أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3659
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نعم، بلا شك، من يسأل هذا السؤال السخيف في الظاهر سيكتشف الكارثة، الدولة هي سبب الكارثة و مصدر كل الموبقات و الرعب الذي نعيشه، الدولة هي مصيبة المواطن و سبب علته و محونه، الدولة كلمة سحرية مغرية تثير الاطمئنان لدى المواطن فيقال أنت لك دولة تحميك و دولة ترعى مصالحك و دولة تعيش تحت إمرتها، فهي الوالدة الثانية التي ترعاك و تحنو عليك و هي الشيء الوحيد في هذه الحياة الذي لا ينقطع و لا يموت، تمهل، أنت مخطئ يا عزيزي، أين ترى هذه الدولة ؟ أين الدولة ؟ هل رأى أحد منكم الدولة، هذه الدولة التي تحميه و ترعاه و تستشعر مرضه و تقف معه في أوقات الشدة و لا تعسر الحياة في وجهه و لا تطمع في جيبه طمع قطاع الطرق ؟ هل رأى أحد منكم دولة بمواصفات الأم ؟ طبعا هناك فرق بين النظام و الدولة، لكن هل شاهد أحدكم في كل هذه الدول العربية هذا الفرق ؟ ثم هل توجد أنظمة عربية من الأساس و هل توجد دول عربية أصلا .
الدولة مصطلح فاقد للمعنى تردده المعارضة و الموالاة، الموالاة ترى الدولة بمنظار من يحمى مصالحها الانتهازية الضيقة، و الدولة في قاموسها شبكة علاقات مترابطة غير مرئية دائما تسهر و تنفذ مصالحها لتبقى يد الموالاة دائما في السلطة و يد البقية هي السفلى، المعارضة ترى في الدولة البقرة الحلوب التي يجب التقرب منها مهما كلف ذلك من ضرب لمصالح الشعب و بيع للضمائر، فلا الموالاة تخدم الشعب و لا المعارضة ستنجح يوما في نيل رضا البقرة الحلوب، الدولة عفاريت و تماسيح، حيوانات مفترسة لا تعرف العواطف و لا المبادئ، الدولة هي من صنعت الاحتكار و الفساد، هي تحتكر الأفكار و تحتكر الآمال المعلقة و تحتكر الأرض و السماء حتى أنه لا يمكنك المغادرة برا أو بحرا أو فضاء إلا بعد تقديم ملفات و انتظار قرارات و موافقات و تقديم رشاوى و حوافز لبعض موظفي الفساد الذي وظفتهم الدولة الفاسدة لنشر الفساد على أكثر نطاق واسع، هذا هو الواقع بكل مرارته و قسوته، هذه هي السجون المفتوحة التي تعيش فيها ملايين الشعوب العربية .
الدولة تملك سلطة القانون و تملك المؤسسات و تملك سلطة الدولة و مؤسساتها التنفيذية، لكن هذه الدولة هي من تسخر كل هذه الطاقات ضد المواطن لتطارد الباعة المتجولين و تقمع الحريات و تستنزف أموال الشعب بالضرائب المجحفة، الدولة العربية لها مفاهيم خاصة في تطبيق القانون و في زجر المواطن و هي من تفرض عليه تلفزيون الدولة بعلة تثقيفه و إيقاد شعلة المواطنة فيه، و هي من تفرض عليه الحزب الواحد و الرئيس الوحيد و هي من تراقب سكناته و تحركاته و هي من تقدر أنه مواطن صالح أم معارض طالح يستحق السجون و النفي وراء الشمس، في الدول العربية تحتاج إلى إذن مسبق لكتابة القصائد و إذن مسبق لتناول مواضيع القصائد لان من مهام البوليس السياسي استباق ‘ الجريمة’ و قصائد الشعر بإمكانها أن تتحول إلى جريمة مكتملة القصد و الأركان، الدولة العربية عقد إذعان لا يحتمل الفسخ تحت أي ظرف لأنه عقد لا ينفذه إلا المواطن رغم كونه لم يمضه و لم يكن طرفا راغبا فيه، هكذا تسير الدولة و هكذا يعيش المواطن غريبا في هذه الدولة .
من الممكن أن ينظر البعض لهذه الدولة بعين الرضا لأنها سبب ثرائه الفاحش غير المشروع لكن الأغلبية ترى في الدولة العربية نبتة سامة تقتل الإبداع و الخلق و حق المواطنة في كل عناوينه، المواطن دائما على خطأ و الدولة دائما على صواب، فلا صوت يعلو على صوت الدولة العربية لأنها الجغرافيا التي تحكمها إرادة السلطان بكل ما يعنيه السلطان في الدول العربية من قداسة و تأليه و تقدير، فهناك من يعمل صباحا مساء لنظم قوافي البيعة و مقالات المديح مشيرا إلى معجزات السلطان و قدراته الخارقة لأنه خليفة الرسول و ممثل السماء في الأرض كل ذلك حتى لا ترفع رؤوس العبيد في وجه الأسياد و حتى يقنع العبيد بأنه لا تعقيب على حكم السلطان في دولة السلطان، لذلك نشاهد كيف تنحى قامات الرجال أمام قامات الأسياد و كيف يجهد السلطان لطلب المتنطعين إلى بيت الطاعة بكل وسائل التنفيذ، بالنهاية الدولة هي ملك مسجل في الشهر العقاري لفائدة عائلة السلطان و كل من نراهم هائمون هم عبيد السلطان و سيبقى الحال على ما هو عليه و على المتضرر الالتجاء إلى غضب الحليم ليكسر يوما سلاسل هذا السجن .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: