سقطت الأقنعة نهائيا وتخلى التغريبيون عن الأساليب الملتوية والأدوات المبهمة وأعلنوها حربا سافرة صريحة على هوية البلاد وثوابتها ، واستقووا بفرنسا وقوانين المجامع الدولية الشاذة لإفساد المجتمع من بوابة المرأة والمناهج التربوية ، ولا جديد في كلّ هذا ، فإنما هو امتداد لمخطّط طويل الأمد شرع التغريبيون المتحكمون المتسلطون على مفاصل الدولة الثقافية والسياسية في تنفيذه منذ الاستقلال ، لذلك لن أطيل الحديث في التشخيص ولا التباكي والشكوى ولعن الظلام.
لكن أريد أن أدقّ ناقوس الخطر في آذان الضحايا أي المتمسكين بأصالة الشعب الخائفين من المسخ والنكوص ، وفي مقدمتهم طبقة المثقفين والدعاة والعلماء لأقول : هل تكفي مقالات تُنشر هنا وهناك لصدّ الهجمة التغريبية ؟ أو ندوات موسمية تُعقد في شبه سرية ؟ أم بيانات تصدر من جهات غيورة لكنها تفتقد إلى الفاعلية والحضور القوي في الساحة ؟ أما آن الأوان لتُرفع الأصوات جهورية لتصرخ في وجه زعماء الأحزاب المنتسبة للإسلام والوطنية التي انخرط أكثرها في العمل السياسي المحترف فبرحوا ميدان الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودخلوا دائرة التبرير بدعوى الحكمة فلم تقطف البلاد من حكمتهم أيّ ثمار جنية ؟ وفي وجه المعلمين والأساتذة الذين خاضوا جولات من الإضرابات المضنية من أجل رفع الأجور والحصول على مزيد من العلاوات ؟ وفي وجه الطلبة الذين كادوا يجعلون السنوات الدراسية بيضاء أكثر من مرة من أجل مطالب اجتماعية على رأسها الطعام والنقل ؟ أليس هؤلاء جميعا معنيّين بمصير البلاد ؟ وأين جمعيات أولياء التلاميذ المعنية قبل غيرها بالتعليم ومستقبله ؟ هل رضخ الجميع لسطوة الأقلية الإيديولوجية أم انهم لا يشعرون بالخطر المحدق بالمجتمع أم يظنون أن ما يطبخه التغريبيون هو فعلا إصلاحات ؟
أو ليس للرجال المسلمين قلوب تنبض بالغيرة أمام تبرّج بناتهم ونسائهم تبرج الجاهلية الأولى ؟
ألم يستخلصوا العبر من ” الإصلاحات ” التي طالت القضاء والمنظومة التربوية والقطاع الاقتصادي وهياكل الدولة ودستورها وقوانينها فلم تأتِ بأي جديد نافع بل نلمس التراجع والتعفّن في جميع الميادين التي تمّ ” إصلاحها ” ، وهل يماري في هذا عاقل؟
أليس للنساء المسلمات قلوب تجعلهن يحسسن بالمسخ ، و التوجيهُ العلماني اللاديني يسوقهن كالقطيع المطيع إلى الخروج عن الأنوثة – وهي شيء جميل ، تماما كالرجولة في محلها – حتى لم تعد المرأة امرأة ولا هي أصبحت رجلا ؟ ألا يمكن أن تثبت ذاتها إلا من خلال التعرّي والتخلّي عن الأخلاق الفاضلة والتمرّد على ” المجتمع الرجالي ” و ” سطوة الذكور ” كما توحي إليها الدعاية التغريبية باستمرار ؟ أو ليس للرجال المسلمين قلوب تنبض بالغيرة أمام تبرّج بناتهم ونسائهم تبرج الجاهلية الأولى وأمام الانحلال الخلقي وانتشار الفواحش البشعة حتى غدت أمرا طبيعيا ؟ أرَضِي الرجال أن يرتدوا ” القندورة ” بينما تلبس النساء السراويل ؟ هل تخلّى هؤلاء عن الأنوثة وأولئك عن الرجولة ببرودة أعصاب واطمئنان كبير ؟ أيّ مسخ شامل ينتظر مجتمعنا ” الاسلامي ” وهذه نُذُر التغريب تستقوي بكلّ ما يخالف الدين من مواثيق دولية وثقافة وافدة لمحاصرة الأسرة وتغيير وجه التعليم تغييرا جذريا ليس لينافس نظيره في البلاد المتقدمة ولكن ” ليتحرّر ” من المسحة العربية الاسلامية ويُسلم قواده لفرنسا عبر أوليائها الملكيين أكثر من الملك ؟
إن فسح المجال لانتشار الخمور بقرار وزاري وإغراق السوق بالكحول وتيسير إنتاجها وتداولها مصيبة كبرى لكنها – على شناعتها – أقلّ خطرا من ضرب أسس الأسرة وتلغيم تربية النشء ، لكن أصحاب القرار لا يزعجهم لا هذا ولا ذاك للأسباب المعروفة ، فهل يسكت الرأي العام والنخبة المتعلمة الواعية ؟ ما زال القانون يسمح بأشكال عديدة من التحرّك الشعبي كالتظاهر والاعتصام والإضراب وكتابة العرائض فينبغي لقادة الرأي من شخصيات وهيئات أصيلة شجاعة استغلال كلّ هذه الوسائل وبقوّة لإسماع رأي الأغلبية وعرقلة مخططات الافساد ، وغنيّ عن البيان أن التعويل على ” نوّاب الشعب ” دليل غفلة وغباء لأن الجميع يعرف كيف وصلوا ولماذا وصلوا ، لا فرق بين وطني وعلماني وإسلامي مع كلّ أسف باستثناء أفراد قلائل أصبحوا جزءا من الديكور.
إن سلخ المجتمع الجزائري عن انتمائه الحضاري باسم العولمة خطر محدق لا يقل خطورة عن الاستعمار
آن أوان التحرّك القوي عبر كلّ مساحة متاحة كالجريدة والقناة الفضائية والمحطات الإذاعية لاستنفار الشعب وفضح المخططات التغريبية واقتراح بدائل علمية رصينة تمزج الحداثة بالأصالة وتتحرّر من الهيمنة الفرنسية والسطوة العلمانية ، وهذا – كأولوية عاجلة – أفضل من التمادي فيما يُسمى العمل السياسي الذي نعلم جميعا أنه – في ظروف البلاد منذ العشرية الحمراء لا أعادها الله علينا – أقرب إلى البهلوانية والتهريج وإضاعة الأموال والأوقات والجهود في مسرحيات سيئة الإخراج والتمثيل لم تعد تثير اهتمام أحد ، وهذا ما أغرى النظام بتصعيد حملته التغريبية ، ولا بدّ أن يفهم الناس أن إضاعة الهوية أخطر من ضيق المعيشة ومن هبوط أسعار البترول وجفاف منابعه لأن للأزمات الاقتصادية حلولا بينما يستعصي الحلّ على الجزائر إذا فقدت هويتها وأصبحت مثل جزيرة مايوت أو هايتي أو كاليدونيا ، وهي بلاد هجينة تمسك بذيل فرنسا رغم أن لا علاقة لها بدينها ولا لغتها ولا تاريخها ولا شخصيتها ، وهو السيناريو المرسوم لنا ، وهو ليس قضية وزير أو وزيرة بل اختيار واعٍ لنظام حكم بأكمله تسيطر فيه الأقلية الإيديولوجية على الأغلبية الساحقة وتستدرجها لخياراتها المصيرية الدائرة في فلك فرنسا.
إن سلخ المجتمع الجزائري عن انتمائه الحضاري باسم العولمة و ” الانفتاح على القيم الإنسانية ” خطر محدق لا يقلّ خطورة عن الاستعمار المباشر الذي ما زلنا نجرّ ذيوله ، وأي حسن ظنّ بالشعارات المرفوعة من طرف الفاعلين التغريبيين غفلة يكون ثمنها على حساب استقلال الجزائر وثوابتها ، ولا يجوز أن تخدعنا جوانب إيجابية قليلة في ” الإصلاح ” تُخفي مصائب جمّة تتهدّد المجتمع وترهن مستقبله.
إن تكثيف الكتابات الصحفية والندوات واللقاءات المختلفة والمهرجانات الشعبية وشغل شبكات التواصل الاجتماعي لتعرية مخطط تغريب الجزائر عبر المرأة والأسرة والمنظومة التربوية واجب ديني و وطني ينبغي أن تنخرط فيه كل الأطراف المتمسكة بأصالة هذه البلاد واستقلالها انخراطا قويا فاعلا ، للتمييز الواضح بين الإصلاح والإفساد وبين العصرنة والمسخ ، هذا يجب أن يكون معركة الإعلام النزيه اليومية إلى أن يتمّ تصحيح المسار ، والأمر عسير وتصميم المفسدين كبير واليقظة مطلوبة لا كشعار ولكن كممارسة مستمرّة ، وعين الله لا تنام وهو حسبنا ونعم الوكيل.
النفير النفير حتى لا تضيع هويتنا.
----------
وقع تحوير العنوان الأصلي للمقال
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: