أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4286
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من البداية وضعت الجبهة الشعبية و حلفاءها سقف المطالب عاليا بأن تعهدت بعدم الجلوس إلى مائدة الحكم برفقة حركة النهضة، هذا إلى جملة من المطالب و النواهي و المحظورات و خرائط طريق تكاد لا تنتهي، من البداية كانت الجبهة تعلم أن حجم ‘ تمثيلها’ البرلماني لا يتيح إليها مثل هذا التمدد الأفقي و العمودي في المطالب المجحفة، و من البداية وضعت الجبهة جملة هذه الشروط التعجيزية حتى لا تدخل للحكم لأنها تعلم أنه لا أحد سيقبلها و أنها عاجزة إن دخلت للحكم على تنفيذها بل على تنفيذ واحد من الألف منها، كل الحكاية أن الجبهة لم تكن حاضرة للحكم و لا قادرة على تنفيذ ما تسعى لترويجه كبرنامج اقتصادي و اجتماعي قادر على إخراج تونس من كبوتها السحيقة التي تركتها حركة النهضة فيها بعد حكم ثلاثة سنوات من الاستنزاف المادي و التهديد الاجتماعي و الفلتان الأمني.
لقد تحولت الاختلافات في الرأي و تباين وجهات النظر السياسية و الاقتصادية بين الجبهة و بقية الأحزاب الأخرى الماثلة في الساحة السياسية إلى حالة عداء مزمن أو مرض خبيث مزروع في عقول هذا الحزب، المثير في الجبهة أنها تمشى عكس التيار الجماعي لجميع فئات المجتمع و الأحزاب المشكلة للمشهد السياسي برمته، الجبهة تمثل حالة من الاختلاف مع الجميع و مع المنطق و مع المتطلبات السياسية المتحركة و مع كل الذين يسعون إلى تغيير الوضع إلى الأحسن باعتماد مقاربة تونسية قابلة للانجاز، و من البداية عملت الجبهة على ضرب الحكومة لإسقاطها شعبيا باختلاق مظاهرات اجتماعية مشبوهة و تحركات بين الأمن أنها مايد ان جبهة شعبية و بعض أذنابها، ثم جعلت من مبادرة الرئيس للمصالحة ‘ قميص عثمان’ علقته على باب المسجد الأموي حتى تستعدى المجتمع على هذه المبادرة السياسية، و حين فشلت حملتها تلونت بكل ألوان الخداع السياسي لتحاول إسقاط هذه المبادرة بالتركيز على ‘ملحوظات’ فارغة و بعض التصريحات العشوائية التي تكفل بإطلاقها بعض نواب الجبهة في مجلس نواب الشعب، حتى تحولت المبادرة من مبادرة سياسية تستدعى مناقشتها و تقديم ما يوهنها أو يعززها إلى مبادرة استحلت بموجبها الجبهة العرض السياسي للرئيس و للحكومة و لبعض ‘الزملاء’ في المجلس .
لا يمكن فهم التشنجات العصبية المتواصلة و التقلبات النفسية و الانحرافات الجدلية للجبهة، فهذا سلوك فطرى يحتاج إلى كم هائل من علماء النفس و علماء فن الحوار السياسي و علماء تعليم فن كيفية التعايش مع الطرف الآخر، فهذا التوتر المستمر لم يعد مستغربا من جبهة اللاءات الثلاثة : لا نقاش، لا تفاهم، لا اقتناع، و لعل أقصى ما نجحت الجبهة في بروزه اليوم هو هذا المناخ السائد في تونس الذي يشبه المناخ السائد يوم أن أعلن الرئيس بوش الابن هجومه الوحشي الدموي على العراق، مطلقا ذلك الشعار القبيح ‘ من ليس معي فهو ضدي ‘، بحيث انقسم العالم بعدها إلى نصفين نصف مع أمريكا و النصف الآخر في عداء معها، و حين نسمع و نشاهد حالة ‘العداء’ الجدلية المستفحلة في نفوس قيادات الجبهة و سرعة انتقال فيروس الحمق الجدلي لديها بحيث تنصب سرادق العزاء و الموت مصوبة نبالها و حبالها الصوتية ضد كل من تسوله نفسه طرح مبادرة أو الدعوة إلى مشروع أو التصريح بما يخالف آراء جبهة حمة ، فالمؤكد أن الجبهة قد تحولت إلى كيان ضاغط يستهدف أهداف الثورة عكس كل ما يظنه بعض المتفائلين .
إن مناخ الحرية هو المناخ الأمثل اليوم، و هو المساحة المتاحة للتدرب على هذه الرياضة الفكرية المتمثلة في حرية إبداء الرأي ، لكن من الأفضل للجبهة أن لا تكتفي بصد كل المبادرات و البرامج و الاقتراحات بل بالتفاعل الجريء معها و محاولة اقتلاع انتصارات فكرية بقوة الحجة لا بقوة التنطع و الرفض و العزلة و الاعتزال، فالجبهة لا تمثل الرقم الصعب في معادلة التمثيل البرلماني و عليها تطوير نفسها و انتظار اللحظة التي يرتفع فيها منسوب ثقة الشعب فيها ليجعل منها الرقم البرلماني القادر على تغيير المعطيات و إسماع صوته الجريء للبقية، فالتمثيلية البرلمانية هي تمثيلية شعبية بامتياز و هي مؤشر مؤكد على أن الشعب لم يفوض الجبهة لتكون فاعلة في المشهد بل مكنها من شبه حق في الرأي مطلوب منها بقوة نتائج الانتخابات البرلمانية أن تخضع لرأى الأغلبية لا العكس، لكن الحاصل اليوم أن الجبهة تنكر علنا نتائج الانتخابات و تحاول الهيمنة على مشهد البرلمان بقوة الصراخ و النطح الفكري البيزنطي .
نحن ندرك أن حكومة الحبيب الصيد قد فشلت في إدراك كل أهدافها و اكتفت بتحقيق الممكن نظرا للظروف المعاكسة و لقلة الخبرة و ضيق أفق بعض الوزراء و قلة تجربتهم السياسية، بالمقابل نحن نعلم أن الجبهة مثل الحكومة قد فشلت في أغلب ‘الملفات’ التي تعاملت معها و من بينها ملف الاغتيالات، و نحن ندرك اليوم أن الجبهة لم تنجح بمثل هذا العدد ‘البرلماني’ الضعيف لولا خروج الشعب ‘لمعاقبة’ حركة النهضة و منح بعض أصواته لنواب الجبهة، و نحن ندرك قناعة أن الجبهة قد ‘نجحت’ في اكتساب هذا العدد الضئيل فى البرلمان على ‘ظهر’ الشهيدين الأعزاء شكري بلعيد و الحاج محمد البراهمى و أن من صوتوا لم يصوتوا لبرنامج الجبهة بل لدماء الشهيدين و تاريخهم النضالي و قدرتهم على تجميع الشعب بدل ما تفعله جبهة السيد حمة الهمامى من محاولات مشبوهة لتقسيمه و تضليله و استثمار آلامه في مزيد انتزاع مكتسبات صوتية ستثبت الانتخابات البلدية القادمة خورها و عدم قدرتها على الصمود أمام ذكاء هذا الشعب و بالنهاية لكم تمنينا أن تثوب الجبهة لرشدها السياسي و تنخرط في حكومة وحدة وطنية قادرة على النجاح و معبرة عن كون الوقت لم يعد للمهاترات بل لخدمة الراية و الوطن و لكن على من تقرأ زابورك يا داوود .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: