التجربة مطعونة في الصميم وأن ما يجري الآن من تمويه بالسلم الأهلي ما هو إلا تغطية لحيف سياسي لصالح فئات اجتماعية على حساب أخرى. هذا الحيف مؤذن بخراب العمران السياسي والاقتصادي.

هذه الدولة قامت ولا تزال على تأبيد هذا الحيف والاستثمار فيه. وهي مستمرة به لأنه يضمن لها ولاء طبقة غنية قادرة على تمويل طاقمها السياسي وإغراقه بالرشى السياسية والمادية وتطوير سبل الفساد المالي والسياسي. إنها دولة فاسدة في منشئها و ي أسباب بقائها، ولذلك فهي دولة تؤجل الحرب ولا تنفي أسبابها بل هي تقودنا الآن بسرعة كبيرة نحو حالة من الاقتتال قد تكون أفظع من حالة الموصل التي تبكي صديقي العراقي.

العودة إلى أصل الحكاية

نغرق في تمجيد الحالة التونسية الديمقراطية وتسويقها للعرب وللعالم ولكن قلة من يصدق فرادة الحالة التونسية. خطاب تمجيد الذات هذا كان وسيلة الدعاية المفضلة لإعلام بن علي المخلوع ذات شتاء ساخن. تحت ذلك الغطاء الدعائي السمج اكتشفنا زيفا فاحشا. كان هو السبب الحقيقي للثورة فالفوارق الجهوية الاجتماعية كانت فضيحة بأتم معنى الكلمة. شعبان في دولة واحدة. لم يكن النظام السياسي إلا وسيلة لخدمة فئات من الفاسدين تضيف باستمرار وتنشر الفقر والجهل والمرض في بقية القطر المسكين الذي يكافح من اجل البقاء. الانفجار الاجتماعي الذي سار كالنار في الهشيم طلب العدالة أولا وإنهاء حالة الحيف لتأسيس دولة لجميع مواطنيها. لكن بعد سنوات ست عاد الحيف أكثر شناعة وبوسائل منحطة، عبر الترويج لسياسات تخير الشعب بين القبول بالحيف أو الخضوع للإرهاب. إرهاب مشبوه يظهر عند الأزمات لينفس الضغط الاجتماعي عن النظام.

الدولة التي مالت إلى زهرة إدريس صاحبة النزل (خمس نجوم) فعوضت خسائرها وأرسلت كرتونة من المأكل الرخيص لزعرة السلطاني لا تساوي ثمن كرسي هزاز بالنزل المصنف ليست دولة لجميع مواطنيها؛ إنها دولة الطبقة الظالمة. ولذلك يغلبني تشاؤمي وأرى الحرب قادمة فإن لم تكن الحرب فسيكون الظلم الأبدي. الذي لا يسمع لمثلي بالتفاؤل إلا أن يكون متخشب القلب والروح ومتبلد الذهن غبيا.

الناس في الموصل وفي ريف دمشق يموتون بالمئات بقنابل فسفورية أو بزخات رصاص داعش المشبوه الولاء بينما في تونس يموتون بالقهر والظلم. هناك تقتل الأجساد وهنا تقتل الأرواح هناك موت سريع و(ربما موت مريح حاسم) بينما هنا موت بطيء يتفنن في تذويب الإنسان في الغريزي البشع.

من الخارج يرى أصدقائي السلام الظاهر ومن الداخل أرى دبيب الخراب... لذلك يعجزني التفاؤل فأكتب بسوداوية مميتة. إني لا أكفر بالنعمة ولكني لا أخدع أحدا عن نفسه وهذا هو الحد الأدنى للتفاؤل.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، السلطاني، الإرهاب، الفساد بتونس، الفساد المالي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-06-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الغني مزوز، د - محمد بنيعيش، خالد الجاف ، عمر غازي، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، سامر أبو رمان ، سامح لطف الله، أبو سمية، رافع القارصي، عمار غيلوفي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ضحى عبد الرحمن، سيد السباعي، محمد الياسين، فتحي الزغل، وائل بنجدو، د - صالح المازقي، مصطفي زهران، محمود فاروق سيد شعبان، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الرزاق قيراط ، الهيثم زعفان، مجدى داود، عبد الله زيدان، د - محمد بن موسى الشريف ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسن عثمان، د. طارق عبد الحليم، د- محمود علي عريقات، رافد العزاوي، فهمي شراب، د.محمد فتحي عبد العال، صالح النعامي ، حسن الطرابلسي، ماهر عدنان قنديل، سعود السبعاني، كريم السليتي، سلام الشماع، أحمد بن عبد المحسن العساف ، يزيد بن الحسين، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عراق المطيري، صلاح الحريري، د - عادل رضا، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد بوادي، صباح الموسوي ، حميدة الطيلوش، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. أحمد بشير، ياسين أحمد، د. أحمد محمد سليمان، طلال قسومي، رمضان حينوني، محمد العيادي، نادية سعد، د. صلاح عودة الله ، فتحـي قاره بيبـان، محمد يحي، علي عبد العال، إسراء أبو رمان، رضا الدبّابي، سلوى المغربي، محمد شمام ، محمود طرشوبي، رشيد السيد أحمد، أ.د. مصطفى رجب، محمد أحمد عزوز، د- هاني ابوالفتوح، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، د - مصطفى فهمي، علي الكاش، صلاح المختار، كريم فارق، د- محمد رحال، أشرف إبراهيم حجاج، د. عبد الآله المالكي، د- جابر قميحة، عواطف منصور، محمود سلطان، الهادي المثلوثي، المولدي الفرجاني، صفاء العربي، محمد عمر غرس الله، عبد الله الفقير، أنس الشابي، صفاء العراقي، مراد قميزة، عزيز العرباوي، فتحي العابد، العادل السمعلي، سفيان عبد الكافي، أحمد النعيمي، حاتم الصولي، د - شاكر الحوكي ، محمد الطرابلسي، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد ملحم، الناصر الرقيق، د - الضاوي خوالدية، د. خالد الطراولي ، فوزي مسعود ، مصطفى منيغ، يحيي البوليني، د - المنجي الكعبي، منجي باكير، إياد محمود حسين ، جاسم الرصيف، تونسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة