|
من قواعد النصر في القران الكريم -31- فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 5550
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" بَشِّرْ هذه الأمة بالسَّناء والرِّفعة والدِّين، والنصر والتمكين في الأرض " ( الإمام أحمد في "مسنده" بسند صحيح عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه، وصححه الألباني )
****
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ :
تمهيـد :
بين يدي هذه الحلقة نود أن نشير إلى ملاحظتين نحسب أنهما على درجة كبيرة من الأهمية في صلتنا بكتاب الله عز وجل وهما :
الأولى : أن المؤمن المقبل على القرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتعمقا في محاولة فهم معانيه وأسراره، سرعان ما يكتشف أن هناك بعض الآيات القرآنية حين يتلوها المؤمن ويتدبر معانيها ومضامينها يشعر كما لو كانت تلك الآيات قد نزلت اليوم، لأنها تتحدث عن واقع يعايشه الناس، وأحداث تجري وقائعها أمام أعينهم، وتجيب على تساؤلات تتردد في النفوس وعلى الألسنة كثيرا، وغالبا ما تبعث على الحيرة والقلق، فيقرأ تلك الآيات فإذا بالإجابة ماثلة أمام عينيه، فيدير بصره ويقلبه في واقع الحياة من حوله فإذا بتلك الاجابة مجسدة أمام عينيه لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد،
أما الملاحظة الثانية : أن بعض هذه الآيات القرآنية أيضا حين كنت أتلوها فيما مضى من سنوات العمر، كنت أجهد العقل في محاولة الإلمام بما تتضمنه من معاني ومضامين، وكنت أحاول تخيل بعض المعاني في ضوء ما أتمكن من مطالعته من كتب التفسير، أما اليوم فحين أتلو تلك الايات بقليل من محاولات الفهم والتأمل كثيرا ما أشعر انها تضع القارئ وجها لوجه أمام حقائق تجسد تلك المعاني حتى لكأن القاريء يمسك بمعاني تلك الآيات بيديه، ويعيشها واقعا مجسدا في الحياة،
ومن تلك الآيات ما نتحدث حوله اليوم بصدد القاعدة القرآنية من قواعد النصر وسننه في القرآن الكريم،
* القاعدة الواحدة والثلاثون : فسينفقونها ......
نعم في هذا الإطار تأتي الآية التي نحن بصددها اليوم، والتي نستخلص منها القاعدة التي تشكل موضوع هذه الحلقة، فكأنها تعبر عن واقع تعيشه الامة اليوم ولا يختلف حوله اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، وتجيب أيضا عن العديد من الأسئلة المتعلقة بهذا الواقع :
أما القاعدة فمؤداها : أن أعداء الأمة وأعداء هذا الدين من الكافرين والمشركين والمتمردين والمناوئين للإسلام وأهله وأتباعه لا يدخرون وسعا، في الترصد لهذا الدين، وفي إنفاق الأموال الطائلة للقضاء على الاسلام وتدمير أهله، ويحاولون باستماتة إطفاء نور الله، وذلك عن طريق الصد عن سبيل الله، وهنا تأتي السنة القدرية الماضية التي تقول : فسينفقونها حتما لا محالة، لأنهم مصرون على تحقيق أهدافهم الخبيثة وأغراضهم الدنيئة، ثم ماذا ؟ ثم تكون عليهم حسرة !!!! لأنهم لن يحققوا أهدافهم أبدا، ثم ماذا؟ ثم يغلبون !!!، كل هذا هنا في الحياة الدنيا، أما في الآخرة فمصيرهم كما يقرره القرآن الكريم أنهم إلى جهنم يحشرون،
وأما الآية فهي قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }( الأنفال : 36 )، أي : إن الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله ينفقون أموالهم، فيعطونها أمثالهم من المشركين وأهل الضلال , ليصدوا عن سبيل الله، ويمنعوا المؤمنين عن الإيمان بالله ورسوله , فينفقون أموالهم في ذلك , ثم تكون عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم ; لأن أموالهم تذهب , ولا يظفرون بما يأمُلون مِن إطفاء نور الله والصد عن سبيله , ثم يهزمهم المؤمنون آخر الأمر. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون فيعذبون فيها.( التفسير الميسر )،
وإذا ما أعاد المؤمن النظر في هذه الآية، ونظر إلى واقع الأمة بكل تفاصيله وزواياه، فسيفاجأ بأنها تصف هذا الواقع بكل تفاصيله، وتلخص في بلاغة معجزة وفي إعجاز بليغ قضية العداء المستمر للإسلام وأهله،
* سبب النزول :
قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ، ذكر " النيسابوري " في سبب نزول الآية عن محمد بن إسحاق قال : "لما أصيبت قريش يوم بدر فرجع فلهم ( أي جيشهم المهزوم ) إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة ابن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومَنْ كانت له في تلك العير تجارة، فقالوا : يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه، لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أُصيب منا، ففعلوا، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية"(1)،
ويقول " صاحب الظلال " : "والكفار ينفقون أموالهم ليتعاونوا على الصد عن سبيل الله، هكذا فعلوا يوم بدر ... وهكذا ظلوا بعد بدر يستعدون للوقعة التالية، والله ينذرهم بالخيبة فيما يبغون، وبالحسرة على ما ينفقون، ويعدهم بالهزيمة في الدنيا وعذاب جهنم في الآخرة . وليس هذا الذي حدث قبل بدر وبعدها إلا نموذجاً من الأسلوب التقليدي لأعداء هذا الدين، إنهم ينفقون أموالهم، ويبذلون جهودهم، ويستنفذون كيدهم في الصد عن سبيل الله، وفي إقامة العقبـات في وجـه هـذا الدين، وفي حرب العصبـة المسلمة في كل أرض وفي كل حين" (2)،
- وقال " المباركفوري " : " لقد نزلت هذه الآياتُ في قريشٍ، وذلك أنّه لما نجتِ العيرُ التي كانت سبب " معركة بدرٍ " قال الملأ للذين كانت فيها أموالهم : يامعشر قريش إن محمداً قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأراً فأجابوا لذلك فباعوها، وكانت ألف بعير، والمال خمسين ألف دينار، فلما التقى الجمعانِ في أحدٍ دارتِ الدائرةُ في نهاية المطاف على الكافرينَ وذهب ما أنفقوه باطلاً ... قال الزبير : والله لقد رأيتُني أنظر إلى سوق " هند بنت عتبة " وصواحبها مشمّرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير، وتبع المسلمون المشركين يضعون فيهم السلاح وينتهبون الغنائم، وقتل سبعةٌ وثلاثون من قريشٍ منهم أبيُّ بن خلفٍ، وفرّت قريشُ رغم أنّها أثخنت في المسلمين قتلاً، وانظر وتأمَّلْ كيف ( خسرت ) قريش أموالها التي أرادت بها أن تئد دعوة الإسلام .. فإذا هي أشد عوداً وأثبتُ رغم ما أصاب حملتَها من جراحٍ وآلامٍ يوم أحدٍ (3)،
- وإذا كانت كتب التفسير قد روت لنا عن مجاهد، وسعيد بن جبير، والحكم بن عيينة، وقتادة، والسدي، وابن أبزى : أنها نزلت في أبي سفيان ونفقته الأموال في أحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الأسلوب ليس صريحاً في سبب النزول، فأبو سفيان ممن تشمله الآية، ونزلت في المطعمين من قريش، والآية تعم كل أهل الكفر ؛ لأن الله قال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} ولم يقل : إن قريشاً ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، ومن المعلوم أن الاسم الموصول من صيغ العموم، وقال الضحاك : نزلت في أهل بدر،
قال " ابن كثير " في تفسيره : " وعلى كل تقدير فالآية عامة، وإن كان سبب نزولها خاصاً، ( من باب العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب )، اي ان الآية تناولت بوعيدها كل من يبذل امواله في الصد عن سبيل الله، وفي تأييد الباطل ومعارضة الحق " (4)، فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق، فسيفعلون ذلك، ثم تذهب أموالهم، ثم تكون عليهم حسرة أي ندامة، حيث لم تنجزِ شيئاً لأنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق وهيهات لهم ذلك، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ( الصف : 8 )، وناصر دينه، ومعلٍ كلمته، ومظهر دينه على كل دين، فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار وبئس القرار، فمن عاش منهم رأى بعينه، وسمع بأذنه ما يسوءه، ومن قتل منهم أو مات فإلى الخزي الأبدي والعذاب السرمدي، ولهذا قال : {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} ( الأنفال : 36 ) (5)،
* معنى الصد عن سبيل الله :
يقصد بالصدّ عن سبيل الله : " كلّ قول أو عمل يحول دون إيمان الناس، ويقف حجر عثرة دون قيامهم بالأعمال الصالحة الخيرة "، وهذا المفهوم الواسع يشمل كافة الجهود والتدابير والبرامج الإعلامية، والعملية التي تتوخّى التضليل عن السبيل السوي والأعمال الصالحة،
إنه جرمٌ شائنٌ، وصنيع مهينٌ، هو بضاعة المفلسين، وسبيل المفسدين، وحِيلة المجرمين، هو باقٍ ما بَقِي للحقِّ صوتٌ وأعوان، وسيبقى الحقُّ ما بَقِي الليل والنهار، هو حقيقة لا خيال، وواقع ليس مؤامرة، نراه كلَّ يوم يتجدد، فنزداد يقينًا بموعود الله إنَّه الصدُّ عن سبيل الله، إنه ذلك الانحراف الخطير، والوِزر الكبير الذي حذَّر منه المولَى - سبحانه - في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه، وما ذاك إلا لتَجدُّد صُوَره، وتعدُّد أشكاله، وبقاء دُعاته.
الصدُّ عن سبيل الله جرثومةٌ قديمة، زَرَعها الكفَّار منذ البدايات الأولى لرسالة الاسلام ؛ ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ ( فصلت : 26 )، ثم تولَّى سقيها ورعايتها المنافقون ؛ ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ( المجادلة : 16 )،
الصدُّ عن سبيل الله معركة متجدِّدة، وعداوة باقية، وأسلوبٌ متواصًى به، عُودِي به الأنبياء أزمانًا، واشتكى الصالحون منه دهورًا؛ ﴿ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ ( الذاريات : 53 ) (6)،
وسبيل الله تعالى بوجه عام هو الصراط المستقيم، وهو كافة القيم التي تجعل لحياة الانسان معنى كريما، ونشر العدل والحق والسلام وعمل الخيرات ....وغير ذلك من المباديء القويمة والأخلاق الفاضلة، والقيم السامية، والصد عن سبيل الله هو الصد عن هذه المباديء العظيمة، وفعل عكسها من الاقوال والافعال والقيم التي حرمها الله تعالى ونهى عنها كاشاعة الظلم والاستبداد والجور والحروب والفرقة والعنف بين الناس، تلك القيم التي تجسد بعضها في قول الله تعالى : {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{152} وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{153}( الأنعام : 151- 153 )،
وقول الله تعالى : َ{مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ{18} الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ{19} أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ{20} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{21} لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ{22}( هود )،
لماذا ؟ لأنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، وكرسوا حياتهم، ويبذلون جهودهم، ويستنفدون كيدهم في الصد عن سبيل الله، وفي إقامة العقبات في وجه هذا الدين. وفي حرب العصبة المسلمة في كل ارض وفي كل حين، وسدّ طريق الهداية في وجوه الناس، إنهم كما وصفهم الحق جل جلاله : { يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ } ( النساء : 44) .
* وقفات مع الآية الكريمة :
- إن من تأمل وقائع غزوة أحد بعمق وتروي وإعمال الفكر والعقل وجد وجوهاً من الشبه بينها وبين الواقع الذي نعيشه اليوم كمسلمين، فالعدوّ في أحد، والعدو في أفغانستان، وفي العراق، وفي سوريا، وإلى يوم الناس هذا قد بالغ في حشد قوتِهِ، وبالغ في إنفاق أمواله للصد عن سبيل الله، . فإنَّ قريشاً في أحد حشدت ثلاثة آلاف مقاتل من صميمها ومن حلفائها، وهيأت ثلاثة آلاف بعير ومائتا فرس وسبعمئة درع، والمحتل اليوم حشد ما لا يتصوره العقل من الأموال والتحالفات والتجهيزات، والإمكانات، والأسلحة الفتاكة، والعدو في الحالتين كان يتفاخرُ ويتباهى بأنَّه سيقضي على خصمِهِ في أقصر وقتٍ وأقله، فقد كانت قريش تمنّي نفسَها بأن تمحو محمداً وصحبه من الوجودِ، واستئصال شأفة الدين الإسلامي، تماماً كما أمّلت أمريكا أنْ ( تطهّر ) ـ بزعمها ـ أفغانستان، والعراق، وسوريا ......وغيرها من بلاد المسلمين من الإرهابيين في ظرف أسابيع !!!، وميزان القوى كان في كليهما مختلاً للغايةِ فبإزاء قوة قريش التي وصفتُ كان عدد المسلمين ألفاً فحسب ليس فيهم فارسٌ ! ثم انخذل ابن أبي بثلثهم ! وبإزاء رشاشات خفيفة وصواريخ بدائية وسيارات مفخخة، هناك الصواريخ الذكية، والطائرات بدون طيار، والقنابل العنقودية، والبراميل المتفجرة، والدبابات الحديثة، والبوارج والغواصات والأساطيل ......وغيرها،
- إن هذه القاعدة من البشريات القرآنية للأمة الاسلامية بالرفعة والنصر والتمكين، ولقد أشرنا من قبل إلى الحديث الشريف القائل : " بَشِّرْ هذه الأمة بالسَّناء والرِّفعة والدِّين، والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " ( الإمام أحمد في "مسنده" بسند صحيح عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه، وصححه الألباني )، فالعِزُّ والرِّفعة وظهور الحقِّ هو قَدَرُ الله - تعالى - لهذه الأُمَّة، ولن يخلوَ عصرٌ من عصور أمة الإسلام من طائفة تقوم بالحقِّ وتقول به، فهذا الصدُّ عن سبيل الله مَهْمَا طالَ واشتدَّ، فلا ينسينا هذه الحقيقة: أنَّ الله - سبحانه - قد اختار هذا الدين واصطفاه، ليبقى في الأرض، وليصلَ كلَّ سهلٍ ووادٍ، وكلَّ جبلٍ ووعرٍ، وسيبلغ نورُه ما بلغ الليل والنهار؛ ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8]، فأبشروا يا أهل الإسلام، فالدين منصورٌ، والحقُّ ظاهر.
- يقول صاحب الظلال : " إنهم ينفقون أموالهم، ويبذلون جهودهم، ويستنفدون كيدهم، في الصد عن سبيل الله، وفي إقامة العقبات في وجه هذا الدين، وفي حرب العصبة المسلمة في كل أرض وفي كل حين . .
إن المعركة لن تكف، وأعداء هذا الدين لن يدعوه في راحة، ولن يتركوا أولياء هذا الدين في أمن، وسبيل هذا الدين هو أن يتحرك ليهاجم الجاهلية، وسبيل أوليائه أن يتحركوا لتحطيم قدرة الجاهلية على العدوان ؛ ثم لإعلاء راية الله حتى لا يجرؤ عليها الطاغوت، والله - سبحانه - ينذر الكفار الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله بأنها ستعود عليهم بالحسرة . . إنهم سينفقونها لتضيع في النهاية، وليغلبوا هم وينتصر الحق في هذه الدنيا، وسيحشرون في الآخرة إلى جهنم، فتتم الحسرة الكبرى . . ذلك . . { ليميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض، فيركمه جميعاً؛ فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون } . .فكيف؟
إن هذا المال الذي ينفق يؤلب الباطل ويملي له في العدوان ؛ فيقابله الحق بالكفاح والجهاد ؛ وبالحركة للقضاء على قدرة الباطل على الحركة . . وفي هذا الاحتكاك المرير، تنكشف الطباع، ويتميز الحق من الباطل، كما يتميز أهل الحق من أهل الباطل - حتى بين الصفوف التي تقف ابتداء تحت راية الحق قبل التجربة والابتلاء! - ويظهر الصامدون الصابرون المثابرون الذين يستحقون نصر الله، لأنهم أهل لحمل أماناته، والقيام عليها، وعدم التفريط فيها تحت ضغط الفتنة والمحنة . . عند ذلك يجمع الله الخبيث على الخبيث، فيلقي به في جهنم . . وتلك غاية الخسران . .والتعبير القرآني يجسم الخبيث حتى لكأنه جِرم ذو حجم، وكأنما هو كومة من الأقذار، يقذف بها في النار، دون اهتمام ولا اعتبار! { فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم } . . وهذا التجسيم يمنح المدلول وقعاً أعمق في الحس . . وتلك طريقة القرآن الكريم في التعبير والتأثير (7)،
ومع هذه الآية الكريمة التي استنبطنا منها تلك القاعدة القرآنية من قواعد النصر الذي تنتظره الأمة على أحر من الجمر، لنا بعض الوقفات أهمها :
1- يبين الله سبحانه أن الكافرين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، وهي التي يعيشون لأجلها، هي مبتغاهم من هذه الحياة الدنيا، هي سبب ضلالهم وإغوائهم وتكبرهم واستعلائهم، ينفقونها للنيل من هذا الدين ومن أهله وأتباعه، ليكونوا منسلخين من كل قيم حميدة وأخلاق حسنة، ينفقونها وإن كلفهم ذلك إزهاق أرواح أبرياء، ينفقونها سعياً لإهلاك الحرث والنسل، ينفقونها ليبطلوا الحق وينصروا الباطل، ويبطل توحيد الرحمن، ويقوم دين عبادة الأوثان،
2- أن دأب الكافرين وديدنهم هو الصد عن سبيل الله تعالى، قالوا : والمراد بالكفر في الآية : الكفر بالله وآياته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فكل ما ينطبق عليه تعريف الكفر داخل في هذه الصفة التي وصف الله بها الصادين في أكثر من آية من كتابه الكريم، وغالباً ما يكون الكفر هو القاعدة الأولى والسبب الأول الذي يدفع للصد عن سبيل الله، ولذلك قدّم في الذكر على غيره باعتباره الأساس والأصل الداعي للصد، فصفة الكفر قد دفعتهم لإنفاق الأموال بهدف الصد عن سبيل الله،
3- صيغة المضارع تفيد التجدد والاستمرار : ولقد عبَّر سبحانه بفِعْل المضارع "ينفقون" ؛ يعني أنَّه فِعْلٌ مُستمر في الحاضر والمستقبل، أي يفيد الاستمرار والتجدد فهم في الماضي أنفقوا أموالهم للصد عن سبيل الله، وينفقونها اليوم، وسينفقونها في المستقبل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ليظل العداء لهذا الدين والكيد لأهله مستمرا، وهوما رأينا وعايشناه ونعايشه في عصرنا الراهن، ونراه ماثلا أمام أعيننا اليوم، وكيف أن أعداء الأمة قد جمعوا جموعهم، ووحدوا صفوفهم، وأنشأوا تحالفاتهم منذ أن وقعت واقعة 11 سبتمبر التي وجدوا فيها فرصتهم السانحة ( سواء كانت حقيقية أم تدبير مدبر ) للانقضاض على أهل الإيمان ومجتمعات الاسلام فكانت البداية بأفغانستان، ثم العراق، ثم سوريا، ثم اليمن، ثم ليبيا .....ومن قبل كانت فلسطين، والقادم لا يبشر بخير طالما استمر المسلمون في غفلتهم وتفرقهم وتشتت أمرهم، فكم أنفقوا من أموال، وكم سينفقون من ثروات، والله من ورائهم محيط،
4- أن الصدُّ عن سبيل الله نوعان وكلاهما قائم في دنيا الناس اليوم، فهو إما أن يكون عامًّا، وذلك بالصدِّ عن الدين بالكُليَّةً، وإغلاق الأبواب أمام من يريد الدخول فيه والانتماء إليه، وإما أن يكون الصدُّ جزئيًّا، وذلك بالصدِّ عن بعض تشريعات الإسلام وقيمه وتعاليمه، وعن بعض شعائره، ومحاربتها ومَنْعها، والتضييق على أهلها، كالحجاب، والنقاب، واللحية، والأذان، والكتاتيب، وحَلقات القرآن، .....وغيرها من الشعائر والآداب بل وبعض الفرائض الاسلامية (8)،
5- لقد أكَّد الحق سبحانه وتعالى على القضية المحورية في القاعدة التي نحن بصددها وهي انفاق الأموال الطائلة من أجل الصد عن سبيل الله، والاصرار والاستمرار على تحقيق أهدافهم الخبيثة، وغاياتهم ومقاصدهم الدنيئة، أكد هذا المعنى بقوله تعالى : ﴿ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ ( الأنفال: 36 )، إنها قضية قديمة جديدة، وهي قضية الصد عن سبيل الله عز وجل، من قبل أعداء الله وأعداء المسلمين من أهل الكفر والشرك والنفاق والالحاد ، وهي قضية عانت منها الأمة وما زالت تعاني الأمرين لكونها أمة صاحبة رسالة، تستهدف نشر الهدى والإيمان، ودعوة الناس إلى الحق الذي يضمن لهم سعادة الدارين، وأعداء الحق كثر، والناس إزاء نشر الحق والعدل والهدي صنفان : إما داع إلى الهدى والحق لنشره في ربوع المعمورة بين الناس، وإما صاد عن سبيل الله، كل همة أن يقف حجر عثرة أمام دعاة الحق، وقادة الاصلاح، ورواد الفضيلة،
6- أن القران الكريم يشعل نيران الوعيد على أعداء الأمة الصادين عن سبيل الله تعالى : إنه وعيد يتلوه وعيد، وانظر كيف أن الآية تضمنت أربعة تهديدات متتالية لأولئك الذين ينفقون الأموال لأجل الصد عن سبيل الله، إنها قضية قديمة حديثة، فالكفار في زماننا ومَنْ والاهم ينفقون الأموال والثروات لأجل محاربة الإسلام والمسلمين، وتأتيهم التهديدات الربانية، والزواجر الإلهية التي تكاد تنخلع لهولها القلوب، واسمع إلى هذا البلاغ القرآني الذي يهز أرجاء الكرة الأرضية، ويبلغ أسماع الدنيا بأسرها :
- فسينفقونها، سينفقون المليارات تلو المليارات، ولن يتراجعوا عن أهدافهم، ولن يفكروا في مصالحهم، أعماهم الحقد على الاسلام، ولذلك فهم أنفقوا وينفقون، وسينفقون تلك الأموال للصد عن سبيل الله، هذا في الحقيقة حالهم، وهذا بيان لما سيؤول إليه أمرهم فى الدنيا من الخيبة والهزيمة والندامة .
أى : فيسنفقون هذه الأموال فى الشرور والعدوان، وفي الظلم والجبروت والطغيان، سينفقونها في سفك دماء الأبرياء، وهدم المنازل على رؤوس أصحابها، وتشريد الملايين من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، سينفقونها على جمع المعلومات، والاستخبارات، والقنابل العنقودية، والبراميل المتفجرة، التي تخلف وراءها آلاف القتلى بل الملايين، ومئات الآلاف من الجرحى والمصابين والمعاقين، ويمكن أن نفهم من قوله تعالى { فسينفقونها } استحضار استمرارية الصراع العسكري كسنة قدرية بين الحق وأهله، والباطل وأهله إلى يوم القيامة، قال تعالى : قال تعالى : {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ} (البقرة : 217 )، وبهذا يسهل الاطمئنان إلى استمرارية الجهاد في سبيل الله وبقائه إلى يوم القيامة، ليس باعتباره مطلبا شرعيا فحسب، ولكن كسنة قدرية تتوقف استمرارية الصراع على دوامها، ولا شك أن هذه العقيدة حين تكون حية في قلوب المسلمين الموحدين لكفيلة بتحرير الإرادة من آثار الحرب النفسية التي تستهدف بثّ اليأس والقنوط من النصر القريب، فإن كل الجهود التي تحاول اقتلاع جذور الجهاد آيلة حتماً إلى الفشل الذريع ......... ثم ماذا ؟
0 ثم تكون عليهم حسرة : أي أن عاقبة هذا الانفاق وتلك المحاولات الدؤوبة ستكون حسرة وندامة عليهم، وهذا وعد الله ووعيده، وعد الله للمؤمنين الموحدين، بأن هذا كله لن ينال من الإسلام، ووعيده للكفرة والمشركين والمجرمين، بأنهم لم يصلوا - ولن يصلوا - من وراء إنفاقها إلى ما يبغون ويؤملون، وفضلا عن كل هذا فستكون نهايتهم الهزيمة والإِذلال والخسران المبين فى الدنيا، لأن سنة الله قد اقتضت أن يجعل النصر فى النهاية لأتباع الحق لالأتباع الباطل ،
وانظر إلى قوله تعالى : { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } أي تكون عاقبة إنفاقها ندماً وحسرة، فكأن الأموال التي أنفقوها للصد عن سبيل الله ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة عليهم، وهذا يوقفنا على قاعدة جليلة مؤداها : أن الإنفاق فيما لا يرضي الله حسرة على صاحبه، ..............ثم ماذا؟
0 ثم يغلبون : فبعد الانفاق، وبعد الحسرة التي تملأ قلوبهم، سيغلبون في نهاية المطاف أمام أهل الحق، تماما كما قال الحق جل جلاله : {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }( آل عمران : 12 )، أي : قل - أيها الرسول -، للذين كفروا من اليهود وغيرهم والذين استهانوا بنصرك في "بَدْر": إنكم ستُهْزَمون في الدنيا وستموتون على الكفر, وتحشرون إلى نار جهنم; لتكون فراشًا دائمًا لكم, وبئس الفراش ( التفسير الميسر ) ........ثم ماذا ؟
0 والذين كفروا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ : إنه بيان لسوء مصيرهم فى الآخرة، بعد بيان حسرتهم وهزيمتهم فى الدنيا، أي أنهم فى الآخرة سيكون مصيرهم الحشر والسوق إلى نار جهنم لا إلى غيرها ، لأنهم قد طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، وإن ربك لبالمرصاد لكل الطغاة والجبابرة، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
7- - أنه وبعد أن يقرأ المؤمن قول الله تعالى : { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون }( الأنفال : 36 )، فقد يثار في ذهنه تساؤل لماذا كل هذه التهديدات ؟ فيأتيه الجواب القرآني على الفور : { ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون } ( الأنفال : 37 )، فلا بد من التمايز بين الفريقين، ليظهر أولياء الرحمن وينكشف أولياء الشيطان، كما قال الله تعالى : { وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } ( آل عمران : 179 )، أي : ما كان الله ليَدَعَكم أيها المصدقون بالله ورسوله العاملون بشرعه على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق حتى يَمِيزَ الخبيث من الطيب, فيُعرف المنافق من المؤمن الصادق، وقوله تعالى : { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } ( الفتح : 25 )، أي لو تزيّلوا : لو تمايز الكفار عن المؤمنين لأنزل الله العذاب الأليم على الكفار .
وفي قوله تعالى : { لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب وَيَجْعَلَ الخبيث بَعْضَهُ على بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ } ( الانفال : 37 )، بيان لحكمته – سبحانه وتعالى - فى هزيمة الكافرين، وحشرهم إلى جهنم ، وقوله تعالى : { فَيَرْكُمَهُ } أى : فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض، يقال : ركم الشئ يركمه، إذا جمعه وألقى بعضه على بعضه . وارتكم الشئ وتراكم أى : اجتمع، والمعنى : أنه - سبحانه - فعل ما فعل من خذلان الكافرين وحشرهم إلى جهنم، ومن تأييد المؤمنين وفوزهم برضوانه، ليتميز الفريق الخبيث وهو فريق الكافرين، من الفريق الطيب وهو فريق المؤمنين، فإذا ما تمايزوا جعل - سبحانه - الفريق الخبيث منضما بعضه على بعض، فيلقى به فى جهنم جزاء خبثه وكفره، واللام فى قوله { لِيَمِيزَ } متلعقة بقوله : { يُغْلَبُونَ } أو بقوله : { يُحْشَرُونَ }، ويجوز أن يكون المراد بالخبيث ما أنفقه الكافرون من أموال للصد عن سبيل الله، وبالطيب ما أنفقه المؤمنون من أموال لإِعلاء كلمة الله . وعليه تكون اللام فى قوله : { لِيَمِيزَ } متعلقة بقوله : { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } أى : أنه - سبحانه - يميز هذه الأموال بعضها من بعض، ثم يضم الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض، فيلقى بها بوأصحابها فى جهنم ، والتعبير بقوله - سبحانه - { فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } تعبير مؤثر بليغ، لأنه يصور الفريق الخبيث كأنه لشدة تزاحمه وانضمام بعضه إلى بعض شئ متراكم مهمل، يقذف به فى النار بدون اهتمام أو اعتبار، واسم الإِشارة فى قوله : { أولئك هُمُ الخاسرون } يعود إلى هذا الفريق الخبيث، أى : أولئك الكافرون الذين أنفقوا أموالهم فى الصد عن سبيل الله هم الخاسرون لدنياهم وآخرتهم (9)،
8- وفي السياق اللاحق للآية أيضا، وبعد كل هذا التهديد والوعيد للكافرين . . يوجه الحق - سبحانه - خطابه إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم يأمره فيه أن يبلغهم حكم الله إذا ما انتهوا عن كفرهم، كما يأمر المؤمنين أن يقاتلوهم ويستمروا في قتالهم حتى تكون كلمة الله هى العليا، فيقول سبحانه : { قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِن تَوَلَّوْاْ فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير }( الأنفال : 38 – 39 )،
9- أنه وعلى الرغم مما يحمله لنا تاريخ المسلمين منذ اللحظات الأولى التي أشرقت فيها الأرض بنور ربها بمبعث محمد صلى الله عليهوسلم برسالة الإسلام الخاتمة لرسالات السماء، وما لاقاه المسلمون من عداء وعنت، وما حاكه أهل الكفر من مؤامرات لاستئصال شأفة الإسلام والقضاء على هذا الدين، أقول على الرغم من كل ذلك وعلى الرغم مما عاصرناه من هجمات شرسة على الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فها هو الإسلام مازال قوياً شامخاً وسيبقى قوياً شامخاً، أين كفار قريش وصناديدها وما فعلوه في الإسلام وأهله، وأين أبي لهب، وأبي جهل ؟، وأين الروم والقياصرة، وأين الفرس والأكاسرة، وأين القرامطة ؟! أين التتار ؟! أين الصليبين الحاقدين ؟! أين المجرمين ؟! بل أين فرعون وهامان ؟! بل أين أصحاب الأخدود ؟! أين كل من عادى وحارب الإسلام أين كل هؤلاء وغيرهم كثير ؟! هلك الجميع وبقى الإسلام، وسيبقى بموعود الرحمن،
10 – أن وعيد لأهل الكفر تكرر في القرآن :
- إنه التهديد الصريح، والوعيد الإلهي الموجه إلى أعداء الأمة ليبعث الأمل في نفوس الموحدين، والذي تكرر في القرآن في عدة مواضع منها قوله تعالى : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا }( الطارق :15- 17)، وقوله تعالى : { ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}( الأنفال : 18)، وقوله تعالى : {وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ }( البروج :20 )، وقوله تعالى : واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ }( البقرة : 19 )، وقوله تعالى : {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } ( الفجر : 14 )، .......وغيرها من الآيات، فمهما كاد هؤلاء لدين الله، ومهما بذلوا لمحاربته فالله تعالى لهم بالمرصاد، وهم أعداء الله قبل أن يكونوا أعداء المسلمين، كما قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} ( الممتحنة :1)، فانظر كيفبدأ بوصفهم بأنهم أعداؤه، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} ( الأنعام :33 )، إن الكفر إن حارب فهو يحارب وهو خِلْوٌ من الدين، فراغ من أي غاية يصبو إليها إلا غاية يرى أن فيها منفعة له، و أما المؤمنون فهم يحاربون نُصْرَةً لدين الله تعالى فلهم الغلبة لأنهم موعودون من الله تعالى بنصر مبين على الكافرين المجرمين، و أما الكافرون فإنهم سينفقون ما لديهم من أموال و رجال في حروب طاحنة مع المسلمين ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغْلَبُوْن على أيدي المسلمين، أما إن قدر للكافرين أن ينتصروا على المسلمين فهو نصر مؤقَّتٌ لا يدوم ؛ ( وبسبب المسلمين أنفسهم وتهاونهم وغفلتهم وبعدهم عن منهج الله تعالى ) و هيهات له أن يدوم و الله قد كتب الغلبة لدينه ورسله وأوليائه الصالحين، ولقد علمنا القرآن الكريم أن الله تعالى لا يؤيد بنصره أُمة قامت على كفر به، و صد عن سبيله،
11- أن الإسلام قادم بإذن الله لا محالة والمستقبل للإسلام وأهله :
- ثمة حقيقتان أساسيتان يمكن لنا أن نرصدهما بوضوح فيما يتعلق بالإسلام :
الأولى حقيقة مصدرها الواقع الذي نعيشه في عالمنا المعاصر :
وتتمثل في الحاجة الماسة للبشرية اليوم إلى دين الإسلام، ومنهج الاسلام، وقيم الاسلام، تلك الحاجة التي تبرز وتتأكد يوما بعد يوم، حيث تتعاظم حاجة أهل الدنيا الى هداية الأسلام في عصرنا هذا،
أما الحقيقة الثانية فمصدرها كتاب الله تعالى : وهي تتمثل في أن الاسلام قادم لا محالة، وسوف يملأ ربوع الأرض نورا وعدلا عاجلا او آجلا، بعد أن ملئت جورا وظلمة، قال تعالى : {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}( التوبة : 32 – 33 )،
وقال تعالى : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }( الصف : 9 )،
- فهؤلاء الذين لا يريدون الالتزام بالإسلام نقول لهم ولغيرهم: إن التيار القادم هو تيار الإسلام، فأنتم مع من ستقفون؟!
- الذين يحاربون الشريعة علانية والذين يقاومون الإسلام صراحة والأعداء المعلنين، هؤلاء موقفهم واضح من الإسلام،
- لكنّ المنتسبين للإسلام ولا يريدون الالتزام به هؤلاء الذين يجب عليهم أن يحددوا مواقفهم، بعض الناس أصابه اليأس تجاه هذه القضية : يقول: سمعنا الكثير والكثير عن انتصار الدين، وأن المستقبل لهذا الدين، ونحن نرى القوة والمال والسلاح والعلم المادي كله في يد غيرنا،
نقول لهؤلاء عودوا إلى القاعدة التي أسلفناها، والآية التي عشنا معها، وتدبروا أنوار الوعد الإلهي للمؤمنين، ونيران الوعد للكافرين : وقفوا عند قول الله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ( الأنفال :36 )، وقوله تعالى : ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ( الأنفال :18 )، وقوله تعالى : إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا 0 الطارق :15-17 )،
- وإذا كان القرآن الكريم قد قرر أن الكافرين هم المغلوبون والخاسرون في صراعهم مع جند الله من المؤمنين، فإن السؤال الذي يتردد كثيرا بين المسلمين اليوم : متى يكون هذا ؟ فقد طال الانتظار، فإن الاجابة تكمن في قول الله تعالى : ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ ( الأعراف : 187 )،
- أن بطولة المؤمن الحق، وأهم ما يميزه عن غيره هو معرفته بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولذا فهو واثق من رحمة الله، ومن حكمته، ومن عدله، ومن علمه، مهما تأخر النصر، لا تتهم الله في نفسك، كماله مطلق، وهذا الكون يدل عليه، لكن لا تستطيع أن تعرفه من أفعاله إلا بشرط واحد أن يكون لك علم كعلمه وهذا مستحيل، لكن تعرفه من كلامه،
* وسائل متعددة للصد عن سبيل الله: (10)
إن وسائل الصد عن سبيل الله تعالى متنوعة وكثيرة، وجميعها نلمسها اليوم، بل وتزايدت حدتها في ظل ما تعيشه الأمة الاسلامية من حالة التراجع والانكسار، ولعل من أكثر تلك الوسائل وضوحًا وتصريحًا ؛ تلك التي أبرزها القرآن الكريم، وذكر بعد الوسيلة " لام تعليل " متصلة بفعل الصد ؛ لبيان أنها مفعول لأجله، وذلك فيما يلي :
- انفاق الاموال : كما في الآية التي نحن بصدد الحديث عنها، ومعلوم أهمية دور المال في تحقيق الأهداف والغايات، فهو وسيلة فعالة من وسائل الصد عن سبيل الله، كما أنه – في الوقت ذاته - وسيلة فعالة في الدعوة إلى سبيل الله أيضاً، فالاعتبار في ذلك حسب نية المنفق والهدف الذي يريد بلوغـه وتحقيقـه، فالمؤمن ينفق ماله في سبيل الله، وفي طرق الخير، وفيما ينفعه وينفع غيره في العاجل والآجل، وفي إشاعة الفضيلة ومحاسن الأخلاق، وإرساء القيم والمبادئ السامية، أما الكافر والمنافق، فهو ينفق مالـه ليصد عن سبيل الله، وإشاعة الرذيلة والفواحش ومساوئ الأخلاق،
- تزيين المكر : وتلك وسيلة شيطانية، يعتمدها شياطين الإنس والجن في كل زمان ومكان ليكون ذلك هو منطلق الصد عن سبيل الله، ولذلك نقرأ قول الله تعالى على لسان فرعون الطاغية الجبار المتكبر : {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} ( الأعراف :123 )، وهذه الآية تقرر أن المكر هو وسيلة لإخراج أهل المدينة منها، ولكن هذا زعم وافتراء من فرعون على نبي الله موسى عليه السلام، وقلب للموازين، وتلاعب بالمفاهيم، وقال تعالى في مكر صناديد قريش ومشركيها مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ( الأنفال :30 )، ونرى المكر في هذه الآية من كفار قريش لأجل أن يسجنوا النبي صلى الله عليه وسلم، ويقيدوا حركته ويحددوا إقامته ويمنعونه من تبليغ رسالته، أو يقتلوه ، أو يخرجوه من بلده مكة، وهذا ولا شك هو غاية الصد عن سبيل الله، ولذلك رتب الله الصد على المكر في آية الرعد، قال تعالى : {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ} ( الرعد :33 )، فزين الشيطان لهم المكر، وزين لهم أن يصدوا عن سبيل الله ؛ مما يؤكد أن المكر طريق من طرق الصد، وأداة من أدواته، ووسيلة فاعلة من وسائله.
- ايقاع العداوة والبغضاء بين المؤمنين : وهذه وسيلة أيضًا من وسائل الشيطان اللعين، فهو الذي يعمد إلى إثارة الفتن والقلاقل والخلافات والنعرات الجاهلية، ليبني عليها العداوة والبغضاء بين عباد الله، وبالتالي تتقطع أواصر الصلات والعلاقات الإيمانية، ويصدهم بذلك عن ذكر الله وعن طاعته سبحانه، قال تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ( المائدة :91 )، فعطف الصد على إيقاع العداوة والبغضاء من باب عطف النتيجة على السبب، فإن تحققت العداوة والبغضاء من خلال شرب الخمر ولعب القمار تحقق الصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وهو المراد والغاية التي يسعى إليها الشيطان مجتهدًا في تحقيقها.
- تزيين الاعمال السيئة : وهذه الوسيلة من مهام الشيطان، هو الذي يصطنعها، وذلك بتزيين الأعمال السيئة لصاحبها، فيراها حسنة فيفعلها، قال تعالى : {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ( فاطر :8 )، وقد جاء الصد مترتبًا على تزيين سوء العمل في قوله تعالى : {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} ( غافر :37 )، يقول " الزحيلي " : " ..زُيِّن لفرعون الجبار سوء عمله وقبح صنعه، من الشرك والتكذيب، فتمادى في الغي، واستمر في الطغيان، أي زيّن له الشيطان عمله السيئ، فصده عن سبيل الهدى والرشاد، وحجبه عن طريق الحق والعدل والسداد " (11).
وعن ملكة سبأ " بلقيس " وقومها عبدة الشمس من دون الله، قال تعالى : {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} ( النمل :24 )،
والأصل في الإنسان أنه مخلوق على الفطرة السوية، التي فطر الله الناس عليها، وهي فطرة الإسلام، ولو ترك الإنسان وحده ( دون مؤثرات خارجية ) لاهتدى بفطرته إلى سبيل الله، ولكن الشيطان اعترض طريق بني آدم، وزيَّن لهم الأعمال السيئة حتى حجبهم عن الرؤية الصحيحة، وجعلهم ينظرون بمنظار معوَج وغير سوي، رأوا به الحسن سيئًا، والسيئ حسنًا، فانحرفت مسيرتهم عن سبيل الله، وهذا هو الصد عن سبيله تعالى،
ومن الأمثلة التطبيقية على الأخذ بالأعمال السيئة، وما ترتب عليها من صد عن سبيل الله تعالى، قوله تعالى : {اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ( التوبة :9 )، فبيعهم لآيات الله بثمن قليل هو عمل سيئ كما ذكرت فاصلة الآية، وقد ترتب على ذلك الصد عن سبيله ؛ ولذلك جاء العطف " فصدوا " بالفاء التي تفيد العطف والترتيب والتعقيب، فعملهم السيئ وسيلة ترتبت عليها نتيجة، يقول ابن عاشور : " لأن إيثارهم البقاء على كفرهم يتسبب عليه أن يصدوا الناس عن اتباع الإسلام، فمثّل حالهم بحال من يصد الناس عن السير في طريق تبلّغ إلى المقصود، ومفعول " صدوا " محذوف لقصد العموم ؛ أي : صدوا كل قاصد (12).
والأمثلة على الأخذ بالأعمال السيئة وما يتبعها من صد عن سبيل الله متعددة وكثيرة، نذكر منها قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} ( التوبة :9 )، حيث ينهى الله المؤمنين أن يكونوا كالأحبار والرهبان في أكل أموال الناس بدون حق، ويصدون عن سبيل الله، إذ حرم الله ذلك وهم يستحلونه، فأحلوا ما حرم الله، وهذه وسيلة من الوسائل العملية للوقوع في حبائل الشيطان، وتكون نتيجتها الصد عن سبيل الله،
* عناية القرآن بقضية الصد عن سبيل الله :
ولقد عني القرآن الكريم بقضية الصد عن سبيل الله تعالى أيما عناية، وبين جملة من الحقائق التي تحمل تهديدا صريحا لكل من تسول له نفسه أن يعترض سبيل الحق، وأن يصد الناس عن انوار الهدى، ومن تلك الحقائق التي أكد عليها القرآن الكريم في هذا الصدد نذكر ما يلي :
* من صفات أهل الصد عن سبيل الله كما رصدها القرآن الكريم :
- الكسب الحرام وسوء الاستغلال،
- موقفهم السلبي من المسجد الحرام،
- الكفر،
- الظلم والمكر والضلال،
- الحلف بالأيمان الكاذبة،
- البطر والرياء،
* دمغ الصادين عن الحق وعن سبيل الله بالضلال المبين :
- قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيداً }( النساء : 167 )، أي : إن الذين جحدوا نُبُوَّتك, وصدوا الناس عن الإسلام, قد بَعُدوا عن طريق الحق بُعْدًا شديدًا.
- وقال تعالى : {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } ( إبراهيم : 3 )، أي : وهؤلاء الذين أعرضوا ولم يؤمنوا بالله ويتبعوا رسله هم الذين يختارون الحياة الدنيا الفانية, ويتركون الآخرة الباقية, ويمنعون الناس عن اتباع دين الله, ويريدونه طريقًا معوجًا ليوافق أهواءهم, أولئك الموصوفون بهذه الصفات في ضلال عن الحق بعيد عن كل أسباب الهداية.
* التوعد بالعذاب للمفسدين والمضلين لعباد الله :
- وقال تعالى : {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } ( النحل : 88 )، أي : الذين جحدوا وحدانية الله ونبوتك - أيها الرسول - وكذَّبوك, ومنعوا غيرهم عن الإيمان بالله ورسوله, زدناهم عذابا على كفرهم، وعذابًا على صدِّهم الناس عن اتباع الحق; وهذا بسبب تعمُّدهم الإفساد وإضلال العباد بالكفر والمعصية.
- وقال تعالى : {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ( الأنفال : 34 )، أي : وكيف لا يستحقُّون عذاب الله, وهم يصدون أولياءه المؤمنين عن الطواف بالكعبة والصلاة في المسجد الحرام؟ وما كانوا أولياء الله, إنْ أولياء الله إلا الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, ولكن أكثر الكفار لا يعلمون; فلذلك ادَّعوا لأنفسهم أمرًا, غيرهم أولى به.
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ( التوبة : 34 )، أي : يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, إن كثيرًا من علماء أهل الكتاب وعُبَّادهم ليأخذون أموال الناس بغير حق كالرشوة وغيرها, ويمنعون الناس من الدخول في الإسلام, ويصدون عن سبيل الله. والذين يمسكون الأموال, ولا يؤدون زكاتها, ولا يُخْرجون منها الحقوق الواجبة, فبشِّرهم بعذاب موجع.
- وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }( الحج : 25 )، أي : إن الذين كفروا بالله, وكذبوا بما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، ويمنعون غيرهم من الدخول في دين الله، ويصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في عام "الحديبية" عن المسجد الحرام, الذي جعلناه لجميع المؤمنين، سواء المقيم فيه والقادم إليه, لهم عذاب أليم موجع، ومن يرد في المسجد الحرام الميْلَ عن الحق ظلمًا فيَعْصِ الله فيه, نُذِقْه مِن عذاب أليم موجع.
* أضل أعمالهم :
- قال تعالى : ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ ( محمد : 1 )، أي : الذين جحدوا أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له , وصدوا الناس عن دينه, أَذْهَبَ الله أعمالهم , وأبطلها , وأشقاهم بسببها، إن أعمالهم مهما بدت عظيمةً في ظاهرها، إما أن تسقط في الدنيا، أو تسقط في الآخرة، لماذا ؟ لأن حركتهم في الحياة كانت على عكس ما خلقوا له، فلو حققوا إنجازات عظيمة في الحياة الدنيا، أعمال في مقياس العصر كبيرة جداً، فإنها في الآخرة لا قيمة لها، لأنها لم تبنَ على نفع البشر، بل على الإضرار بهم، فمثلا هؤلاء الذين اخترعوا الأسلحة الفتاكة ( أسلحة الدمار الشامل التي لا تبقي ولا تذر )، إنها إنجازٌ علميٌ كبير، ولكن بمقياس الإنسانية وبمقياس الأخلاق، لا قيمة لها أبداً، أو هؤلاء الذين عملوا أعمالاً تبدو خارقةً، حتى في الدنيا قد تسبب شقاء البشرية:
* لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم :
- وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } ( محمد : 32 )، أي : إن الذين جحدوا أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له, وصدوا الناس عن دينه, وخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاربوه من بعد ما جاءتهم الحجج والآيات أنه نبي من عند الله, لن يضروا دين الله شيئًا, وسيُبْطِل ثواب أعمالهم التي عملوها في الدنيا؛ لأنهم لم يريدوا بها وجه الله تعالى.
* الحرمان من مغفرة الله :
- وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } ( محمد : 34 )، أي : إن الذين جحدوا أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له وصدُّوا الناس عن دينه, ثم ماتوا على ذلك, فلن يغفر الله لهم, وسيعذبهم عقابًا لهم على كفرهم, ويفضحهم على رؤوس الأشهاد.
* الصادون عن سبيل الله هم أهل الكفر والضلال :
- وقال تعالى : {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ } ( الأعراف : 45 )، أي : هؤلاء الكافرون هم الذين كانوا يُعْرِضون عن طريق الله المستقيم , ويمنعون الناس من سلوكه, ويطلبون أن تكون السبيل معوجة حتى لا يتبينها أحد, وهم بالآخرة - وما فيها - جاحدون.
- وقال تعالى : {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }( هود : 19 )، أي : هؤلاء الظالمون الذين يمنعون الناس عن سبيل الله الموصلة إلى عبادته, ويريدون أن تكون هذه السبيل عوجاء بموافقتها لأهوائهم, وهم كافرون بالآخرة لا يؤمنون ببعث ولا جزاء.
* التحذير من سلوك طريق الصد عن سبيل الله :
- وقال تعالى : {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } ( الأنفال : 47 )، أي : ولا تكونوا مثل المشركين الذين خرجوا من بلدهم كبرًا ورياءً; ليمنعوا الناس عن الدخول في دين الله. والله بما يعملون محيط لا يغيب عنه شيء.
* الصد عن سبيل الله من أعمال الشيطان ومهامه في الحياة :
- قال تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } ( المائدة : 91 )، أي : إنما يريد الشيطان بتزيين الآثام لكم أن يُلقِي بينكم ما يوجد العداوة والبغضاء, بسبب شرب الخمر ولعب الميسر, ويصرفكم عن ذكر الله وعن الصلاة بغياب العقل في شرب الخمر, والاشتغال باللهو في لعب الميسر, فانتهوا عن ذلك.
- وقال تعالى : {وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } ( الزخرف : 62 )، أي : ولا يصدَّنكم الشيطان بوساوسه عن طاعتي فيما آمركم به وأنهاكم عنه, إنه لكم عدو بيِّن العداوة.
- وقال تعالى : {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }( الزخرف : 37 )، أي : وإن الشياطين ليصدون عن سبيل الحق هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله, فيزيِّنون لهم الضلالة, ويكرِّهون لهم الإيمان بالله والعمل بطاعته, ويظن هؤلاء المعرضون بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلال أنهم على الحق والهدى.
الخاتمة :
وختاما نقول : هلا تأملنا كتاب ربنا جل جلاله فننظر بعين البصيرة إلى الأحداث من خلال نصوص الوحيين،
- وإذا كان هذا هو حال أهل الكفر في كل زمان ومكان مع الاسلام وأهله، وإذا كان هذا هو ديدنهم في التعامل مع هذا الدين، وتلك هي أمانيهم التي يريدون تحقيقها ويبذلوا في سبيل ذلك كل مرتخص وغال، وإذا من بيده الأمر كله يطمئننا أنهم أبدا لن يحققوا مآربهم في القضاء على هذا الدين واستئصال شأفته مهما كلفهم الأمر، اذا كان ذلك كذلك فهل يحق لنا أن نخشاهم ؟ نخشى تآمرهم وكيدهم، نخشى مؤامراتهم وجموعهم، نخشى أسلحتهم المتقدمة، وقوتهم الهائلة، وأين نحن من قول كتابنا الذي يهتف بنا ليل نهار : {......أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ }( التوبة : 13 )، أي : أتخافونهم أو تخافون ملاقاتهم في الحرب؟ فالله أحق أن تخافوه إن كنتم مؤمنين حقًا ( التفسير الميسر )، أين نحن من قول الحق جل جلاله : {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } ( التوبة : 14 )، أي : يا معشر المؤمنين قاتلوا أعداء الله يعذبهم عز وجل بأيديكم, ويذلهم بالهزيمة والخزي, وينصركم عليهم, ويُعْلِ كلمته, ويشف بهزيمتهم صدوركم التي طالما لحق بها الحزن والغم من كيد هؤلاء المشركين ( التفسير الميسر )،
نعم أنخشى كثرتهم وأحزابهم وتجمعهم؟ ألم يخاطب الله أعداء الإسلام من اليهود وأمثالهم بقوله : وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } ( الأنفال : 19 )، أي : ولن تغني عنكم جماعتكم شيئًا, كما لم تغن عنكم يوم "بدر" مع كثرة عددكم وعتادكم وقلة عدد المؤمنين وعدتهم, وأن الله مع المؤمنين بتأييده ونصره.( التفسير الميسر )، أنخشى أموالهم وثرواتهم الطائلة، وأين نحن من وعد الله لنا ووعيده لهم : { فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ....}، أنخشى عقولهم وجوارحهم وأين نحن من وصف الله لهم : { .....لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } ( الأعراف : 179 )،
إننا نرى طواغيت العصر ومنافقيه، وما عزمت عليه من حرب صليبية صريحة ظاهرة مكشوفة ـ لا خفاء فيها ولا غموض ـ على الإسلام والمسلمين .. وعلى حرماتهم وديارهم وأوطانهم .. تحت زعم محاربة وملاحقة الإرهاب والإرهابيين .. زعموا .. وهم في حقيقتهم ما أرادوا إلا محاربة الإسلام والمسلمين .. وهذه حقيقة أضحت عند كل مراقب منصف من المسلَّمات التي لا يجوز أن يختلف عليها عاقلان!
ومما يفعله هؤلاء الأعداء .. في هذه الأيام .. أنهم يجيشون ـ بكل ما أوتوا من قوة وأموال ووسائل ترغيبية وترهيبية ضخمة ـ الجيوش .. والشعوب .. والبلدان .. والمرتزقة .. في جميع أنحاء وأطراف الأرض .. في حربها المشؤومة هذه على الإسلام والمسلمين .. وعلى حرماتهم وأوطانهم .. ليطفئوا نور الله في الأرض، وأنَّى لهم ذلك، كما قال تعالى : يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ( التوبة :32 )،
إنه وعيد يتلوه وعيد، أربعة تهديدات متتالية لأولئك الذين ينفقون الأموال لأجل الصد عن سبيل الله، إنها قضية قديمة حديثة، فالكفار في زماننا ومَنْ والاهم ينفقون الأموال والثروات لأجل محاربة الإسلام والمسلمين، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، ثم إلى جهنم يحشرون، إنهم قد طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، وإن ربك لبالمرصاد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وإلى الحلقة القادمة إنشاء الله،،،،،
****
الهوامش والاحالات :
============
(1) - أبي الحسن علي الواحدي النيسابوري ( 468 هـ ) : " أسباب النزول "، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، القاهرة، 1968م، ص : 226،
(2) - سيد قطب : " في ظلال القران "، دار الشروق، القاهرة، ط 38، 2005م، ج2، ص : 398،
(3) - صفي الرحمن المباركفوري : " الرحيق المختوم – بحث في السيرة النبوية "، دار إحياء التراث، 1976م، ص : 276،
(4) – محمد سيد طنطاوي : " التفسير الوسيط للقرآن الكريم "، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة، ط1، 1977م، ج6، ص : 65،
(5) - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ( 700 -774 هـ ) : " تفسير القرآن العظيم "، تحقيق : سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1420هـ / 2000م، ( تفسير الآية )،
(6) – أنظر :
: http://www.alukah.net/sharia/0/26585/#ixzz45DpAWhXk
(7) - سيد قطب : " في ظلال القران "، دار الشروق، القاهرة، ط 38، 2005م، ج3 – ص 399
(8) - خالد نبوى سليمان حجاج : " التفسير وعلوم القرآن – سورة الأنفال "، تخصص التفسير وعلوم القرآن، كلية العلوم الإسلامية، جامعة المدينة العالمية، شاه علم، ماليزيا، المصدر :
mostalat.mediu.edu.my/المجلات/.../نوع%20اللام.doc
(9) - محمد سيد طنطاوي : " التفسير الوسيط للقرآن الكريم "، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة، ط1، 1977م، ج1، 1820،
(10) - عبد السلام حمدان اللوح، زكريا إبراهيم الزميلي : " الصد عن سبيل الله في ضوء القرآن الكريم - دراسة موضوعية "، ﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ، ﺴﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻟﺸﺭﻋﻴﺔ، ﺍﻟﻤﺠﻠﺩ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ ﻋﺸﺭ، ﺍﻟﻌﺩﺩ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ، الجامعة الاسلامية، غزة، فلسطين، يونيو 2004م، ﺹ ص : 33 – 65،
(11) - وهبة بن مصطفى الزحيلي : " التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج "، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط2، 1418 هـ، ج23، ص : 123،
(12) - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " التحرير والتنوير "، الطبعة التونسية، دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م، ج11، ص : 126
************
أ.د/ أحمد بشير، جامعة حلوان، القاهرة
25-04-2016
|
|
|
|
|
|
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي |
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته |
|
|
أحدث الردود |
|
|
|
|
|